المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المتفق عليه من مسند أبي ذر جندب بن جنادة الغفاري رضي الله عنه - الجمع بين الصحيحين للحميدي - جـ ١

[الحميدي، ابن أبي نصر]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌الْقسم الأول

- ‌مسانيد الْعشْرَة

- ‌مُسْند أبي بكر الصّديق رضي الله عنه الْمخْرج فِي الصَّحِيحَيْنِ البُخَارِيّ وَمُسلم أَو فِي أَحدهمَا

- ‌مَا انْفَرد البُخَارِيّ بِإِخْرَاجِهِ من ذَلِك

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند عمر بن الْخطاب رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌آخر مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي بكر وَعمر رضي الله عنهما وَعَن جَمِيع الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌أَفْرَاد مُسلم سوى مَا تقدم مِنْهَا

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند الزبير بن الْعَوام رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن سعد بن أبي وَقاص رضي الله عنه

- ‌ أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الرَّابِع: عَن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد عَن عَمه عَامر بن سعد: أَن سَعْدا ركب إِلَى قصره بالعقيق، فَوجدَ عبدا يقطع شَجرا أَو يخبطه، فسلبه، فَلَمَّا رَجَعَ سعدٌ جَاءَ أهل العَبْد، وكلموه أَن يرد على غلامهم أَو عَلَيْهِم مَا أَخذ من غلامهم، فَقَالَ: معَاذ الله أَن أرد شَيْئا

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل الْقرشِي رضي الله عنه

- ‌ حَدِيث وَاحِد عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح رضي الله عنه

- ‌الْقسم الثَّانِي مسانيد المقدمين بعد الْعشْرَة

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند عمار بن يَاسر رضي الله عنه

- ‌وَمن أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌ مُسْند حَارِثَة بن وهب الْخُزَاعِيّ [رضي الله عنه]

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أبي ذَر جُنْدُب بن جُنَادَة الْغِفَارِيّ رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند حُذَيْفَة بن الْيَمَان الْعَبْسِي رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند جرير بن عبد الله البَجلِيّ رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أبي جُحَيْفَة وهب بن عبد الله السوَائِي رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث عدي بن حَاتِم الطَّائِي رضي الله عنه

- ‌وَمن أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من جَابر بن سَمُرَة رضي الله عنه

- ‌وَمن أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن سُلَيْمَان بن صردٍ رضي الله عنه

- ‌ عُرْوَة بن الْجَعْد، وَقيل: ابْن أبي الْجَعْد الْبَارِقي رضي الله عنه

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن عمرَان بن حُصَيْن رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة رضي الله عنه

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن عبد الله بن مُغفل الْمُزنِيّ رضي الله عنه

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أبي بكرَة نفيع بن الْحَارِث رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌ مُسْند بُرَيْدَة بن الْحصيب رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ مُسْند عَائِذ بن عَمْرو [رضي الله عنه]

- ‌ مُسْند سَمُرَة بن جُنْدُب [رضي الله عنه]

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ مُسْند معقل بن يسارٍ رضي الله عنه

- ‌ مُسْند مَالك بن الْحُوَيْرِث رضي الله عنه

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن جُنْدُب بن عبد الله البَجلِيّ رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن معيقيب بن أبي فَاطِمَة رضي الله عنه

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن مجاشع ومجالد ابْني مَسْعُود السّلمِيّ رضي الله عنهما

- ‌ مُسْند يعلى بن أُميَّة رضي الله عنه

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن معَاذ بن جبلٍ رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أبي بن كَعْب الْأنْصَارِيّ رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أبي طَلْحَة زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ [رضي الله عنه]

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن عبَادَة بن الصَّامِت بن قيس الْأنْصَارِيّ شهد بَدْرًا، وَبَايع لَيْلَة الْعقبَة، رضي الله عنه

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رضي الله عنه واسْمه خَالِد بن زيد

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أبي بردة، هَانِئ بن نيار البلوي رضي الله عنه

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن زيد بن ثَابت الْأنْصَارِيّ رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن عَمْرو بن عَوْف، حَلِيف بني عَامر بن لؤَي [رضي الله عنه]

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أبي لبَابَة، عَامر بن الْمُنْذر، وَقيل: بشير بن الْمُنْذر [رضي الله عنه]

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن عتْبَان بن مَالك [رضي الله عنه]

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن سهل بن حنيف [رضي الله عنه]

- ‌ وَعَن قيس بن سعد الْأنْصَارِيّ [رضي الله عنه]

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أسيد بن حضير [رضي الله عنه]

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن كَعْب بن مَالك [رضي الله عنه]

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أبي أسيد السَّاعِدِيّ، مَالك بن ربيعَة الْأنْصَارِيّ [رضي الله عنه]

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن مُسْند أبي قَتَادَة الْحَارِث بن ربعي الْأنْصَارِيّ [رضي الله عنه]

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث أبي جهيم عبد الله بن الْحَارِث بن الصمَّة الخزرجي [رضي الله عنه]

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أبي الدَّرْدَاء الْأنْصَارِيّ [رضي الله عنه]

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث أبي حميد عبد الرَّحْمَن بن سعد بن الْمُنْذر السَّاعِدِيّ [رضي الله عنه]

