الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والإنسان لا يقدر أن يهدي أحدا إلّا بالدّعاء وتعريف الطّرق دون سائر الهدايات، وإلى الأوّل أشار بقوله: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (الشورى/ 52)، وبقوله: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (الرعد/ 7) أي راع، وإلى سائر الهدايات أشار بقوله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ (القصص/ 56) . وكلّ هداية ذكر الله تعالى أنّه منع الكافرين والظّالمين فهي الهداية الثّالثة، الّتي هي التّوفيق الّذي يختصّ به المهتدون.
والرّابعة الّتي هي الثّواب في الآخرة، وإدخال الجنّة المشار إليها بقوله تعالى: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ (آل عمران/ 86) إلى قوله وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (الجمعة/ 5)«1» .
الهدى في القرآن الكريم:
أجمعت كتب الوجوه والنّظائر في القرآن الكريم أنّ لفظ الهدى وما اشتقّ منه أكثر الألفاظ وجوها وقد ذكر له مقاتل بن سليمان البلخيّ في الأشباه والنّظائر ويحيى بن سلّام في «التّصاريف» والسّيوطيّ في «الإتقان» سبعة عشر وجها، وذكر ابن الجوزيّ في «نزهة الأعين النّواظر» أربعة وعشرين وجها انفرد فيها بعشرة أوجه، وانفرد مقاتل وابن سلّام والسّيوطيّ بثلاثة، ومن ثمّ تصبح جملة الأوجه سبعة وعشرين وجها.
قال يحيى بن سلّام في تفسير لفظ «الهدى» وما اشتقّ منه سبعة عشر وجها:
الوجه الأوّل: هدى يعنى بيانا، وذلك قوله في البقرة: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ (البقرة/ 5) يعني على بيان من ربّهم، وقوله قَدَّرَ فَهَدى (الأعلى/ 3) يعني بيّن له سبيل الهدى وسبيل الضّلالة.
الوجه الثّاني: هدى يعني دين الإسلام، وذلك قوله في الحجّ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (الحج/ 67) يعني على دين مستقيم حقّ، وهو الإسلام. وقال في آل عمران قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ (آل عمران/ 73) يعني: إنّ الدّين دين الله وهو الإسلام، وهو الحقّ ونحوه كثير.
الوجه الثّالث: هدى يعني الإيمان. وذلك قوله في سورة مريم: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً (مريم/ 76) يعني يزيدهم إيمانا. وفي سورة سبأ أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى (سبأ/ 32) يعني عن الإيمان.
الوجه الرّابع: هدى يعنى دعاء، وذلك قوله فى الرّعد: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (الرعد/ 7) يعنى داعيا يعنى نبيّا، وفى الأنبياء وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ (الأنبياء/ 73) يعنى يدعون «بأمرنا» .
الوجه الخامس: هدى يعني معرفة وذلك قوله في النّحل: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (النحل/ 16) يعني يعرفون الطّرق، وفي سورة طه ثُمَّ اهْتَدى (طه/ 82) ، ثمّ عرف الصّواب. وفي الأنبياء فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (الأنبياء/ 31) يعني لعلّهم يعرفون الطّريق.
الوجه السّادس: هدى يعني أمرا، يعني أمر
(1) بصائر ذوي التمييز (5/ 313- 413) وانظر المفردات للراغب (538) .
النّبىّ، وذلك قوله فى الّذين كفروا مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى (محمد/ 25) يعني أمر محمّد أنّه رسول الله وقامت عليهم الحجّة بالنّبيّ والقرآن. وفي البقرة إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى (البقرة/ 159) يعني أمر محمّد أنّه رسول الله. وقال قتادة:
وكتموا الإسلام، وكتموا محمّدا وهم يجدونه مكتوبا عندهم.
الوجه السّابع: هدى يعنى رشدا. وذلك قوله فى القصص عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي (القصص/ 22) قال قتادة: أن يرشدني (سواء السّبيل) وفي ص وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (ص/ 22) يعني أرشدنا.
الوجه الثّامن: هدى يعني رسلا وكتبا. وذلك قوله في البقرة فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً (البقرة/ 38) يعني رسلا وكتبا، وفي سورة طه فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ يعني رسلي وكتبي، فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (طه/ 123) .
الوجه التّاسع: هدى يعني القرآن، وذلك قوله في النّجم وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (النجم/ 23) يعني القرآن فيه بيان كلّ شيء. وفي سورة الكهف وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى (الكهف/ 55) يعني القرآن.
