الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَوْلدُه لثلاثَ عشْرةَ ليلةَ خَلَتْ من رجَبِ ثلاثٍ وستِّينَ (1) وخمس مئة، وتوفِّي بعدَ صَلاة العشاءِ ليلةَ الخميس الرابعةَ من ذي حجّةِ تسع وثلاثينَ وست مئة، ودُفن يومَ الخميس بكُدْيَةِ الخَيْل، واحتَفلَ الناسُ لحضورِ جَنازته تبرُّكًا به، وأسِفوا لفَقْدِه، وأتْبَعُوهُ ثناءً صالحًا، رحمه الله.
706 -
محمدُ (2) بن عبد الله بن إبراهيمَ بن محمد بن عبد الله، قُرطُبيٌّ شَذُونيُّ الأصل، سَكَنَ سَلَفُه أَصِيلا: من بلادِ العُدْوة.
هو وَلَدُ الفقيه أبي محمد الأَصِيلي؛ رَوى عن أبيه واستَنْفَدَ بالكتابةِ مصنَّفاتِه، وحَكَى ابنُ حَيّانَ أنّ أبا محمدٍ الأَصِيليَّ ذكَرَ لأصحابِه قبلَ موتِه بمُدّة ما يتَوقَّعُ من حُلول الفتنة على رأس أربع مئة، وما يحمِلُه فيها من إشارة، فشنَّعَ فيها وسألَهمُ التأمينَ على دعائه ألاّ يؤخِّرَه إليها، وأنهم فَعَلوا، فقال: ولا ابني محمدًا هذا، وهو واحدُه وله مِن نفْسِه ألطَفُ منزلة، وهو مُقتبِلُ الشباب، فشايَعُوهُ فيما أراد من ذلك، وأنّ محمدًا لَيتوجَّدُ منه، فقَدَّر اللهُ سبحانَه الاستجابةَ، وتوفِّي قبلَ أربع مئة.
707 - محمدُ بن عبد الله بن إبراهيمَ الحَسَنيُّ، غكَرْناطيٌّ، أبو عبد الله
.
له إجازةٌ من جماعةٍ من المَشْرِقيِّينَ أجازوا لأبي الصبر أيوب ومن ذكر معه في الاستدعاء.
708 - محمدُ بن عبد الله بن أبي بكر بن طَبِيب، بَلَنْسِيٌّ
.
كان من أهل العلم، حيًّا سنةَ ثمانينَ وخمسِ مئة.
(1) بهامش ب: "سنة ثلاث وخمسين، قاله البلفيقي الأصغر أبو إسحاق وقرأت ذلك بخطه، وهو ممن أخذ عنه، فتأمله".
(2)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (1051).
709 -
محمدُ (1) بن عبد الله بن أبي بكر بن عبدِ الله بن عبد الرّحمن بن أحمدَ بن أبي بكرٍ القُضَاعيُّ، بَلَنْسِيٌّ أُنْدِيُّ أصلِ السَّلَف، أبو عبد الله، ابنُ الأبّارِ والحافظُ.
رَوى قراءةً وسَماعًا عن أبي بكر بن محمد بن مُحرِز وأكثَرَ عنه، وأبوَيْ جعفر: ابن عليّ الحَصّار -وتَلا عليه بالسَّبع وبقراءة يعقوب- وابن يوسُفَ ابن الدَّلّال، وأبي حامدٍ محمدِ بن محمد بن أبي زاهر وأبي الحَجّاج بن محمدٍ القُضَاعيِّ قريبِه، وآباءِ الحَسَن: أحمدَ بن محمد بن واجب، وابن أحمدَ بن خِيَرةَ وأكثَرَ عنه، وابن عبد الله بن قُطْرال وابن أبي نَصر البِجَائيِّ ، وأبي الحُسَين أحمدَ بن محمد ابن السَّرَّاج، وأبي الخَطّاب أحمدَ بن محمد بن واجِبٍ وأكثَرَ عنهُ، وأبي الرَّبيع بن سالم واحتَذَى به ولازَمَه أزيَدَ من عشرينَ سنةً، وأبوَيْ زكريّا: ابن زكريّا الجُعَيْديّ وابن محمد بن عبد الرّحمن المُراديِّ البَرْقيّ، ولقِيَه بتونُس، وأبي سُليمانَ بن حَوْطِ الله، وآباءِ عبد الله: ابن أيّوبَ وابن نُوح -وتَلا عليه بالسبع ولزِمَه نحوَ عامَيْن- وابنَيْ عبدَي الله: ابن الصَّفّار وابن محمد بن خَلَف بن قاسم، وابن عبد العزيز بن سَعادةَ وابن يحيى ابن البَرْذَعيّ، وأبي عامرٍ نَذيرِ بن وَهْب
(1) ترجمه ابن سعيد في القدح المعلى 192 - 195 والمغرب 2/ 309 ورايات المبرزين (81)، والحسيني في صلة التكملة 1/ 423، الترجمة 760، والغبريني في عنوان الدراية 309 - 313، الترجمة 95، والذهبي في تاريخ الإسلام 14/ 896 وسير أعلام النبلاء 23/ 336 وتذكرة الحفاظ 4/ 1452 والعبر 5/ 249، والصفدي في الوافي 3/ 355، وابن شاكر في ذوات الوفيات 3/ 404 وعيون التواريخ 20/ 245، واليافعي في مرآة الجنان 4/ 150، وابن خلدون في العبر 6/ 283، وابن قنفذ في وفياته (وفيات سنة 658)، وابن تغري بردي في النجوم 7/ 92، والمقري في أزهار الرياض 3/ 204 ونفح الطيب 2/ 589، وابن العماد في الشذرات 5/ 275. وكُتبت عنه دراستان مفصلتان نسبيًا، أولاهما كتبها الدكتور عبد العزيز عبد المجيد نشرت بتطوان سنة 1951 م، ونالت جائزة مولاي الحسن سنة 1951 م، وثانيتهما رسالة دكتوراه للدكتور أنيس عبد الله الطباع تقدم بها لجامعة مدريد سنة 1959 م ثم ترجمها إلى العربية ونشرف ببيروت. وتنظر مقدمات: الحلة السيراء، وإعتاب الكتاب، ومقدمة الدكتور بشار عواد معروف لنشرته من التكملة.
وأكثَرَ عنهُ، وأبي العبّاس بن عبد المُؤْمن الشَّرِيشيّ، وأبوَي عليّ: الحَسَن بن محمدٍ الشَّعّار والحُسَين بن يوسُفَ بن زُلال، وأبوَي القاسم: أحمدَ بن حَسّانَ وعبدِ الرّحيم بن أحمدَ بن عُلَيْم، وأبوَيْ محمد: ابن عبد الله بن مطروح وابن محمدٍ النامِيسيّ، وأجازوا لهُ كلُّهم.
ورَوى أيضًا عن أبيه أبي محمد، وتَلا عليه بحَرْف نافع، وأبي إسحاقَ بن محمد وثيق، وأبي الحَسَن بن محمد بن حَرِيق، قال: واستفَدْتُ بصُحبتِه، وآباءِ عبد الله: ابن إبراهيمَ بن مُسْلم وابن إدريس ابن مَرْج الكُحل وابن الحُسَين ابن التُّجِيبيّ وابن حَسَن ابن الوزيرِ، وأكثر عن أكثرِهم، ولم يَذكُرْ أنّهم أجازوا له. وسَمِعَ يَسيرًا على أبي البقاءِ خيَار بن عبد الله، سَمِع مُذاكَرتَه، وأبوَيْ بكر: ابن طلحةَ وابن عليّ بن يَزيد وأجاز له، وأبو جعفر بن محمد بن خَلَف القُلْبَيْرِيِّ (1) بموضع تعليمِه وسَمِع عليه التلاوةَ بحَرْف نافع، وآباءِ الحَسَن: ابن إبراهيمَ ابن الفَخّار وابن محمد بن عبد الودود ومحمد بن أحمدَ بن سَلمون، وناوَلَه، وأجازوا له، وأبوَي الحَسَن اليَحْيَيَيْنِ: ابن أحمدَ بن عيسى وابن عبد الله بن أبي حَفْص، وأجاز لهُ لفظًا، وأبي زكريّا بن داودَ التادَليِّ، وآباءِ عبد الله: ابن أحمد بن عبد العزيز بن سَعادةَ وابن بكرٍ وابن عبد الله ابن غَطُّوس، قال: واستَفَدْتُ منهُ بعضَ مَرْسُوم الخَطّ، وابن عبد الله بن نُعمان وابن عبد الجَبّار، وسَمِع كلامَه في التفسير وأجاز له، وابن عليّ بن الزُّبَير، وأجاز له، وابن محمد بن سُليمانَ بن أبي البقاءِ وابن وَهْب بن نَذير، قال: ولم يُجزْ لي، وأبي عليّ الحَسَن بن عليّ الأَغْماتيّ وعُمرَ بن محمد ابن الشَّلَوْبِين، وآباءِ محمد: ابن بادِيس -وحضرَ تدريسَه- وابن محمد بن سَعْدون، وأجاز له، وعبد الحقّ بن محمد الزُّهْريِّ، وأجاز له ما أجاز لهُ السِّلَفيّ، وواجبِ بن محمد بن واجِب، وأجاز له لفظًا، وناوَلَه أبو إسحاقَ بنُ أحمدَ بن خِيرَةَ وسَمِعَ منه وأبو عبد الله بن حُسَين الشُّونيّ،
(1) سيأتي ضبط هذه النسبة في الترجمة (719) من هذا السفر، وقد تقدمت ترجمته في السفر الأول، الترجمة (506)، وهو أحمد بن محمد بن أحمد بن خلف.
