الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
51 - التَّعْرِيفُ بِالنَّسْخِ:
النسخ هو بيان للحكم الشرعي وليس رفعًا للنصوص وإزالة لها، فيكون الحكم الأول قائمًا حتى تاريخ نزول الحكم الأخير (1).
فقد نزل قول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219].
وقد روى الإمام أحمد أنه بعد نزول هذه الآية، كان الناس يشربون الخمر حتى يوم من الأيام، صلى رجل من المهاجرين بأصحابه صلاة المغرب فخلط في قراءته فأنزل الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]، ثم بعد ذلك نزل قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].
فهذه الآيات من كتاب الله تعالى، تضمنت مراحل تحريم الخمر، حسب هذا التدرج وكل حكم يظل حكمًا شرعيًا صحيحًا في الفترة السابقة على التحريم.
(1) لقد اختلف في النسخ هل هو رفع أبو بيان، فإن كان المراد رفع الحكم الشرعي بنص آخر، فلا بأس به يؤكده أنه لا نسخ بالعقل كما جاء في مجموع المتون في مختلف الفنون: ص 68. وهذا ليس رفعًا للنص بل دفع للحكم [" نظرية النسخ " للدكتور شعبان إسماعيل: ص 8].
والنبي صلى الله عليه وسلم عندما ينهى عن أمر، ثم يبيحه، يكون بين انتهاء الحكم السابق وأتى بحكم جديد في زمان آخر غير الزمن الأول.
فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور، ونهى عن الأكل من لحوم الأضاحي، ثم أباح ذلك، وفي هذا روى الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«[نَهَيْتُكُمْ] عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ» م 3/ 65.
فهذا الحديث لا يكون لاغيًا للحديث الأول، بل يبين أن زمان العمل به قد انتهى.
لهذا فإن آيات القرآن التي نسخ الله حكمها، ما زالت قرآنًا ثابتًا يتعبد المسلمون بتلاوته في الصلاة وفي غير الصلاة.
ولهذا نجد أن النسخ لا يختلف كثيرًا عن تخصيص العام، فكلاهما نوع من الاستثناء ولكنه في النسخ يتأخر زمنًا فيظل الحكم الأول فترة.
ولكن الاستثناء في التخصيص لا يأتي بعد زمن بل يكون معلومًا ابتداءً مع الحكم العام مثل عدة المطلقات الواردة في قول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (1)، فهذا عام يشمل جميع المطلقات ولكن قد استثنى الله المطلقات قبل الدخول فلا يشملهن الحكم المذكور لقوله تعالى:{إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (2). فالنسخ يكون بدليل من القرآن أو السنة كما يكون عند وجود فارق زمني بين النصين ولم يمكن الجمع بينهما.
(1)[البقرة: 228].
(2)
[الأحزاب: 49]. و" الاعتبار " للإمام محمد الهمذاني: ص 8، و" الإتقان " للسيوطي: جـ 1 ص 83 وجـ 3 ص 71.
لأنه لو أمكن ذلك فلا معنى للقول بالنسخ مثل «شَرُّ الشُّهُودِ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ» ، وحديث «خَيْرُ الشُّهُودِ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ» فلم ينسخ أحدهما الآخر، فالأول خاص بالقرون المتأخرة حيث يكثر الفساد والثاني خاص بالقرون الأولى أو بمن شهد لوجود الحاجة الماسة إلى الشهادة، وهذ تفسير يظهره حديث رواه عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم «خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ القَرْنُ الذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» (*)
«إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ
…
ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ
…
» (1)(**).
شُبُهَاتٌ حَوْلَ النَّسْخِ وَالتَّخْصِيصِ:
لقد شنع الأخ سلامة جبر على الكتاب لأنه رجح القول بالتخصيص في حديث «شَرُّ الشُّهُودِ» وفي استثناء غير المدخول بها الوارد في الصفحة السابقة، ولا خلاف على أن آية الأحزاب قطعت بإعفاء المطلقة قبل الدخول من حكم العدة الوارد في سورة البقرة، ولا خلاف في أن حديث «شَرُّ الشُّهُودِ» خاص بمن حركته الأهواء في الشهادة وفي أن حكم النسخ هو إبطال العمل بالنص المنسوخ، والناقد لا يملك القول بنسخ الإقراء للمطلقات كلهن وكذا الأمر في خير الشهود، ومن ثم يكون النص الجديد استثناء لبعض أفراد النص الأول والخلاف هل يوصف بأنه نسخ أم تخصيص؟ والناقد يصر على أنه نسخ وأن القول بالتخصيص جهل
(1)" الاعتبار ": ص 9، " صحيح الجامع الصغير ": ص 43، " صحيح مسلم ": 7/ 186.
