الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
309 - محمد بن إسماعيلَ بن خَلَف العَكِّيُّ، قُرطُبيٌّ
.
كان من أهل العِلم والتبريزِ في العدالة، حيًّا في حدودِ أربع مئة.
310 -
محمدُ (1) بن إسماعيلَ بن سَعدِ السُّعود بن أحمدَ بن هِشام بن إدريسَ ابن محمد بن سَعِيد بن سُليمانَ بن عبد الوهّاب بن عُفَيْر الأمَويُّ، وقد تقَدَّم في رَسْم أبيه (2) تحقيقُ نَسَبِهم وما قيل فيه، لَبْليٌّ سكَنَ إشبيلِيَةَ طويلًا ثم مَرّاكُشَ، أبو الوليد.
رَوى عن أبيه أبي أُمَيّةَ، وأبي بكر بن طلحةَ، وأبي الحَسَن بن عبد الله، وأبوَي الحُسَين: ابن زَرْقُون وابن عَظِيمةَ، وأبي عبد الله بن تَمِيم البَهْرَانيّ، وأبي عليّ ابن الشَّلَوْبِين، وأبي القاسم موسى بن نامٍ، وأبي محمد عبد الحقّ بن عبد الله بن عبد الحقّ وغيرِهم.
قرأْتُ عليه وسَمِعتُ، وأجاز لي وأنشَدَني كثيرًا من شعرِه، وطالَعَني بجُملةٍ من رسائلِه، وكان من بيتِ علمٍ وجَلالة، أديبًا جيِّدَ الكتابة، شاعرًا محُسِنًا، طيِّبَ النّفْس كريمَ الأخلاق، حَسَنَ اللّقاءِ كثيرَ البِرّ، سالمَ الباطن، ممتِعَ المُجالسة فكِهَ المحاضَرة مليحَ التندير، مشكورَ الطريقة، قديمَ النَّجابة، تلبَّسَ طويلًا في الأندَلُسِ ومَرّاكُشَ بعَقْد الوثائق، وكان بصيرًا بها وبعِلَلِها، نافذًا في معرفتِها، واستُقضيَ ببلدِ نفيسَ: من أحوازِ مَرّاكُش، ثم بالسُّوس، وعُرِف في ذلك كلِّه بالنزاهةِ والعدالة.
مَولدُه عامَ ثلاثةٍ وتسعينَ وخمس مئة، وتوفِّي بمَرّاكُشَ بعدَ عصرِ يوم الأربعاء لاثنتَيْ عشْرةَ ليلةً بقِيَتْ من جُمادى الأولى سنةَ سبع وستينَ وست مئة، ودُفنَ عصرَ يوم الخميس بعدَه بمقبُرة بابِ الصالحة، أحدِ أبواب مَرّاكُشَ الشّرقيّة.
(1) ترجمه المراكشي في الإعلام 5/ 364.
(2)
مترجم في التكملة (496)، وتاريخ الإسلام 14/ 289.
ومن شعرِه ما أنشَدَنيه، ونقَلتُه من خطِّه [البسيط]:
أقصِرْ، ففي الحرصِ والتطويلِ للأملِ
…
عَجْزٌ يؤدّي إلى التقصيرِ في العمَلِ
غَرَّ الغَرورُ بآمالٍ تكفَّلَها
…
فهل تكفَّلَ بالتأخيرِ للأجَلِ؟
فشمِّرِ الذَّيلَ من هَزْلٍ لَهوْتَ بهِ
…
عن ساقِ جِدِّك واخلَعْ بُردةَ الكسلِ
واعمَلْ لأُخراكَ في دُنياكَ مجتهدًا
…
قبلَ الرحيلِ ولازِمْ أُهبةَ العَجلِ
وخيرُ زادِكَ تقوى الله في ظَعَنٍ
…
فلْتَدَّخِرْ مِن تُقاهُ زادَ مُرتحِلِ
وأَيقظِ النفْسِ من نَوْماتِ غَفْلتِها
…
بئسَ المُغرَّرُ من يُغْفي على وَجَلِ
لله قومٌ لحبِّ الله قد قَسَموا
…
زمانَهُمْ قِسْمةَ المحبوبِ في الأزَلِ:
نهارُهُمْ لصيامٍ فيه متّصلٍ
…
وليلُهم لقيامٍ غير مُنفصلِ
جُنوبُهمْ تَتجافَى عن مَضاجِعهمْ
…
فلا تُرَى خَلْفَ أستارٍ ولا كِلَلِ
يَدْعونَ ربَّهمُ خوفًا وآوِنةً
…
يَدعُونَهُ طَمَعًا، يا حُسْنَ منتقلِ!