ولم يَذكُرْ أنّهما أجازا له؛ وتدَبَّجَ معَ أبي بكرٍ محمد بن مُفَضَّل بن مَهِيب، وأجاز كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه، وأبي الحَجّاج بن عبد الرّحمن ابن المرِيْنُهْ، وأجاز لهُ لفظًا، وأبي عامرٍ محمد بن إسماعيلَ بن حُسَين، ولم يُجِزْ أحدٌ منهما الآخَرَ، وأبي العبّاس بن عليّ البُنْيوليِّ (1) وأكثَرَ عنهُ، وأقَلَّ أبو العبّاس عنه، وأبي عُمرَ عَيْشُون بن محمد، وأجاز له.
وصَحِبَ أبا إسحاقَ بن عائشةَ، وأبا جعفر بنَ عليّ، وأبا الحَكَم مَرْوانَ بن عَمّار، وأبا عبد الله بنَ عبد الله بن سُكاتُهْ، وأبا محمد بن محمد بن حَفْص، وأجاز له وأخَذَ عنه، وأبا إسحاقَ بنَ محمد السَّهْليَّ، ولم يَذكُرْ أنه أخَذَ عنه.
وتفَقَّه بأبي الحَسَن بن عُمرَ بن أبي الفَتْح. وذاكَرَ أبا إسحاقَ بن عيسى بن مُناصِف، وأبا بكر عبدَ الله بن إبراهيمَ ابن البنّاء، وأبا جعفر بنَ محمد بن وَهْب، وأبا عبد الله بنَ إسماعيلَ بن خَلْفُون، ولم يَذكُرْ أنّهم أجازوا له. ولقِيَ أبا إسحاقَ بنَ محمد بن سيّد الناس، وأبوَيْ بكر: ابن علي القُرَشيَّ وابنَ محمد بن وَضّاح، وآباءَ الحَسَن: سَهْلَ بنَ مالك وابنَ محمدٍ البَلَويِّ وابنَ محمد بن المُنَخَّل، وأبا الحُسَين محمدَ بن محمد بن زَرْقون، وآباءَ عبد الله: ابن أحمدَ ابن مَشَلْيُون، وصَحِبَهُ، وابن إبراهيمَ بن رَوْبيل وابن عيسى ابن المُناصِف، وأبا عيسى محمدَ بن محمد بن أبي السَّدَاد، وأبا القاسم أحمدَ بن محمد بن مَنتْيال، وأبوَيْ محمد: ابنَ أحمدَ وابنَ الخَطيب البِجَائيَّ وابن إبراهيمَ بن مَنْتيال، وأجازَ لهُ، وأبا جعفر بنَ جُمهُور، وأبا العبّاس ابنَ الرُّوميّة، وأبا علي الحَسَنَ بن عبد الرّحمن الرَّفّاء، وأبا القاسم أحمدَ بن محمد الطَّرَسُونيَّ، وأبا مَرْوانَ محمدَ بن أحمدَ الباجِيَّ، ولم يأخُذْ عنهم ولا ذَكَرَ أنّهم أجازوا له.
وكتَبَ إليه مجُيزًا ممّن لم يَلْقَهم جماعةٌ من أهل الأندَلُس وما صاقَبَها من بَرِّ العُدْوة، وفيهم من أهل المشرِق، منهم: أبو البَرَكات عُمرُ بن مَوْدودٍ الفارسيُّ
(1) منسوب إلى بنيول من أعمال بلنسية.
السَّلَماسيُّ، وأبو بكر بن أحمدَ بن أبي زَمَنين، قال: وهُو أعلى شيوخي الأندَلُسيِّينَ إسنادًا، وأبو جعفر بن يوسُف بن عَيّاد، وأبو الحَسَن بن محمد الشارِّيُّ، وأبو الرِّضا بَسّامٌ، وأبو زكريّا بن أبي بكر بن عُصفُور، وأبو زيد بن محمد القمارشيُّ، وآباءُ عبد الله: ابن إبراهيمَ الغِلاظيُّ وابن أحمدَ ابن اليَتِيم وراجحُ بن أبي بكرٍ العَبْدَريُّ، ويقال فيه: أبو الوفاء، وابنُ عبد الرّحمن التُّجِيبيُّ، وابن عليّ بن عَسْكَر، وابنُ قاسم بن مَنْداس، وابن محمد بن باز، وأبو عبد الرّحمن محمدُ بن جعفرِ بن سُفْيان، وأبو عامرٍ محمدُ بن عليّ بن هُذَيْل، وأبو عُمرَ أحمدُ بن هارونَ بن عاتٍ، وأبو القاسم أحمدُ بن يَزيدَ بن بَقِيّ، وآباءُ محمد: عبدُ الرّحيم بن يوسُفَ ابن الشَّيخ، وعيسى بن سُليمانَ الرُّنْديُّ، وغَلبُونُ بن محمد، وأبو الوليد إسماعيلُ بن يحيى العَطّار.
ومن أهل المشرِق من أهلِه وبعضُهم من أهل الأندَلُس المُستوطِنينَ هنالك، منهم: أبو البَرَكات عبدُ القَويِّ بن عبد العزيز السَّعْديُّ ابنُ الجَبَّاب، وأبو بكرٍ عبدُ العزيز بن أبي الفَتْح أحمدَ بن عُمر بن باقا، وأبَوا الحَسَن: عليُّ بن محمد بن عليّ بن منصُور البغداديُّ ابن المُقَيَّر، وعليُّ بن هِبة الله بن سَلامةَ الشافعيُّ ابن الجُمَّيْزِيّ، وأبو الخَطّاب عُمرُ بن حَسَن بن عليّ بن دِحْيةَ ابن الجُمَيِّل السَّبْتيُّ -وسيُذكَرُ في الغُرَباءِ من هذا الكتاب إن شاء الله-، وأبو زَيْد بن محمد بن جَمِيل المالَقيُّ، وأبو سَعْد بن أحمدَ بن أبي سَعْد ابن حَمُّويَةَ الجُوَيْنيُّ، وأبو الطاهر إسماعيلُ بن ظافِر بن عبد الله العُقَيْليُّ، وأبو عبد الله محمدُ بن عبد الله بن أبي الفَضْل المُرْسِيّ، وأبو العبّاس أحمدُ بن عُمرَ بن إبراهيمَ الأنصاريّ القُرطُبيُّ نَزيلُ الإسكندَريّة، وأبو عليّ حُسَينُ بن يوسُفَ بن الحَسَن بن عبد الحقِّ الشاطِبيّ، وأبو القاسم حمزةُ بن عليّ بن عُثمانَ القُرَشيُّ المَخْزُويُّ، وعبدُ الرّحمن بن محمد بن عبد العزيز اللَّخْميُّ، وآباءُ محمد: عبدُ الله بن محمد بن عبد الله بن المُجَلِّي الرَّمْليّ وعبدُ السّلام بن الحَسَن بن عبد السّلام الفِهْريّ ابن الطُّوَيْر وعبدُ العزيز بن سَحْنُون بن علي الغُمَاريُّ وعبدُ الوهّاب بن ظافِر بن علي بن رَوَاج.
ورَوى بالإجازة العامّة عن أبي بكرٍ محمد بن عليٍّ الطائيِّ الحاتميِّ ابن العَرَبي، ولقِيَ أبا عبد الله بن عيسى المومنانيَّ وعَدَّه من شيوخِه، وذكَرَ أنّ من شيوخِه أبا الحَسَن بنَ عبد الرّحمن الزُّهْريَّ، ولم يَذكُرْ لَقْيَهُ إياه، ولا بيَّن كيفيةَ حملِه عنهما.
ورأى من أكابرِ أهل العلم طائفةً ولم يأخُذْ عنهم، منهم: أبو أحمدَ جعفرُ بن عبد الله بن سيِّد بُونُه الخُزَاعيُّ، وأبو إبراهيمَ إسحاقُ بن إبراهيمَ بن يَغْمور، وأبو بكر بن جابِر السَّقَطيُّ، وصَحِبَه، وأبو الحَجّاج بن محمد بن طمْلوس، وسايَرَهُ مرّاتٍ، وأبَوا الحَسَن بنُ محمد بن أبي عشَرةَ وابنُ محمد القَسْطَليُّ، وأبَوا الحَكَم: عبدُ الرّحمن بن عبد السّلام بن بَرَّجَان ويوسُفُ بن عَيّاد المليانيُّ، وأبَوا عبد الله: ابن أحمدَ بن مَسْعود ابن صاحبِ الصَّلاة وابن يَخْلُفْتِينَ الفازَازيُّ، وأبو الفُتُوح بن عُمرَ بن فاخِر، وأبو القاسم الطيِّبُ بن محمد العُتَقيُّ، وأبَوا محمد: ابن إدريسَ بن شُقَّ اللَّيلُ وعبدُ الحقّ بن عبد الله بن عبد الحَقّ. ولم يَزَلْ يسمَعُ العِلمَ ويتَلقَّاهُ عن الكبيرِ والنَّظير والصَّغير شَغَفًا به وحِرصًا عليه إلى مُنتهَى عمُرِه.
رَوى عنه، سوى مَن تقَدَّم تدبُّجُه معه: سالمٌ مَوْلاه، وصِهرُه علي بنته أبو الحُسَين عيسى بن لُبّ بن دَيْسَم، وأبَوا إسحاقَ: ابن أحمدَ بن إبراهيمَ ابن بيطش أخو أبو بكر بن أحمدَ بن سيِّد الناس لأُمِّه وابنُ عبد الرّحمن بن عَيّاش، وأبَوا بكر: ابن سيِّد الناس المذكورُ وابنُ عبد الله بن مطروح، وأبو الحَجّاج بن أحمدَ بن حَكَم شَيْخُنا، وأبَوا الحَسَن: ابن إبراهيمَ بن محمد التّجَانيُّ التونُسيُّ وابن محمد بن رَزِين، وآباءُ الحَكَم: ابن أبي محمد بن أبي نَصْر السَّهْميُّ الفاسِيّ والحَسَنُ بن عبد الرّحمن بن عُذْرةَ وابنُ المُجاهد، وآباءُ عبد الله: ابن أحمدَ بن سيِّد الناس وابنُ أحمدَ ابن الجَلّاب وابنُ صالح، وأبو عليٍّ الحَسَن بن الحَسَن بن منصُور الجَنْب، وأبو الفَضْل عيَّاشُ بن عبد الرّحمن بن عَيّاش أخو أبي إسحاقَ المذكور، وآباءُ محمد: ابن عبد الرّحمن بن بُرْطُلّه وابنُ محمد بن كثِير وابنُ محمد بن هارونَ ومَوْلى أبي عُثمانَ سَعيدِ بن حَكَم، وحدثنا عنه. واستُجيزَ من البلاد الدّانِية والقاصِية
شَرْقًا وغَرْبًا، وفيهم مَن هُو أسَنّ منه، وممّن روى عنه: أحمدُ بن يحيى ابن الشَّيخ وعبدُ الرحمن بن محمد بن زَيْن، وغيرُهم.
