الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحاديث الواردة في (المعاتبة)
1-
* (عن أميّة أنّها سألت عائشة- رضي الله عنها عن قول الله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ وعن قوله: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ فقالت: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هذه معاتبة الله العبد فيما يصيبه من الحمّى والنّكبة، حتّى البضاعة يضعها في كمّ قميصه، فيفقدها فيفزع لها، حتّى إنّ العبد ليخرج من ذنوبه كما يخرج التّبر «1» الأحمر من الكير «2» » ) * «3» .
2-
* (عن عمرو بن تغلب- رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بمال- أو سبي- فقسمه فأعطى رجالا وترك رجالا، فبلغه أنّ الّذين ترك عتبوا، فحمد الله، ثمّ أثنى عليه، ثمّ قال: «أمّا بعد، فو الله إنّي لأعطي الرّجل، والّذي أدع أحبّ إليّ من الّذي أعطي، ولكن أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع «4» ، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، فيهم عمرو بن تغلب» . فو الله ما أحبّ أنّ لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النّعم «5» ) * «6» .
3-
* (عن سعيد بن جبير- رحمه الله. قال:
قلت لابن عبّاس- رضي الله عنهما: إنّ نوفا البكاليّ «7» يزعم أنّ موسى- عليه السلام صاحب بني إسرائيل ليس هو موسى صاحب الخضر «8» عليه السلام فقال: كذب عدوّ الله «9» سمعت أبيّ ابن كعب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قام موسى- عليه السلام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. قال: فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه. فأوحى الله إليه أنّ عبدا
(1) التبر: الذهب، وقيل: هو ما كان من الذهب غير مضروب.
(2)
الكير: الزقّ الذي ينفخ فيه الحداد، والجمع أكيار وكيرة
(3)
الترمذي (2991) وقال: هذا حديث حسن غريب من حديث عائشة لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة، وأحمد (6/ 218) وفي سنده عندهما: علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف احتج به مسلم في المتابعات والشواهد، والحديث بمعناه عند أبي داوود 3093 وله شواهد كثيرة ضعيفة وحسنة وصحيحة جمعها الحافظ ابن كثير في تفسير الآية 123 من سورة النساء.
(4)
الهلع: هو أسوأ الجزع وأفحشه، وقيل: الحرص.
(5)
حمر النّعم: الإبل والشاء وقيل: الإبل والبقر والغنم يذكّر ويؤنث، والجمع أنعام وجمع الجمع أناعيم، وبعير أحمر وإبل حمراء والجمع حمر- بسكون الميم- والعرب تقول: خير الإبل حمرها، لأنها أصبر على السير في الهواجر.
(6)
البخاري- الفتح 2 (923) .
(7)
نوف البكالي: نسبة إلي بني بكال من حمير وهو صاحب عليّ- عليه السلام والمحدّثون يقولون: نوف البكّاليّ- بفتح الباء وتشديد الكاف-.
(8)
الخضر بفتح الخاء وكسر الضاد- اختلف في اسمه وفي كونه نبيّا أو وليا في أقوال عديدة أوردها ابن حجر في فتح الباري (6/ 499- 205) وورد في حديث صحيح في البخاري 6 (3402) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء.
(9)
كذب عدو الله: قال العلماء: هو على وجه الإغلاظ والزجر عن مثل قوله. لا أنه يعتقد أنه عدو الله حقيقة. إنما قاله مبالغة في إنكار قوله، لمخالفته قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ذلك في حال غضب ابن عباس. لشدة إنكاره. وحال الغضب تطلق الألفاظ ولا تراد بها حقائقها.
