الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المثل التطبيقي من حياة النبي صلى الله عليه وسلم في (المواساة)
25-
* (عن المقداد- رضي الله عنه أنّه قال: أقبلت أنا وصاحبان لي، وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «1» فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فليس أحد منهم يقبلنا «2» .
فأتينا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز.
فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلى الله عليه وسلم نصيبه. قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما. ويسمع اليقظان. قال: ثمّ يأتي المسجد فيصلّي. ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي. فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه، ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة «3» . فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت في بطني «4» وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان.
فقال: ويحك! ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟
فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النّوم. وأمّا صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت. قال: فجاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسلّم كما كان يسلّم.
ثمّ أتى المسجد فصلّى. ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك. فقال: «اللهمّ! أطعم من أطعمني. واسق من أسقاني» قال: فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ.
وأخذت الشّفرة فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هي حافلة «5» . وإذا هنّ حفّل كلّهنّ، فعمدت إلى إناء لآل محمّد صلى الله عليه وسلم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه، قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة «6» . فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: «أشربتم شرابكم اللّيلة؟» قال: قلت: يا رسول الله! اشرب، فشرب ثمّ ناولني، فقلت: يا رسول الله اشرب. فشرب ثمّ ناولني، فلمّا عرفت أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قد روي، وأصبت دعوته، ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إحدى سوآتك «7» يا مقداد» فقلت: يا رسول الله! كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما هذه إلّا رحمة من الله أفلا كنت آذنتني،
(1) الجهد: بفتح الجيم، هو الجوع والمشقة.
(2)
فليس أحد منهم يقبلنا: هذا محمول على أن الذين عرضوا أنفسهم عليهم كانوا مقلين ليس عندهم شيء يواسون به.
(3)
ما به حاجة إلى هذه الجرعة: هي بضم الجيم وفتحها، حكاهما ابن السكيت وغيره، والفعل منه جرعت.
(4)
وغلت في بطني: أي دخلت وتمكنت منه.
(5)
(حافلة) الحفل في الأصل الاجتماع. ويقال للضرع الملوء باللبن: ضرع حافل، وجمعه حفّل.
(6)
(رغوة) هي زبد اللبن الذي يعلوه، وهي بفتح الراء وضمها وكسرها ثلاث لغات مشهورات.
(7)
(إحدى سوآتك) أي أنك فعلت سوأة من الفعلات فما هي؟