وكان آخِرَ رجالِ الأندَلُس بَراعةً وإتقانًا، وتوسُّعًا في المعارف وافتنانًا، محدِّثًا مُكثِرًا، ضابِطًا عَدْلًا ثقةً، ناقدًا يَقِظًا، ذاكرًا للتواريخ على تبايُن أغراضِها، مستبحِرًا في علوم اللِّسان: نَحْوًا ولُغةً وأدبًا، كاتبًا بليغًا، شاعرًا مُفْلِقًا مُجِيدًا.
عُنيَ بالتأليف وبَخَتَ فيه، وأُعِين عليه بوفور مادّتِه وحُسن التهَدِّي إلى سُلوكِ جادّتِه، فصنَّفَ فيما كان يَنتحلُه مصنَّفاتٍ برَّزَ في إجادتِها، وأعجَزَ عن الوفاءِ بشُكرِ إفادتِها، منها:"المَوْرِدُ السَّلْسَل في حديث الرحمة المُسَلسَل"، و"المأخَذُ الصّالح في حديث مُعاويةَ بن صالح"، و"الأربعونَ حديثًا عن أربعينَ شيخاً، من أربعينَ مصنَّفًا، لأربعينَ عالمًا، من أربعينَ طريقًا، إلى أربعينَ تابِعًا، عن أربعينَ صاحبًا، بأربعينَ اسمًا، من أربعينَ قَبِيلاً، في أربعينَ بابًا" أبدَى به اقتدارَه معَ ضِيق مجالِه عمّا عَجَزَ عنه المَلّاحيُّ من ذلك على ما نبيِّنُه عليه في رَسْمِه إن شاء الله؛ و"الاستدراك على أبي محمدٍ ابن القُرْطُبيِّ ما أغفَلَه من طُرُقِ رواياتِ الموطَّإ"، و"مختصرُ أحكام ابن أبي زَمَنِين في الفقه"، و"قَصدُ السَّبيل ووِرْدُ السَّلسَبِيل، في المواعظِ والزّهد" أربعةُ مجلَّدات، و"التكمِلة لكتابِ الصِّلة" في مجلَّدَيْنِ ضَخْمَيْن، و"الإيماء إلى المُنجِبينَ من العلماء"، و"الشّفاء في تمييزِ الثِّقاتِ من الضُّعفاء"، و"هِدايةُ المعتسِف في المؤتلِف والمختلف"، وهذه الكتُبُ الثلاثة مقصورةٌ على أهل الأندَلُس، و"معجَمُ أصحاب أبي عُمرَ بن عبد البَرّ" و"معجَم أصحابِ أبي عَمْرٍو المقرئ" و"معجَم أصحابِ أَبي عليٍّ الغَسّاني" و"معجَمُ أصحابِ أبي داودَ الِهشَاميّ" و"معجَمُ أصحاب أبي عليٍّ الصَّدَفيّ" و"معجَمُ أصحابِ أبي بكرٍ ابن العَرَبي" و"معجَم شُيوخ أَبي الحُسَين أحمدَ بن محمد ابن السَّرّاج"، و"معجَم شُيوخِه" و"بَرنامَجُ رواياتِه "، و"إعتابُ الكُتّاب"، و"إعصارُ الهبوب في ذكْرِ الوَطَنِ المحبوب"، و"الوَشْيُ القَيْسي في اختصارِ الفَتْح القُسِّي"، و"قِطَعُ الرِّياض في بِدَع الأغراض" مجلّدانِ ضَخْمان، و"الانتداب للتنبيهِ على زَهْرِ الآداب"، و"الحُلّة
السِّيَراء في شُعراءِ الأُمراء"، و"خَضْراءُ السُّندس في شُعراءِ الأندَلُس" من أوّل فَتْحِها إلى آخرِ عُمُرِه، و"الماضُ البَرْق في شُعراءِ الشَّرق"، و"تُحفةُ القادم" عارَضَ به "زادَ المُسافر" لأبي بحرٍ صَفْوانَ بن إدريسَ، و"دُرَرُ السِّمط في خبَرِ السّبْط" على طريقة أبي الفَرَج ابن الجَوْزيّ، و"مَعدِنُ اللُّجَيْن في مَرَاثي الحُسَين"، و"إحضارُ المُرهِج في مِضمارِ المُبهِج" على نحوِ كتابِ أبي منصورٍ الثّعالبيّ، و"مظاهرةُ المَسْعَى الجميل ومحاضَرةُ المرعَى الوَبيل في مُعارَضةِ مَلْقَى السَّبيل" على حروفِ المعجَم بنَظْم ما يُنثَر بعدَ نَثْر ما يُنظَم، و"فُضالةُ العُبَاب ونُفَاضةُ العُيَاب" في نحوِ أُرجوزةِ ابن سِيدَه ومَن نَحَا مَنْحاه في ما اسمك على حروفِ المعجَم، و"ديوانُ شعرِه" على الحروف، ومجموعُ رسائلِه، إلى غير ذلك، وهي تُنِيفُ على خمسينَ مصنَّفًا (1). وكان قد شَرَعَ في شَرْح "البخاريِّ" فعاقَه عن إتمامِه ما حُمَّ من محتوم حِمامِه، وكان شديدَ الرغبة في إفادةِ العلم.
ودارَتْ بينَه وبينَ أُدباءِ عَصْرِه مُكاتَبات: مُفاتَحاتٌ ومجُاوَبات، ظَهَرَ فيها شفوفُه وتبريزُه، ولا سيّما في النَّظم، فانهُ بَهْرَجَ فيه شَبَهَهم إبريزُه.
وممّا استفاضَ ذكْر استحسانِه من شعرِه قصيدةٌ استَصْرخَ بها الأميرَ الأجَلّ أبا زكريّا أميرَ إفريقيّةَ لنَصْر الأندَلُس، وقَدِمَ عليه بها حين توَجَّه إليه رسُولًا عن أمير شرقِ الأندَلُس حينئذٍ أبي جَميل زَيَّانَ بن أبي الحَمَلات مُدافِعِ بن أبي الحَجّاج بن مَرْدنيش، وهي هذه (2) [البسيط]:
أَدْرِكْ بخيلِك خَيْلِ الله أندَلُسا
…
إنَّ السّبيلَ إلى مَنْجاتِها دَرَسا
وهَبْ لها من عزيزِ النَّصرِ ما التمسَتْ
…
فلم يزَلْ منكَ عزُّ النَّصرِ مُلْتَمَسا
وحاشِ -ممّا تُعانيه- حُشاشتَها
…
فطالما ذاقتِ البَلْوى صباحَ مسا
(1) طبع من هذه المصنفات: التكملة، ومعجم أصحاب أبي علي الصدفي، وإعتاب الكتاب، والحلة السيراء، وتحفة القادم، ودر السمط، ومظاهرة المسعى الجميل، وديوان شعره.
(2)
انظر أزهار الرياض 3/ 207.
يا لَلْجزيرةِ أضحَى أهلُها جَزَرًا
…
للحادثاتِ (1) وأمسى جَدُّها تَعِسا
في كلِّ شارقةٍ إتمامُ (2) بائقةٍ
…
يعودُ مأتمُها عندَ العِدا عُرُسا
تقاسَمَ الرُّومُ لا نالَتْ مَقاسمُهمْ
…
إلا عقائلَها المحجوبةَ الأُنُسا
وكلِّ غاربةٍ إجحافُ نائبةٍ
…
تَثني الأمانَ حِذارًا والسرورَ أسَى
وفي بَلَنْسِيَةِ منها وقُرطُبةٍ
…
ما يَنسِفُ النَّفْسَ أو ما ينزِفُ النَّفَسا
مدائنٌ حلَّها الإشراك
…
جَذْلانَ وارتَحلَ الإيمانُ مبتئسا
وصيَّرتْها العوادي العابثاتُ بها
…
يَستوحشُ الطَّرْفُ منها ضِعفَ ما أَنِسا
فمِن دَسَاكِرَ كانت دونَها حُرُمًا
…
ومن كنائسَ كانت قبلَها كُنُسا
يا لَلمساجدِ عادتْ للعِدا بِيَعًا
…
وللنِّداء غَدَا أثناءَها جَرَسا
لهفي عليها إلى استرجاعِ فائتِها
…
مَدارسًا للمثاني أصبحت دُرُسا
وأربُعًا غنِمتْ يُمنى (3) الرَّبيع لها
…
ما شئتَ من خِلَعِ مَوْشِيّةِ وكِسا
كانت حدائقَ للأحداقِ مونِقةً
…
فصَوَّحَ النَّضرُ من أزهارِها (4) وعسا
وحالَ ما حولهَا من منظرِ عَجَبٍ
…
يَستجلسُ الرَّكبَ أو يَستركبُ الجَلِسا
سُرعانَ ما عاثَ جيشُ الكفرِ واحَرَبا
…
عيثَ الدَّبا في مَغانيها التي كَبَسا
وابتزَّ بِزَّتَها لمَّا تحيَّفَها
…
تحيُّفَ الأسَدِ الضّاري لِما افتَرَسا
فأين عيشٌ جنَيْناهُ بها خَضِرًا؟!
