المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌69 - التمحيص الكاذب واستبعاد السنة: - السنة المفترى عليها

[سالم البهنساوي]

فهرس الكتاب

- ‌مع الكتاب المفترى عليه:

- ‌هذا الكتاب بين الشكل والمضمون:

- ‌بين يدي هذا الكتاب:

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُ: بَيْنَ الرَّسُولِ وَحَقِيقَةِ السُنَّةِ:

- ‌1 - حَقِيقَةُ السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَمَكَانَتُهَا:

- ‌2 - نُزُولُ الوَحْيِ بِالسُنَّةِ:

- ‌3 - أَنْوَاعُ السُنَّةِ وَوَظِيفَةِ الرَّسُولِ:

- ‌4 - الجَمَاعَاتُ الإِسْلَامِيَّةُ وَالمَنْهَجِ النَّبَوِيِّ:

- ‌التَّطَرُّفُ وَتَلْبِيسُ إِبْلِيسَ:

- ‌5 - السُنَّةُ بَيْنَ النَّصَارَى وَالأَعْرَابِ:

- ‌6 - اسْتِقْلَالُ السُنَّةِ بِالحُكْمِ الشَّرْعِيِّ:

- ‌الفَصْلُ الثَّانِي: الفِتْنَةُ وَشُبُهَاتٌ حَوْلَ تَدْوِينِ السُنَّةِ:

- ‌7 - كِتَابَةُ السُنَّةِ بَيْنَ التَّأْيِيدِ وَالمُعَارَضَةِ:

- ‌8 - التَّدْوِينُ الرَّسْمِي وَحِفْظُ السُنَّةِ:

- ‌9 - كِتَابَةُ السُنَّةِ فِي العَصْرِ النَّبَوِيِّ:

- ‌10 - الحَقِيقَةُ بَيْنَ العِلَّةِ وَالمَعْلُولِ:

- ‌السُنَّةُ وَالمُنَافِقُونَ حَدِيثًا:

- ‌11 - مِنْ وَسَائِلِ حِفْظِ السُنَّةِ:

- ‌طَرِيقَةُ حِفْظِ السُنَّةِ وَكُتُبِهَا:

- ‌12 - عُلُومُ الحَدِيثِ وَأَهَمِيَّتُهَا:

- ‌بِدَايَةُ عِلْمِ المُصْطَلَحِ:

- ‌13 - رَدُّ السُنَّةِ بَيْنَ السَّنَدِ وَالمَتْنِ:

- ‌أَطْفَالُ المُشْرِكِينَ:

- ‌14 - مَتْنُ الحَدِيثِ وَمُشْكِلَةُ الوَضْعِ:

- ‌عَلَامَاتُ الوَضْعِ:

- ‌15 - مَدَى التَّوَقُّفُ فِي مَتْنِ الحَدِيثِ وَطُرُقِ التَّخْرِيجِ:

- ‌[زِيَادَةُ الثِّقَاتِ وَالإِدْرَاجِ]:

- ‌طُرُقُ التَّخْرِيجِ:

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثِ: السُنَّةُ وَالفِتْنَةُ الكُبْرَى:

- ‌16 - السُنَّةُ وَالفِتْنَةُ الكُبْرَى:

- ‌بَيْنَ السُنَّةِ وَالشِّيعَةِ:

- ‌17 - أَدَبُ الخِلَافِ وَالعِصْمَةِ الجَدِيدَةِ:

- ‌18 - الحَدِيثُ النَّبَوِيُّ بَيْنَ أَهْلِ السُنَّةِ وَالشِّيعَةِ وَالخَوَارِجِ:

- ‌آيَةُ التَّطْهِيرِ:

- ‌حَدِيثُ الثَّقَلَيْنِ:

- ‌مَصْدَرُ الأَئِمَّةِ فِي تَبْلِيغِ الأَحْكَامِ:

- ‌19 - حَقَائِقَ عَنْ السُنَّةِ وَالعِصْمَةِ:

- ‌20 - الشِّيعَةُ وَبَرَاءَةُ الأَئِمَّةِ:

- ‌الاِخْتِلَافُ حَوْلَ الأَئِمَّةِ:

