الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فحدّثني أبو سهلة، مولى عثمان: أنّ عثمان بن عفّان قال يوم الدّار: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليّ عهدا. فأنا صائر إليه. وقال عليّ في حديثه: وأنا صابر عليه. قال قيس: فكانوا يرونه ذلك اليوم» ) * «1» .
36-
* (عن عليّ- رضي الله عنه قال: والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة إنّه لعهد النّبيّ الأمّيّ صلى الله عليه وسلم إليّ: «لا يحبّني إلّا مؤمن، ولا يبغضني إلّا منافق» ) * «2» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلى الله عليه وسلم في (الوفاء)
37-
* (عن عائشة- رضي الله عنها قالت:
ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل من الأعراب جزورا «3» أو جزائر بوسق من تمر الذّخرة- وتمر الذّخرة العجوة- فرجع به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته والتمس له التّمر فلم يجده فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «يا عبد الله! إنّا قد ابتعنا منك جزورا أو جزائر بوسق من تمر الذّخرة فالتمسناه فلم نجده، قال: فقال الأعرابيّ: واغدراه، قالت: فنهمه «4» النّاس وقالوا: قاتلك الله، أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«دعوه، فإنّ لصاحب الحقّ مقالا» ، ثمّ عاد له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«يا عبد الله إنّا ابتعنا منك جزائرك ونحن نظنّ أنّ عندنا ما سمّينا لك، فالتمسناه فلم نجده» فقال الأعرابيّ: واغدراه، فنهمه النّاس، وقالوا: قاتلك الله، أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«دعوه، فإنّ لصاحب الحقّ مقالا» ، فردّد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّتين أو ثلاثا، فلمّا رآه لا يفقه عنه قال لرجل من أصحابه: اذهب إلى خويلة بنت حكيم بن أميّة فقل لها: رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك: إن كان عندك وسق من تمر فأسلفيناه حتّى نؤدّيه إليك إن شاء الله» فذهب إليها الرّجل، ثمّ رجع الرّجل فقال: قالت: نعم، هو عندي يا رسول الله فابعث من يقبضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرّجل:«اذهب به فأوفه الّذي له» قال: فذهب به فأوفاه الّذي له. قالت: فمرّ الأعرابيّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه فقال: جزاك الله خيرا. فقد أوفيت وأطيبت. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أولئك خيار عباد الله عند الله الموفون المطيّبون» ) * «5» .
38-
* (عن أبي رافع- رضي الله عنه قال:
بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمّا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقي في قلبي الإسلام. فقلت: يا رسول الله، إنّي والله لا أرجع إليهم أبدا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّي لا
(1) أحمد 6/ 52، 214 وبعضه فى الترمذي (3711) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وابن ماجه مقدمه (113) واللفظ له وقال محققه في الزوائد: إسناده صحيح. ورجاله ثقات.
(2)
مسلم (78) .
(3)
الجزور- بفتح الجيم- البعير ذكرا كان أو أنثى إلا أن اللفظة مؤنثة، والجمع جزر- بضمتين- وجزائر.
(4)
فنهمه الناس: أي زجروه.
(5)
رواه أحمد (6/ 268) واللفظ له. وقال الهيثمي في المجمع (4/ 1400) : إسناد أحمد صحيح.
أخيس بالعهد «1» ، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع، فإن كان في نفسك، الّذي في نفسك الآن، فارجع» قال:
فذهبت، ثمّ أتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فأسلمت) * «2» .
39-
* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: بينما يهوديّ يعرض سلعته، أعطي بها شيئا كرهه، فقال: لا والّذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار، فقام فلطم وجهه، وقال: تقول:
والّذي اصطفى موسى على البشر، والنّبيّ صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟ فذهب إليه فقال: أبا القاسم، إنّ لي ذمّة وعهدا، فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال:«لم لطمت وجهه؟» فذكره، فغضب النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتّى رؤي في وجهه، ثمّ قال:«لا تفضّلوا بين أولياء الله، فإنّه ينفخ في الصّور فيصعق من في السّماوات ومن في الأرض إلّا من شاء الله، ثمّ ينفخ فيه أخرى فأكون أوّل من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطّور، أم بعث قبلي» ) * «3» .
40-
* (عن المسور بن مخرمة ومروان- رضي الله عنهما قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية، حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إنّ خالد ابن الوليد بالغميم «4» في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين. فو الله ما شعر بهم خالد حتّى إذا هم بقترة «5» الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش، وسار النّبيّ صلى الله عليه وسلم، حتّى إذا كان بالثّنيّة الّتي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال النّاس: حل حل «6» .