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن عبد الله بن سَلام بن الْحَارِث [رضي الله عنه]

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن سهل بن أبي حثْمَة [رضي الله عنه]

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن ظهير بن رَافع، عَم رَافع بن خديج [رضي الله عنه]

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من رَافع بن خديج [رضي الله عنه]

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْأنْصَارِيّ [رضي الله عنه]

- ‌ حديثان عَن عبد الله بن يزِيد الخطمي [رضي الله عنه]

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أبي مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ [رضي الله عنه]

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ مُسْند شَدَّاد بن أَوْس [رضي الله عنه]

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند النُّعْمَان بن بشير [رضي الله عنه]

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند زيد بن أَرقم، ويكنى أَبَا عَمْرو [رضي الله عنه]

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ مُسْند ثَابت بن الضَّحَّاك الْأنْصَارِيّ يكنى أَبَا زيد [رضي الله عنه]

- ‌ مُسْند أبي بشير الْأنْصَارِيّ [رضي الله عنه]

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند الْبَراء بن عَازِب رضي الله عنه

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند زيد بن خَالِد بن جُهَيْنَة الْجُهَنِيّ [رضي الله عنه]

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند سهل بن سعد السَّاعِدِيّ [رضي الله عنه]

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند مَالك بن صعصعة [رضي الله عنه]

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن كَعْب بن عجْرَة [رضي الله عنه]

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أبي بَرزَة نَضْلَة بن عبيد [رضي الله عنه]

- ‌أَفْرَاد مُسلم

- ‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند سَلمَة بن الْأَكْوَع [رضي الله عنه]

- ‌أَفْرَاد البُخَارِيّ

- ‌أَفْرَاد مُسلم

الفصل: ‌ المتفق عليه من مسند أبي ذر جندب بن جنادة الغفاري رضي الله عنه

(14)

‌ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أبي ذَر جُنْدُب بن جُنَادَة الْغِفَارِيّ رضي الله عنه

354 -

الأول: فِي إِسْلَام أبي ذَر بِطُولِهِ عَن عبد الله بن عَبَّاس فِي رِوَايَة سلم بن قُتَيْبَة قَالَ: أَلا أخْبركُم بِإِسْلَام أبي ذَر؟ قُلْنَا: بلَى. قَالَ: قَالَ أَبُو ذَر: كنت رجلا من غفار، فَبَلغنَا أَن رجلا خرج بِمَكَّة يزْعم أَنه نَبِي. فَقلت لأخي: انْطلق إِلَى هَذَا الرجل فَكَلمهُ وائتني بِخَبَرِهِ

وَذكر الحَدِيث.

وَفِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن مهْدي بِمَعْنَاهُ، وأوله:

أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما بلغ أَبَا ذَر مبعث النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِمَكَّة قَالَ لِأَخِيهِ: اركب إِلَى هَذَا الْوَادي فَاعْلَم لي علم هَذَا الرجل الَّذِي يزْعم أَنه نبيٌّ يَأْتِيهِ الْخَبَر من السَّمَاء، واسمع من قَوْله، ثمَّ ائْتِنِي.

فَانْطَلق حَتَّى قدم مَكَّة وَسمع من قَوْله، ثمَّ رَجَعَ إِلَى أبي ذَر فَقَالَ: رَأَيْته يَأْمر بمكارم الْأَخْلَاق، وكلاماً مَا هُوَ بالشعر، فَقَالَ: مَا شفيتني فِيمَا أردْت. فتزود وَحمل شنةً لَهُ فِيهَا ماءٌ، حَتَّى قدم مَكَّة، فَأتى الْمَسْجِد، فالتمس النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَلَا يعرفهُ، وَكره أَن يسْأَل عَنهُ حَتَّى إِذا أدْركهُ اللَّيْل، فاضطجع، فَرَآهُ عليٌّ، فَعرف أَنه غريبٌ. فَلَمَّا رَآهُ تبعه، فَلم يسْأَل واحدٌ مِنْهُمَا صَاحبه عَن شَيْء حَتَّى أصبح، ثمَّ احْتمل قربته وزاده إِلَى الْمَسْجِد، فظل ذَلِك الْيَوْم وَلَا يرى النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَمْسَى فَعَاد إِلَى مضجعه، فَمر بِهِ عليٌّ فَقَالَ: مَا آن للرجل أَن يعلم منزله؟ فأقامه، فَذهب مَعَه وَلَا يسْأَل واحدٌ مِنْهُمَا صَاحبه عَن شَيْء، حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم الثَّالِثَة فعل مثل ذَلِك، فأقامه عليٌّ مَعَه، ثمَّ قَالَ لَهُ: أتحدثني مَا الَّذِي أقدمك إِلَى هَذَا الْبَلَد؟

