الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المثل التطبيقي من حياة النبي صلى الله عليه وسلم في (الاتباع)
34-
* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما قال: اتّخذ النّبيّ صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب فاتّخذ النّاس خواتيم من ذهب فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّي اتّخذت خاتما من ذهب» فنبذه، وقال: «إنّي لن ألبسه أبدا» فنبذ النّاس خواتيمهم) * «1» .
35-
* (عن المسور بن مخرمة ومروان- رضي الله عنهما يصدّق كلّ منهما حديث صاحبه قالا:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«إنّ خالد بن الوليد بالغميم «2» في خيل لقريش طليعة «3» ، فخذوا ذات اليمين» . فو الله ما شعر بهم خالد حتّى إذا هم بقترة الجيش «4» ، فانطلق يركض نذيرا لقريش، وسار النّبيّ صلى الله عليه وسلم، حتّى إذا كان بالثّنيّة «5» الّتي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال النّاس: حل حل «6» .
فألحّت «7» ، فقالوا خلأت «8» القصواء، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل «9» » . ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده لا يسألونني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» ، ثمّ زجرها فوثبت. قال:
فعدل عنهم حتّى نزل بأقصى الحديبية على ثمد «10» قليل الماء يتبرّضه «11» النّاس تبرّضا، فلم يلبّثه النّاس حتّى نزحوه، وشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش؛ فانتزع سهما من كنانته، ثمّ أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالرّيّ حتّى صدروا عنه. فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعيّ في نفر من قومه من خزاعة، وكانوا عيبة «12» نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة، فقال:«إنّي تركت كعب بن لؤيّ وعامر بن لؤيّ نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم العوذ المطافيل «13» ، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت» .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّا لم نجىء لقتال أحد، ولكنّا جئنا معتمرين، وإنّ قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدّة ويخلّوا بيني وبين النّاس، فإن أظهر؛ فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا، وإلّا فقد جمّوا «14» ، وإن هم أبوا؛ فوالّذي نفسي
(1) البخاري- الفتح 13 (7298) .
(2)
الغميم: هو مكان بين رابغ والجحفة، وقيل موضع بين مكة والمدينة.
(3)
الطليعة: مقدمة الجيش.
(4)
قترة الجيش: ما يثيره من الغبار أو هي الغبار الأسود.
(5)
الثنية: طريق في الجبل تشرف على الحديبية.
(6)
حل حل: كلمة تقال للناقة إذا تركت السير.
(7)
ألحّت: أي تمادت على عدم القيام، وهو من الإلحاح.
(8)
خلأت: الخلاء للناقة كالحران للخيل.
(9)
حابس الفيل أي حبسها الله- عز وجل كما حبس الفيل عن مكة.
(10)
ثمد قليل الماء: أي حفيرة فيها ماء مثمود أي قليل.
(11)
يتبرضه: هو الأخذ قليلا قليلا.
(12)
عيبة نصح: العيبة هي ما توضع به الثياب لحفظها، أي أنهم موضع النصح له والأمانة لسره.
(13)
العوذ المطافيل: العوذ هي الناقة ذات اللبن، والمطافيل الأمهات اللاتي معها أطفالها.
(14)
جمّوا: أي استراحوا.
بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا حتّى تنفرد سالفتي «1» ، ولينفذنّ الله أمره» . فقال بديل: سأبلّغهم ما تقول.
قال: فانطلق حتّى أتى قريشا، قال: إنّا جئناكم من هذا الرّجل، وسمعناه يقول قولا، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا. فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرونا عنه بشيء. وقال ذوو الرّأي منهم: هات ما سمعته يقول. قال: سمعته يقول: كذا وكذا. فحدّثهم بما قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم. فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم، ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: أو لست بالولد؟ قالوا:
بلى. قال: فهل تتّهموني؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أنّي استنفرت أهل عكاظ، فلمّا بلّحوا «2» عليّ جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى.
