الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحاديث الواردة في (الأسوة الحسنة)
1-
* (عن زرارة أنّ سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله. فقدم المدينة. فأراد أن يبيع عقارا له بها. فيجعله في السّلاح والكراع «1» ويجاهد الرّوم حتّى يموت. فلمّا قدم المدينة، لقي أناسا من أهل المدينة. فنهوه عن ذلك وأخبروه؛ أنّ رهطا ستّة أرادوا ذلك في حياة نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وقال:«أليس لكم فيّ أسوة؟» . فلمّا حدّثوه بذلك راجع امرأته. وقد كان طلّقها وأشهد على رجعتها «2» . فأتى ابن عبّاس فسأله عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. فقال ابن عبّاس- رضي الله عنهما: ألا أدلّك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول صلى الله عليه وسلم؟.
قال: من؟. قال: عائشة. فأتها فاسألها. ثمّ ائتني فأخبرني بردّها عليك «3» . فانطلقت إليها. فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها «4» فقال: ما أنا بقاربها «5» . لأنّي نهيتها أن تقول في هاتين الشّيعتين»
شيئا فأبت فيهما إلّا مضيّا «7» . قال فأقسمت عليه، فجاء، فانطلقنا إلى عائشة، فاستأذنّا عليها. فأذنت لنا، فدخلنا عليها. فقالت: أحكيم؟ (فعرفته) فقال: نعم. فقالت: من معك؟. قال: سعد بن هشام. قالت: من هشام؟. قال: ابن عامر. فترحّمت عليه. وقالت خيرا. (قال قتادة وكان أصيب يوم أحد) . فقلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: ألست تقرأ القرآن؟. قلت: بلى قالت: فإنّ خلق نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن «8» ، قال:
فهممت أن أقوم، ولا أسأل أحدا عن شيء حتّى أموت ثمّ بدا لي فقلت: انبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: ألست تقرأ: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ؟. قلت:
بلى. قالت: فإنّ الله- عز وجل افترض قيام اللّيل في أوّل هذه السّورة. فقام نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا. وأمسك خاتمتها «9» اثني عشر شهرا في السّماء. حتّى أنزل الله، في آخر هذه السّورة، التّخفيف. فصار قيام اللّيل تطوّعا بعد فريضة. قال:
(1) الكراع: اسم للخيل.
(2)
رجعتها: بفتح الراء وكسرها. والفتح أفصح عند الأكثرين. وقال الأزهري: الكسر أفصح.
(3)
بردها عليك: أي بجوابها لك.
(4)
فاستلحقته إليها: أي طلبت منه مرافقته إياي في الذهاب إليها.
(5)
ما أنا بقاربها: يعني لا أريد قربها.
(6)
الشيعتين: الشيعتان الفرقتان. والمراد تلك الحروب التي جرت. يريد شيعة علي وأصحاب الجمل.
(7)
فأبت فيهما إلا مضيا: أي فامتنعت من غير المضي، وهو الذهاب، مصدر مضى يمضي: قال تعالى: فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا.
(8)
فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن: معناه العمل به والوقوف عند حدوده والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلاوته.
(9)
وأمسك الله خاتمتها: تعني أنها متأخرة النزول عما قبلها. وهي قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ الآية.
قلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقالت: كنّا نعدّ له سواكه وطهوره. فيبعثه الله «1» ما شاء أن يبعثه من اللّيل. فيتسّوّك ويتوضّأ ويصلّي تسع ركعات. لا يجلس فيها إلّا في الثّامنة. فيذكر الله ويحمده ويدعوه. ثمّ ينهض ولا يسلّم. ثمّ يقوم فيصلّي التّاسعة. ثمّ يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه. ثمّ يسلّم تسليما يسمعنا. ثمّ يصلّي ركعتين بعد ما يسلّم وهو قاعد. فتلك إحدى عشرة ركعة، يا بنيّ. فلمّا سنّ «2» نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، وأخذه اللّحم «3» ، أوتر بسبع.
وصنع في الرّكعتين مثل صنيعه الأوّل. فتلك تسع، يا بنّي. وكان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم إذا صلّى صلاة أحبّ أن يداوم عليها. وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام اللّيل صلّى من النّهار ثنتي عشرة ركعة. ولا أعلم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كلّه في ليلة. ولا صلّى ليلة إلى الصّبح. ولا صام شهرا كاملا غير رمضان. قال: فانطلقت إلى ابن عبّاس- رضي الله عنهما فحدّثته بحديثها. فقال:
صدقت. لو كنت أقربها أو أدخل عليها لأتيتها حتّى تشافهني به. قال: قلت: لو علمت أنّك لا تدخل عليها «4» ما حدّثتك حديثها) * «5» .
2-
* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه قال:
خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنّكم تسيرون عشيّتكم وليلتكم. وتأتون الماء، إن شاء الله، غدا» فانطلق النّاس لا يلوي أحد على أحد «6» ، قال أبو قتادة: فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حتّى ابهارّ اللّيل «7» وأنا إلى جنبه. قال: فنعس «8» رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمال عن راحلته. فأتيته فدعمته «9» من غير أن أوقظه. حتّى اعتدل على راحلته. قال: ثمّ سار حتّى تهوّر اللّيل «10» مال عن راحلته. قال: فدعمته من غير أن أوقظه. حتّى اعتدل على راحلته. قال: ثمّ سار حتّى إذا كان من آخر السّحر مال ميلة. هي أشدّ من الميلتين الأوليين. حتّى كاد ينجفل «11» . فأتيته فدعمته. فرفع رأسه فقال: «من هذا؟» . قلت: أبو قتادة. قال: «متى كان هذا مسيرك منّي؟» . قلت:
مازال هذا مسيري منذ اللّيلة. قال: «حفظك الله بما حفظت به نبيّه «12» » . ثمّ قال: «هل ترانا نخفى على النّاس؟» . ثمّ قال: «هل ترى من أحد؟» . قلت: هذا راكب. ثمّ قلت: هذا راكب آخر. حتّى اجتمعنا فكنّا سبعة ركب «13» . قال: فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
(1) فيبعثه الله: أي يوقظه؛ لأن النوم أخو الموت.
