الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذاكِرًا للحديث بارِعًا في الآداب، جيِّد الخَطّ حاذيًا فيه حَذْوَ أبيه، وصَنَّف في "عمَلِ يومٍ وليلة" مجموعًا مُفيدًا.
294 - محمدُ بن أبي بكرٍ الأَزْديُّ، إشبِيليٌّ أبو عبد [الله] ابنُ الفَخّار
.
رَوى عن أبي عبد الله بن زَرْقُون، وكان مُكْتِبًا صالحًا، عالمًا بعِلم الكلام، درَّس "إرشادَ" أبي المعالي كثيرًا، وكان مُبارَكَ التعليم حَسَنَ الإلقاءِ صادقَ القَصْدِ في الإفادة، فنفَعَ اللهُ به خَلْقًا كثيرًا ممّن ترَدَّد للاستفادةِ منه رجالًا ونساءً، ولم يَزَلْ دَأْبُه ذلك إلى أن توفِّي في حدودِ الأربعينَ وست مئة عن سِنّ عالية، وكان من أهل الفَضل والدِّين.
295 - محمدُ بن أخيَلَ، رُنْديٌّ، أبو بكر
.
296 -
محمدُ (1) بن إدريسَ بن عُبَيد الله بن يحيى المَخْزُوميُّ، بَلَنْسِيٌّ سكَنَ جزيرةَ شُقْر، أبو عبد الله.
لازَمَ في صِغَره أبا الوليد الوَقَّشيَّ وأخَذ عنه، ولكنّه لم يُحدِّثْ عنه (2)؛ إذْ لم يَثقْ بما أخَذَ عنه، ورَوى عن أبي بكر عبد الباقي ابن بُرَّال وأبي الحَسَن خُلَيْص بن عبد الله، وصَحِبَ أبوَيْ عبد الله: ابنَ الجَزّار وابنَ خَلَصةَ، وأبوَيْ محمد: الرِّكْليَّ وابن السِّيْد، وغيرَهم.
رَوى عنه أبو الحَسَن بنُ إدريسَ الزّنَاتيّ، وأبو العبّاس بن سُليمانَ، وأبو محمد بن سُفيان، وكان مُشارِكًا في عِلم الحديث ومَيْزِ رجالِه والكلام على معانيه، متحقِّقًا بالأدب، ضابِطًا للُّغة مُتقِنًا، له حَظٌّ من قَرْض الشِّعر.
توفِّي ببَلَنْسِيَةَ في ذي القَعْدة سنةَ ستٍّ وأربعينَ وخمس مئة.
(1) ترجمه ابن الأبار في التكملة (1335)، والذهبي في المستملح (96)، وتاريخ الإسلام 11/ 896.
(2)
في هامش ب: "قال ابن عياد: لقيه (يعني أبا الوليد الوقشي) صبيًا وأخذ عنه في تلك الحال؛ فلذلك لم يحدث عنه".
297 -
محمدُ (1) بن إدريسَ بن عليّ بن إبراهيمَ بن القاسم، شُقْريٌّ، أبو عبد الله، ابنُ مَرْج الكُحْل.
رَوى عنه أبو جعفر بنُ عثمانَ الوِرادُ، وأبو الرّبيع بن سالم، وآباءُ عبد الله: ابنُ الأبار وابنُ عَسْكر وابنُ أبي البقاءِ، وأبو محمد بنُ عبد الرّحمن بن بُرطُلُّه. وحدَّثنا عنه شيخُنا أبو الحَسَن الرُّعَيْنيُّ رحمه الله.
وكان شاعرًا مُفْلِقًا، غَزِلًا بارعَ التَّوليد، رقيقَ الغَزَل، وكانت بينَه وبينَ طائفة من أُدباءِ عصرِه مخُاطَباتٌ ظهَرَتْ فيها إجادتُه، وله أمداِحٌ في كثيرٍ من أُمراءِ وقتِه ورُؤسائه، وكان ذلك ممّا أجاد فيه، وكان مُبتذَل اللِّباس على هيئةِ أهل البادية، ويقال: إنه كان أُمّيًّا.