…
وأين غُصنٌ (5) جَنَيْناهُ بها سَلِسا؟!
(1) بهامش ب: "للنائبات".
(2)
في أزهار الرياض: "إلمام".
(3)
في أزهار الرياض: "أيدي".
(4)
بهامش ب: خ: "أدواحها".
(5)
بهامش ب: "عصر".
محا محاسنَها طاغٍ أُتيحَ لها
…
ما نامَ عن هَضْمِها حينًا ولا نَعِسا
ورَجَّ أرجاءها لما أحاطَ بها
…
فغادَرَ الشُّمَّ من أعلامِها خُنُسا
خَلَا له الجوُّ فامتدَّتْ يداهُ إلى
…
إدراكِ ما لم تطَأْ رِجلاهُ مختلِسا
وأكثَرَ الزَّعمَ بالتثليثِ منفردًا
…
ولو رأى رايةَ التوحيدِ ما نبَسا
صِلْ حَبْلَها أيُّها المولَى الرّحيمُ فما
…
أبقَى المِراسُ لها حبلًا ولا مَرَسا
وأَحْيِ ما طَمَسَتْ منها العُداةُ كما
…
أحيَيْتَ من دعوةِ المَهْديِّ ما طُمِسا
أيامَ صِرتَ بنَصْرِ (1) الحقِّ مُستَبِقًا
…
وبِتَّ من نُورِ ذاك الهَدْيِ مقْتَبِسا
وقمتَ فيها بأمرِ الله مُنتصرًا
…
كالصارم اهتزَّ أو كالعارضِ انبَجَسا
تمحو الذي كثَّفَ (2) التجسيمُ من ظُلَمٍ
…
والصبحُ ماحيةٌ أنوارهُ الغَلَسا
وتقتضي الملِكَ الجَبّارَ مُهجتَه
…
يومَ الوَغَى حِيرةً لا تَرقُبُ الخَلَسا
هذي وسائلُها تدعوك من كثَبٍ
…
وأنت أفضلُ مرْجوٍّ لمن يَئِسا
وافَتْكَ جاريةً بالنُّجحِ راجيةً
…
منكَ الأميرَ الرِّضا والسيِّدَ النَّدُسا
خاضتْ خضَارةَ يُعليها ويَخفِضُها
…
عُبَابُهُ فتعاني اللِّينَ والشَّرَسا
وربّما سَبَحَتْ والرِّيحُ عاتيةٌ
…
كما طلَبْتَ بأقصى شدِّهِ الفَرَسا
تؤمُّ يحيى بنَ عبد الواحدِ بن أبي
…
حَفْصٍ مُقبِّلةً من تُرْبِه القُدُسا
مَلْكٌ تقلَّدتِ الأملاكُ طاعتَهُ
…
دينًا ودُنيا فغَشَّاها الرِّضا لبَسا
من كلِّ غادٍ على يُمناهُ مُستلِمًا
…
وَكلِّ صادٍ إلى نُعماهُ ملتمِسا
مؤيَّدٌ لو رَمَى نَجْمًا لأثبتَهَ
…
ولو دَعَا أُفُقًا لبَّى وما احتبَسا
(1) في أزهار الرياض: "سرت لنصر"، وبهامش ب:"أيان".
(2)
في أزهار الرياض: "كتب".
تالله إنّ الذي تُرجَى السُّعودُ لهُ
…
ما جالَ في خَلَدٍ يومًا ولا هَجَسا
إمارةٌ يَحمِلُ المقدارُ رايتَها
…
ودولةٌ عِزُّها يَستصحبُ القَعِسا
يُبدي النهارُ بها من ضَوْئه شَنَبًا
…
ويُطلعُ اللّيلُ من ظَلْمائه لَعسا
ماضي العزيمةِ والأيامُ قد نَكَلتْ
…
طَلْقُ المُحَيّا ووَجْهُ الدّهرِ قد عَبَسا
كأنه البدرُ والعلياءُ هالتُهُ
…
تحُفُّ من حولِه شُهْبُ القنا حَرَسا
تدبيرُه وَسِعَ الدُنيا وما وَسِعَتْ
…
وعَرْفُ معروفِهِ آسَى الوَرَى وأَسا
قامتْ على العدلِ والإحسانِ دعوتُهُ
…
وأنشَرَتْ من وجودِ الجُودِ ما رُمسا
مباركٌ هَدْيُهُ بادٍ سكينتُهُ
…
ما قام إلا إلى حُسنى ولا جَلَسا
قد نوَّرَ اللهُ بالتقوى بصيرتَهُ
…
فما يُبالي طُروقَ الخَطْبِ مُلتبِسا
بَرَى العُصاةَ وراشَ الطائعينَ فقُلْ
…
في اللَّيثِ مُفترِسًا والغَيْثِ مُرتجِسا
ولم يُغادرْ على سَهْلٍ ولا جبلٍ
…
حيًّا لَقاحًا إذا وفَّيتَه بَخَسا
فرُبَّ أصيَدَ لا تَلقَى به صَيَدًا
…
ورُبَّ أَشْوَسَ لا تُلفي له شَوسا
إلى الملائكِ يُنْمَى والملوكِ معًا
…
في نَبْعةٍ أَثمرتْ للمجدِ ما غَرَسا
من ساطع النُّورِ صاغَ اللهُ جوهرَهُ
…
وصان صيغتَهُ أنْ تَقْرَبَ الدَّنَسا
لهُ الثَّرى والثُّرَيّا خُطّتانِ فلا
…
أعزَّ من خُطَّتَيْهِ ما سَمَا ورَسا
حَسْبُ الذي باعَ في الأخطارِ يَركَبُها
…
إليه مَحْياهُ أنَّ البيعَ ما وُكِسا
إنَّ السَّعيدَ امرُؤٌ ألقَى بحضرتِهِ
…
عَصَاهُ محُتزِمًا بالعدلِ مُحترِسا
فظلَّ يوطِنُ من أرجائها حَرَمًا
…
وباتَ يُوقدُ من أضوائها قَبَسا
بُشرى لعبدٍ إلى البابِ الكريم حَدَا
…
آمالَهُ ومن العِدِّ المَعِينِ حَسا
كأنّما يَمتطي واليُمنُ يَصحَبُهُ
…
من البحارِ طريقًا نحوَهُ يَبَسا
فاستقبَلَ السَّعدَ وَضّاحًا أسرَّتُهُ
…
من صَفْحةٍ فاض منها النُّورُ فانعكسا
وقبَّلَ الجُودَ طَفَّاحًا غَواربُهُ
…
من راحةٍ غاضَ فيها البحرُ فانغَمَسا
يا أيُّها الملِكُ المنصورُ أنتَ لها
…
علياءَ تُوسعُ أعداءَ الهدى تَعَسا
وقد تواترتِ الأنباءُ أنك مَن
…
تُحيي بقتلِ ملوكِ الصُّفْرِ أندَلُسا
طَهِّرْ بلادَكَ منهمْ إنّهم نَجَسٌ
…
ولا طهارةَ ما لم تَغسِلِ (1) النَّجَسا
وأوطِئ الفَيْلقَ الجَرّارَ أرضَهمُ
…
حتى يُطَأطئَ رأسًا كلُّ من رَأَسا
وانصُرْ عَبِيدًا بأقصىَ شَرْقِها شَرِقَتْ
…
عيونُهم أدمُعًا تَهمي زكًا وخسَا
همْ شِيعةُ الأمرِ وهْي الدارُ قد نُهِكتْ
…
داءً متى لم تُباشِرْ حَسْمَه انتَكَسا
فاملأ -هنيئًا لكَ التمكينُ- ساحتَها
…
جُرْدًا سَلاهبَ أو خَطِّيَّةً دُعُسا
واضرِبْ لها موعدًا بالفَتْح تَرقُبُهُ
…
لعلَّ يومَ الأعادي قد أتَى وعسى
[.....................
…
...............................] (2)
فممّن استَحسَنَ جوابَه منهم الأُستاذُ أبو عبد الله، [......] (3) قال [البسيط]:
بَشْراكمُ إنَّ رَسْمَ الكُفرِ قد دَرَسا
…
فارتَجَّ إيوانُ أهلِ الشِّركِ وارتَجَسا
بُشراكُمُ اليومَ إنّ النَّصرَ مُقتبِلٌ
…
عن جِدِّ عزمٍ يكرُّ النفْسَ والنفَسا
وغَيْرةً لبلادِ الله أنْ يطأَ الـ
…
ـتّثليثُ وهْو خبيثٌ أرضَها القُدُسا
وهِمّةٌ أقسَمتْ في النفْس لا احتَجنَتْ
…
عن أرضِ أندَلُسٍ مالًا وإنْ نَفُسا
لكي تعودَ إلى الإسلام عادتُهُ
…
ويَلبَسَ الحقُّ نُورًا بعدَ أن لُبِسَا
(1) في أزهار الرياض: نغسل -بالنون- وقال المقري: هو أصوب مما وقع بخط بعضهم بالتاء لأن مثله لا يصلح للمخاطبات السلطانية.
(2)
بياض بقدر أربعة أسطر.
(3)
بياض في النسختين.