قال: فإنّ هذا قد عرض عليكم خطّة رشد اقبلوها ودعوني آته. قالوا ائته، فأتاه، فجعل يكلّم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله لبديل. فقال عروة عند ذلك: أي محمّد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فإنّي والله لا أرى وجوها، وإنّي لأرى أشوابا «3» من النّاس خليقا أن يفرّوا ويدعوك. فقال له أبو بكر: امصص بظر اللّات «4» ، أنحن نفرّ عنه وندعه. فقال: من ذا؟
قالوا: أبو بكر. قال: أما والّذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: وجعل يكلّم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فكلّما تكلّم كلمة أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومعه السّيف وعليه المغفر، فكلّما أهوى عروة بيده إلى لحية النّبيّ صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السّيف، وقال له: أخّر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرفع عروة رأسه، فقال: من هذا؟. قال: المغيرة بن شعبة. فقال: أي غدر «5» ، ألست أسعى في غدرتك؟. وكان المغيرة صحب قوما في الجاهليّة فقتلهم وأخذ أموالهم ثمّ جاء فأسلم.
فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم «أمّا الإسلام فأقبل، وأمّا المال فلست منه في شيء» . ثمّ إنّ عروة جعل يرمق أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعينيه. قال: فو الله ما تنخّم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلّا وقعت في كفّ رجل منهم فدلّك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّا كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النّظر تعظيما له، فرجع عروة إلى أصحابه، فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنّجاشيّ، والله، إن رأيت مليكا قطّ يعظّمه أصحابه ما يعظّم أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم محمّدا. والله، إن يتنخّم نخامة إلّا وقعت في كفّ رجل منهم، فدلّك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ
(1) سالفتي: السالفة هي صفحة العنق. والمعنى من قوله حتى تنفرد سالفتي كناية عن القتل أو القتال وحيدا.
(2)
بلّحوا: التبلّح هو الامتناع عن الإجابة: وبلحوا بمعني امتنعوا عن أداء ما عليهم.
(3)
الأشواب: الأخلاط من أنواع شتى.
(4)
امصص بظر اللات: البظر قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة واللات: صنم لهم، وكانت عادة العرب الشتم بذلك لكن بلفظ الأم فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه.
(5)
غدر: من غادر وهي مبالغة في وصفه بالغدر.
كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النّظر تعظيما له، وإنّه قد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة: دعوني آته، فقالوا: ائته. فلمّا أشرف على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هذا فلان، وهو من قوم يعظّمون البدن، فابعثوها له» . فبعثت له، واستقبله النّاس يلبّون. فلمّا رأى ذلك قال:
سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت. فلمّا رجع إلى أصحابه، قال: رأيت البدن قد قلّدت وأشعرت، فما أرى أن يصدّوا عن البيت. فقام رجل منهم، يقال له مكرز بن حفص، فقال: دعوني آته.
فقالوا: ائته. فلمّا أشرف عليهم قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «هذا مكرز، وهو رجل فاجر» . فجعل يكلّم النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
فبينما هو يكلّمه إذ جاء سهيل بن عمرو. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «قد سهل لكم من أمركم» . فجاء سهيل ابن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا. فدعا النّبيّ صلى الله عليه وسلم الكاتب، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*. فقال سهيل: أمّا «الرّحمن» فوالله ما أدري ما هي؟ ولكن اكتب «باسمك اللهمّ» ، كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «اكتب: باسمك اللهمّ» . ثمّ قال: «هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله» . فقال سهيل: والله لو كنّا نعلم أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب:
«محمّد بن عبد الله» ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«والله إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني، اكتب: محمّد بن عبد الله» ، وذلك لقوله:«لا يسألونني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» . فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
«على أن تخلّوا بيننا وبين البيت فنطوف به» . فقال سهيل: والله لا تتحدّث العرب أنّا أخذنا ضغطة»
، ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب. فقال سهيل:
وعلى أنّه لا يأتيك منّا رجل وإن كان على دينك إلّا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله، كيف يردّ إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينما هم كذلك، إذ دخل أبو جندل ابن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده «2» ، وقد خرج من أسفل مكّة حتّى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمّد أوّل من أقاضيك عليه أن تردّه إليّ. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّا لم نقض الكتاب بعد» . قال: فو الله إذا لم أصالحك على شيء أبدا. قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «فأجزه لي» ، قال: ما أنا بمجيزه لك، قال:«بلى فافعل» قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز:
بل قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أردّ إلى المشركين وقد جئت مسلما؟. ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذّب عذابا شديدا في الله. قال:
فقال عمر بن الخطّاب: فأتيت نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فقلت:
ألست نبيّ الله حقّا؟. قال: «بلى» قلت: ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟. قال: «بلى» . قلت:
فلم نعطي الدّنيّة «3» في ديننا إذا؟. قال: «إنّي رسول
(1) أخذنا ضغطة: أي قهرّا وعنوة.