من عبادي بمجمع البحرين «1» هو أعلم منك. قال موسى: أي ربّ، كيف لي به؟ فقيل له: احمل حوتا «2» في مكتل «3» فحيث تفقد «4» الحوت فهو ثمّ «5» . فانطلق وانطلق معه فتاه «6» وهو يوشع بن نون. فحمل موسى عليه السلام حوتا في مكتل، وانطلق هو وفتاه يمشيان حتّى أتيا الصّخرة فرقد موسى- عليه السلام وفتاه فاضطرب الحوت في المكتل حتّى خرج من المكتل فسقط في البحر. قال: وأمسك الله عنه جرية الماء حتّى كان مثل الطّاق «7» ، فكان للحوت سربا وكان لموسى وفتاه عجبا. فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما «8» ونسي صاحب موسى أن يخبره. فلمّا أصبح موسى عليه السلام قال لفتاه: آتنا غداءنا، لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا «9» قال: ولم ينصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر به قال: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبا «10» . قال موسى: ذلك ما كنّا نبغ «11» فارتدّا على آثارهما قصصا. قال: يقصّان آثارهما حتّى أتيا الصّخرة فرأى رجلا مسجّى «12» عليه بثوب فسلّم عليه موسى، فقال له الخضر: أنّى بأرضك السّلام «13» . قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: إنّك على علم
من علم الله علّمكه الله، لا أعلمه. وأنا على علم من علم الله علّمنيه، لا تعلمه. قال له موسى- عليه السلام:
هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدا؟ قال:
إنّك لن تستطيع معي صبرا، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. قال: ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا. قال له الخضر: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكرا. قال: نعم. فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر. فمرّت بهما سفينة. فكلّماهم أن يحملوهما. فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول «14» فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السّفينة فنزعه، فقال له موسى: قوم حملونا بغير
(1) بمجمع البحرين: قال القسطلانيّ: أي ملتقى بحري فارس والروم من جهة الشرق. أو بإفريقية أو طنجة.
(2)
الحوت: السمكة
(3)
مكتل: هو القفّة أو الزنبيل
(4)
تفقد: أي يذهب منك
(5)
فهو ثمّ: أي هناك
(6)
فتاه: أي صاحبه
(7)
الطاق: عقد البناء.
(8)
وليلتهما: ضبطوه بنصب ليلتهما وجرّها.
(9)
نصبا: النصب: التعب.
(10)
واتخذ سبيله في البحر عجبا: قيل: إن لفظة عجبا يجوز أن تكون من تمام كلام يوشع وقيل: من كلام موسى. أي قال موسى: عجبت من هذا عجبا. وقيل: من كلام الله تعالى. ومعناه اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا.
(11)
نبغي: أي نطلب. معناه أن الذي جئنا نطلبه هو الموضع الذي نفقد فيه الحوت.
(12)
مسجّى: مغطى.
(13)
أنّى بأرضك السلام: أي من أين السلام في هذه الأرض التي لا يعرف فيها السلام. قال العلماء: أنّى تأتي بمعنى أين ومتى وحيث وكيف.
(14)
بغير نول: بغير أجر.
نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، لقد جئت شيئا إمرا «1» . قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرا؟ قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا «2» . ثمّ خرجا من السّفينة فبينما هما يمشيان على السّاحل إذا غلام يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله. فقال موسى: أقتلت نفسا زاكية «3» بغير «4» نفس؟ لقد جئت شيئا نكرا «5» .
قال: ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرا؟ قال:
وهذه أشدّ من الأولى. قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرا «6» .
فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ «7» فأقامه. يقول: مائل، قال الخضر بيده هكذا «8» فأقامه.
قال له موسى: قوم أتيناهم فلم يضيّفونا ولم يطعمونا، لو شئت لاتّخذت عليه أجرا. قال هذا فراق بيني وبينك. سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يرحم الله موسى لوددت أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما» ) * «9» .
4-
* (عن زاذان أبي عمر عن عليم- رحمهما الله- قال: كنّا جلوسا على سطح، معنا رجل من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:«عليم» : لا أحسبه إلّا قال:
«عبس الغفاريّ» . والنّاس يخرجون في الطّاعون.
