الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا ينعكس الأمر لأنّ صاحب الأغراض والشّهوات قد يستعين به على شهواته، فكانت العبادة أكمل وأتمّ، ولهذا كانت قسم المولى- عز وجل.
5-
ولأنّ الاستعانة جزء من العبادة من غير عكس (فقدّم الكلّ على الجزء) .
6-
ولأنّ الاستعانة طلب منه سبحانه، والعبادة طلب له فقدّم ما هو له على ما هو منه.
7-
ولأنّ العبادة لا تكون إلّا من مخلص، والاستعانة تكون من مخلص ومن غير مخلص، ومن ثمّ قدّم ما هو محض الإخلاص.
8-
ولأنّ العبادة حقّ الله الّذي أوجبه على العبد والاستعانة طلب العون على العبادة، وذلك بيان لصدقته الّتي تصدّق بها عليك، وأداء حقّه أهمّ من التّعرّض لصدقته (فكان ذلك من باب تقديم الأهمّ على المهمّ.
9-
ولأنّ العبادة شكر لنعمته عليك، والله يحبّ أن يشكر، والإعانة فعله بك وتوفيقه لك، فإن التزمت عبوديّته، ودخلت تحت رقّها أعانك عليها، فكان التزامها والدّخول تحت رقّها سببا لنيل الإعانة، وكلّما كان العبد أتمّ عبوديّة كانت الإعانة له من الله أعظم، ومن ثمّ فإنّ في تقديم العبادة تقديما للّسبب على المسبّب.
10-
ولأنّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ لله، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ به، والّذي له مقدّم على ما به، لأنّ ما له متعلّق بمحبّته ورضاه والّذي (يكون) به متعلّق بمشيئته، وما تعلّق بمحبّته، أكمل ممّا تعلّق بمجرّد مشيئته، إذ الكون كلّه متعلّق بمشيئته كذلك، والملائكة والشّياطين والمؤمنون والكفّار والطّاعات والمعاصي، والمتعلّق بمحبّته طاعاتهم وإيمانهم، فالكفّار أهل مشيئته والمؤمنون أهل محبّته، ولهذا لا يستقرّ في النّار شيء لله أبدا، وكلّ ما فيها فإنّه به تعالى وبمشيئته «1» .
أوجه الاستعانة بالله تعالى:
للرّغبة إلى الله في طلب المعونة (الاستعانة) وجهان: أحدهما: أن يسأل الله تعالى من ألطافه ما يقوّي دواعيه ويسهّل الفعل عليه، ومتى لطف له بأن يعلمه أنّ له في فعله الثّواب العظيم زاد ذلك في نشاطه ورغبته.
والآخر: أن يطلب (باستعانته) بقاء كونه قادرا على طاعته المستقبلة بأن تجدّد له القدرة حالا بعد حال «2» .
تقسيم الناس بحسب الاستعانة:
يؤخذ من كلام ابن القيّم أنّ النّاس بحسب العبادة والاستعانة أربعة أقسام:
القسم الأوّل: أهل العبادة والاستعانة بالله عليها، وهذا أجلّ الأقسام وأفضلها.
القسم الثّاني: أهل الإعراض عن العبادة والاستعانة به في مرضاته إن سأله أحدهم واستعان به،
(1) مدارج السالكين (1/ 87- 88) بتصرف واختصار يسير.
(2)
مجمع البيان في تفسير القرآن (1/ 55) .
فعلى حظوظه وشهواته، لا على مرضاة ربّه وحقوقه.
وهؤلاء هم شرّ البريّة.
القسم الثّالث: من له نوع عبادة بلا استعانة أو باستعانة ناقصة وهؤلاء صنفان:
1-
القدريّة القائلون بأنّ الله قد فعل بالعبد جميع مقدوره من الألطاف وأنّه لم يبق في مقدوره إعانة له على الفعل، إذ قد أعانه بخلق الآلآت وسلامتها وتعريف الطّريق وإرسال الرّسل وتمكينه من الفعل، ولم يبق بعد هذا إعانة مقدورة يسأله إيّاها.
2-
من لهم عبادات وأوراد، ولكن حظّهم ناقص من التّوكّل والاستعانة فهؤلاء وأولئك لهم نصيب من التّوفيق والنّفوذ والتّأثير بحسب استعانتهم وتوكّلهم، ولهم من الخذلان والضّعف والمهانة والعجز بحسب قلّة استعانتهم وتوكّلهم، ولو توكّل العبد على الله حقّ توكّله (واستعان به حقّ استعانته) في إزالة جبل عن مكانه وكان مأمورا بإزالته لأزاله.
القسم الرّابع: هم أولئك الّذين يشهدون تفرّد الله بالنّفع والضّرّ، وأنّه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولم يدر مع ما يحبّه ويرضاه، ومع ذلك توكّل عليه واستعان به على حظوظه وشهواته وأغراضه، فقضيت له وأسعف بها سواء أكانت مالا أو جاها عند الخلق، هؤلاء لا عاقبة لهم ولا يعدو ما أعطوه أن يكون من جنس الملك الظّاهر والأموال الّتي لا تستلزم الإسلام فضلا عن الولاية والقرب من الله تعالى «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاستخارة- الاستعاذة- الاستغاثة- التوسل- الضراعة والتضرع التوكل- الدعاء.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغرور الغفلة الكبر والعجب- القنوط] .
(1) مدارج السالكين (1/ 90- 94) بتصرف واختصار.