أنشدتُ على شيخِنا أبي الحَسَن الرُّعَيْنيّ رحمه الله، ونقَلتُه من خطِّه، قال: أنشَدَني -يعني أبا عبد الله بنَ مَرْج الكُحْل هذا- لنفسِه [الكامل]:
عرِّجْ بمُنعَرج الكثيبِ الأعفرِ
…
بينَ الفُراتِ وبين شطِّ الكوثرِ
ولْتَغْتَبِقْها قهوةً ذهبيّةً
…
من راحَتَيْ أَحوى المدامعِ أحورِ
وعَشِيّةٍ كم كنتُ أرقُبُ وقتَها
…
سَمَحَتْ بها الأيامُ بعدَ تعذُّرِ
نِلنا بها آمالَنا في روضةٍ
…
تُهدي لناشِقها نَسيمَ العنبرِ
والدّهرُ من نَدَمٍ يُسَفِّهُ رأيَهُ
…
في ما مضَى منه بغير تكدُّرِ
(1) ترجمه ابن خميس في أدباء مالقة 154 فما بعد، والتجيبي في زاد المسافر (8)، والقفطي في "المحمدون من الشعراء" 204، وابن الأبار في التكملة (1675)، وفي تحفة القادم (المقتضب منه 61، 99، 137، 154)، والرعيني في برنامجه (111)، وابن خلكان في وفيات الأعيان 2/ 396، وابن سعيد في المغرب 2/ 373، والرايات 220 - 221، والذهبي في المستملح (297)، وتاريخ الإسلام 14/ 155، والصفدي في الوافي 2/ 181، وابن الخطيب في الإحاطة 2/ 343، والمراكشي في الإعلام 4/ 195. وله أشعار في الطيب (ينظر الفهرس)، ولصديقنا الدكتور صلاح جرار كتاب في سيرته وشعره طبع في عمان سنة 1993 م
والوُرْقُ تَشْدو والأراكةُ تَنْثني
…
والشمسُ تَرفُلُ في قميصٍ أصفرِ
والرّوضُ بينَ مذهَّبٍ ومُفَضَّضٍ
…
والزَّهرُ بينَ مُدَرْهَمٍ ومدنَّرِ
والنهرُ مرقومُ الأباطح والرُّبَى
…
بمُصَنْدَلٍ من زَهْرِه ومُعَصْفَرِ
وكأنهُ وكأنّ خُضرةَ شَطِّه
…
سَيْفٌ يُسَلُّ على بساطٍ أخضرِ
وكأنّما ذاك الحَبَابُ فِرِندُهُ
…
مهما طَفَا في صفحِهِ كالجوهرِ
وكأنه، وجِهاتُهُ محفوفةٌ
…
بالآسِ والنُّعمانِ، خَدُّ مُعذَّرِ
نهرٌ يَهيم بحُسنِهِ من لم يَهِمْ
…
ويُجيدُ فيه الشعرَ مَنْ لم يَشعُرِ
ما اصفَرَّ وَجْهُ الشمسِ عند غروبِها
…
إلّا لفُرْقةِ حُسْنِ ذاك المنظرِ
قال شيخُنا أبو الحَسَن، رحمه الله: هذا من الشّعرِ الفائقِ الرائق الذي لا نظيرَ له.
قال: وأنشَدني قطعةً أخرى [الكامل]:
أرأَتْ جفونُكَ مثلَه مِنْ منظرِ
…
ظِلٌّ وشمسٌ مثلُ خدِّ مُعذَّرِ
وجداولٌ كأراقمٍ حَصْباؤها
…
كبطونِها وحَبابُها كالأظْهُرِ
قال شيخُنا أبو الحَسَن: هذا التتميمُ العجيبُ في تشبيه الجداولِ بالأراقم زَعَم أنه لم يُسبَقْ إليه.
