الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا الكتاب بين الشكل والمضمون:
ما أنْ ظهر كتاب " السُنَّة المفترى عليها "، حتى تلقيت أكثر من عتاب من أخوة، تركَّزت اعتراضاتهم في الآتي:
أولاً: عنوان الكتاب يفيد الافتراء على السُنَّة النبوية، مع أنَّ هذا لا قدرة للناس عليه، مما يتعيَّن معه تعديل عنوان الكتاب: والجواب على ذلك أنَّ اللفظ قد ورد في القرآن الكريم في ستين موضعاَ، نذكر منها قول الله تعالى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [سورة الأنعام، الآية: 144]، [سورة الأعراف، الآية: 37]، [سورة يونس، الآية: 17]، [سورة الكهف، الآية: 15].
وقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [سورة يونس، الآية: 38] وقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود: 13].
ثم قوله عز وجل: {فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [القصص: 75].
وهذه المواضع تفيد أنَّ أعداء الله كانوا يفترون على الله ورسوله، وهذا لا يعني أنَّ ما زعموه صحيحاً، أو أنَّ استخدام هذه الكلمة تفيد التسليم لهؤلاء بالقدرة على تغيير شيء من الحق الذي جاء به القرآن والسُنَّة النبوية.
ثانياً: الكتاب فيه دعوة إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية وهذا التقريب غاية يهودية، وأدنى ما يقال عنه إنه تنازل من كل طرف عن بعض معتقداته، وهذا فساد كبير.
وقد غاب عن هؤلاء ما يأتي:
1 -
إنَّ التقريب بين المسلمين ليس من أعمال اليهود، وأعمالهم قد نهى الله عنها في قوله تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105].
2 -
إنَّ النزاع والفرقة يؤدِّيان إلى الفشل والهزيمة إذْ قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].
3 -
إنَّ التقريب لا يعني تنازل كل فرقة عن بعض معتقداتها لتقترب من الآخرين، بل هو ما جاء في قول الله تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59].
4 -
حتى يتم التقريب بالرد إلى الكتاب والسُنّة، فإنه من الواجب أن نتعاون فيما اتفقنا عليه وأنْ يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.
ثالثاً: قيل إنَّ الكتاب جاء بمفهوم جديد للعصمة نفي عنهم الكفر إلا المعتقد أنَّ العصمة تتضمَّن الرواية عن الله مباشرة.
وقد تجاهلوا أنَّ أئمة السُنَّة لا يقولون بكفر هؤلاء، وتناسوا أنَّ العصمة التي حدَّدَ الكتاب معالمها، وحصرها في عصمة أئمة آل البيت في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قد ذهب فقهاء من أهل السُنَّة إلى أنَّ هذه العصمة لازمة لجميع الرُواة وليس للأئمة
من آل البيت فقط. فقد قال الإمام علي بن حزم: «كل عدل روى خبراً قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك الراوي معصوم من تَعَمُّدِ الكذب ومن جواز الوهم» وقال: «التبليغ المعصوم فيه كما هو إلى الصحابة، هو إلى غيرهم إلى يوم القيامة لأنَّ حفظ الدين لازم للصحابة كما هو لازم لمن بعدهم» (راجع " الإحكام في أصول الأحكام " لابن حزم: جـ 1 ص 117).
رابعًا: إنَّ الكتاب قطع بعدم وجود قرآن آخر عند الشيعة مع أنَّ مصحف فاطمة ورد ذكره في كتاب " الكافي " للكليني وفي مراجع أخرى لديهم. ولسنا ندري ماذا يضير الإسلام والمسلمين لو نقلنا عن فقهاء أخرين من الشعية - نقلاً صادقاً لا افتعال فيه - أنه لا يوجد لديهم قرآن آخر، وأنَّ ما كتب في ذلك روايات باطلة وهي من الإسرائيليات.
خامسًا: قيل إنَّ الكتاب أخذ برأي مرجوح في شأن سُنَّة الآحاد فأخذ بها في العقائد والمعجزات خلافاً لرأي الجمهور، وقد غاب عن هؤلاء أنَّ المنهج هو ما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانو يعملون بأحاديث الآحاد في جميع الأمور طالما رواها العدل الضابط حسبما هو مُفصَّلٌ في الكتاب، كما أنَّ الفقهاء الذين قسَّموا السُنَّة إلى قطعية وظنية مجمعون على وجوب العمل بالسُنَّة كلها، لأنَّ هذا التقسيم قد جاء لبيان حكم من رَدَّ السُنَّة كما هو مُفَصَّلٌ في مواضعه، ولو علم أصحاب هذا المصطلح أنه سيكون مستنداً لاستبعاد حكم الله في الشؤون الدستورية وفي الحدود وفي الأمور الاقتصادبة - كما هو حاصل في عصرنا - لأبطلوا هذا التقسيم وأغلقوا باب هذه الفتنة التي يُصِرُّ عليها بعض المُقلِّدين.
سادسًا: قيل إنَّ الكتاب تعرَّض لموقف بعض العلماء ومنهم أصحاب المدرسة الإصلاحية، ومن يقولون إنَّ الإسراء كان بالروح فقط،
ومن يرُدُّون سُنَّةَ الآحاد في العقائد والمعجزات، وبهذا يكون قد وضعهم في عداد المفترين على السُنَّة النبوية.
وهذا الاستدلال غير صحيح، فلا تلازم بين المقدمة والنتيجة، ومع هذا فقد يفتري بعض العلماء على السُنَّة، وهم يحسبون أنهم يدافعون عنها كما فعل من ذكرنا في الفصل السابع والتاسع، وقد يظلم الإنسان نفسه ببعض الأعمال ولا يدرك ذلك. قال تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32].
إنَّ هذه الاعتراضات وإنْ كانت لها أسباب أخرى عند بعض النقاد قد تجنح في كثير منها نحو الحزبية، إلَاّ أنها كانت سبباً في إعادة البحث في هذه الأمور وغيرها، وفي إضافة صفحات وبنود عن سُنَّة الآحاد، وعن الفتنة الكبرى، وعن مسألة تحريف القرآن، ومصحف فاطمة، وعن العصمة والبداء.
ونرجو أنْ يدرك أصحاب الرأي المخالف أنَّ الحد الأدنى من شعب الإيمان بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم، هو إصلاح النفوس حتى لا تحمل بغضاً ولا يبقى في قلوبنا غلٌّ للذين آمنوا بالله ورسوله. كما أنَّ نفي الكفر عن مذهب أو طائفة لا يعني صحة جميع ما لديهم ولا يتضمَّن الحكم بالإسلام لمن أظهر كفراً بواحاً لنا فيه برهان من الله تعالى.
سالم علي البهنساوي
15/ 5 / 1401 هـ - 21/ 3 / 1981 م.