وتَستوي قَدَمُ الإسلام ثابتةً
…
في دارِه لا تَرى دَحْضًا ولا دَهَسا
كأنّكمْ بجنودِ الله طالعةً
…
رايتُها في ثناياكمْ زكًا وخسا
كأنّكمْ بجنودِ الله قد خَضَدَتْ
…
بالسَّيفِ من شَوْكةِ الإشراكِ ما نَخَسا
تلك التي لا يُريمُ النَّصرُ طالعَها
…
بما اكتَسَى من أسامي أهلِها وكَسَا
حتى تُوازيْ بحولِ الله أندَلُسٌ
…
أمنًا وكثرةَ إيمانٍ طَرابُلُسا
بكلِّ أجرَدَ مختالٍ تُفَرِّسُ في
…
إلهابِه البَرْقَ لولا ما تَرى الفَرَسا
عليه كلُّ طويلِ الباعِ منْصَلِتٌ
…
كأنّه غُصُنٌ في مَتْنِهِ غُرِسا
ماضي العزيمةِ آبّاءُ الهضيمةِ ركّابُ
…
العظيمةِ لا نِكْسًا ولا شَكِسا
حامي الحقائقِ فرّاجُ المضائقِ محـ
…
ـمودُ الخلائقِ لا وَعْرًا ولا شَرِسا
يرضَى الوغَى مَعْلَمًا والموتَ مُعتصَبًا
…
والضَّربَ مدَّرعًا والطَّعنَ متَّرَسا
تمَّت به لتميمٍ كلُّ مكرُمةٍ
…
فلا زُرارةَ في العليا ولا عدُسا
ومن سَليمِ بن منصُورِ بْنِ عكرِمةٍ
…
شُمٌّ إذا اعتَجَروا لم تتَّهمْ فطسا
بِيضٌ غدا فَرْعُهمْ يَسري إلى مُضرِ الـ
…
ـحمراءِ أصلًا سَرى هذا وذاك رَسَا
همُ الأولى أَوْطَنوا قِدْمًا طَرابُلُسًا
…
فكيف لا يُوطِنونَ اليومَ أندَلُسا؟!
وهْي الحدائقُ غُلْبًا كلّما غَلَبت
…
على كريمٍ أفادت طبعَه سَلَسا
كم استقَرَّ بها الإِسلامُ محترَمًا
…
حِماهُ بالبِيض أو بالسُّمرِ مُحترَسا
وكم أدارَ رحَى الحربِ الزَّبُونِ بها
…
الأعداءُ فيها فلم يزبنْ ولا نُكِسا
مازال ساكنُها بالعدلِ متَّسِمًا
…
بالدِّينِ ملتبِسًا للخيرِ مُلتمِسا
أو قارئًا لكتابِ الله مجتهدًا
…
أو مُبْلِيًا في مَثَارِ النَّقْع مُنغمِسا
أو راحلًا نحوَ بيتِ الله مُغترِبًا
…
أو قافلًا من إياةِ العلم مُقتَبسا
وباذلًا نفْسَه في الله محُتسِبًا
…
أموالَهُ في سبيلِ الله مُحتبِسا
قد فاز فيها بإحدى الحُسْنيَيْنِ
…
فإمّا غارِمًا عُشُرًا أو غانمًا خُمُسا
ولم تزَلْ عُصبةُ التوحيدِ تكلؤُها
…
مُصيخةً نحوَ داعيها وإن هَمَسا
إذا المُلِمّةُ ضافتْ رَحْلَ ضيفِهمُ
…
داسُوا لها النارَ أو حاسوا لها القَبَسا
واستَنْجَدوا بأسَهمْ في نَصْرِهِ فعَدَوْا
…
عنه مُعاديَهُ خَزْيانَ مُبتئسا
لو أنكمْ قبلَ إلمامِ العدوِّ بكمْ
…
دعوتمُوهمْ لألفَيْتُمْ أُساةَ أَسى
ولو مدَدتُمْ قُبَيْلَ السَّيلِ أيديَكمْ
…
لم تعدَموا أن يمُدُّوا نحوَكمْ مرسا
لكنْ أتيتُمْ وقد عمَّ السَّقامُ وقد
…
يَشفي العليلَ علاجٌ بعدَما نُكِسا
لقد تراخَيْتُمُ حتى فشَتْ عِللٌ
…
يُعيي التنطُّسُ فيها الحاذقَ النَّطِسا
والسَّهمُ مالم يُرَشْ قبلَ الرِّماءِ بهِ
…
كالغُصن شُذِّبَ إلا أنهُ يَبُسا
ما حيلةُ الغَوْثِ فيمَن جاء يَطلُبُهُ
…
واليَمُّ قد طَمَّ والإنسانُ قد غَطَسا
أَعزِزْ على ملّةِ الإسلام أنْ فُجِعت
…
فيكمْ بأربع دُرْسٍ غُودرت دُرُسا
فأمكنَتْ فُرصةٌ فيكمْ عدوَّكمُ
…
فكان مُفترِشًا بل كاد مُفترِسا
وصار في كلِّ دارٍ مأتمٌ لكمُ
…
أَضحى كما قُلتمُ عندَ العِدا عُرُسا
فعندَها غضَبِتْ للحقِّ عُصْبتُهُ
…
فكلُّ ذي كَبِدٍ من حيثُ لان قَسا
لمّا رَعَوْا ما لكمْ من ذمَّةٍ عَبَروا
…
إليكمُ البحرَ لا رَهْوًا ولا سَلِسا
فأَقْبَلُوكمْ نواصي كلِّ طائفةٍ
…
وإنْ غدا إلْفُها في الماءِ قد غُمِسا
يَحمِلنَ أهلَ مَضاءٍ في الحروبِ سَرَوا
…
رَكْبًا ولكنّهمْ في صُورة الحبسا
في الطمْسِ يَستبطئونَ الرِّيحَ عاصفةً
…
حِرصًا لإتمام نُورِ الله إذ طُمِسا
إذْ عاينوا الصَّعبَ والضَّعفَ اللّذَيْنِ بكمْ
…
فكلُّ ذي نعمةٍ آسَى بها وأَسا
وأوسَعوكمْ قِرًى كانوا أحقَّ بهِ
…
لدَيْكُمُ فاعجَبوا للأمرِ أن عُكِسا
وما جَهِلتُمْ حقوقَ الضَّيفِ بل حَبَس
…
الأيدي من الحَصْرِ والإحصارِ ما حَبَسا
وَدُّوا لوِ اتَّخذتْ في البحرِ عَزْمتُهمْ
…
إلى العِدا سَرَبًا أو مَسلَكًا يَبَسا
حفيظة لم تزَلْ كالمُلكِ حافظةً
…
وأنفُسًا لم يُفارِقْ عِزُّها قَعَسا
يَبْكونَ من رحمةٍ للدِّين أنْ نُسِفَتْ
…
أطوادُه ولجَدِّ المُلكِ أن تَعِسا
وأنْ تَخاذلَ أهلُ الأرض فاتَّفَقوا
…
على الخلافِ رجالًا في ثيابِ نِسا
لا يَنصُرونَ أخًا لو رامَ نَصْرَهمُ
…
ولا يُوفُّونَهُ التشميتَ لو عَطَسا
ليقضيَ اللهُ أمرًا كان فاعلَهُ
…
والحمدُ لله فيما سرَّ منه وسَا
سيَنصُرُ اللهُ والإِسلامُ أُمَّتَهُ
…
بالقادةِ العظماءِ الذادةِ الرُّؤسا
يَسترشِفُونَ قدودَ السُّمرِ قائمةً
…
فيحسَبونَ لَماها في القَنا لَعَسا
لا يَأْلَمونَ المنايا في أسِنّتِها
…
كأنما الطَّعنُ لَثْمٌ بينَهمْ خُلِسا
يا أهلَ دانِيةٍ أودَتْ بَلَنْسِيَةٌ
…
عَزَاكُمُ إنه للقَطْفِ ما اغترَسا
لا تَيْأَسوا إنّ خيلَ الله ناظرةٌ
…
لأنْ يقالَ: اركَبي، ويلٌ لمن يَئِسا
ولا يَسُرَّ عدوًّا رِبحُ صَفْقتِه
…
في غَبْنِكمْ فقديمًا طالما وُكِسا
ترقَّبوا اليُسرَ بعدَ العُسرِ واعتَبِروا
…
بمَن مضَى فلعلَّ الله أو فعسى
وأمِّلوا النَّصرَ في العُقْبى فإنّ قَضَاءَ
…
ءَالله بالخير مَرْجوٌّ صباحَ مَسَا
كمْ نعمةٍ صُحِبَتْ حتى إذا سُحِبَتْ
…
سِيمَ الذي ألبسَتْهُ خَلْعَ ما لَبِسا
كم خُرِّبَتْ دارُ قومٍ بعدَما عَمَرَتْ
…
وكم توَحَّشَ سِرْبٌ بعدَما أَنِسا
ثم ارعَوى الدّهرُ فانتاشَ الحَسِيرَ كما
…
راشَ الكَسِيرَ فوَلَّى الأمرَ مُنكبِسا
وهذه عادةُ الأيام فانتظِروا
…
فليس يكشِفُ إلا اللهُ ما التَبَسا
لا بدَّ لله من إنجازِ موعدِه
…
وإنْ تَطاوَلَ إنساءٌ وطال نَسا
[....](1) أبو عبد الله محمدُ بن أحمدَ الحَضْرَميُّ قال [البسيط]:
لبَّاكَ مُصْغٍ لِداعٍ كلما نَبَسا
…
ما زال مُذْ دهرِهِ للغَزْوِ مُلتمِسا
غَضْبانَ لله لو يَرضى لشِرعتِهِ
…
يَقْظانَ عن نُصْرةِ الإسلام ما نَعِسا
وما عسى مَن عسا إيناعَ زَهْرتِها
…
وقَطْفَها قد أتى مُستعجِلًا وعسا
إنْ شانَ مِن دَنَسِ الخِذلانِ شائنةٌ
…
فقد هَمَى غيثُ نَصْرٍ يغسِلُ الدَّنَسا
أو شابَ مِن دَلَسِ الإخفاق شائبةٌ
…
فقد أتى نقْدُ إنجاح نفَى الدَّلَسا
خيل تُخيِّلُ من نَقْع الهِيَاج دُجًى
…
فتبتغي فيه من نارِ القَنا قَبَسا
فلو أُتيحتْ عصا موسى إذَنْ سَلكتْ
…
من العُبَاب طريقًا للوغَى يَبسا
تُحالفُ السَّعدَ لا تَأْلو تُخالفُهُ
…
فلو رأتْ مِسطَحًا يومًا لَما تَعِسا
كأنْ بها وعزيزُ النَّصرِ رائدُها
…
كخادمٍ لرضا مخدومه التَمَسا
من كل غاديةٍ في الكفرِ عاديةٍ
…
تُرْدي وتَرْدي فتحدي النَّفْس والنَّفَسا
بكلِّ ليثٍ ولكنْ باللّيوثِ سَطَا
…
ليست بَراثنُهُ إلا قنًا دُعسا
عاري الأشاجع لكنْ من شجاعتِهِ
…
كاسٍ، فسائلْ به عريانَ قد لَبِسا
قاسٍ على الفَرْي ساقٍ سيفَهُ عَلَلًا
…
من النَّجِيع فجرِّبْ ما سَقَى وقسا
يُلْهيه ألعَس أحوى ظلَّ يُشْرِعُهُ
…
في الحربِ عن رَشْفِه أحوى حوى لَعِسا
تناصَفَ الرأيُ والإقدامُ فيه فلا
…
يزالُ مفترِصًا طَوْرًا ومُفترِسا
(1) بياض.