وقَرارةٍ كالعَشْرِ ثَنْيَ خميلةٍ
…
سالت مَذانبُها بها كالأسطُرِ
فكأنّها مشكولةٌ بمُصَنْدَلٍ
…
من يانعِ الأزهارِ أو بمُعَصْفَرِ
أملٌ بَلَغْناهُ بهَضْبِ حديقةٍ
…
قد طرَّزَتْهُ يدا الغَمام المُمطِرِ
فكأنه والزّهرُ تاجٌ فوقَهُ
…
مَلِكٌ تجلَّى في بساطٍ أخضرِ
راقَ النواظرَ منه رائقُ منظَرٍ
…
يَصِفُ النَّضارةَ عن جِنانِ الكوثرِ
كم قاد خاطرَ خاطرٍ مُستوفِزٍ
…
وكمِ استَفزَّ جَمالُه من مُبصِرِ
لو لاح لي فيما تظاهَرَ لم أقُلْ:
…
عرِّجْ بمُنعَرَج الكثيبِ الأعفرِ
قال شيخُنا أبو الحَسَن: وأنشَدني بلفظِه لنفسِه [الكامل]:
وعَشِيّةٍ كانتْ قنيصةَ فتيةٍ
…
ألِفوا من الأدبِ الصّريحِ شيوخا
فكأنها العَنْقاءُ قد نَصَبوا لها
…
منَ الانْحناءِ إلى الوقوع فُخُوخا
شَمَلتْهمُ آدابُهمْ فتجاذَبوا
…
سِرَّ السُّرورِ محُدِّثًا ومُصِيخا
والوُرْقُ تقرأُ سُورةَ الطَّربِ التي
…
يُنسيكَ منها ناسخٌ مَنْسوخا
والنهرُ قد طَمَحتْ به نارنْجةٌ
…
فتيمَّمَتْ مَن كان فيه مُنِيخا
فتخالهُمْ خَلَلَ السماءِ كَواكبًا
…
قد قارَنت بسُعودِها المِرِّيخا
خَرَقَ العوائدَ في السرورِ نهارُهُمْ
…
فجَعلْتُ أبياتي لهُ تاريخا
وقولُه [الكامل]:
لا تُنْكِرُوا في المرءِ حُبَّ رياسةٍ
…
حبُّ الرياسةِ في طِباع العالمِ
كلٌّ أبوهُ آدمٌ وطِلابُهُ
…
إرثُ الخلافةِ في أبيه آدمِ
وقولُه في التحريضِ على التعلُّم [مجزوء الوافر]:
تعلَّمْ إنْ تشأْ عِزًّا
…
فكلُّ جَهالةٍ ذِلَّهْ
فكم باكٍ على وِزْرٍ
…
بعَيْنٍ منهُ منهلَّهْ
ورُبَّتَما يزِلُّ إذا
…
أراد إزالةَ الزلَّه
وهل تشفَى بلا عِلم
…
نفوسٌ هُنَّ معتَلَّهْ
طبيبُ المرءِ عِلّتُهُ
…
إذا لم يعرفِ العلَّهْ
وقولُه في ذمِّ الجهل [الطويل]:
عَجِبتُ لمَن يَرجو مَتَابًا لجاهلٍ
…
وما عندَهُ أنّ الذنوبَ ذنوبُ
إذاكان ذنبُ المرءِ للمرءِ شِيمةً
…
ولم يَرَهُ ذَنْبًا فكيف يتُوبُ؟!
وقولُه في حُسنِ الظّنّ بالله عز وجل، حقَّق اللهُ رجاءه [الخفيف]:
إنَّ ظَنِّي بمَن عصَيْتُ جميلٌ
…
أتراهُ معذِّبي؟ ما أظُنُّ
ما أَراهُ إلّا يَجودُ بعَفْوٍ
…
إنَّ قلبي بعفوِهِ مُمطئنُّ
حاشَ لله أنْ يخيِّبَ ظنِّي
…
إنهُ لا يَخِيبُ في الله ظنُّ
وقولُه يَتندَّمُ لذنوبِه ويَذكُرُ بعضَ الواعِظينَ ويَستدعي منه الدُّعاء [الكامل]:
اذكُرْ ذُنوبَكَ أيُّهذا الناسي
…
واستَغْفِرَنَّ اللهَ ربَّ الناسِ
واقرَعْ على ما فاتَ سنَّكَ نادمًا
…
واكرَعْ من العَبَراتِ في أكواسِ
وانفُضْ عن الدُّنيا يدَيْكَ ولا تكُنْ
…
تُعنَى بهذي الأَرْبُعِ الأدراسِ
واكحَلْ جفونَكَ بالسُّهادِ فإنّما
…
يُرضي حبيبَك غايةُ الإيناسِ
أتنامُ عمَّن ليس يمنَعُ وصلَهُ؟!