فألحّت. فقالوا: خلأت القصواء «7» . فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
«ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق. ولكن حبسها حابس الفيل «8» . ثمّ قال: والّذي نفسي بيده لا يسألونني خطّة «9» يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها. ثمّ زجرها فوثبت. قال: فعدل عنهم حتّى نزل بأقصى الحديبية على ثمد «10» قليل الماء يتبرّضه النّاس «11» تبرّضا، فلم يلبّثه «12» النّاس حتّى نزحوه، وشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش؛ فانتزع سهما من كنانته، ثمّ أمرهم أن يجعلوه فيه، فو الله ما زال يجيش لهم بالرّيّ حتّى صدروا عنه «13» . فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعيّ في نفر من قومه من خزاعة- وكانوا عيبة نصح «14» رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة- فقال: إنّي تركت كعب بن لؤيّ وعامر بن لؤيّ، نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم
(1) لا أخيس بالعهد: أي لا أنقضه.
(2)
أبو داود (2758) . وقال الألباني (2396) : صحيح.
(3)
البخاري الفتح 6 (3414) .
(4)
الغميم: موضع بين مكة والمدينة.
(5)
قترة: بفتحتين: الغبار الأسود.
(6)
حل حل: هو زجر الناقة للنهوض.
(7)
خلأت القصواء: حرنت من غير علة والقصواء: اسم لناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(8)
حبسها حابس الفيل: أي حبسها الله عز وجل عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها.
(9)
خطّة: أي خصلة.
(10)
ثمد: بفتحتين- أي حفيرة فيها ماء مثمود أي قليل.
(11)
يتبرضه الناس: أي يأخذون منه قليلا قليلا.
(12)
لم يلبثه الناس: أي لم يتركوه يلبث أي يقيم.
(13)
يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه: أي يفور بالماء حتى رجعوا.
(14)
عيبة نصح رسول الله: أي موضع النصح له والأمانة على سره.
العوذ المطافيل «1» ، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّا لم نجىء لقتال أحد، ولكنّا جئنا معتمرين، وإنّ قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدّة ويخلّوا بيني وبين النّاس، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا، وإلّا فقد جمّوا «2» . وإن هم أبوا فو الّذي نفسي بيده، لأقاتلنّهم على أمري هذا حتّى تنفرد سالفتي «3» ، ولينفذنّ الله أمره» فقال بديل: سأبلّغهم ما تقول. قال:
فانطلق حتّى أتى قريشا، قال: إنّا جئناكم من هذا الرّجل، وسمعناه يقول قولا، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا. فقال: سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرونا عنه بشيء. وقال ذوو الرّأي منهم: هات ما سمعته يقول. قال سمعته يقول كذا وكذا. فحدّثهم بما قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم. فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم، ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى.
قال: فهل تتّهموني؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أنّي استنفرت أهل عكاظ، فلمّا بلّحوا «4» عليّ جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى. قال: فإنّ هذا قد عرض عليكم خطّة رشد، اقبلوها ودعوني آته. قالوا ائته. فأتاه، فجعل يكلّم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله لبديل. فقال عروة عند ذلك: أي محمّد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله «5» قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فإنّي والله لا أرى وجوها، وإنّي لأرى أشوابا «6» من النّاس خليقا «7» أن يفرّوا ويدعوك. فقال له أبو بكر:
امصص بظر اللّات «8» ، أنحن نفرّ عنه وندعه؟ فقال:
من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والّذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك.
قال: وجعل يكلّم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فكلّما تكلّم كلمة أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومعه السّيف وعليه المغفر «9» ، فكلّما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السّيف وقال له: أخّر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قال: المغيرة
بن شعبة. فقال: أي غدر «10» ، ألست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوما في الجاهليّة فقتلهم وأخذ أموالهم ثمّ جاء
(1) العوذ المطافيل: الناقة التي وضعت إلى أن يقوى ولدها.
(2)
جموا: أي قووا.
(3)
حتى تنفرد سالفتي: أي حتى أموت وأبقى منفردا في قبري، والسالفة: صفحة العنق.
(4)
بلّحوا: أي امتنعوا من الإجابة.
(5)
اجتاح أهله: أي أهلك أصلهم.
(6)
أشوابا: أي أخلاطا من أنواع شتى.
(7)
خليقا: أي حقيقا وجديرا.
(8)
امصص بظر اللات: البظر قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة، واللات اسم أحد الأصنام التي كانوا يعبدونها، وكانت عادة العرب الشتم بذلك لكن بلفظ «الأم» بدلا من «اللات» فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه.