ضَراغمُ الغابِ إلا أنّها تَخِذَتْ
…
ملابسَ الرَّقْش في يوم الوغَى لُبُسا
من كلِّ أروَعَ راعي الجيشَ مدَّرِعًا
…
وابتَزَّ بِزّةَ رَبِّ الجيش متَّرِسا
كتائبٌ لا تَرى الرُّوحَ الأمينَ بها
…
إلّا على فَرَسٍ لم تَدْره فَرَسا
فاءَتْ على فئةِ التوحيدِ رايتُها
…
كما تهَدَّلَ فوقَ الرَّوضِ ما غَرَسا
فأوْجدوا من وجودِ الأمنِ مُنعدِمًا
…
وشيّدوا من بِنا الإسلام ما دَرَسا
قلْ للجزيرةِ، لا يُصبحْ بها جَزَرًا
…
أو يُمسِ إلّا أَعاديها صباحَ مسا:
لا تَيْأَسي فعزيزُ النَّصرِ ضاءَ لهُ
…
صُبحٌ كصِدقِ رجاءٍ عادَ مَن يئسا
وكالهُدى نَسَخَ التضليلَ مُحْكَمُهُ
…
وكالصَّباح جلا لَأْلاؤُهُ الغَلَسا
كتائبٌ تَدَّني منها لدانِيَةٍ
…
نَواطقٌ بنداءٍ يُخْرِسُ الجَرَسا
فاستَشعِري الفتحَ إنجازًا بلا عِدَةٍ
…
كما سَقَى الغَيْثُ عَفْوًا ما ذَوى وعسا
كتائبٌ من جيوش النَّصر لا كُتُبًا
…
وحارساتٌ من التأييدِ لا حَرَسا
عسى فتوحٌ تأتَّى للهُدى صَدَرتْ
…
عنها حُتوفٌ تأتَّى للضلالِ عسى
وعلَّ أنْ يوطِنَ التوحيدُ مَوطنَهُ
…
قَسْرًا ويُخلي من التثليثِ أندَلُسا
متى يَحُلُّ بها الإيمانُ في نِعَمٍ
…
تَتْرى وَيرحَلُ عنها الكُفرُ مُبتئسا
وتَنثني ألسُنُ الإيمانِ ناطقةً
…
بما ابتغَى ولسانُ الكُفرِ قد خَرِسا
بحيثُ تَهْدِمُ راحاتُ الهُدى بِيَعًا
…
مَنْ باع في هَدمِها مَحْياهُ ما وُكِسا
فيُفصحُ الدّهرُ فيها بعدَ عُجْمتِهِ
…
وَيضحَكُ الدِّينُ منها ضِعفَ ما عَبَسا
كأنْ بها آنَسَتْها العينُ لازَمَها
…
ما يُؤْنِسُ الوحشَ أو ما يوحشُ الأُنسا
فردَّ من طُولِها طُولُ القَنا قِصَرًا
…
قَسْرًا ومن شَمَمٍ في هضَبِها خَنَسَا
فتحٌ لأهلِ التَّبَدِّي باليقينِ بَدَا
…
هجاؤُهُ في أُولي التضليلِ قد عُكِسا
فمِن ندًى فيكمُ آسَى عديمَ غِنًى
…
ومن وغًى قد أَسا منكُمْ كليمَ أسى
لم يَحْمِ عنكمْ صَنيعًا نأيُ دارِكُمُ
…
والغَيثُ يَهمي بأقصىَ الأرضِ مُرتجِسا
والشمسُ في رابع الأفلاكِ مقْبِسةٌ
…
من نُورها في حَضِيض الأرض مُقتبسا
وإنْ نَأَتْ بالعِدا دارٌ فدانِيَةٌ
…
منهُمْ وقائعُ تُبقي حيَّهمْ رمسا
والقوسُ أصمَى وأرمَى وهْي نابيةٌ
…
وربّما قارنتْ إنْ قاربَتْ تَعَسا
والرُّمحُ أقضَى وأنضَى إنْ قذَفْتَ بهِ
…
بُعدًا وليثُ الشَّرى يَنْأَى إذا افتَرَسَا
إنّ التشاغُلَ عنكمْ شاغلٌ بكُمُ
…
كم قائمٍ تحسَبُ الأبصارُ في الجُلَسا!
ولم يُعِقْ عن وشيكِ النَّصرِ من شُغُلٍ
…
إلا اختلاس أوانٍ عاق مُختلِسا
وعَقْدُ سِلمٍ على الإِسلامِ عائدُهُ
…
دهرًا وتليينُ خَطْبٍ لم يزَلْ شَرِسا
فقد يُذَلَّلُ من صعبِ الأمورِ وقد
…
يُراضُ من جامحاتِ الخَطْبِ ما شمسا
دعوتُم ناصرًا في الله محُتسِبًا
…
أموالَهُ في جهادِ الكفرِ مُحتبِسا
وما البخيلُ بجدواهُ سوى رجُلٍ
…
بنفسِه في سبيل الله قد نَفَسا
فطالعوامن صباحِ النَّصر مَطلَعَهُ
…
كم ظامئ قد سَقاهُ الغيثُ مُنبجِسا
واليُسرُ من بعدِ إعسارٍ أتى ويَرى
…
مَنْ أوحَشَ السُّهدُ دهرًا بالكَرى أَنِسا
والعونُ بالله فيما عنَّ من أَربٍ
…
نَعتادُهُ قام صَرْفُ الدهرِ أو جَلَسا
وما سِواه فصَلْنا حَبْلَ عُرْوتهِ
…
وما وَصَلْنا له حَبْلًا ولا مرسا
ونستضيءُ بأنوارِ اليقينِ فما
…
نَهابُ ظلماءَ خَطْبٍ أَمَّ مُلتبسا
تَعرى من الأيْدِ أيدينا على ثقةٍ
…
أن نكتسي خِلَعًا من أَيدِه وكِسا
والرومُ فاءت إلى أفيائها فئةٌ
…
ذلت كما رَأَسَ المرؤوسَ مَن رَأَسا
همُ العدا ومَواليهمْ كمِثلِهمُ
…
والماءُ أنجَسَه أن خالَطَ النَّجسا
والأريُ حُلوٌ فإنْ قاسى مذاقَتَهُ
…
شَرْيٌ فقد آضَ للإمرار مُنعكِسا
إن يقترِبْ منكمُ الخِذلانُ فارتَقِبوا
…
نَصْرًا فكمْ سَرَّ دهرٌ قبلَ ذاك أسا
وإن غدا طامسًا رَبْعُ النُّهى فلقد
…
بَدَا التأسِّي مُعيدًا منهُ ما طُمِسا
كم من ثمارِ لهًى تَجني أكُفُّ نُهًى
…
ومن ليالي أسًى تَجْلو شموسَ أُسى!
وكم فريقٍ يُريه الدهرُ مجتمِعًا
…
ومأتمٍ بعدَ أَيامٍ يُرَى عُرُسا!
[....](1) بن أبي عَجِيبةَ، قال من قصيدة [البسيط]:
أخلِقْ بجِدِّ الأعادي أنْ يُرَى تَعِسا
…
وأن يُعاودَ سَعْدُ الجَدِّ أندَلُسا
بنصر مَلْكٍ لحزبِ الله منتقمٍ
…
لم يُدْعَ قطُّ إلى الإنجادِ فاحتبَسا
وطامسٍ ما بَدَا للكُفرِ من أثرٍ
…
ومُظهرٍ من رسُوم الدِّينِ ما طُمِسا
إذاذكَرْتَ اسمَه كي تستعيذَ بهِ
…
من كيدِ شيطانِ إنسٍ نازع خَنَسا
ذو سِيرة درَسَتْ بينَ الورى سُوَرًا
…
وكم ملوكٍ سواه ذكْرُهمْ دَرَسا
فإنْ تكنْ غُيِّرتْ أعلامُ أَرضِكمُ
…
وكلُّ ما كان منها ناضِرًا يَبِسا
فإنّ يحيى بنَ عبد الواحِد بن أبي
…
حَفْصٍ سيَنشرُ منها كلَّ ما رُمِسا
كذاك كان لها الجَدُّ الكريمُ أبو
…
حفصٍ وإنَّ له في جَدِّه لأُسا
كأنّكمْ بالذي أمسى يَسُومُكمُ
…
ضَيْمًا يعودُ عليه الضَّيمُ مُنعكِسا
يوَدُّ لو أنه في الجوِّ طِيرَ بهِ
…
من شدّةِ الذُّعر أو في الماءِ قد قُمِسا
لوكان في زمنِ الحُمْسِ الذين مَضوْا
…
إذَنْ لألبَسَ ثوبَ الذِّلّة الحُمُسا
(1) بياض.