…
أَخطأتَ أَنْ خالفتَ كلَّ قياسِ
مَن بات مُلتَذًّا بقُرب حبيبِهِ
…
لم تتّصِلْ أجفانُهُ بنُعاسِ
لو أنّ وَجْدَكَ لا يُفَتَّرُ لم تكنْ
…
تنسَى حبيبًا لم تجِدْه بناسِ
إلّا وجَدْتَ الوجدَ فيه لذّةً
…
إلّا رأيتَ السُّقمَ خيرَ لباسِ
انظُرْ لنفسِكَ قبلَ وقتِ رحيلِها
…
واذكُرْ بقَبْرِك قلَّةَ الإيناسِ
يا ذا الذي أهدى لنا تُحَفَ الهُدى
…
وأعاد ذكْرَ الدِّين بعدَ تَناسِ
حيَّتْكَ نَفْسٌ صَبَّةٌ بتحيّةٍ
…
وَرَدَتْ عليكَ نفيسةَ الأنفاسِ
تَرجو بيُمنِكَ دعوةً من مؤمنٍ
…
بُنِيتْ من التوفيقِ فوقَ أَساسِ
عن خاطرٍ صعبِ القيادِ مُخاطرٍ
…
من كثرةِ الأوزارِ في وَسْواسِ
وقريحةٍ بالسيّئاتِ قريحةٍ
…
خَمَدَت وكانت في ذكاءِ إياسِ
هزَّت مواعظُكَ القلوبَ تشوُّقًا
…
حتّى أَلانتْ كلَّ قلبٍ قاسِ
فلْتَشْفِها بعدَ الضّلالةِ بالهُدى
…
أنت الطّبيبُ لها وأنت الآسي
وقال رجُل: الحمدُ لله على كلِّ حال، فقيل له: هذا موزونٌ فأجِزْه، فقال مُلتزِمًا ما لا يَلزَم [السريع]:
الحمدُ لله على كلِّ حالْ
…
بحالِ حِلٍّ وبحالِ ارتحالْ
بَدَأَنا عن قُدرةٍ أوّلًا
…
ثم يعيدُ البَدْءَ بعدَ استحالْ
أرواحُنا دَيْنٌ لآجالِنا
…
ومَلَكُ الموتِ عليها مُحالْ
يقتادُنا الموتُ وأعمارُنا
…
كأنّها العِيسُ ونحن الرِّحالْ
يا تارِكًا أوزارَه بعدهُ
…
باقيةً لم تَستحِلْ واستحالْ
إنّا إلى الله وإنّا لهُ
…
نُعامِلُ اللهَ بهذا المُحالْ
هل ينفَعُ النفْسَ على ضَعْفِها
…
محِالُها عند شديدِ المِحالْ؟!
لا تَنتحلْ غيرَ التُّقى خُطّةً
…
فإنَّ تقوى الله خيرُ انتحالْ
واستغفرِ اللهَ على ما مضَى
…
وجدِّد التوبةَ في كلِّ حالْ
واذكُرْ إذا حُلتَ فكم نادمٍ
…
لم يُغْنِهِ من نَدَمٍ حين حالْ
قَرَّتْ عيونٌ شاهداتٌ لها
…
بنُورِ من تشهَدُ فيه اكتحالْ
وقولُه [الطويل]:
ألا بَشِّروا بالصُّبح منِّيَ باكيًا
…
أَضرَّ معَ اللّيلِ الطّويل به البُكا
ففي الصُّبح للصّبِّ المتيَّمِ راحةٌ
…
إذا اللّيلُ أَجرى دمعَهُ وإذا شكا
ولا عَجَبٌ أن يُمسِكَ الصُّبحُ عَبْرتي
…
فلم يزَلِ الكافورُ للدمِ مُمسِكا
وقال أبو بكر بنُ محمد بن جَهْوَر: رأيتُ لإبن مَرْج كُحْلٍ مَرْجًا أحمرَ قد أجهَدَ نفْسَه في خدمتِه فلم يُنجِبْ، فقلتُ له [البسيط]:
يامَرْجَ كُحْلٍ ومَن هذي المُروجُ لهُ
…
ما كان أحوَجَ هذا المَرْج للكُحُلِ
ما حُمرةُ الأرضِ من طيبٍ ومن كرَمٍ
…
فلا تكُنْ طَمِعًا في رزقِها العَجلِ
فإنّ من شأنِها إخلافَ آملِها
…
فما تُفارقُها كيفيّةُ الخَجَلِ
فقال أبو عبد الله بنُ مَرْج كُحْل [البسيط]:
يا قائلًا إذ رأى مَرْجي وحُمرتَهُ:
…
ما كان أحوَجَ هذا المَرْجُ للكُحُلِ
هُو احمرارُ دماءِ الرُّومِ سيَّلَها
…
بالبِيض مَنْ مَرَّ مِنْ آبائيَ الأُوَلِ
أحببتُهُ أنْ حَكَى مَنْ قد فُتِنْتُ بهِ
…
في حُمرةِ الخدِّ أو إخلافِهِ أملي
قال شيخُنا أبو الحَسَن، وقرأتُه عليه ونقَلتُه من خطِّه: عرَّفتُه يومًا بحاجةٍ قُضِيَتْ له كان لها من نفسِه مكان، فأنشَدَني مُرتجِلًا [الوافر]:
أبا حَسَنٍ أعندَكَ أنّ عَيْني
…
إذا ما أبصرَتْكَ تَقرُّ عَيْني
مكانُكَ في المودّةِ من فؤادي
…
مكانُكَ في السَّراوةِ من رُعَيْنِ
قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: أرى أنّ في تصريع البيتِ الأوّل إيطاءً فتأمَّلْه.