ص: 257

قَالَ: إِن أَعْطَيْتنِي عهدا وميثاقاً لترشدني فعلت. فَفعل، فَقَالَ: فَإِنَّهُ حقٌّ، وَهُوَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَإِذا أَصبَحت فاتبعني، فَإِنِّي إِن رَأَيْت شَيْئا أخافه عَلَيْك قُمْت كَأَنِّي أريق المَاء، فَإِن مضيت فاتبعني حَتَّى تدخل مدخلي فَفعل، فَانْطَلق يقفوه حَتَّى دخل على النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَدخل مَعَه، فَسمع من قَوْله وَأسلم مَكَانَهُ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم:" ارْجع إِلَى قَوْمك، فَأخْبرهُم حَتَّى يَأْتِيك أَمْرِي " فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لأصرخن بهَا بَين ظهرانيهم، فَخرج حَتَّى أَتَى الْمَسْجِد فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. وثار الْقَوْم فضربوه حَتَّى أضجعوه، وأتى الْعَبَّاس فأكب عَلَيْهِ، قَالَ: وَيْلكُمْ، ألستم تعلمُونَ أَنه من غفار، وَأَن طَرِيق تجاركم إِلَى الشَّام عَلَيْهِم، فأنقذه مِنْهُم. ثمَّ عَاد من الْغَد بِمِثْلِهَا، وثاروا إِلَيْهِ فضربوه، فأكب عَلَيْهِ الْعَبَّاس فأنقذه.

وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ لما أسلم: " يَا أَبَا ذَر، اكتم هَذَا وارجع إِلَى بلدك، فَإِذا بلغك ظُهُورنَا فَأقبل ". قَالَ: فَقلت: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ، لأصرخن بهَا بَين أظهرهم

وَذكر نَحوه. وَقَالَ: وَكَانَ هَذَا أول إِسْلَام أبي ذَر.

وَهُوَ فِي أَفْرَاد مُسلم على مساقٍ آخر يُوجب إِيرَاده: عَن عبد الله بن الصَّامِت قَالَ: قَالَ أَبُو ذَر: خرجنَا من قَومنَا غفار، وَكَانُوا يحلونَ الشَّهْر الْحَرَام، فَخرجت أَنا وَأخي أنيس وَأمنا، فنزلنا على خَال لنا، فَأَكْرَمَنَا خَالنَا وَأحسن إِلَيْنَا، فَحَسَدنَا قومه، فَقَالُوا: إِنَّك إِذا خرجت عَن أهلك خَالف إِلَيْهِم أنيس، فجَاء خَالنَا فَنَثَا علينا الَّذِي قيل لَهُ، فَقلت: أما مَا مضى من مَعْرُوفك فقد كدرته، وَلَا جماع لَك فِيمَا بعد، فَقَرَّبْنَا صِرْمَتنَا فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا، وتغطى خَالنَا بِثَوْبِهِ، فَجعل يبكي.

ص: 258

فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نزلنَا بِحَضْرَة مَكَّة، فنافر أنيسٌ عَن صِرْمَتنَا وَعَن مثلهَا، فَأتيَا الكاهن، فَخير أنيساً، فَأَتَانَا أنيس بصرمتنا وَمثلهَا مَعهَا قَالَ: وَقد صليت يَا ابْن أخي قبل أَن ألْقى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِثَلَاث سِنِين. قلت: لمن؟ قَالَ: لله؟ قلت: فَأَيْنَ توجه؟ قَالَ: أتوجه حَيْثُ يوجهني رَبِّي، أُصَلِّي عشَاء حَتَّى إِذا كَانَ من آخر اللَّيْل ألقيت كَأَنِّي خَفَاء حَتَّى تعلوني الشَّمْس. فَقَالَ أنيس: إِن لي حَاجَة بِمَكَّة فَاكْفِنِي. فَانْطَلق أنيس حَتَّى أَتَى مَكَّة، فَرَاثَ عَليّ، ثمَّ جَاءَ، فَقلت: مَا صنعت؟ قَالَ: لقِيت رجلا بِمَكَّة على دينك يزْعم أَن الله أرْسلهُ. قلت: فَمَا يَقُول النَّاس؟ قَالَ: يَقُولُونَ: شَاعِر، كَاهِن، سَاحر. وَكَانَ أنيسٌ أحد الشُّعَرَاء، قَالَ أنيس: لقد سَمِعت قَول الكهنة فَمَا هُوَ بقَوْلهمْ، وَلَقَد وضعت قَوْله على أَقراء الشّعْر فَمَا يلتئم على لِسَان أحدٍ بعدِي أَنه شعر، وَالله إِنَّه لصادقٌ، وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ.

قَالَ: قلت: فَاكْفِنِي حَتَّى أذهب فَأنْظر. قَالَ: فَأتيت مَكَّة، فَتَضَعَّفْت رجلا مِنْهُم، فَقلت: أَيْن هَذَا الَّذِي تَدعُونَهُ الصَّابِئ. فَأَشَارَ إِلَيّ فَقَالَ: الصابيء الصابيء، فَمَال عَليّ أهل الْوَادي بِكُل مدرةٍ وَعظم حَتَّى خَرَرْت مغشياً عَليّ.

قَالَ: فارتفعت حِين ارْتَفَعت كَأَنِّي نصب أَحْمَر، قَالَ: فَأتيت زَمْزَم، فغسلت عني الدِّمَاء، وشربت من مَائِهَا، وَلَقَد لَبِثت يَا ابْن أخي ثَلَاثِينَ بَين لَيْلَة وَيَوْم، وَمَا كَانَ لي طَعَام إِلَّا مَاء زَمْزَم، فَسَمنت حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَن بَطْني، وَمَا وجدت على كَبِدِي سخْفَة جوع.