- ‌بَيْنَ العِصْمَةِ وَالسُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ:

- ‌أَقْوَالُ الأَئِمَّةِ وَالسُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ:

- ‌نَزَاهَةُ الأَئِمَّةِ مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ:

- ‌حَوْلَ تَحْدِيدِ آلِ البَيْتِ:

- ‌بَرَاءَةُ الأَئِمَّةِ:

- ‌بَيْنَ الأَئِمَّةِ وَأُسْرَةِ أَبِي بَكْرٍ:

- ‌الصَّادِقُ وَالعِصْمَةُ:

- ‌الصَّادِقُ وَالتَّقِيَّةُ:

- ‌الصَّادِقُ وَالقُرْآنُ:

- ‌21 - حَدِيثُ الغَدِيرِ وَأَصْلُ الخِلَافِ:

- ‌حَقِيقَةُ حَدِيثِ الغَدِيرِ:

- ‌22 - دَعْوَى التَّكْفِيرِ بَيْنَ السُنَّةِ وَالشِّيعَةِ:

- ‌[إِبَاحَةِ دَمِ النَّوَاصِبِ]:

- ‌23 - الحَقِيقَةُ الغَائِبَةُ:

- ‌الحَقِيقَةُ الغَائِبَةُ وَمَصْدَرُ تَبْلِيغِ الأَحْكَامِ:

- ‌الفَصْلُ الرَّابِعُ: السُنَّةُ وَشُبْهَةِ الظَنِّيَّةِ:

- ‌24 - تَقْسِيمُ السُنَّةِ فِي المَاضِي وَالحَاضِرِ:

- ‌25 - أَحَادِيثُ الآحَادِ بَيْنَ مَدْرَسَتَيْ الرَّأْيِ وَالحَدِيثِ:

- ‌حُجِيَّةُ أَحَادِيثِ الآحَادِ بَيْنَ العُمُومِ وَالخُصُوصِ:

- ‌26 - مَدَى الشَكِّ فِي ثُبُوتِ السُنَّةِ وَسَبَبِ التَّفْرِقَةِ بَيِْنَهَا:

- ‌26 - أَخْطَاءٌ وَجِنَايَةٌ ضِدَّ السُنَّةِ:

- ‌27 - السُنَّةُ وَالمُصْطَلَحَاتُ الحَدِيثَةُ:

- ‌28 - أَحَادِيثُ الآحَادِ بَيْنَ الظَنِّ وَاليَقِينِ:

- ‌28 - حَقِيقَةُ الظَنِّ المَنْسُوبِ لِلْسُنَّةِ:

- ‌29 - أَحَادِيثُ الآحَادِ وَالعِلْمِ اليَقِينِي:

- ‌30 - اِسْتِحَالَةُ العَمَلِ بِغَيْرِ اعْتِقَادٍ:

- ‌30 - أُمُورُ العَقِيدَةِ وَالتَّوَقُّفُ فِي بَعْضِ السُنَّةِ:

- ‌الفَصْلُ الخَامِسُ: سُنَّةُ الآحَادْ وَالمَذَاهِبُ الجَمَاعِيَّةُ:

- ‌31 - دَعْوَى تَقْدِيمِ القِيَاسِ عَلَى سُنَّةِ الآحَادِ:

- ‌32 - الأَحْنَافُ وَاشْتِرَاطُ فِقْهِ الرَّاوِي:

- ‌33 - السُنَّةُ وَأَسْبَابُ تَوَقُّفِ الأَئِمَّةِ:

- ‌34 - شُبْهَةُ تَقْدِيمِ عَمَلِ أَهْلِ المَدِينَةِ:

- ‌35 - المَذَاهِبُ وَالخِلَافُ الفِقْهِيُّ:

- ‌36 - مُجْمَلُ أَسْبَابِ الخِلَافِ:

- ‌37 - الاِجْتِهَادُ بَيْنَ العُلَمَاءِ وَالعَوَامِّ:

- ‌الفَصْلُ السَّادِسُ: السُنَّةُ بَيْنَ المُعْجِزَاتِ وَالعَقَائِدِ:

- ‌38 - المُعْجِزَاتُ بَيْنَ الدِّينِ وَالعَقْلِ:

