الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
35-
* (عن عائشة- رضي الله عنها أنّها قالت: لمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك «1» أبو بكر وبلال، قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا أبت! كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ قالت: فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول:
كلّ امرىء مصبّح في أهله
…
والموت أدنى من شراك نعله.)
* «2» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلى الله عليه وسلم في (الهجرة)
36-
* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه قال: أقبل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف، ونبيّ الله صلى الله عليه وسلم شابّ لا يعرف. قال: فيلقى الرّجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر! من هذا الرّجل الّذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرّجل يهديني السّبيل، قال فيحسب الحاسب أنّه إنّما يعني الطّريق، وإنّما يعني سبيل الخير. فالتفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول الله! هذا فارس قد لحق بنا، فالتفت نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهمّ اصرعه» فصرعه الفرس، ثمّ قامت تحمحم، فقال: يا نبيّ الله مرني بما شئت. قال: فقف مكانك، لا تتركنّ أحدا يلحق بنا. قال: فكان أوّل النّهار جاهدا على نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، وكان آخر النّهار مسلحة «3» له، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم جانب الحرّة، ثمّ بعث إلى الأنصار، فجاءوا إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فسلّموا عليهما، وقالوا: اركبا آمنين مطاعين. فركب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وحفّوا دونهما بالسّلاح، فقيل في المدينة: جاء نبيّ الله، جاء نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، فأشرفوا ينظرون ويقولون: جاء نبيّ الله.
فأقبل يسير حتّى نزل جانب دار أبي أيّوب، فإنّه ليحدّث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف «4» لهم، فعجل أن يضع الّذي يخترف لهم فيها، فجاء وهي معه، فسمع من نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، ثمّ رجع إلى أهله، فقال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم:«أيّ بيوت أهلنا أقرب؟» فقال أبو أيّوب: أنا يا نبيّ الله، هذه داري وهذا بابي. قال فانطلق فهيّء لنا مقيلا «5» .
قال: قوما على بركة الله. فلمّا جاء نبيّ الله صلى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنّك رسول الله، وأنّك جئت بحقّ. وقد علمت يهود أنّي سيّدهم وابن
(1) وعك: بالبناء للمجهول- أي أصابه الوعك وهي الحمى، قاله ابن حجر في الفتح (7/ 308) .
(2)
البخاري- الفتح 7 (3926) .
(3)
مسلحة: المسلحة القوم الذين يحفظون الثغور من العدو.
(4)
يخترف: يجتني الثمار.
(5)
مقيلا: أي مكانا تقع فيه القيلولة.
سيّدهم وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عنّي قبل أن يعلموا أنّي قد أسلمت، فإنّهم إن يعلموا أنّي قد أسلمت، قالوا فيّ ما ليس فيّ. فأرسل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يا معشر اليهود! ويلكم اتّقوا الله، فو الله الّذي لا إله إلّا هو إنّكم لتعلمون أنّي رسول الله حقّا، وأنّي جئتكم بحقّ، فأسلموا» . قالوا: ما نعلمه- قالوا للنّبيّ صلى الله عليه وسلم: قالها ثلاث مرار- قال: «فأيّ رجل فيكم عبد الله بن سلام؟» قالوا: ذاك سيّدنا، وابن سيّدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال:«أفرأيتم إن أسلم؟» قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «أفرأيتم إن أسلم؟» قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «أفرأيتم إن أسلم؟» قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «يا ابن سلام، اخرج عليهم فخرج» فقال: يا معشر اليهود، اتّقوا الله، فو الله الّذي لا إله إلّا هو، إنّكم لتعلمون أنّه رسول الله، وأنّه جاء بحقّ. فقالوا:
كذبت، فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم * «1» .
37-
* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما قال: أوّل من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أمّ مكتوم، وكانوا يقرئون «2» النّاس، فقدم بلال وسعد وعمّار بن ياسر، ثمّ قدم عمر بن الخطّاب في عشرين من أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، ثمّ قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، حتّى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما قدم حتّى قرأت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (الأعلى/ 1) في سور من المفصّل» ) * «3» .