(2)
يوسف في قيوده: أي يمشي مشيا بطيئا بسبب القيد.
(3)
نعطي الدنية في ديننا: أي لماذا نرضى بالنقص؟.
الله ولست أعصيه، وهو ناصري» . قلت: أو ليس كنت تحدّثنا أنّا سنأتي البيت فنطوف به؟. قال: «بلى، فأخبرتك أنّا نأتيه العام؟.» قال: قلت: لا. قال:
«فإنّك آتيه ومطوّف به» . قال: فأتيت أبا بكر فقلت:
يا أبا بكر، أليس هذا نبيّ الله حقّا؟. قال: بلى. قلت:
ألسنا لى الحقّ وعدوّنا على الباطل. قال: بلى. قلت:
فلم نعطي الدّنيّة في ديننا إذا؟. قال: أيّها الرّجل، إنّه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يعصي ربّه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه «1» فوالله إنّه على الحقّ. قلت: أليس كان يحدّثنا أنّا سنأتي البيت ونطوف به «2» ؟. قال: بلى، أفأخبرك أنّك تأتيه العام؟. قلت: لا. قال: فإنّك آتيه ومطوّف به. قال الزّهريّ: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا. قال: فلمّا فرغ من قضيّة الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «قوموا فانحروا ثمّ احلقوا» . قال:
فوالله ما قام منهم رجل، حتّى قال ذلك ثلاث مرّات، فلمّا لم يقم منهم أحد دخل على أمّ سلمة فذكر لها ما لقي من النّاس. فقالت أمّ سلمة: يا نبيّ الله؛ أتحبّ ذلك؟. اخرج، ثمّ لا تكلّم أحدا منهم كلمة حتّى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلّم أحدا منهم حتّى فعل ذلك: نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه. فلمّا رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتّى كاد بعضهم يقتل بعضا غمّا. ثمّ جاءه نسوة مؤمنات، فأنزل الله تعالى (الممتحنة/ 10) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ حتّى بلغ بِعِصَمِ الْكَوافِرِ، فطلّق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشّرك، فتزوّج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أميّة، ثمّ رجع النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الّذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرّجلين، فخرجا به حتّى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرّجلين:
والله إنّي لأرى سيفك هذا يا فلان جيّدا، فاستلّه الآخر. فقال: أجل والله إنّه لجيّد، لقد جرّبت به ثمّ جرّبت به ثمّ جرّبت. فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتّى برد «3» ، وفرّ الآخر حتّى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه:«لقد رأى هذا ذعرا» ، فلمّا انتهى إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: قتل والله صاحبي، وإنّي لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا نبيّ الله، قد والله أوفى الله ذمّتك قد رددتني إليهم، ثمّ أنجاني الله منهم. قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«ويل أمّه «4» . مسعر «5» حرب لو كان له أحد» ، فلمّا سمع
(1) غرزه: الغرز للإبل بمنزلة الركاب للفرس. والمراد بقوله «فاستمسك بغرزه» أي تمسك بأمره وترك مخالفته كالذي يمسك بركاب الفارس فلا يفارقه.
(2)
ضبط العيني هذا الفعل بفتح الطاء والواو وتشديد هما (نطّوّف) على أن أصله (نتطوّف) .
(3)
حتى برد: أي خمدت أنفاسه وحواسه.
(4)
ويل أمه: كلمة ذم تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذم.
(5)
مسعر حرب: أي مقدام للحرب مسعّر لنارها.