فقال عبس: يا طاعون خذني، ثلاثا يقولها. فقال له عليم: لم تقول هذا؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنّ أحدكم الموت عند انقطاع عمله، ولا يردّ فيستعتب» .
فقال: إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بادروا بالموت ستّا «10» : إمرة السّفهاء، وكثرة الشّرط، وبيع الحكم، واستخفافا بالدّم، وقطيعة الرّحم، ونشوا «11» . يتّخذون القرآن مزامير، يقدّمون الرّجل يغنّيهم، وإن كان أقلّ منهم فقها» ) * «12» .
(1) إمرا: عظيما.
(2)
ولا ترهقني من أمري عسرا: قال الإمام الزمخشريّ: يقال رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه. أي ولا تغشني عسرا من أمري. وهو اتباعه إياه. يعني ولا تعسّر عليّ متابعتك ويسّرها عليّ بالإغضاء وترك المناقشة.
(3)
زاكية: قريء في السبع زاكية وزكية. قال: ومعناه طاهرة من الذنوب.
(4)
بغير نفس: أي بغير قصاص لك عليها.
(5)
نكرا: النكر هو المنكر.
(6)
قد بلغت من لدني عذرا: معناه قد بلغت إلى الغاية التي تعذر بسببها في فراقي.
(7)
فوجد فيها جدارا يريد أن ينقض: هذا من المجاز. لأن الجدار لا يكون له حقيقة إرادة. ومعناه قرب من الانقضاض، وهو السقوط.
(8)
قال الخضر بيده هكذا: أي أشار بيده فأقامه. وهذا تعبير عن الفعل بالقول. وهو شائع.
(9)
البخاري الفتح 6 (3401) مسلم (2380) واللفظ له.
(10)
بادروا بالموت: أي ارضوا بالموت.
(11)
نشوا: يقال: نشي الرجل من الشراب نشوا ونشوة ونشوة: سكر فهو نشوان، والأنثى: نشوى وجمعها نشاوى.
(12)
أحمد (3/ 494)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 245) واللفظ له وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط والكبير (18/ 34) بنحوه إلا أنه قال: عن عابس الغفاري قال: سمعت رسول الله يتخوف على أمته من ست خصال. إمرة الصبيان، وكثرة الشّرط، والرشوة في الحكم، وقطيعة الرحم، واستخفاف بالدم، ونشو يتخذون القرآن مزامير يقدمون الرجل ليس بأفقههم ولا بأفضلهم يغنيهم غناء» وفي إسناد أحمد عثمان بن عمير البجلي وهو ضعيف وأحد إسنادي الكبير ورجاله رجال الصحيح.
5-
* (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما أنّه لم يكن بين إسلامهم وبين أن نزلت هذه الآية، يعاتبهم الله بها إلّا أربع سنين وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) * «1» .
6-
* (عن يحيى بن سعيد- رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤي وهو يمسح وجه فرسه بردائه فسئل عن ذلك فقال: «إنّي عوتبت اللّيلة في الخيل» ) * «2» .