- ‌39 - الإِسْرَاءُ وَالمِعْرَاجُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وَأَعْدَائِهِمْ:

- ‌40 - المُعْجِزَاتُ وَأَخْطَاءُ الإِصْلَاحِيِّينَ وَالمُسْتَشْرِقِينَ:

- ‌41 - الغَزْوُ الفِكْرِيُّ وَبِدْعَةُ الإِسْرَاءِ بِالرُّوحِ:

- ‌41 - العِلْمُ وَالمُعْجِزَاتُ النَّبَوِيَّةِ:

- ‌الفَصْلُ السَّابِعُ: السُنَّةُ بَيْنَ العُمُومِ وَالخُصُوصِ:

- ‌42 - الدَّلِيلُ الظَنِّيُّ بَيْنَ العَامِّ وَالخَاصِّ:

- ‌التَّخْصِيصُ وَشُبْهَةُ التَّعَارُضِ:

- ‌43 - شُبْهَةُ التَّعَارُضِ بَيْنَ العَامِّ وَالخَاصِّ:

- ‌44 - بَيْنَ النَّسْخِ وَالتَّخْصِيصِ:

- ‌45 - شُبْهَةُ تَعَارُضِ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ:

- ‌46 - نُقْصَانُ العَقْلِ وَالدِّينِ:

- ‌47 - مُفْتَرَيَاتٌ عَلَى المَرْأَةِ وَالفِقْهِ:

- ‌السُنَّةُ بَيْنَ العَدْوَى وَالوِقَايَةِ:

- ‌48 - الوَحْدَةُ الوَطَنِيَّةُ بَيْنَ المَاضِي وَالحَاضِرِ:

- ‌49 - بِدْعَةُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الإِسْلَامِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ:

- ‌50 - أَهْلُ الكِتَابِ يُكَذِّبُونَ عُلَمَاءَ السُّلْطَةِ:

- ‌الفَصْلُ الثَّامِنُ: السُنَّةُ وَنَسْخُ الأَحْكَامِ:

- ‌51 - التَّعْرِيفُ بِالنَّسْخِ:

- ‌52 - نَسْخُ القُرْآنِ لِلْسُنَّةِ:

- ‌53 - الإِجْمَاعُ وَالنَّسْخُ:

- ‌الفَصْلُ التَّاسِعُ: العَقْلُ البَشَرِيُّ وَالتَّحْرِيفُ العِلْمِي:

- ‌54 - العَقْلُ البَشَرِيُّ وَالتَّحْرِيفُ العِلْمِيُّ:

- ‌55 - حَقِيقَةُ النَّقْدِ العِلْمِيِّ:

- ‌55 - وَسَائِلٌ جَدِيدَةٌ لِهَدْمِ السُنَّةِ:

- ‌56 - الطَّعْنُ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌57 - الإِسْرَافُ فِي نَقْدِ الحَدِيثِ وَشِفَاءِ العُيُونِ:

- ‌58 - الصَّحَابَةُ وَالإِكْثَارُ مِنَ السُنَّةِ:

- ‌59 - تَحْرِيفُ النُّصَوصِ بَيْنَ المُسْتَشْرِقِينَ وَعُلَمَاءَ الشُّهْرَةِ:

- ‌60 - التَّحْرِيفُ وَمُوَالَاةُ أَهْلِ الكِتَابِ:

- ‌الفَصْلُ العَاشِرُ: مَنْزِلَةُ السُنَّةِ مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ:

- ‌61 - السُنَّةُ وَتَفْسِيرُ القُرْآنِ:

- ‌62 - السُنَّةُ وَالمُذَكِّرَةُ الإِيضَاحِيَّةُ:

- ‌63 - شَهَادَةٌ مِنَ الغَرْبِ حَوْلَ القُرْآنِ وَالسُنَّةِ:

- ‌64 - مُؤَلِّفُ التَوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ:

- ‌65 - مُقَارَنَةُ القُرْآنِ بِالكُتُبِ المُقَدَّسَةِ:

- ‌66 - نَحْنُ وَالأَعْرَابُ وَالزُّعَمَاءُ:

- ‌الفَصْلُ الحَادِي عَشَرَ: السُنَّةُ وَالاِجْتِهَادَاتُ الخَاطِئَةُ:

- ‌67 - الدَّلَالَةُ الظَنِّيَّةِ بَيْنَ العِلْمَانِيِّينَ وَالقَوْمِيِّينَ:

- ‌68 - حَوْلَ " مَوَازِينِ القُرْآنِ وَالسُنَّةِ

- ‌69 - التَّمْحِيصُ الكَاذِبُ وَاسْتِبْعَادِ السُنَّةِ:

- ‌70 - " المُسْلِمُ الحَزِينُ فِي القَرْنِ العِشْرِينْ

- ‌71 - أَحَادِيثُ الآحَادِ وَالحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ:

- ‌72 - رَدُّ العَقْلِ لِلْسُنَّةِ:

الفصل: ‌69 - التمحيص الكاذب واستبعاد السنة:

‌69 - التَّمْحِيصُ الكَاذِبُ وَاسْتِبْعَادِ السُنَّةِ:

يحاول بعض الكُتَّابِ أن يتصف بالاجتهاد والتجديد دون أن يكلف نفسه عناء البحث والتمحيص لمعرفة ما يقبل الاجتهاد وما لا يقبله ومعرفة ما يدخل في اختصاص العقل وما يخرج عن هذا الاختصاص.

ولقد ظن هؤلاء النقاد وهو قلة قليلة أن بعض الأحاديث النبوية تتعارض مع القرآن الكريم فراحوا يؤلفون الكتب ويتظاهرون بالحرص على السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ ويتمثل هذا الحرص في استبعادهم الكثير من الأحاديث الصحيحة بدعوى تعارضها مع القرآن الكريم وتجاهلوا أن الأحاديث النبوية تخصص عموم القرآن. وتقيد مطلقه وبالتالي فما تضمنته من تفصيل لا يعد متعارضًا مع القرآن الكريم، قال الله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].

لقد تبنى هذه البدعة كتاب " موازين القرآن والسنة للأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة "(1)

ومما ورد في هذا الكتاب: أن ابن كثير روى (2) في الجزء الأول من " تفسيره " عن قول الله تعالى في بني إسرائيل: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة: 61].

قال المؤلف: أورد ابن كثير في تفسير هذه الآية الحديث التالي: «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْيَوْمِ تَقْتُلُ ثَلَاثَمِائَةِ نَبِيٍّ، ثُمَّ يُقِيمُونَ سُوقَ بَقْلِهِمْ فِي آخِرِ النَّهَارِ» . ثم يقول المؤلف: «ومن المعلوم أن القرآن الكريم ذكر بأن لكل أمة رسول، قال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ} [يونس: 47]. وقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً} (*) [النحل: 36]» .، ويعلق على هذه الآيات بقوله:«ليس من المعقول أن يرسل الله هذا الحشد الهائل من الأنبياء إلى قوم من الناس، ثم يقوم هؤلاء القوم بقتلهم كل يوم ثم يرسل الله لهم في اليوم التالي ثلاثمائة نبي آخر فلا يأتي آخر النهار إلا ويكون بنو إسرائيل قد نجحوا بإلقاء القبض عليهم ثم قتلهم ودفنهم» . ويقول

(1) مؤلفه عز الدين بليق، انظر ص 69 وما بعدها.

(2)

" مختصر تفسير ابن كثير ": ج 3 ص 257.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:

(*) ورد خطأ في الطباعة (يونس / 467 - النحل / 36)، والصواب ما أثبته [سورة النحل، الآية: 36].

ص: 349

المؤلف: «لو افترضنا أن الله كان يرسل لكل قرية نبي فهل من المعقول أن ينجح بنو إسرائيل في اليوم الواحد بإلقاء القبض على ثلاثمائة نبي من ثلاثمائة قرية ثم قتلهم ودفنهم؟» .