(2)
فلما سن: هكذا هو في معظم الأصول سن. وفي بعضها، أسن. وهذا هو المشهور في اللغة.
(3)
وأخذه اللحم: وفي بعض النسخ: وأخذ اللحم. وهما متقاربان. والظاهر أن معناه كثر لحمه.
(4)
لو علمت أنك لا تدخل عليها
…
: قال القاضي عياض: هو على طريق العتب له في ترك الدخول عليها، ومكافأته على ذلك بأن يحرمه الفائدة حتى يضطر إلى الدخول عليها.
(5)
مسلم (746)
(6)
لا يلوي على أحد: أي لا يعطف.
(7)
ابهار الليل: أي انتصف.
(8)
فنعس: النعاس مقدمة النوم.
(9)
فدعمته: أي أقمت ميله من النوم، وصرت تحته. كالدعامة للبناء فوقها.
(10)
تهور الليل: أي ذهب أكثره. مأخوذ من تهور البناء، وهو انهداده.
(11)
ينجفل: أي يسقط.
(12)
بما حفظت به نبيه: أي بسبب حفظك نبيه.
(13)
سبعة ركب: هو جمع راكب. كصاحب وصحب، ونظائره.
الطّريق. فوضع رأسه. ثمّ قال: «احفظوا علينا صلاتنا» فكان أوّل من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشّمس في ظهره. قال: فقمنا فزعين. ثمّ قال:
«اركبوا» . فركبنا فسرنا. حتّى إذا ارتفعت الشّمس نزل.
ثمّ دعا بميضأة «1» كانت معي فيها شيء من ماء. قال:
فتوضّأ منها وضوءا دون وضوء «2» . قال: وبقي فيها شيء من ماء. ثمّ قال لأبي قتادة: «احفظ علينا ميضأتك. فسيكون لها نبأ» . ثمّ أذّن بلال بالصّلاة.
فصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين. ثمّ صلّى الغداة فصنع كما كان يصنع كلّ يوم. قال: وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبنا معه. قال: فجعل بعضنا يهمس إلى بعض «3» :
ما كفّارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا؟. ثمّ قال: «أما لكم فيّ أسوة «4» ؟» . ثمّ قال: «أما إنّه ليس في النّوم تفريط «5» . إنّما التّفريط على من لم يصلّ الصّلاة حتّى يجيء وقت الصّلاة الأخرى. فمن فعل ذلك فليصلّها حين ينتبه لها. فإذا كان الغد فليصلّها عند وقتها» . ثمّ قال: «ما ترون النّاس صنعوا؟» . قال: ثمّ قال: أصبح النّاس فقدوا نبيّهم. فقال أبو بكر وعمر: رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدكم. لم يكن ليخلّفكم. وقال النّاس: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيديكم. فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا» . «6» . قال: فانتهينا إلى النّاس حين امتدّ النّهار، وحمي كلّ شيء. وهم يقولون: يا رسول الله هلكنا. عطشنا. فقال: «لا هلك عليكم «7» » . ثمّ قال: «أطلقوا لي غمري «8» » . قال: ودعا بالميضأة.
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبّ، وأبو قتادة يسقيهم.
فلم يعد أن رأى النّاس ماء في الميضأة تكابّوا عليها «9» .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحسنوا الملأ «10» . كلّكم سيروى» . قال: ففعلوا. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) بميضأة: هي الإناء الذي يتوضأ به، كالركوة.
(2)
وضوءا دون وضوء: أي وضوءا خفيفا.
(3)
يهمس الى بعض: أي يكلمه بصوت خفي.
(4)
أسوة: الّاسوة كالقدوة، والقدوة هي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره. إن حسنا وإن قبيحا. وإن سارّا وإن ضارّا. ولهذا قال تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. فوصفها بالحسنة. كذا قال الراغب.
(5)
ليس في النوم تفريط: أي تقصير في فوت الصلاة. لانعدام الاختيار من النائم.
(6)
ما ترون النّاس صنعوا قال: ثمّ قال
…
إلخ: (قال النّوويّ: معنى هذا الكلام أنّه صلى الله عليه وسلم لمّا صلّى بهم الصّبح، بعد ارتفاع الشّمس، وقد سبقهم النّاس. وانقطع النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهؤلاء الطّائفة اليسيرة عنهم. قال: ما تظنّون النّاس يقولون فينا؟. فسكت القوم. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أمّا أبو بكر وعمر فيقولان للنّاس: إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وراءكم. ولا تطيب نفسه أن يخلّفكم وراءه ويتقدّم بين أيديكم. فينبغي لكم أن تنتظروه حتّى يلحقكم. وقال باقي النّاس: إنّه سبقكم فالحقوه. فإن أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا، فإنّهما على الصّواب) .
(7)
لاهلك عليكم: أي لا هلاك.
(8)
أطلقوا لي غمري: أي ائتوني به. والغمر القدح الصغير.
(9)
فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة تكابوا عليها: أي لم يتجاوز رؤيتهم الماء في الميضأة تكابهم، أي تزاحمهم عليها، مكبّا بعضهم على بعض.
(10)
أحسنوا الملأ: الملأ الخلق والعشرة. يقال: ما أحسن ملأ فلان أي خلقه وعشرته. وما أحسن ملأ بني فلان أي عشرتهم وأخلاقهم.