7-
* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما قال: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر- رضي الله عنه عن المرأتين من أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم اللّتين قال الله لهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما، فحججت معه، فعدل وعدلت معه بالإداوة «3» ، فتبرّز، ثمّ جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضّأ. فقلت: يا أمير المؤمنين! من المرأتان من أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم اللّتان قال الله- عز وجل لهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما؟ فقال:
واعجبا لك يا ابن عبّاس! عائشة وحفصة. ثمّ استقبل عمر الحديث يسوقه فقال: إنّي كنت وجار لي من الأنصار في بني أميّة بن زيد- وهي من عوالي المدينة- وكنّا نتناوب النّزول على النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره، وإذا نزل فعل مثله. وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على الأنصار إذ هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصحت على امرأتي، فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني. فقالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فو الله! إنّ أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وإنّ إحداهنّ لتهجره اليوم حتّى اللّيل. فأفزعتني. فقلت: خابت من فعلت منهنّ بعظيم. ثمّ جمعت عليّ ثيابي فدخلت على حفصة فقلت: أي حفصة! أتغاضب إحداكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم حتّى اللّيل؟ فقالت: نعم. فقلت:
خابت وخسرت. أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكين؟ لا تستكثري على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تراجعيه في شيء، ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك. ولا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (يريد عائشة) . وكنّا تحدّثنا أنّ غسّان تنعل النّعال لغزونا، فنزل صاحبي يوم نوبته، فرجع عشاء فضرب بابي ضربا شديدا، وقال: أثمّ هو؟
ففزعت فخرجت إليه وقال: حدث أمر عظيم، قلت:
ما هو؟ أجاءت غسّان؟ قال: لا، بل أعظم منه
(1) ابن ماجة (4192) قال المحقق: في الزوائد: هذا إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
(2)
تنوير الحوالك (2/ 23) واللفظ له والحديث وصله ابن عبد البر من طريق عبد الله بن عمرو الفهري عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أنس ووصله أبو عبيدة في كتاب الخيل من طريق يحيى بن سعيد عن شيخ من الأنصار ورواه أبو داود في المراسيل من مرسل نعيم بن أبي هند. قال ابن عبد البر: روى موصولا عنه عن عروة البارقي وقال: «عوتبت الليلة في الخيل» في رواية أبي عبيدة في إذالة الخيل له من مرسل عبد الله بن دينار وقال: إن جبريل بات الليلة يعاتبني في إذالة الخيل أي امتهانها. وانظر جامع الأصول (5/ 51) في حاشية المحقق.
(3)
الإداوة: بكسر الهمزة- إناء صغير من جلد يتخذ للماء وتجمع على أداوي.
وأطول، طلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه: قال قد خابت حفصة وخسرت. كنت أظنّ هذا يوشك أن يكون فجمعت عليّ ثيابي، فصلّيت صلاة الفجر مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فدخل مشربة له فاعتزل فيها. فدخلت على حفصة، فإذا هي تبكي. قلت: ما يبكيك، أو لم أكن حذّرتك؟ أطلّقكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري، هو ذا في المشربة. فخرجت فجئت المنبر، فإذا حوله رهط يبكي بعضهم. فجلست معهم قليلا. ثمّ غلبني ما أجد فجئت المشربة الّتي هو فيها، فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر. فدخل فكلّم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ثمّ خرج فقال: ذكرتك له فصمت. فانصرفت حتّى جلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد، فجئت- فذكر مثله- فجلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد، فجئت الغلام فقلت: استأذن لعمر فذكر مثله، فلمّا ولّيت منصرفا، فإذا الغلام يدعوني، قال: أذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت عليه، فإذا هو مضطجع على رمال حصير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثّر الرّمال بجنبه، متّكىء على وسادة من أدم حشوها ليف. فسلّمت عليه، ثمّ قلت- وأنا قائم- طلّقت نساءك؟ فرفع بصره إليّ فقال:«لا» ثمّ قلت- وأنا قائم-: أستأنس يا رسول الله، لو رأيتني وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم. فذكره. فتبسّم النّبيّ صلى الله عليه وسلم. ثمّ قلت: لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت: لا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأمنك وأحبّ إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم (يريد عائشة) ، فتبسّم أخرى. فجلست حين رأيته تبسّم. ثمّ رفعت بصري في بيته، فو الله ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر غير أهبة ثلاث «1» ، فقلت: ادع الله فليوسّع على أمّتك، فإنّ فارس والرّوم وسّع عليهم وأعطوا الدّنيا وهم لا يعبدون الله. وكان متّكئا فقال:
«أو في شكّ أنت يا ابن الخطّاب؟ أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدّنيا» فقلت: يا رسول الله! استغفر لي. فاعتزل النّبيّ صلى الله عليه وسلم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة، وكان قد قال:«ما أنا بداخل عليهنّ شهرا» من شدّة موجدته عليهنّ حين عاتبه الله. فلمّا مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: إنّك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا، وإنّا أصبحنا بتسع وعشرين ليلة أعدّها عدّا، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: الشّهر تسع وعشرون، وكان ذلك الشّهر تسعا وعشرين. قالت عائشة: فأنزلت آية التّخيير، فبدأ بي أوّل امرأة فقال:«إنّي ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك» قالت: قد أعلم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقك. ثمّ قال: «إنّ الله قال يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ- إلى
(1) أهبة ثلاث: هكذا وردت، ولعل صوابها آهبة علي أنها جمع قليل للإهاب وهو الجلد من البقر والغنم والوحش ما لم يدبغ، والجمع الكثير: أهب، وأهب.