38-
* (عن عائشة- رضي الله عنها قالت: هاجر إلى الحبشة رجال من المسلمين، وتجهّز أبو بكر مهاجرا. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«على رسلك، فإنّي أرجو أن يؤذن لي» . فقال أبو بكر: أو ترجوه بأبي أنت؟. قال: «نعم» . فحبس أبو بكر نفسه على النّبيّ صلى الله عليه وسلم لصحبته وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر أربعة أشهر. قال عروة: قالت عائشة: فبينما نحن يوما جلوس في بيتنا في نحر الظّهيرة، قال قائل لأبي بكر:
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا متقنّعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها. فقال أبو بكر: فدا لك بأبي وأمّي. والله إن جاء به في هذه السّاعة إلّا لأمر. فجاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم فاستأذن، فأذن له، فدخل فقال حين دخل لأبي بكر:
أخرج من عندك. قال: إنّما هم أهلك «4» بأبي أنت يا رسول الله! قال: فإنّى قد أذن لي في الخروج، قال: فالصّحبة بأبي أنت يا رسول الله! قال: نعم. قال فخذ بأبي أنت يا رسول الله! إحدى راحلتيّ هاتين. قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: بالثّمن. قالت: فجهّزناهما أحثّ «5» الجهاز، ووضعنا لهما سفرة «6» في جراب، فقطعت
(1) البخاري- الفتح 7 (3911) .
(2)
وكانوا يقرئون الناس: هكذا وردت. ووجهها ابن حجر على أن أقل الجمع اثنان، وإما على أن من كان يقرأ بأنه كان يقرأ معهما أيضا. وفي رواية الأصيلي وكريمة «فكانا يقرئان الناس» قال ابن حجر: وهو أوجه. راجع فتح الباري (7/ 306) .
(3)
البخاري الفتح 7 (3925) .
(4)
أهلك: أي زوجته عائشة رضي الله عنها.
(5)
أحث الجهاز: أي أسرعه.
(6)
السفرة: طعام يتخذ لمسافر.
أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكأت «1» به الجراب- ولذلك كانت تسمّى ذات النّطاقين- ثمّ لحق النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور، فمكث فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر- وهو غلام شابّ لقن ثقف «2» فيرحل من عندهما سحرا فيصبح من قريش بمكّة كبائت، فلا يسمع أمرا يكادان به إلّا وعاه، حتّى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظّلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسلهما حتّى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس «3» . يفعل ذلك كلّ ليلة من تلك اللّيالي الثّلاث» ) * «4» .
39-
* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما قال: جاء أبو بكر- رضي الله عنه إلى أبي في منزله فاشترى منه رحلا، فقال لعازب: ابعث ابنك يحمله معي، قال فحملته معه، وخرج أبي ينتقد ثمنه، فقال له أبي: يا أبا بكر، حدّثني كيف صنعتما حين سريت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، أسرينا ليلتنا ومن الغد حتّى قام قائم الظّهيرة، وخلا الطّريق لا يمرّ فيه أحد، فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظلّ لم تأت عليه الشّمس فنزلنا عنده، وسوّيت للنّبيّ صلى الله عليه وسلم مكانا بيدي ينام عليه، وبسطت عليه فروة وقلت له: نم يا رسول الله! وأنا أنفض لك ما حولك. فنام وخرجت أنفض ما حوله، فإذا أنا براع مقبل بغنمه إلى الصّخرة يريد منها مثل الّذي أردنا. فقلت: لمن أنت يا غلام؟
فقال: لرجل من أهل المدينة- أو مكّة- قلت: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم. قلت: أفتحلب؟ قال: نعم.
فأخذ شاة، فقلت: انفض الضّرع من التّراب والشّعر والقذى. قال: فرأيت البراء يضرب إحدى يديه على الأخرى ينفض. فحلب في قعب «5» كثبة «6» من لبن، ومعي إداوة حملتها للنّبيّ صلى الله عليه وسلم يرتوي منها يشرب ويتوضّأ. فأتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فكرهت أن أوقظه، فوافقته حين استيقظ، فصببت من الماء على اللّبن حتّى برد أسفله. فقلت: اشرب يا رسول الله! فشرب حتّى رضيت، ثمّ قال: ألم يأن للرّحيل: قلت: بلى.
قال: فارتحلنا بعد ما مالت الشّمس، واتّبعنا سراقة بن مالك، فقلت: أتينا يا رسول الله، فقال: لا تحزن، إنّ الله معنا. فدعا عليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فارتطمت به فرسه إلى بطنها- أرى في جلد من الأرض «7» ، (شكّ زهير) - فقال: إنّي أراكما قد دعوتما عليّ، فادعوا لي، فالله لكما أن أردّ عنكما الطّلب. فدعا له النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فنجا. فجعل لا يلقى أحدا إلّا قال: كفيتكم ما هنا، فلا يلقى أحدا إلّا ردّه، قال: ووفى لنا» ) * «8» .