(9)
المغفر: حلق يتقنع به المتسلح وربما كان مثل القلنسوة غير أنها أوسع.
(10)
أي غدر: مبالغة في وصفه بالغدر.
فأسلم. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أمّا الإسلام فأقبل، وأمّا المال فلست منه في شيء» . ثمّ إنّ عروة جعل يرمق «1» أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعينيه. قال: فو الله ما تنخّم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة «2» إلّا وقعت في كفّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه «3» ، وإذا تكلّموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النّظر تعظيما له. فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنّجاشيّ، والله إن رأيت مليكا قطّ يعظّمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم محمّدا والله إن يتنخّم نخامة إلّا وقعت في كفّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النّظر تعظيما له. وإنّه قد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة: دعوني آته، فقالوا:
ائته. فلمّا أشرف على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا فلان، وهو من قوم يعظّمون البدن «4» ، فابعثوها له.» فبعثت له، واستقبله النّاس يلبّون. فلمّا رأى ذلك قال: سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت. فلمّا رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلّدت وأشعرت، فما أرى أن يصدّوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال: دعوني آته.
فقالوا: ائته. فلمّا أشرف عليهم، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«هذا مكرز، وهو رجل فاجر» فجعل يكلّم النّبيّ صلى الله عليه وسلم. فبينما هو يكلّمه إذ جاء سهيل بن عمرو. قال معمر: فأخبرني أيّوب عن عكرمة أنّه لمّا جاء سهيل بن عمرو، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«قد سهل لكم من أمركم» قال معمر: قال الزّهريّ في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال:
هات اكتب بيننا وبينكم كتابا. فدعا النّبيّ صلى الله عليه وسلم الكاتب، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرّحمن الرّحيم فقال سهيل: أمّا «الرّحمن» فو الله ما أدري ما هي، ولكن اكتب: باسمك اللهمّ، كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «اكتب: باسمك اللهمّ» . ثمّ قال: «هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله» فقال سهيل: والله لو كنّا نعلم أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب «محمّد ابن عبد الله» ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«والله إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني، اكتب: محمّد بن عبد الله» . قال الزّهريّ: وذلك لقوله: «لا يسألونني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» . فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: على أن تخلّوا بيننا وبين البيت فنطوف به. فقال سهيل: والله لا تتحدّث العرب أنّا أخذنا ضغطة «5» . ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب، فقال سهيل: وعلى أنّه لا يأتيك منّا رجل وإن كان على
(1) يرمق: أي يلحظ.
(2)
النخامة: البزقة التي تخرج من أقصى الحلق ومن مخرج الخاء.
(3)
الوضوء- بفتح الواو: الماء الذي يتوضأ به.
(4)
البدن: جمع بدنة وهي تقع على الجمل والناقة والبقرة. وهي بالإبل أشبه. سميت بدنة لعظمها وسمنها.
(5)
أخذنا ضغطة: أي قهرا.
دينك إلّا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله، كيف يردّ إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده «1» ، وقد خرج من أسفل مكّة حتّى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمّد أوّل من أقاضيك عليه أن تردّه إليّ. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّا لم نقض الكتاب بعد» . قال: فو الله إذا لم أصالحك على شيء أبدا. قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «فأجزه لي» ، قال: ما أنا بمجيزه لك، قال:«بلى فافعل» ، قال: ما أنا بفاعل.