ص: 259

قَالَ: فَبَيْنَمَا أهل مَكَّة فِي لَيْلَة قَمْرَاء إِضْحِيَان، إِذْ ضرب على أصمختهم، فَمَا يطوف بِالْبَيْتِ أحد، وَامْرَأَتَانِ مِنْهُم تدعوان أسافاً ونائلة. قَالَ: فَأَتَتَا عَليّ فِي طوافهما، فَقلت: أنكحا أَحدهمَا الْأُخْرَى. قَالَ: فَمَا تناهتا عَن قَوْلهمَا. قَالَ: فَأَتَتَا عَليّ فَقلت: هنٌ مثل الْخَشَبَة غير أَنِّي لَا أكني. فانطلقتا تُوَلْوِلَانِ وَتَقُولَانِ: لَو كَانَ هَا هُنَا أحدٌ من أَنْفَارنَا. قَالَ: فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بكر وهما هَابِطَانِ، قَالَتَا: الصَّابِئ بَين الْكَعْبَة وَأَسْتَارهَا. قَالَ: " مَا قَالَ لَكمَا؟ " قَالَتَا: إِنَّه قَالَ كلمة تملا الْفَم.

وَجَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى اسْتَلم الْحجر، وَطَاف بِالْبَيْتِ هُوَ وَصَاحبه، ثمَّ صلى، فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ أَبُو ذَر: فَكنت أول من حَيَّاهُ بِتَحِيَّة الْإِسْلَام: قَالَ: " وَعَلَيْك وَرَحْمَة الله ". ثمَّ قَالَ: " من أَنْت "؟ قلت: من غفار. قَالَ: فَأَهوى بِيَدِهِ فَوضع أَصَابِعه على جَبهته، فَقلت فِي نَفسِي: كره أَن انتميت إِلَى غفار، فَذَهَبت آخذ بِيَدِهِ، فقدعني صَاحبه، وَكَانَ أعلم بِهِ مني، ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ:" مَتى كنت هَا هُنَا؟ " قَالَ: قلت: قد كنت هَا هُنَا من ثَلَاثِينَ بَين لَيْلَة وَيَوْم. قَالَ: " فَمن كَانَ يطعمك؟ " قَالَ: قلت: مَا كَانَ لي طعامٌ إِلَّا مَاء زَمْزَم، فَسَمنت حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَن بَطْني، وَمَا أجد على كَبِدِي سخْفَة جوع. قَالَ: " إِنَّهَا مباركةٌ، إِنَّهَا طَعَام طعمٍ. فَقَالَ أَبُو بكر رضي الله عنه: يَا رَسُول الله، ائْذَنْ لي فِي طَعَامه اللَّيْلَة. فَانْطَلق رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بكر، وَانْطَلَقت مَعَهُمَا، فَفتح أَبُو بكر بَابا، فَجعل يقبض لنا من زبيب الطَّائِف، فَكَانَ ذَلِك أول طَعَام أَكلته بهَا.

ص: 260

ثمَّ غبرت مَا غبرت، ثمَّ أتيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:

إِنَّه قد وجهت لي أرضٌ ذَات نخلٍ، لَا أَرَاهَا إِلَّا يثرب، فَهَل أَنْت مبلغٌ عني قَوْمك، عَسى الله أَن يَنْفَعهُمْ بك ويأجرك فيهم ".

فَأتيت أنيساً فَقَالَ: مَا صنعت؟ قلت: صنعت أَنِّي قد أسلمت وصدقت. قَالَ: مَا بِي رغبةٌ عَن دينك. فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَومنَا غفارًا، فَأسلم نصفهم، وَكَانَ يؤمهم إِيمَاء بن رحضة الْغِفَارِيّ - وَكَانَ سيدهم، وَقَالَ نصفهم: إِذا قدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة أسلمنَا. فَقدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَأسلم نصفهم الْبَاقِي. وَجَاءَت أسلم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، إخوتنا، نسلم على الَّذِي أَسْلمُوا عَلَيْهِ، فأسلموا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:" غفارٌ غفر الله لَهَا، وَأسلم سَالَمَهَا الله ".

زَاد بعض الروَاة بعد قَول أبي ذَر لِأَخِيهِ: فَاكْفِنِي حَتَّى أذهب فَأنْظر: فَقَالَ: نعم، وَكن على حذرٍ من أهل مَكَّة، فَإِنَّهُم قد شنفوا لَهُ وتجهموا.

وَفِي رِوَايَة قَالَ:

فتنافرا إِلَى رجل من الْكُهَّان، فَلم يزل أخي يمدحه حَتَّى غَلبه، فأخذنا صرمته.

أعَاد مُسلم فِي أَفْرَاده عَن عبد الله بن الصَّامِت عَن أبي ذَر طرفا من هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم:

أسلم سَالَمَهَا الله، وغفارٌ غفر الله لَهَا ".

جَمعنَا الْحَدِيثين على اخْتِلَافهمَا لاتِّفَاقهمَا فِي ذكر إِسْلَام أبي ذَر رضي الله عنه.