من قصيدةٍ لأبي عبد الله بن أبي يحيى يونُس [البسيط]:
أبشِرْ وبَشِّرْ بنَصْرِ الله أندَلُسا
…
إنّ الأميرَ إليها يسبِقُ النفَسا
فإنْ يكُنْ كافرٌ للسمعِ مسترِقًا
…
فسُمْرُ يحيى الرِّضا شُهْبٌ أتَتْ حَرَسا
وإنْ بَدَا لذوي كُفرٍ بها قَبَسٌ
…
فشمسُ إيمانِ يحيى تَفضحُ القَبَسا
وإنْ عَفَارَ سْمُها بالجَوْرِ وانطَمَسا
…
فعدلُه مستجِدٌّ منه ما طُمِسا
وإنْ غَدَا نافسًا قِدحَ الكفورِ بها
…
فالدِّينُ نافَسَهُ في ذاك إن نَفَسا
بُشْرى الجزيرةِ إنّ النصرَ باشَرَها
…
يُميتُ كُفرًا ويحيي أرسُمًا دُرُسا
وكم أَعاد وأبدى في العِدا وبَدَا
…
وعاد يَمْحو بلِينِ التوبةِ الشَّرسا
مَلْكٌ له حَسَبٌ قد زانَهُ أدبٌ
…
دامتْ له رُتبٌ من فوقِها جَلَسا
فكانت عِدةً سَخت الأقدارُ عَقْدَ إنجازِها، وترجيةً نَسَختِ الأعذارُ حُكْمَ حقيقتِها بمجازِها، وعاد أبو عبد الله ابنُ الأبار إلى مُرسِلِه فألفَى الأحوالَ قد أعضَل داؤها، وقواعدَ البلاد قد غَلَبَ عليها أعداؤها، فترَكَها هاجرًا، وقصَدَ حضرةَ تونُس مهاجِرًا، فأقبَلَ السّلطانُ عليه، وصَرَفَ خُطّةَ الكتابة العليا إليه، ثم أدركَتْه جَفْوةٌ من قِبَل الأمير أفضَتْ إلى تغريبِه وانتقالِه إلى بِجَاية، وفي أثنائها ألّف "إعتابَ الكُتّاب" فأقام ببِجَايةَ طويلًا عاكفًا على العلم ونشرِه.
ومن نثرِه، وإن كان على إجادتِه فيه ينحَطُّ عن نَظْمِه (1): ما كتَبَ به من بِجايةَ إلى المستنصِر بالله يهنِّئُه بجَلْب الماءِ إلى جامع تونُس، عَمَرَه اللهُ بكلمةِ الإسلام، وهُو في معنى ما كتَبَ به أبو المُطرِّف بنُ عَمِيرةَ حسبَما ثَبَتَ في رَسْمة [البسيط]:
الحمدُ لله حمدًا لا نقلِّلُهُ
…
هذا الزمانُ الذي كنّا نُؤَمِّلُه
(1) بهامش ب تعليق بخط مختلف عن خط المعلق الأصيل -وهو التجيبي- وكذلك تعليق آخر على حاشية الورقة 104 ب في الثناء على نشر ابن الأبار، وليس للتعليقين من قيمة تاريخية أو نقدية.
{بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ: 15] ودولةٌ مبارَكة لمَحاسنِها سُفور، إلى أبي حَفْص آلوا، فهل جالتِ النّجومُ حيث جالوا، أو نالتِ الملوكُ بعضَ ما نالوا؟ مُلْكٌ يشتملُ الإقبال، وعز يُقلقلُ الأجبال، وكرَمٌ صريحُ الانتماءِ في النَّماء، وشَرَفٌ سَمَت ذوائبُه على السماء، إلى عدلٍ وإحسان، هما قِوامُ نوع الإنسان، معَ رِفْقٍ وإسجاح، ضَمِنا كلَّ فوزٍ ونجاح، فقد آضَتِ البَطحاءُ أنوارًا، وفاضتِ البركاتُ نِجادًا وأغوارا، ألبَسَ العامَ ربيعًا، والعالَمَ جميعًا، والسُّعودُ طالعة، والعصورُ. طائعة، بصالح الأعمالِ تَحَلّيها، وعلى مِنَصّة الكمالِ تجَليها، فمَن ذا -أيُّها المولى- يُجاريكَ إلى مدى، أو يُباريكَ في إقدام صادقٍ وندى، وآياتُك للأبصارِ هدى، وحياتُك للكُفّارِ رَدى؟! بسِيرتك عَدَلَ الدّهرُ وما جار، ولولا نورُ عزّتِك ما أنار [الوافر]:
لقد حَسُنَتْ بك الأوقاتُ حتى
…
كأنَّك في فمِ الزمنِ ابتسامُ
أعرَقْتَ في المجدِ والعَلْيا، وعُنِيتَ بالدينِ فعَنَتْ لك الدنيا، أيُّ عنيدٍ أو عميد ما ألقَى باليد، واتّقَى في اليوم عاقبةَ الغد، إصفاقًا على التعوُّض بصَفْحِك وإسعادِك، وإشفاقًا من التعرُّض لصِفاحِك وصِعادِك، تَعمُرُ بالحَسناتِ آناءَك، وتَتْبَعُ في القُرُبات آباءَك، بانيًا كما بَنَوا، بل زائدًا على ما أتَوا، وبادئًا من حيث انتهَوْا [الطويل]:
أُناسٌ من التوحيد صِيغتْ نفوسُهمْ
…
فزُرْهمْ تَرى (1) التوحيدَ شخصًا مُركَّبا
ومن ساكباتِ المُزْنِ فَيْضُ أكُفِّهمْ
…
فرِدْهمْ تَرِدْ ماءَ الغَمام وأَعذبا
أمجادٌ أجواد، في الحِبا بحارٌ وفي الحبَى أطواد، تقَيَّل أبو زكريّا نَهْجَ أبي محمد، وأُيِّدا جميعًا بأبي حَفْص المؤيَّد [الكامل]:
نَسَبٌ كأنَّ عليه من شمسِ الضُّحى
…
نُورًا ومن فَلَقِ الصَّباح عمودا
أولئك صفوةُ الأئمّة، وحَفَظَةُ الأَذِمّة، والقائمونَ دونَ الأُمّة، في الحوادثِ المُدْلَهِمّة، وهذه الدّولةُ المحمَّديّة، الخالدةُ بمكانِها الدعوةُ المَهْديّة، إليها انتهَتِ المَراشِد، وعليها التقَتِ المحامد، وبها اعتزَّتْ حين اعتزَتْ إليها العناصرُ
(1) كذا غير مجزومة، وهي صحيحة الوزن بالجزم!
والمَحاتِد، ومن خصائصِها من فِعال الوجود، وفي مَراسمِها الإيثارُ بالموجود، والبِدارُ إلى إغاثةِ الملهوف وإعانة المَنْجود، ما بَرِحَتْ للخيراتِ إيضاعُها وخَبُّها، وبالصاحاتِ غَرامُها وحُبُّها، حتّى لقد فهِمَتْ أسرارَها، وأودَعَت أنوارَها، وكَفَلت أو كُلّفت إفشاءَها وإظهارَها؛ يمينًا، إنَّ يمينَ الحقِّ بها طُولَى، ولَلآخِرةُ خير لها من الأُولى، بمولانا -أعزَّه الله- عَزَّ مكانُها، وخَلَدت سَديدةً آثارُها شديدةً أركانُها، لا جَرَمَ أنهُ الطاهر، كالماءِ الذي جَلَبَه للطَّهارة، والظاهر ولاءً ولواءً، في مَصعَدِ الخلافة ومقعدِ الإمارة، بالسَّعادةِ الأبديّة وَجْدُه وكَلَفُه، وما همُّه إلا تجاوُزُ ما أسلَفَه سَلَفُه، فجَّر من الأرض يَنبُوعًا، وجَدَّد للجَدوى رُسومًا عافيةً ورُبوعًا، ساحتُه الحَرَم وهو زَمْزَمُ قُصّادِه وحُجّاجِه، وراحتُه البحر الخِضَمّ غيرَ طعمِه وارتجاجِه، لله ما أطهَرَه خِلالاً، وأظهَرَه جَلالاً، "هكذا هكذا وإلّا فلا لا"، غابَتْ كُماةُ المعارك وشَهِد، ونامَتْ وُلاةُ الممالكِ وسَهِد، فمتى قَسَطوا أقْسَط، وإذا غَوَّروا أنْبَط، ولذلك ما أبطَلَ عمَلُه أعمالَهم وأحبَطَ عليهم على صفتي الندى والباس، وسَلَبَهم مَنْقبتَيْ حمزةَ والعبّاس، فلا غَرْوَ أنْ أَمَّن ووَقَى، ثُم لمّا كَسَا وأطعَمَ سقَى، أيةُ نُعمى وفَتْ بالميعاد، وحُسنى مِثلُها يُعَدُّ للميعاد، آتتْ بماءٍ مَعِين قد أصبحَ غَوْرًا، وملأت ما بينَ لابتَيْها جِنانًا تَرِفُ ظلًّا وترِفُّ نَوْرًا، فيا بُشرى لتونُس أخصَبَ جَديبُها، وأحسَنَ وَصْفَ الرَّوض والغديرِ أديبُها، وطالما أطلَعَتْ صحراءَ بل رَمْضاء، فكم للإمارة قِبَلَها من يد بيضاء، غُشِّيَت حِبَرَ الحُبور والسرور، وعُوّضَتْ بَرْدَ الظِّلِّ من وَهَج الحَرور، خمائلُ وجداول، تُزاوِلُ منها العينُ ما تُزاوِل، تلك يضِلُّ مَن أحصاها، وهذه يصِلُّ بها حَصَاها، ويا لَقَصْرِها السّعيد نَعِمت أدواحُه، وهبَّت على خُضْرِ الأغصانِ وزُرْقِ الغُدرانِ أرواحُه، هذا أوانٌ بات السَّماحُ المُفاضُ يَسقيه، وبات الجُودُ الفَضْفاضُ ينقَعُ جَوادُهُ ويشفيه، وهنيئًا للمسجدِ الجامع أن رَوِيت جَوانحُه الصَّاديَة، وجُمِعت في شِرعتِه الساريةُ والغادية، فها هو فَجْرهُ بادي الغُرَر والأوضاح، وصَخرُه منفجرٌ بالزُّلَال القَراح، وللجُمهورِ بصَفْوِه المُنساب، لهجُ الغُيّابِ
