الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإغاثة واجب إسلامي أصيل:
إنّ تقديم العون والنّصرة لمن يحتاج إليها سلوك إسلاميّ أصيل، وخلق رفيع تقتضيه الأخوّة الصّادقة، وقد كانت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مثال يحتذى فيما يتعلّق بإغاثة المظلوم أو الملهوف، وتقديم العون لكلّ من يحتاج إليه، وقد عرف بذلك حتّى قبل البعثة المباركة، وعند ما قال للسّيّدة خديجة- رضي الله عنها «لقد خشيت على نفسي» أجابته في ثقة واطمئنان «كلّا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ» «1» ، وكأنّه قد استقرّ في الطّباع السّليمة أنّ صنائع المعروف تقي مصارع السّوء، وأنّ من أغاث النّاس وأعانهم لابدّ من أن يغيثه ربّه ويعينه، فالجزاء من جنس العمل. وبعد الإسلام أصبحت الإغاثة واجبا ينهض به القادرون وعملا من أعمال الخير يتنافس فيه المتنافسون، وأصبح من الحقائق المسلّمة عندهم أنّ «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته» «2» كما أخبرهم بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم وحثّهم عليه. وقد كان الصّحابة- رضوان الله عليهم- مضرب المثل في تقديم الغوث لمن هم في حاجة إليه. ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما حدث في عام الرّمادة «3» ، عندما أصاب النّاس جدب في المدينة وما حولها وكان ذلك في العام الثّامن عشر للهجرة في خلافة عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه الّذي قال:«الله أكبر، بلغ البلاء مدّته فانكشف. وكتب إلى أمراء الأمصار» . «أغيثوا أهل المدينة ومن حولها» «4» وكان عمرو بن العاص واليا على مصر فأرسل يجيبه: إنّه سيصلهم غوث لا انقطاع له.
ولقد قام المسلمون- أخيرا- بجزء من واجبهم في هذا السّبيل فكوّنوا هيئة الإغاثة الإسلاميّة.
إنّ المؤمنين بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، ألم يأن لهم أن يوقظوا هذا الخلق الإسلاميّ الرّفيع، ويحيوا سنّة نبيّهم ومجد أسلافهم فيتقدّموا طائعين راضين بتقديم الغوث لإخوان لهم شرّدتهم الحروب، ويتّمت أطفالهم ورمّلت نساءهم الهجمات الشّرسة من القوى الصّليبيّة والصّهيونيّة والإلحاديّة، إنّ على المسلمين ألّا يتركوا إخوانهم فريسة في أيدي من لا يرجون لله وقارا، أولئك الّذين يقدّمون باسم الإنسانيّة بعض ما يفيض عندهم صدقة وإحسانا، إنّنا لسنا في حاجة إلى «إنسانيّة» هؤلاء الّذين يمدّون العدوّ بالسّلاح ليقتل ويشرّد ثمّ يقدّمون لنا فائض الغذاء أو الدّواء- فقط- إذا أثخنتنا الجراح، ما أحوج المسلمين
(1) البخاري- الفتح 1 (3) ، وانظر الحديث بتمامه في الأحاديث الواردة في الاغاثة معنى/ حديث رقم (9) .
(2)
انظر الحديث رقم (11) .
(3)
وسمي عام الرمادة لأن المدينة كانت تسفي إذا ريحت (أي أصابتها الريح) ترابا كالرماد.
(4)
راجع أحداث عام الرمادة في تاريخ الطبري (4/ 96- 101) تحقيق أبي الفضل، ط. دار سويدان، بيروت.
اليوم إلى التمسّك بهذا الخلق الإسلاميّ الرّفيع الّذي يجعل كلّ مسلم في أيّ مكان في الأرض مرفوع الهامة، رابط الجأش، واثقا من النّصر، لأنّ إخوانا له يقدّمون العون والإغاثة من منطلق إسلاميّ لا منّة فيه، ولا مطمع من ورائه، إن فعلوا نجوا وإلّا فلينتظروا زوال النّعمة عنهم مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم «إنّ لله عند أقوام نعما أقرّها عندهم ما كانوا في حوائج المسلمين، ما لم يملّوهم، فإذا ملّوهم نقلها إلى غيرهم» «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإخاء- الاستغاثة- التناصر- التعاون على البر والتقوى- الشهامة- تفريج الكربات- الإيثار- الرجولة- البر المروءة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التخاذل- الأثرة الإعراض- البخل- التفريط والإفراط- التهاون] .
(1) الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 390) .