قال مكرز: بل قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أردّ إلى المشركين وقد جئت مسلما؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذّب عذابا شديدا في الله. قال: فقال عمر بن الخطّاب: فأتيت نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست نبيّ الله حقّا؟ قال: «بلى» قلت: ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ قال: «بلى» قلت: فلم نعطي الدّنيّة في ديننا إذا؟ قال: «إنّي رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري» ، قلت: أو ليس كنت تحدّثنا، أنّا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال:«بلى، فأخبرتك أنّا نأتيه العام؟» قال: قلت: لا. قال: «فإنّك آتيه ومطوّف به» . قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبيّ الله حقّا؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحقّ وعدّونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدّنيّة في ديننا إذا؟ قال: أيّها الرّجل، إنّه لرسول الله، وليس يعصي ربّه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه «2» ، فو الله إنّه على الحقّ. قلت: أليس كان يحدّثنا أنّا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنّك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنّك آتيه ومطوّف به. قال الزّهريّ: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا. قال: فلمّا فرغ من قضيّة الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
قوموا فانحروا ثمّ احلقوا. قال: فو الله ما قام منهم رجل، حتّى قال ذلك ثلاث مرّات، فلمّا لم يقم منهم أحد دخل على أمّ سلمة فذكر لها ما لقي من النّاس، فقالت أمّ سلمة: يا نبيّ الله،
أتحبّ ذلك؟ اخرج، ثمّ لا تكلّم أحدا منهم كلمة حتّى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلّم أحدا منهم حتّى فعل ذلك: نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلمّا رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتّى كاد بعضهم يقتل بعضا غمّا. ثمّ جاءه نسوة مؤمنات، فأنزل الله تعالى (الممتحنة/ 10) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ حتّى بلغ بِعِصَمِ الْكَوافِرِ فطلّق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشّرك، فتزوّج إحداهما، معاوية بن أبي سفيان والأخرى، صفوان بن أميّة، ثمّ رجع النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير- رجل من قريش- وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الّذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرّجلين، فخرجا به حتّى بلغا ذا
(1) يرسف في قيوده: أي يمشي مشيا بطيئا بسبب القيد.
(2)
فاستمسك بغرزه: الغرز للناقة مثل الحزام للفرس والمراد اعتلق به واتبع قوله وفعله ولا تخالفه.
الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرّجلين: والله إنّي لأرى سيفك هذا يا فلان جيّدا، فاستلّه الآخر فقال: أجل، والله إنّه لجيّد، لقد جرّبت به ثمّ جرّبت. فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتّى برد «1» ، وفرّ الآخر حتّى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه:«لقد رأى هذا ذعرا» ، فلمّا انتهى إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: قتل والله صاحبي وإنّي لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا نبيّ الله، قد والله أوفى الله ذمّتك قد رددتني إليهم، ثمّ أنجاني الله منهم. قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«ويل أمّه مسعر حرب «2» لو كان له أحد» فلمّا سمع ذلك عرف أنّه سيردّه إليهم، فخرج حتّى أتى سيف البحر «3» . قال وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلّا لحق بأبي بصير، حتّى اجتمعت منهم عصابة، فو الله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشّام إلّا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم. فأرسلت قريش إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرّحم لما أرسل فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النّبيّ صلى الله عليه وسلم إليهم، فأنزل الله تعالى (الفتح/ 24) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ حتّى بلغ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ وكانت حميّتهم أنّهم لم يقرّوا أنّه نبيّ الله، ولم يقرّوا ببسم الله الرّحمن الرّحيم، وحالوا بينهم وبين البيت) * «4» .
41-
* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما قال: كنت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنت على جمل ثفال «5» إنّما هو في آخر القوم، فمرّ بي النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال:«من هذا؟» قلت جابر بن عبد الله. قال:
«مالك؟» قلت: إنّي على جمل ثفال. قال: «أمعك قضيب؟» قلت: نعم. قال: «أعطنيه» ، فأعطيته فضربه فزجره، فكان من ذلك المكان من أوّل القوم.
قال: «بعنيه» ، فقلت: بل هو لك يا رسول الله. قال:
«بل بعينه. قد أخذته بأربعة دنانير ولك ظهره «6» إلى المدينة» . فلمّا دنونا من المدينة أخذت أرتحل، قال:«أين تريد؟» قلت: تزوّجت امرأة قد خلا منها.
قال: «فهلّا جارية تلاعبها وتلاعبك؟» . قلت: إنّ أبي توفّي وترك بنات فأردت أن أنكح امرأة قد جرّبت، خلا منها، قال:«فذلك» . فلمّا قدمنا المدينة قال: «يا بلال اقضه، وزده» . فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا.
قال جابر: لا تفارقني زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن القيراط يفارق جراب جابر بن عبد الله) * «7» .
42-
* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما قال: ما منعني أن أشهد بدرا إلّا أنّي خرجت أنا وأبي حسيل. قال: فأخذنا كفّار قريش. قالوا: إنّكم تريدون
(1) حتى برد: أي حتى مات.
(2)
ويل أمه مسعر حرب: ويل أمه كلمة ذم تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذم، مسعر حرب: أي من يسعرها كأنه يصفه بالإقدام في الحرب.
(3)
سيف البحر: أي ساحله.
(4)
البخاري- الفتح 5 (2732) . ومسلم مقطعا في (1783، 1784، 1785) .
(5)
جمل ثفال: أي بطيء السير.
(6)
ولك ظهره إلى المدينة: أي تركبه إلى المدينة.
(7)
البخاري- الفتح 4 (2309) .