كأنّهمْ بسَوادِ اللّيل قد كَلِفُوا
…
فيَرفُلونَ من الظَّلماءِ في حُلَلِ
من حبِّها أسكَنوها في نَواظِرِهمْ
…
فمن ظلام اللّيالي ظُلْمةُ المُقَلِ
كحَلْتَ عينَيْك كي تحظَى بكُحلتِهمْ
…
(ليس التكحُّلُ في العينينِ كالكَحَلِ)
فاسهَرْ تَنَلْ نُورَ مَنْ أذكَى عيونَهُمُ
…
في كُحْلةِ اللّيلِ نورٌ ليس في الكُحُلِ
أولئك القومُ نِعمَ القومُ قد شُغِلوا
…
بالله حينَ الورَى بالنومِ في شُغُلِ
فاسمَعْ عَوِيلَهمُ واتْبَعْ سبيلَهمُ
…
تسلُكْ بما سلَكُوهُ أفضلَ السُّبُلِ
ولْتُدْمِنِ القَرْعَ في بابِ الرجاءِ عسى
…
أنْ يُفْتَحَ البابُ للرّاجي على مَهَلِ
يا ربِّ يا ربِّ هذي قطعةٌ صَدَرَتْ
…
عن صَدْرِ مَنْ قطَعَ الأيامَ بالغَزَلِ
فتُبْ عليه وكفِّرْ ما تُعِدُّ له
…
بها بخيرِ البَرايا خاتمِ الرُّسُلِ
وصِلْ صلاةً وتسليمًا عليه، إلى
…
جلالِكَ انتهتِ الآمالُ يا أملي
ومنهُ في ذمِّ الجهل والحَضِّ على طلبِ العلم، وأنشدتُه عليه [السريع]:
للعلمِ نورٌ مُستبِينٌ كما
…
للجهلِ أيضًا ظُلمةٌ في الوَرَى
فالعلمُ يَسْمو بكَ فوق السُّها
…
والجهلُ يهوي بك تحتَ الثرى
فذُدْ عنِ العينِ، بإسهارِها
…
في طلبِ العلم، لذيذَ الكرى
وامشِ به نُورًا فما مَنْ يَرى
…
مَمْشاهُ بالنُّورِ كمَن لا يَرى
ومنهُ في الغَزَل، وضمَّنه معنَى نَحْويًّا [الكامل]:
يا سائلي: هَلَ افَقْتُ من ألمِ الهوى
…
إنّي فريقٌ والمُفيقُ فريقُ
ضِدَّانِ في طرفَيْنِ منْ عِلَّاتِهِ
…
حَلَّا بجُثْماني فكيف أُفيقُ؟!
العينُ في بحرِ الدموع غريقةٌ
…
والقلبُ في نارِ الولوعِ حريقُ
أبِعِلَّتَيْنِ -وأنت نَحْويٌّ- تَرى
…
صَرْفي لبُرءٍ؟! ما لذاك طريقُ
ومنه في التمسُّك بالبَذْلِ والإحسان [المتقارب]:
ألا لا تَلُمْنيَ أنْ أبذُلا
…
ولا تمنَعَنِّيَ أن أسألا
فإن رُمتَ بُخْلي على سائلٍ
…
بَخِلتُ عليك بأنْ أبخَلا
فإنّ الثناءَ لمن يبتغيهِ
…
كذا يقتنيهِ وإلّا فلا
ومنه، في فريضةِ بِنتَيْنِ وشقيقَتيْنِ [الطويل]:
أيا مُدَّعي علمِ الفرائضِ أَفْتِ في
…
مُوارَثةٍ قَلَّ المحيطُ بها عِلْما:
نساءٌ على شَطْرَيْنِ أضحَيْنَ أربَعًا
…
أَحَطْنَ بميراثٍ فأفنَيْنَهُ قسما
فصار لشَطْرٍ بالسَّوِيّةِ بعضُهُ
…
وبعضٌ لشَطْرٍ بالسّويّةِ قد عَمَّا
فكان لإحدى مَنْ حَوى الشّطرُ منهما
…
كحظِّ اثنتينِ من أخيه ولا ظُلما؟
فإن كنتَ ذا فَهْمٍ بها وبشَرْحِها
…
فقد فُقْتَ في إيضاح ألغازِها فَهْما
ومنه، في الحثِّ على التّوبة والأعمالِ الصالحة [الكامل]:
يا أيُّها الإنسانُ إنّك كادحُ
…
كَدْحًا تُلاقيهِ فتُبْ ياكادحُ