ص: 261

355 -

الثَّانِي: فِي ذكر الْمِعْرَاج:

عَن أنس بن مَالك قَالَ: كَانَ أَبُو ذَر يحدث أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: " فرج سقف بَيْتِي وَأَنا بِمَكَّة، فَنزل جِبْرِيل صلى الله عليه وسلم، فَفرج صَدْرِي، ثمَّ غسله من مَاء زَمْزَم، ثمَّ جَاءَ بطست من ذهبٍ ممتلئٍ حِكْمَة وإيماناً، فأفرغها فِي صَدْرِي ثمَّ أطبقه، ثمَّ أَخذ بيَدي فعرج بِي إِلَى السَّمَاء، فَلَمَّا جِئْنَا السَّمَاء الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيل لخازن السَّمَاء الدُّنْيَا: افْتَحْ. قَالَ: من هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيل. قَالَ: هَل مَعَك أحدٌ؟ قَالَ: نعم، معي مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَأرْسل إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعم، فافتح. قَالَ: فَلَمَّا علونا السَّمَاء الدُّنْيَا، فَإِذا رجلٌ عَن يَمِينه أَسْوِدَة، وَعَن يسَاره أسودةٌ. قَالَ: فَإِذا نظر قبل يَمِينه ضحك، وَإِذا نظر قبل شِمَاله بَكَى. قَالَ: فَقَالَ: مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالِابْن الصَّالح. قَالَ: قلت: يَا جِبْرِيل، من هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدم صلى الله عليه وسلم، وَهَذِه الأسودة عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله نسم بنيه، فَأهل الْيَمين أهل الْجنَّة، والأسودة الَّتِي عَن شِمَاله أهل النَّار. فَإِذا نظر قبل يَمِينه ضحك، وَإِذا نظر قبل شِمَاله بَكَى.

قَالَ: ثمَّ عرج بِي جِبْرِيل حَتَّى أَتَى السَّمَاء الثَّانِيَة، فَقَالَ لخازنها: افْتَحْ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ خازنها مثل مَا قَالَ لخازن السَّمَاء الدُّنْيَا، فَفتح ".

فَقَالَ أنس بن مَالك: فَذكر أَنه وجد فِي السَّمَوَات آدم وَإِدْرِيس وَعِيسَى ومُوسَى وَإِبْرَاهِيم صلوَات الله عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم، وَلم يثبت كَيفَ مَنَازِلهمْ، غير أَنه ذكر أَنه وجد آدم عليه السلام فِي السَّمَاء الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيم عليه السلام فِي السَّمَاء السَّادِسَة.

قَالَ: فَلَمَّا مر جِبْرِيل وَرَسُول الله بِإِدْرِيس صلوَات الله عَلَيْهِم قَالَ: مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالْأَخ الصَّالح. قَالَ: ثمَّ مر، فَقلت: من هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيس. قَالَ: ثمَّ مَرَرْت بمُوسَى فَقَالَ: مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالْأَخ الصَّالح. قَالَ: قلت: من

ص: 262

هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُوسَى. قَالَ: ثمَّ مَرَرْت بِعِيسَى. فَقَالَ: مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالْأَخ الصَّالح. قَالَ: قلت: من هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى ابْن مَرْيَم. قَالَ: ثمَّ مَرَرْت بإبراهيم عليه السلام فَقَالَ: مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالِابْن الصَّالح. قَالَ: قلت من هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيم ".

قَالَ ابْن شهَاب: وَأَخْبرنِي ابْن حزمٍ أَن ابْن عَبَّاس وَأَبا حَيَّة الْأنْصَارِيّ يَقُولَانِ:

قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: " ثمَّ عرج بِي حَتَّى ظَهرت لمستوى أسمع فِيهِ صريف الأقلام " قَالَ ابْن حزم وَأنس بن مَالك: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: " فَفرض الله على أمتِي خمسين صَلَاة. قَالَ: فَرَجَعت بذلك حَتَّى أَمر بمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى عليه السلام: مَاذَا فرض رَبك على أمتك؟ قَالَ: قلت: فرض عَلَيْهِم خمسين صَلَاة.

قَالَ لي مُوسَى: فراجع رَبك، فَإِن أمتك لَا تطِيق ذَلِك. قَالَ: فراجعت رَبِّي، فَوضع شطرها، قَالَ: فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرته، قَالَ: رَاجع رَبك؛ فَإِن أمتك لَا تطِيق ذَلِك. قَالَ: فراجعت رَبِّي فَقَالَ: هِيَ خمسٌ، وَهِي خَمْسُونَ، لَا يُبدل القَوْل لدي. قَالَ: فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقَالَ: رَاجع رَبك. فَقلت: قد استحييت من رَبِّي. قَالَ: ثمَّ انْطلق بِي جِبْرِيل حَتَّى نأتي سِدْرَة الْمُنْتَهى، فغشيها ألوانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ. قَالَ: ثمَّ أدخلت الْجنَّة، فَإذْ فِيهَا جنابذ اللُّؤْلُؤ، وَإِذا ترابها الْمسك ".