بالإياب، وطَرَبُ الشِّيب لذكْرِ الشّباب، أمسَوْا قد وَعَوا مأربَهم، وأضحَوْا قد عَلِمَ كلُّ أُناسٍ مَشْربَهم، فهم يَرِدونَ على العَذْب النَّمير، ويجِدونَ بَرَكةَ رأي الأمير، مكرُمةٌ ذَخَرَها لسُلطانِه الزّمان، وكرامةٌ هُنّئ بها الإيمان، وسلَّمتْ ليمينِه فيها الأيمان، وقضيّةٌ إن حُجِبت عن داود فما حُجِب عنها سليمان [البسيط]:
جمَعْتَ للناسِ بينَ الرّيِّ والشَّبَعِ
…
فهمْ بأخصبِ مُصطافٍ ومُرْتَبَعِ
ولم تدَعْ كرَمًا إلا أتيتَ بهِ
…
تُضيفُ مُبتدَعًا منه لمُبتدعِ
لمّا وَليتَ خَلَعْتَ الخيرَ أجمَعَهُ
…
عليهمُ فبَدَوْا في أجمل الخِلَعِ
وحَسْبُ مجدِك ما أَولاهُ جُودُك مِنْ
…
رَفْعِ الدعاءِ له في كلِّ مجتمعِ
لله أيامُكَ استَوْفَتْ محاسنَها
…
فلا مَزِيَّةَ للأعيادِ والجُمَعِ
دامَتْ مساعيك والأقدارُ تُسْعِدُها
…
تُولي المساجدَ إنصافًا من البِيَعِ
وكتَبَ إلى الإِمام زكيّ الدِّين أبي محمدٍ المُنذِريِّ رحمه الله، شاكرًا وشافعًا، ونقَلتُه من خطِّه: شيخُنا وسيِّدُنا الرئيسُ الفاضل، العالِمُ العامل، الحافظُ الحافل، زكيُّ الدِّين، وإمامُ المحدِّثين، وسيِّدُ المُسنِدين، أبو محمد بنُ عبدِ القويِّ المُنذِريّ، أبقاه الله، يُرغَبُ في بقائه، ويُحرَصُ من أقاصي الآفاقِ على لقائه، إليه تُضْرَبُ أكبادُ الإبِل، ونحوَه تُركَبُ أثباجُ البحار، وفي قصدِه تُخاضُ أحشاءُ البِيد، شوقًا لرؤيةِ العلم في رُواة السُّنَن، وتيمُّنًا بمفخَرةِ مِصرَ على الشامِ والعراقِ فضلاً عن اليمَن، وأوّلُ ما أُفاتحُ به مَعْلَم علمِه الذي تدعوني جَنَباتُه، ولا تَعْدوني ثمرتُه الحُلوةُ وجنَّاتُه، أن أقولَ: السّلامُ الكريمُ الجَزيل العميمُ عليه ورحمةُ الله وبَركاتُه، فإنْ أَذِنَ في الزّيادة، وهي عادةُ أُولي السِّيادة [المنسرح]:
أرسَلتُ نَفْسي على سجِيّتِها
…
وقلتُ ما شئتُ غيرَ مُحتشمِ
وعُجالتي هذه وإن أدَلَّت، حتى أخلَّتْ، وأقدَمتْ إلى أن نَدِمَت، فعن تشريفٍ من تعريف، بذكْرٍ في ناديه، أحسَبُه صَدْرًا وأعُدُّه سِرًّا وجهرًا في غُرِّ
أياديه، وكم سَحَبتُ له الرداءَ عُجْبًا ليس لي شيمة، واستَصْحَبْتُ فيه الثناءَ و"خيرُ العمل ما كان ديمة"، ثم بقِيتُ بعدَها أقعُدُ به وأقوم، وأُحاولُ المكافأةَ عليه وأَرُوم، وعَقدَ الضّميرُ أن أسيِّرَ لشُكرِها يدًا بيضاء، أو أستنيبَ سائلًا من فضلِها الإغضاء. ولمّا استقَلَّ مُستندًا لمكانِه، ومستَسْعِدًا بزمانِه، صاحبُنا الفقيهُ الحَسيبُ المليءُ المُحدّثُ المجتهدُ الصُّوفيُّ أبو علي الحَسَن ابنُ الفقيه القاضي أبي عليّ الحَسَن بن عَتِيق بن المنصُور الجَنْبِ التَّميميُّ، عرَّفَه اللهُ في مناقلِه العصمةَ والسلامة، ولا أوجَدَه في مآخِذِه الفترةَ والسآمة، حَمَّلتُه ذلك واثقًا بأدائه، وراكنًا لحُسنى إعادتِه وإبدائه، وبيتُهُ -أدام اللهُ عُلاكم- نَباهتُه قديمة، وطريقتُه في البيوتاتِ الإفريقيّة بل المَغْرِبيّة قويمة، وأبعَدُ أملِ هذا الصاحبِ وأقصاه، إذا هو أدَّى فريضةَ حجٍّ إن شاء الله، لُزومُ ساحتِكم العُلْيا، والاقتداءُ بكم في أمرَي الدِّينِ والدُّنيا، وسُؤدَدُكم الباهر يخفِضُ له جناحَه، وُيسوِّغُه من إسباغ حِلمِه اقتراحَه، فما بَرِح للسُّنَن النّبويّة خادمًا، وعلى مشارع العلوم الشَّرعيّةِ حائمًا، في ذلكُم حَلَّ وارتَحل، ولله ما انتَحَى وانتحَل، وتشفيعي فيما يُوسعُه رَفْعًا ونَفْعًا، مما أَصِلُ عليه الشُّكرَ وَتْرًا وشَفْعًا، وإنّي لأرجو محافظتَه على التقييد، وبراءتَه من التفنيد، أن يُجيدَ في خدمتِه إمامَنا وإمامَه، ويُفيدَ مَنْ وراءَه من عيونِ ما استفاد أمامَه، والله يُحظيه بما اعتمدَه وتوَخَّاه، ويُسعدُنا بلقاءِ من أمَّل أن يَلْقاه، بمنّه وكرَمِه، ومَعادُ السلام الأجزَل، المباركِ الأطيَبِ الأكمل، يعتمدُكم به مُستديمُ حياتِكم، المتميِّزُ في تلاميذِكم ورُواتِكم، المُتبَاهي في تعظيم جانبِكم، وتقديم واجبِكم، محمدُ بنُ عبد الله بن أبي بكرٍ القُضَاعيُّ، ورحمةُ الله وبرَكاتُه، من بِجَايةَ -كلأَها اللهُ- في غُرّة ربيعٍ الآخِر سنةَ أربعٍ وخمسينَ وست مئة.
وبعدَ مُدّة ممتدّة استدعاه المُستنصِرُ بالله أبو عبد الله مُكرَّمًا مبرورًا، فانقَلبَ إلى حضرتِه مسرورًا، فأنشَدَه حين انتهَى إليه، ووَقَعَ بصَرُه عليه [الكامل]:
بُشْرايَ باشَرْتُ الهُدى والنُّورا
…
في قصديَ المُستنصِرَ المنصُورا
وإذا أميرُ المؤمنينَ لقِيتَهُ
…
لم تَلْقَ إلا نَضْرَةً وسرورا
ولمَ لا وأنت المسَمَّى باسم محمدٍ رسُول الله، وكُنيتُك الكُنْيةُ العزيزةُ: أبو عبد الله، وعلامتُك الشَّريفة: الحمدُ لله والشُّكرُ لله، ولقَبُك على المنابرِ: المستنصِرُ بالله المنصورُ بفضلِ الله؟! ومن كان لله كان اللهُ له.
وأُتحِفَ المُستنصِرُ بغُصن سَوْسَن اجتمعتْ فيه سَوْسَنات سبع، فاستَغْرَبَه المستنصِرُ والحاضرون وفيهم ابنُ الأبار، فابتَدَره في وَصْفِها [البسيط]:
وسَوْسناتٍ أرَتْ من نظمِها بِدَعًا
…
ولم يزَلْ دهرُ مولانا يُري بِدَعَهْ
شبيهةٌ بالثُّريّا في تألُّفِها
…
وفي تألُّفِها تلقاكَ مُلتمِعَهْ
هامتْ بيمناه تبغي أن تُقبِّلَها
…
واستَشْرَفَت تبتغي مَرْآهُ متَّلعَهْ
ثم اتَّقى بعضُها من بعضِها غَلبًا
…
على البِدارِ فوافَتْ وهْي مُجتمعَهْ
وله في تفضيل السَّواد [الخفيف]:
لا تَعيبوا السَّوادَ فهْو مُناكمْ
…
في فروعٍ وأعيُنٍ وحواجبْ
ولقد تجعَلونَ منه رُقوشًا
…
ونقوشًا على خدودِ الكواعبْ
وأرى اللَّيلَ عندَكمْ مُستحَبًّا
…
وأَرى الصُّبحَ عابَهُ كلُّ عائبْ
وسلِ المِسكَ والغواليَ عنهُ
…
وسلِ الحِبرَ في صحيفةِ كاتبْ
وعِذارًا إذا ألمَّ بخَدٍّ
…
دَبَّ فيه كما تدِبُّ العقاربْ
وكفَى أنه لحَبّةِ قلبي
…
ولعَيْني وللشّبابِ مُناسبْ
ومن نَظْمِه في الزُّهد والتُّكْلانِ على الله تعالى [السريع]:
إلامَ في حَلٍّ وفي رَبْطِ
…
تخبِطُ جهلًا أيّما خَبْطِ؟!
دعِ الوَرى وارجُ إلهَ الوَرى
…
فإنهُ ذو القَبْضِ والبَسْطِ
ليس لِما يُعطيهِ من مانعٍ
…
ولا لِما يمنَعُ من مُعطِ