الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 - مَتْنُ الحَدِيثِ وَمُشْكِلَةُ الوَضْعِ:
إنَّ الأحاديث النبوية ليست مشكلة، فقد تخصَّص العلماء الأقدمون في تتبع رُواة الأحاديث حتى صنَّفُوا الرواية إلى صحيح وحسن وضعيف وموضوع.
والحديث الموضوع هو المختلق والمنسوب كذباً إلى رسول الله، وتحرم روايته إلَاّ إذا كان الغرض هو التحذير منه. ومن ظنَّ أنه إنْ كان في باب القصص والمواعظ فلا حرج من التساهل فقد ضلَّ وأضلَّ، لأنه من المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:«مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» .
أمَّا كيف تعرف الصحيح من الموضوع، فتلك صناعة النُقَّادِ في علم الحديث، فيجب الرجوع إلى كتبهم مثل كتاب " الموضوعات من الأحاديث الموفوعات " للحسين بن إبراهيم الهمذاني المتوفى سنة (543 هـ)، وكتاب " الضعفاء " لابن حِبَّان، ومثله للعقيلي والأزدي، وكتاب " الموضوعات " للحافظ عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى سنة (597 هـ) ويضمُّ كثيراً من الأحاديث الموضوعة في كتاب كبير من مجلدين. وكل ما علينا اليوم من بحث هو أنْ نرجع إلى ما كتبه هؤلاء العلماء الذين وهبوا أنفسهم لخدمة السُنَّة فطهَّرُوها من محاولات التحريف التي قام بها أعداء الإسلام وهذا مُوَضَّحٌ بأخر الفصل.
عَلَامَاتُ الوَضْعِ:
وعلامات الحديث الموضوع كما اشار إليها هؤلاء العلماء هي:
أولاً: الإقرار وهو سَيِّدُ الأدلَّة، ومثاله ما أقرَّ به ميسرة بن عبسة الفارسي أنه وضع أحاديث في فضائل القرآن، وسبعين حديثاً في فضائل أحد الصحابة، وكما أقرَّ أبو عِصْمَةَ نوح بن أبي مريم المُلَقَّبْ بنوح الجامع،
أنه نسب إلى ابن عباس رضي الله عنهما، أحاديث في فضائل القرآن سورة سورة.
ثانيًا: ما ينزل منزلة الإقرار من القرائن في الراوي والمروي، ومثاله ما أسنده الحاكم عن سيف بن عمر التميمي قال: كنت عند سعد بن طريف فجاء ابنه من الكُتَّاب يبكي، وقال: ضربني المُعلّمُ، فقال [سعد]: لأُخْزِيَنَّهُم اليوم، حدّثني عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً:«مُعَلِّمُو صبيانك شراركم، أقلهم رحمة لليتيم وأغلظهم على المساكين» ، فهذا الراوي الكذَّاب مُتَّهَمٌ بالزندقة وأسقط العلماء رواياته.
ثالثًا: كما يعرف الكذب بمعارضة الحديث المروي للمعقول والمعلوم من خصائص النبوَّةِ، ومثال ذلك ما رواهُ ابن الجوزي عن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن جده مرفوعاً بلفظ «إنَّ سفينة نوح طافت بالبيت سبعاً وصَلَتْ عند المقام ركعتين» . ومثاله أيضاً ما رُويَِ أنَّ جعفر بن أبي طالب أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفارج، فأعطى أصحابه واحدة واحدة وأعطى معاوية ثلاثاً وقال:«ألقني بهِنَّ في الجنة» . فالوضع في هذا الحديث يتَّضح لمعارضته للحقائق التالية: أنَّ جعفر استشهد في غزوة مؤتة في جمادى الآخرة سَنَةَ ثمان من الهجرة، ومعاوية أسلم بعد ذلك في رمضان من تلك السَنَةِ فلا تعاصر بينهما في عصر الإسلام كما أنَّ معاوية رضي الله عنه ليس من المُبَشَّرين بالجنة.
رابعًا: أنْ يكون الحديث المروي مُعارضاً لدلالة الكتاب والسُنَّة المشهورة واستحال الجمع بينهما ومثال ذلك، ما رُوِيَ عن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين أنهما صَلَّيَا في مسجد الرصافة، فقام قاَصٌّ فقال: حدَّثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، قالا: حدَّثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلَاّ الله، خلق الله من كل
كلمة طيراً، منقارهُ من ذهب، وريشه من مرجان»، وأخذ القاص يروي كلاماً نحو من عشرين ورقة. فلما فرغ من قصصه قال له يحيى بن معين مشيراً بيده، فحضر مُتَوَهِّماً عطاء سيأخذه - فقال له يحيى: من حدَّثَكَ بهذا الحديث؟ قال: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين - فقال: أنا يحيى بن معين وهذا أحمد، ما سمعتُ بهذا قط في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: لم أزل أسمع أنَّ يحيى بن معين أحمق، ما تَحَقَّقْتُ هذا إلَاّ الساعة، كأنْ ليس فيها أحمد بن حنبل ويحيى بن معين غيركما.
خامساً: ركاكة اللفظ والمعنى كحديث «الهَرِيسَةُ تَشُدُّ الظَهْرَ» (" المنار " لابن القيم الجوزية: ص 25).
سادساً: تناقض المعنى مثل «الْبَاذِنْجَانُ لِمَا أُكِلَ لَهُ» و «الْبَاذِنْجَانُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ» و «لَوْ كَانَ الأَرُزُّ رَجُلا لَكَانَ حَلِيمًا» (" المنار " لابن القيم: ص 19، 20).
سابعاً: مخالفة صريح القرآن والسُنَّة الصحيحة مثل «مقدار الدنيا أنها سبعة آلاف سَنَةٍ» (" توضيح الأفكار ": جـ 2 ص 96).
ثامناً: مخالفة الوقائع التاريخية:
من ذلك ما رُويَ عن أبي وائل قال: «خرج علينا ابن مسعود بصِفِّين» لذلك قال أبو نعيم أتراه بُعِثَ بعد الموت، فإنَّ ابن مسعود توفي قبل صِفِّين سَنَةَ (32 هـ) (1). ومثل حديث: «وضع الجزية عن أهل خيبر، ففيه شهادة سعد بن معاذ الذي توفي قبل ذلك في غزوة الخندق، كما أنَّ الجزية لم تكن
(1)" صحيح مسلم بشرح النووي ": جـ 1 ص 117.