356 -

الثَّالِث: عَن زيد بن وهب الْجُهَنِيّ عَن أبي ذَر من رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن زيد قَالَ: خرجت لَيْلَة من اللَّيَالِي، فَإِذا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وَحده، لَيْسَ مَعَه إِنْسَان، فَظَنَنْت أَنه يكره أَن يمشي مَعَه أحد. قَالَ: فَجعلت أَمْشِي فِي ظلّ الْقَمَر، فَالْتَفت فرآني، فَقَالَ:" من هَذَا؟ " فَقلت: أَبُو ذَر، جعلني الله فدَاك.

ص: 263

قَالَ: " يَا أَبَا ذَر تعاله " قَالَ: فمشيت مَعَه سَاعَة، فَقَالَ:" إِن المكثرين هم المقلون يَوْم الْقِيَامَة، إِلَّا من أعطَاهُ الله خيرا، فنفح فِيهِ يَمِينه وشماله، وَبَين يَدَيْهِ ووراءه، وَعمل فِيهِ خيرا ".

قَالَ: فمشيت مَعَه سَاعَة فَقَالَ:

اجْلِسْ هَا هُنَا " قَالَ: فأجلسني فِي قاع حوله حجارةٌ، فَقَالَ لي: " اجْلِسْ هَا هُنَا حَتَّى أرجع إِلَيْك " قَالَ: فَانْطَلق فِي الْحرَّة حَتَّى لَا أرَاهُ، فَلبث عني، فَأطَال اللّّبْث، ثمَّ إِنِّي سمعته وَهُوَ مقبلٌ وَهُوَ يَقُول: " وَإِن سرق وَإِن زنى ". قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ لم أَصْبِر، فَقلت: يَا نَبِي الله، جعلني الله فدَاك، من تكلم فِي جَانب الْحرَّة، مَا سَمِعت أحدا يرجع إِلَيْك شَيْئا؟ قَالَ: " ذَلِك جِبْرِيل، عرض لي فِي جَانب الْحرَّة، فَقَالَ: بشر أمتك أَنه من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة. فَقلت: يَا جِبْرِيل، وَإِن سرق وغن زنى؟ قَالَ: نعم ". فَقلت: يَا رَسُول الله، وَإِن سرق وَإِن زنى؟ قَالَ: " نعم " قلت: وَإِن زنى؟ قَالَ: " نعم، وَإِن شرب الْخمر ".

لَيْسَ عندنَا فِي رِوَايَة مُسلم " يَا رَسُول الله " وَصَحَّ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ، وبإسقاطه يحْتَمل أَن يكون ذَلِك من مُخَاطبَة جِبْرِيل عليه السلام.

وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش وَعبد الْعَزِيز بن رفيع وحبِيب بن أبي ثَابت نَحوه عَن أبي ذَر.

وَفِي الْكِتَابَيْنِ من رِوَايَة الْمَعْرُور بن سُوَيْد عَن أبي ذَر عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ:

أَتَانِي جِبْرِيل فبشرني أَنه من مَاتَ من أمتك لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة. قلت: وَإِن زنى وَإِن سرق؟ قَالَ: وَإِن زنى وَإِن سرق ".

ص: 264

وَمن رِوَايَة أبي الْأسود الدؤَلِي عَن أبي ذَر نَحْو هَذَا الْفَصْل:

أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَا من عبدٍ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ مَاتَ على ذَلِك إِلَّا دخل الْجنَّة " قلت: وَإِن زنى وَإِن سرق؟ قَالَ: " وَإِن زنى وَإِن سرق " ثَلَاثًا. ثمَّ فِي الرَّابِعَة: " على رغم أنف أبي ذَر ". وَفِيه: أَتَيْته وَعَلِيهِ ثوب أَبيض.

وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ عَن حبيب وَحده عَن زيد بن وهب عَنهُ:

أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: " قَالَ لي جِبْرِيل: من مَاتَ من أمتك لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة، وَلم يدْخل النَّار. قلت: وَإِن زنى إِن سرق؟ قَالَ: نعم ".

357 -

الرَّابِع: عَن زيد بن وهب عَنهُ - من رِوَايَة مهَاجر أبي الْحسن الصَّائِغ - عَن زيد قَالَ: أذن مُؤذن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِالظّهْرِ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم:" أبرد، أبرد " أَو قَالَ: " انْتظر، انْتظر " وَقَالَ: إِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم، فَإِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا عَن الصَّلَاة "، قَالَ أَبُو ذَر: حَتَّى رَأينَا فَيْء التلول.

358 -

الْخَامِس: عَن قيس بن عبَادَة قَالَ: سَمِعت أَبَا ذَر يقسم قسما أَن: {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} [سُورَة الْحَج]، أَنَّهَا نزلت فِي الَّذين برزوا يَوْم بدرٍ: حَمْزَة وَعلي وَعبيدَة بن الْحَارِث، وَعتبَة وَشَيْبَة ابْنا ربيعَة والوليد بن عتبَة.

