الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استمعوه بآذانهم {وَهُمْ يَلْعَبُونَ} أي: لم يعملوا به، {لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} أي: غافلة عنه، فهذا المعنى، لا ما ذهبوا إليه والله تعالى أعلم.
فأما القرآن عندنا فغير محدث فيكون مخلوقا، بل هو كلام الله تعالى منه بدا وإليه يعود، والكلام من الذات، والذات قديمة لا نهاية لها، بدليل قوله سبحانه وتعالى:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)} (1)، وبقوله:{الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)} (2) فذكر أنه علمه ولم يخلقه كالإنسان، ففرق بين الخلق والتعليم، لأن الإنسان من خلقه، والقرآن من علمه، وفيه أسماؤه، كالرحمن الرحيم وغير ذلك، فلو كان القرآن مخلوقا كما ذهبوا إليه، لوجب أن تكون أسماؤه مخلوقة لأنها منه، وإذا لم يجز أن تكون مخلوقة فقد صح أن القرآن غير مخلوق، وبطل ما ذهبوا إليه، وفي هذا كفاية والحمد لله. (3)
موقفه من الخوارج:
- قال رحمه الله في معرض ذكره لفرق الخوارج: واعلم أن هذه الفرق اجتمعت على أشياء، وانفرد بعضها عن بعض بأشياء، فالذي اجتمعت عليه القول بإمامة أبي بكر وعمر وعثمان إلى وقت الحدث، وعلي إلى وقت التحكيم، وقالوا: من أتى كبيرة مما وعد الله تعالى عليها العذاب فهو كافر،
(1) النساء الآية (164).
(2)
الرحمن الآيات (1 - 3).
(3)
عقائد الثلاث والسبعين فرقة (1/ 405 - 406).
ومن نظر نظرة إلى امرأة أجنبية أو قبلها فهو مشرك.
قال صاحب الكتاب (1): وهذا باطل، لأنه لو كان كافرا كما ذكروا لوجب عليه ضرب عنقه لأنه قال تعالى:{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} (2). وهو عندهم لا يجوز قتله، قالوا: ومن زنى وهو بكر، أو سرق ما يجب به القطع، وأقيم به الحد استتيب فإن تاب وإلا قتل، وهذا أيضا خلاف قول الله حيث يقول:{فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} (3) هذا ما اجتمعوا عليه، فأما ما انفردوا به، فإن نافع بن الأزرق أحد شيوخهم وعظمائهم، انفرد هو وفرقته بإباحة قتل الأطفال والعميان والعرجان والعجائز والمرضى، وحتى إنهم كانوا يطرحون الأطفال في قدور الأقط وهي تغلي، واستحلوا الأمانات، فبلغ ذلك نجدة ابن عامر أحد الخوارج أيضا فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فإني يوم فارقتك، وأنت لليتيم كالأب الرحيم، وللضعيف كالأخ في البر، لا تأخذك في الله لومة لائم ولا ترضى معونة ظالم، فقد شريت نفسك في طاعة ربك ابتغاء رضوانه، فأصبت من الحق عينيه، فحزن ذلك الشيطان فأغواك، ولم يكن أحد أثقل عليه وطأة منك ومن أصحابك، واستمالك فأغواك فغويت حين كفرت الذين عذرهم الله تعالى في كتابه من قُعَّدِ المسلمين وضعفهم، فقال عز من
(1) أي أبو محمد اليمني.
(2)
محمد الآية (4).
(3)
النساء الآية (16).
قائل: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} (1) واستحللت أنت قتل الأطفال، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلهم (2).
ثم كان من رأيك أن لا تؤدي الأمانة إلى أهلها فاتق الله يا نافع، وانظر لنفسك فإن الله بالمرصاد، وحكمه العدل، وقوله الفصل والسلام.
قال مصنف هذا الكتاب (3): نجدة هذا، وفرقته أشبه فرق الخوارج، فكتب إليه نافع بن الأزرق بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فقد أتاني كتابك تقر عيني فيه، وتذكرني وتنصح لي، فتزجرني وتصف ما كنت عليه من الحق، وكنت أوثره من الصواب، وأنا أسأل الله تعالى أن يجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وعبت علي ما تماديت به من إكفار القعد وقتل الأطفال، واستحلال الأمانات، وسأفسر لك إن شاء الله تعالى: أما هؤلاء القعدة، فليسوا كمن ذكرت ممن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن هؤلاء كانوا بمكة -حرسها الله- مقهورين لا يجدون إلى الهرب سبيلا، وهؤلاء بخلافهم، وأما الأطفال فإن نبي الله نوحا صلى الله عليه وسلم كان أعرف بالله مني ومنك،
(1) براءة الآية (91).
(2)
الطبراني في الكبير (11/ 330/11906) وفي الأوسط (3/ 15 - 16/ 2018) والبزار في مسنده (3/ 32/2173 كشف الأستار) .. قال الهيثمي (7/ 218): "رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط، وفيه هلال بن خباب وهو ثقة، وفيه خلاف، وبقية رجاله رجال الصحيح". وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في مختصر زوائد البزار (2/ 161 - 162/ 1619).
(3)
أي أبو محمد اليمني.