ولقد غاب عن هذا الكاتب أن ابن كثير لم يذكر حرفًا واحدًا يشير إلى أن هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد أسند القول إلى عبد الله بن مسعود نقلاً عن أبي داود (*) فكيف يجرؤ الكاتب أن ينسب هذا القول للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ليس حديثًا نبويًا، بل حكاية عن أحد الصحابة وهي ليست وحيًا من الله تعالى، كما أنها خبر لم يذكر فيه سلسلة الرواة حتى يتم البحث في مدى عدالة الرواة الذين أسندوا ذلك إلى الصحابة، ولو رجع الكاتب إلى فقه الحديث النبوي لاستراح وأراح. ومن ناحية أخرى فإن تقرير القرآن {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ} [يونس: 47]، ليس معناه نفي وجود أنبياء كثيرين بجانب الرسول في كل أمة من الأمم.

قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 246]. فهذا يفيد أنه من حلال رسالة رسول الله موسى أرسل الله أنبياء تابعين لهذا الرسول وهذه الرسالة كما أنه لا يوجد ما يمنع من وجود ثلاثمائة نبي أو يزيد لأمة واحدة إذا كانوا مجموعات متفرقة لكل منهم نبي كبني إسرائيل، فقد أرسل الله لهم رسولاً واحدًا ثم أرسل لهم أنبياء كثيرين ولا يوجد ما يمنع من قيام بني إسرائيل بقتل هؤلاء الأنبياء حتى لو كانوا ثلاثمائة لأن كل مجموعة أو بلدة تقتل نبيها مع التأكيد على أن الرواية التي نقلها ليست عن النبي صلى الله عليه وسلم، والناقد يعلم أنها منسوبة إلى ابن مسعود رضي الله عنه. كما أنه لم يثبت أن هذه الأقاويل صحيحة في نسبتها إلى الصحابي.

والمثل الأخير الذي ساقه المؤلف الناقد هو أن الإمام مسلم قد روى حديثًا فيه: «خَلَقَ اللهُ [عز وجل] التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ [فِيهَا الْجِبَالَ] يَوْمَ الأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ، وَخَلَقَ المَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ عليه السلام بَعْدَ [العَصْرِ مِنْ] يَوْمِ الجُمُعَةِ

»

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:

(*) أبو داود الطيالسي، والحديث غير موجود في " المسند ". انظر " تفسير ابن كثير " تحقيق سامي بن محمد سلامة: 1/ 283، الطبعة الثانية: 1420 هـ - 1999 م، نشر دار طيبة للنشر والتوزيع.

ص: 350

ولقد علق المؤلف الناقد على الحديث فقال: «إنه يعرض هذا الحديث النبوي على القرآن الكريم وحدث أنه يتعارض معه جملة وتفصيلاً لأن الله تعالى ذكر في كتابه الكريم أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام بينما نجد أن الحديث النبوي يذكر الأيام الستة في خلق الأرض فقط، فمن خلق السماوات؟» ، ثم يقول المؤلف:«إن القرآن يذكر أن خلق الأرض في يومين، والحديث النبوي ذكر أن خلق الأرض في يوم واحد» .

والمؤلف بهذا يتجاهل أن الحديث النبوي ليس خاصًا بخلق الأرض بل بخلق التربة ففيه خلق الله التربة يوم السبت ثم يتناول ما خلقه الله بالكرة الأرضية من التربة والجبال والشجر والمكروه والنور. والمؤلف لا يجهل أن الحديث النبوي فيه خلق الله التربة يوم السبت وليس فيها أن خلق الأرض يوم السبت.

والمؤلف لا يجهل أن التربة غير الأرض، ولا يجهل أن الأيام الستة الواردة في الحديث النبوي لا تتعلق بخلق الأرض والسماوات حتى يزعم بوجود تعارض بين ما ورد بالقرآن الكريم وما ورد بالحديث النبوي عن خلق الأرض.

وخلاصة القول في ذلك أن الكاتب ظن أن الحديث يتعارض مع القرآن وَادَّعَى أن موازين القرآن الكريم تقضي برد هذا الحديث وتحكم أنه ليس صحيحًا، لأن الحديث النبوي مع النص القرآني كلاهما من عند الله ويخرجان من مشكاة واحدة، قال تعالى:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].