وَهَذَا آخر حَدِيث فِي كتاب مُسلم بن الْحجَّاج رَحْمَة الله عَلَيْهِ. وَفِي مُسْند عَليّ نَحوه من رِوَايَة قيس بن عباد عَنهُ أَيْضا. @ 359 - السَّادِس: عَن يزِيد بن شريك بن طَارق التَّمِيمِي عَن أبي ذَر قَالَ: كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِد عِنْد غرُوب الشَّمْس، فَقَالَ: " يَا أَبَا ذَر، أَتَدْرِي أَيْن

ص: 265

تذْهب الشَّمْس؟ " فَقلت: الله وَرَسُوله أعلم. فَقَالَ: " تذْهب تسْجد تَحت الْعَرْش، فَتَسْتَأْذِن فَيُؤذن لَهَا، ويوشك أَن تسْجد فَلَا يقبل مِنْهَا، وتستأذن فَلَا يُؤذن لَهَا، فَيُقَال لَهَا: ارجعي من حَيْثُ جِئْت، فَتَطلع من مغْرِبهَا، فَذَلِك قَوْله عز وجل:{وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم} [سُورَة يس] .

فِي رِوَايَة: ثمَّ قَرَأَ (ذَلِك مستقرٌّ لَهَا) فِي قِرَاءَة عبد الله.

وَفِي رِوَايَة: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:

تَدْرُونَ مَتى ذاكم؟ ذَاك حِين لَا ينفع نفسا إيمَانهَا لم تكن آمَنت من قبل أَو كسبت فِي إيمَانهَا خيرا.

وَفِي رِوَايَة وَكِيع مختصرة:

سَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن قَوْله: {وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا} قَالَ: " مستقرها تَحت الْعَرْش ".

360 -

السَّابِع: فِي أول مسجدٍ وضع فِي الأَرْض:

عَن إِبْرَاهِيم بن يزِيد بن شريك التَّيْمِيّ قَالَ: كنت أَقرَأ على أبي الْقُرْآن فِي السدة، فَإِذا قَرَأت السَّجْدَة سجد، فَقلت: يَا أَبَت، أتسجد فِي الطَّرِيق؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعت أَبَا ذَر يَقُول: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن أول مسجدٍ وضع فِي الأَرْض. قَالَ: " الْمَسْجِد الْحَرَام ". قلت: ثمَّ إِي: قَالَ: " الْمَسْجِد الْأَقْصَى " قلت: كم بَينهمَا؟ قَالَ: " أَرْبَعُونَ عَاما، ثمَّ الأَرْض لَك مَسْجِد، فَحَيْثُمَا أَدْرَكتك الصَّلَاة فصل ".

زَاد فِي رِوَايَة البُخَارِيّ: " فَإِن الْفضل فِيهِ "، وَأول حَدِيثه: قلت: يَا رَسُول الله، أَي مسجدٍ وضع فِي الأَرْض أول؟

.

ص: 266

361 -

الثَّامِن: عَن الْأَحْنَف بن قيس قَالَ: قدمت الْمَدِينَة، فَبينا أَنا فِي حَلقَة فِيهَا ملأٌ من قُرَيْش، إِذْ جَاءَ رجلٌ اخشن الثِّيَاب، أخشن الْجَسَد، خشن الْوَجْه، فَقَامَ عَلَيْهِم فَقَالَ: بشر الكانزين برضف يحمى عَلَيْهِ فِي نَار جَهَنَّم، فَيُوضَع على حلمة أحدهم حَتَّى يخرج من نغض كَتفيهِ، وَيُوضَع على نغض كَتفيهِ حَتَّى يخرج من حلمة ثدييه، يتزلزل. قَالَ: فَوضع الْقَوْم رؤوسهم، فَمَا رَأَيْت أحدا مِنْهُم رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئا.

قَالَ: فَأَدْبَرَ، فاتبعته حَتَّى جلس إِلَى سَارِيَة فَقلت: مَا رَأَيْت هَؤُلَاءِ إِلَّا كَرهُوا مَا قلت لَهُم. فَقَالَ: إِن هَؤُلَاءِ لَا يعْقلُونَ شَيْئا، إِن خليلي أَبَا الْقَاسِم صلى الله عليه وسلم دَعَاني فأجبته، فَقَالَ:" أَتَرَى أحدا؟ " فَنَظَرت مَا عَليّ من الشَّمْس، وَأَنا أَظن أَنه يَبْعَثنِي فِي حَاجَة، فَقلت: أرَاهُ. فَقَالَ: " مَا يسرني أَن لي مثله ذَهَبا أنفقهُ كُله إِلَّا ثَلَاثَة دَنَانِير، ثمَّ هَؤُلَاءِ يجمعُونَ الدُّنْيَا لَا يعْقلُونَ شَيْئا " قَالَ: قلت: مَا لَك ولإخوانك من قُرَيْش لَا تعتريهم وتصيب مِنْهُم؟ قَالَ: لَا وَرَبك لَا أسألهم عَن دنيا وَلَا أستفتيهم عَن دينٍ حَتَّى ألحق بِاللَّه وَرَسُوله.

هَذَا لفظ حَدِيث مُسلم، وَهُوَ عِنْد البُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ. وَعند بعض الروَاة فِيهِ: أَن الْأَحْنَف قَالَ: كنت فِي نفرٍ من قُرَيْش، فَمر أَبُو ذرٍّ وَهُوَ يَقُول: بشر الكانزين بكي فِي ظُهُورهمْ يخرج من جنُوبهم، وبكي من قبل أقفائهم يخرج من جباههم.

