الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (1) فأخبر أن الدين الذي رضيه ويقبله من عباده هو الإسلام، ولن يكون الدين في محل القبول والرضا إلا بانضمام التصديق إلى العمل. (2)
موقفه من القدرية:
- قال رحمه الله: (باب الإيمان بالقدر): قال الله سبحانه وتعالى {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)} (3) وقال الله عزوجل: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)} (4) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وتؤمن بالقدر خيره وشره» (5). -ثم ساق بسنده أحاديث- منها: عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر» (6). زاد عبيد الله: «خيره وشره» . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كتب الله مقادير الخلائق كلها قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء» (7). وعن أبي هريرة قال: قال
(1) آل عمران الآية (85).
(2)
شرح السنة (1/ 10 - 11).
(3)
الأحزاب الآية (38).
(4)
الفرقان الآية (2).
(5)
تقدم تخريجه قريبا وهو حديث جبرائيل.
(6)
أحمد (1/ 97) والترمذي (4/ 393/2145) وابن ماجه (1/ 32/81) وابن حبان (1/ 404 - 405/ 178) والحاكم (1/ 32 - 33) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(7)
أحمد (2/ 169) ومسلم (4/ 2044/2653) والترمذي (4/ 398 - 399/ 2156) وقال: "حسن صحيح".
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احتج آدم وموسى، فقال موسى: يا آدم أنت أبونا وأخرجتنا من الجنة، فقال آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده، تلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى» . (1)
ثم ختم الباب قائلا: الإيمان بالقدر فرض لازم، وهو أن يعتقد أن الله تعالى خالق أعمال العباد، خيرها وشرها، كتبها عليهم في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم، قال الله سبحانه وتعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} (2) وقال الله عزوجل: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (3) وقال عزوجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)} (4) فالإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، كلها بقضاء الله وقدره، وإرادته ومشيئته، غير أنه يرضى الإيمان والطاعة، ووعد عليهما بالثواب، ولا يرضى الكفر والمعصية، وأوعد عليهما العقاب، قال سبحانه وتعالى:{وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)} (5) وقال الله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا
(1) تقدم تخريجه في مواقف هارون الرشيد سنة (191هـ).
(2)
الصافات الآية (96).
(3)
الرعد الآية (16).
(4)
القمر الآية (49).
(5)
إبراهيم الآية (27).
يُرِيدُ (253)} (1){وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)} (2) وقال عزوجل: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} (3) قال ابن عباس: الحرج: موضع الشجر الملتف لا تصل الراعية إليه، فقلب الكافر لا تصل إليه الحكمة، وكل ضيق حرج وحرج.
وقال الله سبحانه وتعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} (4) أي طبع عليها، فلا تعقل ولا تعي خيرا، ومعنى الختم: التغطية على الشيء، والاستيثاق منه حتى لا يدخله شيء. وقال جل ذكره:{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45)} (5) قيل: المستور هاهنا بمعنى الساتر. والحجاب: الطبع. وقال سبحانه وتعالى: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} . (6)
فالعبد له كسب، وكسبه مخلوق يخلقه الله حالة ما يكسب، والقدر سر من أسرار الله لم يطلع عليه ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، لا يجوز الخوض فيه، والبحث عنه بطريق بالعقل، بل يعتقد أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق،
(1) البقرة الآية (253).
(2)
الحج الآية (18).
(3)
الأنعام الآية (125).
(4)
البقرة الآية (7).
(5)
الإسراء الآية (45).
(6)
الزمر الآية (7).
فجعلهم فريقين: أهل يمين خلقهم للنعيم فضلا، وأهل شمال خلقهم للجحيم عدلا.
قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} (1) وقال الله سبحانه وتعالى: {أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ} (2) قال سعيد بن جبير: ما قدر لهم من الخير والشر، ومن الشقوة والسعادة، وقال الله تعالى:{مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162)} (3) قال مجاهد: بمضلين {إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163)} (4) إلا من كتب الله أنه يصلى الجحيم، وقال الله تعالى:{كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)} (5) قال سعيد بن جبير: كما كتب عليكم تكونون {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} (6) وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)} (7) وقيل في قوله سبحانه وتعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)} (8) أي طريق الخير،
(1) الأعراف الآية (179).
(2)
الأعراف الآية (37).
(3)
الصافات الآية (162).
(4)
الصافات الآية (163).
(5)
الأعراف الآية (29).
(6)
الأعراف الآية (30).
(7)
الإنسان الآية (3).
(8)
البلد الآية (10).
وطريق الشر. وقال عمر بن عبد العزيز: لو أراد الله أن لا يعصى لم يخلق إبليس ويروى هذا مرفوعا.
وقال الله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)} (1) فنسأل الله التوفيق لطيب المكتسب، ونعوذ به من سوء المنقلب بفضله. (2)
- وقال: (باب وعيد القدرية): ثم ساق بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء مشركو قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر، فنزلت هذه الآية:{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47)} (3) إلى قوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)} (4). هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن أبي كريب عن وكيع عن سفيان الثوري (5). قوله: {فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} قيل: في أمر يسعر، أي: يلهب. وقال الأزهري: يقال: ناقة مسعورة، إذا كان بها جنون، وقيل: سعر: جمع سعير. (6)
(1) السجدة الآية (13).
(2)
شرح السنة (1/ 122 - 145).
(3)
القمر الآية (47).
(4)
القمر الآية (49)
(5)
أخرجه: أحمد (2/ 444و476) ومسلم (4/ 2046/2656) والترمذي (4/ 399/2157) وابن ماجه (1/ 32/83).
(6)
شرح السنة (1/ 150 - 151).