الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ الجاثية/ 32) ، فاليقين روح أعمال القلوب الّتي هي أرواح أعمال الجوارح وهو حقيقة الصّدّيقيّة، وقطب هذا الشّيء الّذي عليه مداره، واليقين قرين التّوكّل، ولهذا فسّر التّوكّل بقوّة اليقين. ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورا وإشراقا وانتفى عنه كلّ شكّ وريب، وهمّ وغمّ، فامتلأ محبّة لله، وخوفا منه، ورضى به، وشكرا له، وتوكّلا عليه وإنابة إليه، فهو مادّة جميع المقامات والحامل لها «1» .
واليقين يحمل على مباشرة الأهوال وركوب الأخطار، وهو يأمر بالتّقدّم دائما، فإن لم يقارنه العلم حمل على المعاطب، والعلم (وحده) يأمر بالتّأخّر دائما وبالإحجام، فإن لم يصبه اليقين فقد يصدّ صاحبه عن المكاسب والمغانم «2» .
علامات اليقين:
قال الفيروز آباديّ: ثلاثة من أعلام اليقين:
1-
قلّة مخالطة النّاس في العشرة.
2-
ترك المدح لهم في العطيّة.
3-
التّنزّه عن ذمّهم عند المنع.
ومن علاماته أيضا:
النّظر إلى الله في كلّ شيء، والرّجوع إليه في كلّ أمر، والاستعانة به في كلّ حال «3» .
أنواع اليقين:
قال أبو بكر الورّاق- رحمه الله: اليقين على ثلاثة أوجه: يقين خبر، ويقين دلالة، ويقين مشاهدة.
يريد بيقين الخبر سكون القلب إلى خبر المخبر ووثوقه به، ويقين الدّلالة ما هو فوقه وهو أن يقيم له مع وثوقه بصدقه الأدلّة الدّالّة على ما أخبر به وهذا كعامّة الأخبار بالإيمان والتّوحيد وهو في القرآن، فإنّه سبحانه مع كونه أصدق القائلين الصّادقين يقيم لعباده الأدلّة والبراهين على صدق أخباره، فيحمل لهم اليقين من الوجهين، من جهة الخبر ومن جهة التّدليل. فيرتفعون من ذلك إلى الدّرجة الثّالثة وهي يقين المكاشفة بحيث يكون المخبر به كالمرئيّ لعيونهم، فنسبة الإيمان بالغيب هي إلى القلب كنسبة المرئيّ إلى العين، وهذا أعلى
أنواع اليقين، وهي الّتي أشار إليها عامر بن عبد القيس في قوله:«لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» وليس هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من كلام عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه كما يظنّه من لا علم له بالمنقولات «4» .
درجات اليقين:
اليقين على ثلاث درجات:
أ- علم اليقين: وهو ما ظهر من الحقّ، وقبول ما غاب للحقّ، والوقوف على ما قام بالحقّ فالّذي ظهر
(1) مدارج السالكين (2/ 413) باختصار. وانظر أيضا: بصائر ذوي التمييز (5/ 395) .
(2)
بصائر ذوي التمييز (5/ 400) .
(3)
المرجع السابق (5/ 397) .
(4)
مدارج السالكين (2/ 418) بتصرف. وانظر بصائر ذوي التمييز (5/ 396- 405) .
من الحقّ هو أوامره ونواهيه ودينه الّذي أظهره على ألسنة رسله. والّذي غاب للحقّ: هو الإيمان بالغيب كالجنّة والنّار والصّراط والحساب ونحو ذلك، أمّا الوقوف على ما قام بالحقّ أي من أسمائه وصفاته وأفعاله.
ب- عين اليقين: ما استغنى به صاحبه عن طلب الدّليل لأنّ الدّليل يطلب للعلم بالمدلول، فإذا كان المدلول مشاهدا له. فلا حاجة حينئذ للاستدلال.
ج- حقّ اليقين: وهذه منزلة الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام، فقد رأى نبيّنا صلى الله عليه وسلم بعينه الجنّة والنّار وكلّم الله تعالى موسى- عليه السلام بلا واسطة، أمّا بالنّسبة لنا فإنّ حقّ اليقين يتأخّر إلى وقت اللّقاء.
وممّا يوضّح ذلك: أن يخبرك شخص أنّ عنده عسلا وأنت لا تشكّ في صدقه. ثمّ أراك إيّاه فازددت يقينا، ثمّ ذقت منه. فالأوّل علم اليقين، والثّاني عين اليقين، والثّالث حقّ اليقين.
فعلمنا الآن بالجنّة والنّار: علم اليقين، فإذا أزلفت الجنّة للمتّقين، وشاهدها الخلائق، وبرّزت الجحيم للغاوين، وعاينها الخلائق فذلك: عين اليقين، فإذا أدخل أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار فذلك حينئذ حقّ اليقين «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- التوكل- الثبات- السكينة- الطمأنينة- العلم- الفطنة- الفقه- الإيمان- تذكر الموت- الرضا- حسن الظن البصيرة والفراسة- التقوى- الزهد.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: سوء الظن- الشك- القلق- الكفر- الوسوسة- الجزع- طول الأمل- اليأس- الجهل- سوء الظن- السخط] .
(1) مدارج السالكين (2/ 420) وبصائر ذوي التمييز (5/ 402) .