ثمَّ تنحى فَقعدَ، فَقلت: من هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو ذَر. قَالَ: فَقُمْت إِلَيْهِ فَقلت: مَا

ص: 267

شيءٌ سَمِعتك تَقول قبيل؟ قَالَ: مَا قلت إِلَّا شَيْئا سمعته من نَبِيّهم صلى الله عليه وسلم. قَالَ: قلت: مَا تَقول فِي هَذَا الْعَطاء؟ قَالَ: خُذْهُ، فَإِن فِيهِ الْيَوْم معونةٌ، فَإِذا كَانَ ثمنا لدينك فَدَعْهُ.

وَبَعض هَذَا الْمَعْنى فِي رِوَايَة الْأَعْمَش وَعبد الْعَزِيز بن رفيع وحبِيب بن أبي ثَابت عَن زيد بن وهب عَن أبي ذَر قَالَ:

كنت أَمْشِي مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ينظر إِلَى أحدٍ فَقَالَ: " مَا أحب أَن يكون لي ذَهَبا يُمْسِي عَلَيْهِ ثالثةٌ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْء " وَفِي رِوَايَة: " وَعِنْدِي مِنْهُ دينارٌ إِلَّا دينارٌ أرصده لدينٍ، إِلَّا أَن أَقُول بِهِ فِي عباد الله هَكَذَا " حثا بَين يَدَيْهِ - وَهَكَذَا عَن يَمِينه، وَهَكَذَا عَن شِمَاله -. وَهَذَا طرف من حَدِيث قد تقدم طرفٌ مِنْهُ.

362 -

التَّاسِع: عَن الْمَعْرُور بن سُوَيْد قَالَ: رَأَيْت أَبَا ذَر وَعَلِيهِ حلةٌ، وعَلى غلامة حلةٌ مثلهَا، فَسَأَلته عَن ذَلِك، فَذكر أَنه سَاب رجلا على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَعَيَّرَهُ بِأُمِّهِ، فَأتى الرجل النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَذكر ذَلِك لَهُ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم:" إِنَّك امرؤٌ فِيك جَاهِلِيَّة ".

فِي رِوَايَة قلت: على سَاعَتِي هَذِه من كبر السن؟ قَالَ: " نعم، هم إخْوَانكُمْ وخولكم، جعلهم الله تَحت أَيْدِيكُم، فَمن كَانَ أَخُوهُ تَحت يَدَيْهِ فليطعمه مِمَّا يَأْكُل، وليلبسه مِمَّا يلبس وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبهُمْ، فَإِن كلفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ ".

فِي حَدِيث عِيسَى بن يُونُس: " فَإِن كلفه مَا يغلبه فليبعه " وَفِي حَدِيث زُهَيْر: " فليعنه عَلَيْهِ ".

363 -

الْعَاشِر: عَن الْمَعْرُور بن سُوَيْد عَن أبي ذَر قَالَ: انْتَهَيْت إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جالسٌ فِي ظلّ الْكَعْبَة، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ:" هم الأخسرون وَرب الْكَعْبَة ". قَالَ:

ص: 268

فَجئْت حَتَّى جَلَست، فَلم أتقار أَن قُمْت فَقلت: يَا رَسُول الله، فدَاك أبي وَأمي، من هم؟ قَالَ: " هم الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا، إِلَّا من قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَعَن يَمِينه وَعَن شِمَاله، وَقَلِيل مَا هم.

مَا من صَاحب إبلٍ وَلَا بقرٍ وَلَا غنمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتهَا إِلَّا جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة أعظم مَا كَانَت وأسمنه، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، كلما نفدت أخراها عَادَتْ إِلَيْهَا أولاها، حَتَّى يقْضى بَين النَّاس ".

فرقه البُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ فِي موضِعين. والفصل الأول مِنْهُ قد تقدم مَعْنَاهُ فِي حَدِيث زيد بن وهب، إِلَّا أَنه قَالَ هَا هُنَا: فِي ظلّ الْكَعْبَة، وَقَالَ هُنَاكَ: فَانْطَلق فِي الْحرَّة.

364 -

الْحَادِي عشر: عَن أبي الْأسود الدؤَلِي عَن أبي ذَر: أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: " لَيْسَ من رجل ادّعى لغير أَبِيه وَهُوَ يُعلمهُ إِلَّا كفر، وَمن ادّعى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ منا، وليتبوأ مَقْعَده من النَّار. وَمن دَعَا رجلا بالْكفْر، أَو قَالَ: عَدو الله، وَلَيْسَ كَذَلِك، إِلَّا حَار عَلَيْهِ " كَذَا فِي مُسلم.

وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ:

لَا يَرْمِي رجلٌ رجلا بالفسوق، وَلَا يرميه بالْكفْر إِلَّا ارْتَدَّت عَلَيْهِ إِن لم يكن صَاحبه كَذَلِك ".

365 -

الثَّانِي عشر: عَن أبي مراوحٍ اللَّيْثِيّ عَن أبي ذَر قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، أَي الْأَعْمَال أفضل؟ قَالَ:" الْإِيمَان بِاللَّه، وَالْجهَاد فِي سَبيله " قَالَ: قلت: فَأَي الرّقاب أفضل؟ قَالَ: " أَنْفسهَا عِنْد أَهلهَا، وأكثرها ثمنا ". قَالَ: قلت: فَإِن لم أفعل

ص: 269