لا يَستوي في الوزنِ كَدْحٌ طالحٌ
…
يومَ الجزاءِ غدًا وكدحٌ صالحُ
هذاخفيفٌ طائشٌ ميزانُهُ
…
رأيَ العِيَانِ وذا ثقيلٌ راجحُ
شَتّانَ بينَ مخفِّفٍ ومثقِّلٍ
…
خَسِرَ التجارة ذا، وهذا رابحُ
فترى المُخفِّفَ مُثْقَلًا بذنوبِهِ
…
عكسَ القضيّة، والمثقِّلُ رابحُ
ومنه، يُعزِّي شيخَنا أبا الحَسَن في ابنِه الأنجَب صاحبِنا أبي الحُسَين محمدٍ رحمه الله، وسمِعتُه ينشُدُهما إياه عند الفَراغ من مُواراتِه، على قبرِه [البسيط]:
أبا الحُسَينِ لئن غُيِّبْتَ في جَنَنِ
…
فما تَغَيَّبَ ما خَلَّفْتَ من حَسَنِ
وإذْ أُجُورُ الرّزايا فوقَ ما رزَأَتْ
…
فلا كأَجْرِكِ، فاصبِرْ يا أبا الحَسَنِ
ومنه [المتقارب]:
صغارُ ذنوبِكَ تَبْني الكبارْ
…
فلا تحقِرَنَّ الذنوبَ الصِّغارْ
فإنّ صغارَ حِجارِ البناءِ
…
بها يتَحكّمُ وَصْلُ الصِّغارْ (1)
ومنه، في معنى:"جُبِلت القلوبُ على حُبِّ مَن أحسَنَ إليها وبُغْض من أساءَ إليها"[الطويل]:
أساءوا فأبغَضْناهُمُ ثم أحسَنوا
…
إلينا فأحبَبْناهمُ ليس ذا بِدْعا
تُحِبُّ القلوبُ المُحسِنينَ جِبِلَّةً
…
وتُبغِضُ أيضًا مَن أساء لها طَبْعا
(1) كذا ولعله "الكبار".
ومنهُ، في معنى قولِ أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه: الطّبيبُ أمرَضَني؟
[الكامل الأحذّ]:
تَعِبَ المُبكِّرُ بالدّليلِ إلى
…
غيرِ الكَفيلِ لهُ بعافيتِهْ
وقدِ استراحَ منِ استنامَ لمَنْ
…
هُوَ آخِذٌ أبدًا بناصيتِهْ
فاستَشْفِ مُمْرِضَكَ الطبيبَ ولا
…
تَستَشْفِ مَن يَعيا بداهيتِهْ
وفي المعنى [السريع]:
لا تعتمِدْ إلّا على الله في
…
شفائهِ من مَرَضٍ أحرَضَكْ
ما يكشِفُ الضُّرَّ ويَشفي سوى
…
طبيبِكَ الأعلى الذي أمرَضَكْ
ومنه، في مثالِ نَعْل النبيِّ صلى الله عليه وسلم[الخفيف]:
يا مِثالًا مُماثلًا لعظيمٍ
…
كلُّ ما ماثلَ العظيمَ عظيمُ
ياشَبيهًا لنَعْلِ حِبٍّ قديمٍ
…
فلهُ في القلوبِ حُبٌّ قديمُ
كرَمُ النَّعل مِن لِباس كريمٍ
…
كلُّ ما يَلبَسُ الكريمُ كريمُ
فالثُموا نَعْلَهُ وصَلُّوا عليه
…
فهْو دَأْبًا بكمْ رَءوفٌ رحيمُ
وذَيَّلَ البيتَيْنِ اللذينِ كان بلالٌ رضي الله عنه يُنشِدُهما، وهما [الطويل]:
ألا ليتَ شِعري هل أبيتنَّ ليلةً
…
بوادٍ وحَوْلي إذْخِرٌ وجَليلُ؟
وهل أَرِدنْ يومًا مياهَ مَجَنَّةٍ
…
ويبدو لعَيْني شامةٌ وطَفِيلُ؟
فقال [الطويل]:
وهل لي لبيتِ الله حجٌّ مُعجَّلٌّ
…
يُيَسَّرُ في قَصْدي إليه سبيلُ
أطُوفُ به سبعًا وألثُمُ رُكنَهُ
…
وأدعو وعَيْني بالدموعِ تَسيلُ؟
وهل عرَفاتٌ أنتَحِيها بوَقْفةٍ
…
تَحُطُّ ذُنوبًا حَمْلُهنَّ ثقيلُ؟