الوجه العاشر: هدى يعني التّوراة، وذلك قوله فى سورة «غافر» : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى (غافر/ 53) يعني التّوراة. وفي الم السّجدة: وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (السجدة/ 23) يعني التّوراة.
الوجه الحادي عشر: هدى يعني التّوفيق.
وذلك قوله في البقرة: أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ((البقرة 157) إلى الاسترجاع والصّبر، يعني هم الموفّقون. وفي التّغابن وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ (التغابن/ 11) يعني يوفّق قلبه إلى الاسترجاع عند المصيبة ويسلّم ويرض ويعرف أنّها من الله.
الوجه الثّاني عشر: هدى يعني إقامة الحجّة.
وذلك قوله في البقرة وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (البقرة/ 258) . المشركين، لا يهديهم إلى الحجّة ولا يهديهم من الضّلالة إلى دينه.
الوجه الثّالث عشر: هدى يعني التّوحيد، وذلك قوله في القصص إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا (القصص/ 57) يعنى التّوحيد وهو الإيمان. وفي: إنّا فتحنا لك: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى (الفتح/ 28) يعني التّوحيد وَدِينِ الْحَقِّ يعني الإسلام.
الوجه الرّابع عشر: هدى يعني سنّة، وذلك قوله في الزّخرف وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (الزخرف/ 22) يعني مستنّون سنّتهم في الكفر. وفي الأنعام يقول للنّبيّ صلى الله عليه وسلم: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ (الأنعام/ 90) يعني بسنّتهم، التّوحيد «اقتده» يعني استنّ بها.
الوجه الخامس عشر: هدى يعني التّوبة، وذلك قوله في الأعراف إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ (الأعراف/ 156) تفسير مجاهد وقتادة: إنّا تبنا إليك.
الوجه السّادس عشر: يهدي يصلح، وذلك
قوله في سورة يوسف وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (يوسف/ 52) يعني لا يصلح عمل الزّناة.
الوجه السّابع عشر: هدى يعني الإلهام، وذلك قوله في طه الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (طه/ 50) يعني ألهمه لمرعاه، فمنها ما يأكل النّبت، ومنها ما يأكل الحبّ، ومنها ما يأكل اللّحم. وقوله (خلقه) يعني صورته الّتي تصلح له. قال: ثُمَّ هَدى يعني ألهمه كيف يأتي معيشته ومرعاه، وذلك قوله في سبّح اسم ربّك الأعلى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (الأعلى/ 3) يعني قدّر الخلق، الذّكر والأنثى، فهدى يعني ألهم كيف يأتيها وتأتيه.
وأضاف ابن الجوزيّ: في نزهة الأعين النّواظر عدّة أوجه أخرى وهي:
الوجه الثّامن عشر: الاستبصار، ومنه قوله تعالى في البقرة فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (البقرة/ 16) .
الوجه التّاسع عشر: الدّليل ومنه قوله تعالى في سورة طه أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (طه/ 10) قيل معناه (إن لم يكن هذه) نارا فعلّني أرى من يدلّني على النّار.
الوجه العشرون: التّعليم: ومنه قوله تعالى في سورة النّساء وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (النساء/ 26) .
الوجه الحادي والعشرون: الفضل: ومنه قوله تعالى في سورة النّساء: هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (النساء/ 50) أي: أفضل.
الوجه الثّاني والعشرون: التّقديم: ومنه قوله تعالى في سورة الصّافّات فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (الصافات/ 23) .
الوجه الثّالث والعشرون: الموت على الإسلام:
ومنه قوله تعالى في سورة طه وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (طه/ 82) .
الوجه الرّابع والعشرون: الثّواب: ومنه قوله تعالى في سورة اللّيل: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (الليل/ 12) .
الوجه الخامس والعشرون: الإذكار: ومنه قوله تعالى فى سورة الضّحى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى الضحى/ 7) أي ناسيا فذكّرك.
الوجه السّادس والعشرون: الصّواب: ومنه قوله تعالى: أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (العلق/ 11) .
الوجه السّابع والعشرون: الثّبات: ومنه قوله تعالى في سورة الفاتحة: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (الفاتحة/ 6) ، (أي ثبّتنا عليه)«1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- الإرشاد الإسلام- الإيمان- التبليغ- الثبات- الكلم الطيب- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الضلال- الغي والإغواء- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- الإعراض- التفريط والإفراط] .
(1) نزهة الأعين النواظر (629- 630)