والشبهة التي يستند إليها في ادعاء التعارض سببها أنه ظن أن الحديث يذكر أن خلق الأرض يوم السبت أي في يوم واحد بينما القرآن الكريم ينص على أن الله خلق الأرض في يومين. ولكن الحديث النبوي نص على خلق التربة وهي مواد من أديم الأرض، فلم يذكر خلق الأرض. والشبهة الثانية أن الكاتب ظن أن الحديث النبوي عندما ذكر خلق التربة يوم السبت والجبال يوم الأحد والشجر يوم الاثنين

ص: 351

والمكروه يوم الثلاثاء والنور يوم الإربعاء والدواب يوم الخميس يكون قد خالف القرآن في تفصيله للأيام الستة الواردة فيه في قوله تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت: 9 - 12].

فهذه الآيات القرآنية تبين أن الله خلق الأرض في يومين وجعل فيها رواسي وقدر أقواتها في يومين آخرين فتلك أربعة أيام، وخلق السماوات السبع في يومين.

ولكن هذه الأيام الستة ليست هي التي فصلها الحديث النبوي فهو لم يذكر خلق السماوات ولا خلق الأرض حيث ورد ذلك في القرآن الكريم بل ذكر خلق التربة والجبال والشجر والدواب وغير ذلك مما تم بعد خلق الأرض والسماوات ولا تعارض بين هذا التفصيل وبين ما ورد في القرآن الكريم ولا يوجد أيضًا أي تعارض لو كان خلق هذه الأشياء خلال الأيام الستة التي خلق الله فيها الأرض والسماوات.

ولقد أورد ابن كثير (1) ما ذكره " البخاري "«عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي أَجِدُ فِي القُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ» وذكر قول الله تعالى: وَقَالَ: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات: 27]-إِلَى قَوْلِهِ: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30] فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الأَرْضِ، [ثُمَّ قَالَ]:{أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9] إلى قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} [فصلت: 11]. فذكر في هذه الأرض قبل السماء، فقال ابن عباس: إن الآيات تفيد أن الله خلق الأرض في يومين ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ثم دحى الأرض ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والرمال والجماد والآكام وما

ص: 352

بينهما في يومين آخرين، فذلك قوله تعالى:{دَحَاهَا} [النازعات: 30]، ثم قال ابن عباس:«فلا يختلفن عليك القرآن، فإن كلا من عند الله تعالى» .

وأخيرًا يدعي الناقد أن الحديث النبوي ذكر خلق التربة يوم السبت بينما يعلم الجميع أن اليوم هو حصيلة دوران الأرض حول محورها دورة كاملة بالنسبة للشمس، وقبل أن يخلق الله الأرض والشمس وتدور الأرض حول محورها لم يكن هناك سبت ولا أحد، لهذا فالحديث النبوي في نظره غير صحيح (2).

ولقد غاب عن الناقد أن الحديث النبوي يشير إلى خلق التربة وهي غير خلق الأرض كما ذكرت، فقد أشار الحديث إلى خلق التربة، خلق الجبال والشجر وغير ذلك مما يوجد على الأرض ولا تناقض بين ذلك وبين ما ورد في القرآن الكريم عن خلق الأرض، كما غاب عنه أن الله الخالق يعلم الأيام والشهور وأسماءها، قبل خلقها، قال تعالى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36].

والكاتب يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال ذلك إلا بوحي من الله تعالى الذي قال في ذلك: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]. ذلك أن السنة والقرآن ينبعان من مشكاة واحدة وبهذا قال النبي فيما رواه الترمذي وابن ماجه: «إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» ، كما قال فيما رواه الطبراني في " الأوسط " (*):«إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مَأْمُورٌ مَا أُمِرْتُ بِهِ فَعَلْتُ» {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام: 50](3).

(2) عز الدين بليق في كتابه " موازين القرآن والسنة ": ص 69 - 75.

(3)

" الحاوي للفتاوى " للإمام جلال الدين السيوطي: ص 65.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:

(*) ورد في الكتاب المطبوع (رواه الطبراني في " الأوسط ") والصواب أنه رواه في " الكبير ".

انظر: الطبراني " المعجم الكبير "، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي: 12/ 147، حديث رقم 12722، الطبعة الثانية، دار النشر: مكتبة ابن تيمية - القاهرة.

ص: 353