وكتَبَ إلى أبي عَمْرٍو محمد بن عبد الله بن غِيَاث [الوافر]:
أبا عَمْرٍو ولي نَفَسٌ ونَفْسٌ
…
تَهادَى ذا إليكَ وذي تَجيشُ
وجأشٌ كلّما لاقَى بصبرٍ
…
جيوشَ هوًى أمدَّتْها جيوشُ
وقلبٌ ضَلَّ عنّي لستُ أدري
…
أمَثْواهُ الجزيرةُ أم شَرِيشُ
سوى أنّي يَطِيرُ إليك رُوحي
…
بأجنحةِ الهوى والشّوقُ رِيشُ
كأنّما لم نَنَلْ بالجَزْعِ أُنْسًا
…
تَلُوذُ به حَوالَيْنا الوحوشُ
ومن سِرِّ السرورِ لنا مِهَادٌ
…
وفوقَ رؤوسِنا منه عُروشُ
وقد راشَ الشّبابُ جناحَ أُنْسي
…
بحيثُ جناحُ غيري لا يَرِيشُ
فيا عَجَبًا من الأيام تُبدي
…
لنا دَعَةً وأيدينا تَبُوشُ
أَلا لله منكَ صَفِيَّ وُدٍّ
…
لهُ رُجْحانُ حِلمٍ ما يَطيشُ
تَمازجَ رُوحُهُ حُبًّا برُوحي
…
فما أدري بأيِّهما أعيشُ
كتبتُه يا سيّدي والوُدّ تَنْدَى عَرارتُه، وتفهقُ بالعَذْبِ النَّمير قَرارتُه، لا مزيدَ فيه فأُبيِّنَه، ولا غائبَ منه فأشخِّصَه وأُعيِّنَه، عن شَوْقٍ يُطارحُ الحَمَام، ودمع يُساجلُ الغَمَام، وذكْرٍ متى عَنّ لي تفَجَّعتُ فتوَجَّعت، ولربّما سَجَعتُ فرَجَّعت [الوافر]:
أبا عَمْرٍو متى تَقْضي اللّيالي
…
بلُقياكمْ وهُنّ قَصَصْنَ رِيشي؟!
أَبَتْ نَفْسي هوًى إلّا شَرِيشًا
…
ويا بُعْدَ الجزيرةِ من شَرِيشِ!
وأخبَرَنا أنه اجتَمعَ في مُرْسِيَةَ بأبي بحرٍ صَفْوانَ بن إدريسَ (1)، قال: وكنّا مُزمِعينَ على فُرقةٍ وبَيْن، فقال لي: أجِزْ [مخلع البسيط]:
أنتَ معَ العينِ والفؤادِ
…
دنَوْتَ أو كنتَ ذا بِعادِ
فقلت [مخلع البسيط]:
فأنت في القلبِ في السُّوَيْدا
…
وأنت في العينِ في السَّوادِ
ومنه [الرمل]:
مَثَلُ الرِّزقِ الذي تَطلُبُهُ
…
مَثَلُ الظّلِّ الذي يمشي مَعَكْ
أَنت لا تُطلْبُهُ متَّبِعًا
…
فإذا وَلَّيْتَ عنه تَبِعَكْ
(1) قال المعلق بهامش ب: "أخبرني الخطيب الصالح أبو عبد الله بن صالح ببجاية، قال: أخبرني القاضي أبو محمد بن برطله، قال: أخبرني الأديب أبو عبد الله المعروف بمرج الكُحل، قال: اجتمعت بمرسية مع أبي بحر، وذكر القصة".