قوله- عَظِيماً قلت: أفي هذا أستأمر أبويّ، فإنّي أريد الله ورسوله والدّار الآخرة. ثمّ خيّر نساءه. فقلن مثل ما قالت عائشة) * «1» .
8-
* (عن أمّ سلمة ابنة أبي أميّة بن المغيرة رضي الله عنها زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: لمّا نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار، النّجاشيّ، أمنّا على ديننا، وعبدنا الله، لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه، فلمّا بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النّجاشيّ فينا رجلين جلدين، وأن يهدوا للنّجاشيّ هدايا ممّا يستطرف من متاع مكّة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدما كثيرا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلّا أهدوا له هديّة، ثمّ بعثوا بذلك مع عبد الله بن ربيعة بن المغيرة المخزوميّ وعمرو بن العاص بن وائل السّهميّ، وأمروهما أمرهم، وقالوا لهما. ادفعوا إلى كلّ بطريق هديّته قبل أن تكلّموا النّجاشيّ فيهم، ثمّ قدّموا للنّجاشيّ هداياه، ثمّ سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلّمهم،. قالت: فخرجا فقدما على النّجاشيّ، ونحن عنده بخير دار وعند خير جار، فلم يبق من بطارقته بطريق إلّا دفعا إليه هديّته قبل أن يكلّما النّجاشيّ، ثمّ قالا لكلّ بطريق منهم: إنّه قد صبأ إلى بلد الملك منّا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردّهم إليهم، فإذا كلّمنا الملك فيهم فتشيروا عليه بأن يسلّمهم إلينا ولا يكلّمهم، فإنّ قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا لهما: نعم، ثمّ إنّهما قرّبا هداياهم إلى النّجاشيّ، فقبلها منهما، ثمّ كلّماه فقالا له: أيّها الملك، إنّه صبأ إلى بلدك منّا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردّهم إليهم، فهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه، قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النّجاشيّ كلامهم، فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيّها الملك، قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهما فليردّاهم إلى بلادهم وقومهم، قال:
فغضب النّجاشيّ، ثمّ قال: لاها الله، وايم الله! إذن لا أسلمهم إليهما ولا أكاد
…
) * «2» .
9-
* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لن يدخل أحدا عمله الجنّة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «لا، ولا أنا إلّا أن يتغمدّني الله بفضل ورحمة فسدّدوا وقاربوا، ولا يتمنّينّ أحدكم الموت، إمّا محسنا فلعلّه أن يزداد خيرا، وإمّا مسيئا فلعلّه أن يستعتب «3» » ) * «4» .
10-
* (عن أنس- رضي الله عنه قال: قال
(1) البخاري- الفتح 5 (2468) واللفظ له، وعند مسلم مختصرا (1083) .
(2)
أحمد (1/ 202- 203) وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 180) : إسناده صحيح.
(3)
وإما مسيئا فلعله أن يستعتب: أي يرجع عن موجب العتب عليه.
(4)
البخاري- الفتح 10 (5673) .