الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاعتصام
الاعتصام لغة:
يقول ابن فارس: «العين والصّاد والميم أصل واحد صحيح يدلّ على إمساك ومنع وملازمة، والمعنى في ذلك كلّه معنى واحد، من ذلك العصمة:
أن يعصم الله تعالى عبده من سوء يقع فيه، واعتصم العبد بالله تعالى: إذا امتنع، واستعصم: التجأ
…
إلخ «1» .
والاعتصام: الاستمساك بالشّيء، ومنه قول أبي طالب:
ثمال «2» اليتامى عصمة للأرامل.
أي يمنعهم من الضّياع والحاجة، والعصمة:
المنع، واعتصم فلان بالله، إذا امتنع به، والعصمة:
الحفظ، وعصم إليه: اعتصم به، وأعصمه: هيّأ له شيئا يعتصم به، وأعصم بالفرس: امتسك بعرفه.
قال الزّجّاج: أصل العصمة الحبل، وكلّ ما أمسك شيئا فقد عصمه، وأعصم الرّجل بصاحبه إعصاما إذا لزمه «3» .
الاعتصام بالكتاب والسنة اصطلاحا:
اجتماع المسلمين على الاستعانة بالله، والوثوق به
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
9/ 8/ 6
وعدم التّفرّق عنه، والاجتماع على التّمسّك بعهده على عباده، وهو الإيمان والطّاعة أو الكتاب «4» (والسّنّة) لأنّ من أطاع الرّسول فبفرض الله ذلك فى كتابه كما قال الله- عز وجل: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ (النساء/ 80)«5» .
أنواع الاعتصام:
قال ابن القيّم- رحمه الله: الاعتصام نوعان:
اعتصام بالله، واعتصام بحبل الله. قال الله تعالى:
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا (آل عمران/ 103)، وقال: وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (الحج/ 78) .
ومدار السّعادة الدّنيويّة والأخرويّة: على الاعتصام بالله، والاعتصام بحبله، ولا نجاة إلّا لمن تمسّك بهاتين العصمتين.
فأمّا الاعتصام بحبله: فإنّه يعصم من الضّلالة، والاعتصام به: يعصم من الهلكة، فإنّ السّائر إلى الله كالسّائر على طريق نحو مقصده، فهو محتاج إلى هداية الطّريق. والسّلامة فيها، فلا يصل إلى مقصده إلّا بعد حصول هذين الأمرين له. فالدّليل كفيل بعصمته
(1) مقاييس اللغة (4/ 331) .
(2)
ثمال اليتامى: مطعمهم وعمادهم أو ظلهم وقيل مطعمهم في الشدة.
(3)
لسان العرب لابن منظور (12/ 404- 405) .
(4)
اقتبسنا هذا التعريف من تفسير الكشاف. للعلامة الزمخشري (1/ 206) .
(5)
أوردت كتب الاصطلاحات تعريفا للعصمة ولم تذكر الاعتصام، ومن ذلك تعريف الجرجاني للعصمة بأنها: ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها، انظر التعريفات (ص 15) .
من الضّلالة، وأن يهديه إلى الطّريق، والعدّة والقوّة والسّلاح الّتي بها تحصل له السّلامة من قطّاع الطّريق وآفاتها.
فالاعتصام بحبل الله يوجب له الهداية واتّباع الدّليل. والاعتصام بالله يوجب له القوّة والعدّة والسّلاح، والمادّة الّتي يستلئم بها في طريقه. ولهذا اختلفت عبارات السّلف في الاعتصام بحبل الله، بعد إشارتهم كلّهم إلى هذا المعنى.
فقال ابن عبّاس: تمسّكوا بدين الله.
وقال ابن مسعود: هو الجماعة، وقال:«عليكم بالجماعة، فإنّها حبل الله الّذي أمر به، وإنّ ما تكرهون في الجماعة والطّاعة خير ممّا تحبّون في الفرقة»
وقال مجاهد وعطاء «بعهد الله» وقال قتادة والسّدّيّ وكثير من أهل التّفسير: «هو القرآن» .
وقال مقاتل: بأمر الله وطاعته، ولا تفرّقوا كما تفرّقت اليهود والنّصارى.
قال صاحب المنازل: الاعتصام بحبل الله هو المحافظة على طاعته مراقبا لأمره.
ويريد بمراقبة الأمر: القيام بالطّاعة لأجل أنّ الله أمر بها وأحبّها، لا لمجرّد العادة، أو لعلّة باعثة «1» سوى امتثال الأمر، كما قال طلق بن حبيب في التّقوى: هي العمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله.
فالاعتصام بحبل الله يحمي من البدعة وآفات العمل، والله أعلم.
وأمّا الاعتصام به: فهو التّوكّل عليه، والامتناع به، والاحتماء به، وسؤاله أن يحمي العبد ويمنعه، ويعصمه ويدفع عنه، فإنّ ثمرة الاعتصام به: هو الدّفع عن العبد، والله يدافع عن الّذين آمنوا، فيدفع عن عبده المؤمن إذا اعتصم به كلّ سبب يفضي «2» به إلى العطب، ويحميه منه، فيدفع عنه الشّبهات والشّهوات، وكيد عدوّه الظّاهر والباطن، وشرّ نفسه، ويدفع عنه موجب أسباب الشّرّ بعد انعقادها، بحسب قوّة الاعتصام به وتمكّنه، فتفقد في حقّه أسباب العطب، فيدفع عنه موجباتها ومسبّباتها. «3»
قال الشّيخ أحمد شاكر في قوله تعالى وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا: أمرهم بالجماعة، ونهاهم عن التّفرّق، وقد وردت الأحاديث المتعدّدة بالنّهي عن التّفرّق والأمر بالاجتماع والائتلاف، وقد وقع ذلك في هذه الأمّة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة منها فرقة ناجية إلى الجنّة ومسلّمة من عذاب النّار، وهم الّذين على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: الألفة- الاجتماع- التعاون على البر والتقوى- التعارف.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التفرق- التفريط والإفراط- التنازع- الضعف- الوهن] .
(1) باعثة: دافعة.
(2)
يفضي: أي يصل به.
(3)
مدارج السالكين (1/ 495، 497) .
(4)
عمدة التفسير لأحمد شاكر (3/ 16) .