40-
* (عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة
(1) فأوكأت: من الوكاء وهو ما يشد به الكيس.
(2)
رجل لقن ثقف: إذا كان ضابطا لما يحويه قائما به.
(3)
الغلس: ظلام آخر الليل إذا اختلط بضوء الصباح.
(4)
البخاري الفتح 10 (5807) .
(5)
قعب: هو القدح الضخم الغليظ والجمع قعاب وأقعب.
(6)
كثبة: هي حلبة خفيفة ويطلق على القليل من الماء واللبن وعلى الجرعة تبقى في الإناء وعلى القليل من الطعام والشراب وغيرهما من كل مجتمع.
(7)
جلد من الأرض: أي أرض صلبة.
(8)
البخاري- الفتح 6 (3615) واللفظ له. ومسلم (2009) .
- رضي الله عنه قال: وفدت وفود إلى معاوية، وذلك في رمضان، فكان يصنع بعضنا لبعض الطّعام، فكان أبو هريرة ممّا يكثر أن يدعونا إلى رحله، فقلت: ألا أصنع طعاما فأدعوهم إلى رحلي؟ فأمرت بطعام يصنع، ثمّ لقيت أبا هريرة من العشيّ. فقلت: الدّعوة عندي اللّيلة. فقال: سبقتني. قلت: نعم. فدعوتهم.
فقال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم؟ يا معشر الأنصار! ثمّ ذكر فتح مكّة. فقال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى قدم مكّة. فبعث الزّبير على إحدى المجنّبتين «1» ، وبعث خالدا على المجنّبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسّر «2» . فأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة. قال: فنظر فرآني، فقال:
«أبو هريرة؟» قلت: لبّيك يا رسول الله! فقال: «لا يأتينى إلّا أنصاريّ» فقال: «اهتف لي بالأنصار «قال:
فأطافوا به. ووبّشت قريش أوباشا لها «3» وأتباعا.
فقالوا: نقدّم هؤلاء. فإن كان لهم شيء كنّا معهم. وإن أصيبوا أعطينا الّذي سئلنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم» ثمّ قال بيديه، إحداهما على الأخرى. ثمّ قال:«حتّى توافوني بالصّفا» قال: فانطلقنا. فما شاء أحد منّا أن يقتل أحدا إلّا قتله. وما أحد منهم يوجّه إلينا شيئا. قال: فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله! أبيحت خضراء قريش. لا قريش بعد اليوم. ثمّ قال: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» فقالت الأنصار، بعضهم لبعض: أمّا الرّجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته. قال أبو هريرة:
وجاء الوحي. وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا. فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى ينقضي الوحي. فلمّا انقضى الوحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الأنصار؟» . قالوا: لبّيك يا رسول الله! قال: «قلتم أمّا الرّجل فأدركته رغبة في قريته. قالوا:
قد كان ذاك. قال: «كلّا. إنّي عبد الله ورسوله. هاجرت إلى الله وإليكم. والمحيا محياكم. والممات مماتكم» .
فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله، ما قلنا الّذي قلنا إلّا الضّنّ «4» بالله وبرسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنّ الله ورسوله يصدّقانكم ويعذرانكم» قال: فأقبل النّاس إلى دار أبي سفيان. وأغلق النّاس أبوابهم. قال: وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى أقبل إلى الحجر. فاستلمه. ثمّ طاف بالبيت. قال: فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه. قال: وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس. وهو آخذ بسية القوس «5» . فلمّا أتى على الصّنم جعل يطعنه في عينه ويقول: «جاء الحقّ وزهق الباطل» . فلمّا فرغ من طوافه أتى الصّفا فعلا عليه. حتّى نظر إلى البيت ورفع يديه، فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو» ) * «6» .
(1) المجنبتين: هما الميمنة والميسرة ويكون القلب بينهما.
(2)
الحسر: الذين لا دروع لهم.
(3)
أي جمعت جموعا من قبائل شتى.
(4)
إلا الضن: هو الشح.
(5)
بسية القوس: أي بطرفها المنحنى. قال في المصباح: هي خفيفة الياء ولا مها محذوفة. وترد في النسبة فيقال: سيوي. والهاء عوض عنها. ويقال لسيتها العليا يدها، ولسيتها السفلى رجلها. وقال النووي: هي المنعطف من طرفي القوس.
(6)
مسلم (1780) .