لقد وزع الأستاذ محمد سلامة جبر مذكرة على الناشرين في الكويت وعلى من يرى أنهم أهل الرأي والعلم تضمنت اعتراضه على أن ينشر مثلي كُتُبًا إسلامية لعدم تخصصي أمام تخصصه كخريج لكلية الدراسات الإسلامية ومدرس بالمرحلة المتوسطة، وقد اعتذرت عن الحوار معه كطلب الأستاذ صلاح شادي عن دار الشعاع لاعتقادي أن هذا النقد المقترن بالألفاظ الجارحة، لا يتصل بالكتاب الذي مضى على نشره ست سنوات ونفذت طبعتين منه، وإنما يتصل بشدة حواري معه عن كتيبه " خصائص الأنوثة " حيث جعل منها أمورًا ليست خصائص للأنثى وليست حكمًا عامًا في الشريعة كنقص العقل، ولكن أمام إصرار الأستاذ صلاح قبلت الحوار معه ومع من دعاهم كعلماء وأفرغ هذا الحوار في محضر بمعرفتهم وبتوقيعهم يوم 9/ 5/ 1982 م، وعلى الرغم من أنه قد تأكد له عدم مخالفتي الإجماع في المسائل التي تناولها، وعلى الرغم من أنه طلب أجلاً غير مسمى لبحث باقي المسائل وهي أربعة، إلا أنه توصل إلى نشر مذكرته في جريدة السياسة يوم 20/ 8 / 1982 م، وتعمد إغفال ردي الثابت بالمحضر سالف الذكر مما جعل الناشر يرسل هذا المحضر إلى الجريدة التي نشرته يوم 27/ 7 واعتذرت عن الخطأ الذي أوقعها فيه وللمهاترات التي =
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*)" الجامع الصحيح " للإمام مسلم، تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، (44) كتاب فضائل الصحابة (52) باب فضل الصحابة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم،، حديث رقم (215) 2535، 4 / ص 1965، الطبعة الثانية: 1972 م، نشر دار إحياء التراث العربي. بيروت - لبنان.
(**) المصدر السابق: حديث رقم (214) 2535، 4/ 1964.
بالشريعة يوجب مصادرة الكتاب الحجر على صاحبه.
إنه لا يسمى الاستثناء نسخًا إلا إذا جاء بعد فترة زمنية، ويسمى تخصيصًا للعام إذا كان حكم الاستثناء قد ورد تاليًا للحكم السابق بغير فارق زمني، فقد اتفق الفقهاء على أن النسخ لا يفترض فلا يثبت إلا بدليل من القرآن والسنة (2) ولا توجد أي قرينة على النسخ في هذين الحكمين، ولهذا رجحت الوصف بالتخصيص وحسبنا أن القول بالنسخ لا يكون بالاجتهاد وبالافتراض ولا دليل هنا على النسخ، ولم يذكر ابن كثير نسخًا في حكم العدة الورد في سورة البقرة كما أن الحافظ ابن حجر لم يقل بالنسخ في حديث «شَرُّ الشُّهُودِ» بل ذكر عدة طرق للتوفيق بين الحديثين، منها حمل الأول «شَرُّ الشُّهُودِ» على حقوق العباد، والآخر على حقوق الله أو حمل الأول على شهادة الزور، كما أن الإمام البيضاوي أورد حديثًا نبويا فيه «ثُمَّ [يَفْشُو] الكَذِبُ وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ» (3). ومع هذا فلا تثريب على من قال بالنسخ فالخلاف في وصف الدليل أنه نسخ أو تخصيص لا يغير من النتيجة وهي أنه استثناء من الأصل.
وبهذا تزول الشبهة التي نسبت إلى أبي مسلم الأصفهاني ونقلها الشيخ عبد المتعال الجبري في كتابه " النسخ " كما أفهمه، فقد أجيب أن أبا مسلم لا ينكر النسخ والنقل عنه في هذا مضطرب، والراجح أنه ينكر النسخ في القرآن لقول الله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106]. فما يسميه العلماء نسخًا يسميه هو تخصيصًا وبهذا قال التاج السبكي (4) ملتمسًا العذر لفقيه
= تسيء إلى الإسلاميين فلجأ إلى مجلة أسبوعية خليعة ينشر فيها فتاوى دينية فنشر في صفحته (أن وزارة التربية قررت عدم صلاحية كتاب " السنة المفترى عليها "، والحمد لله أن قيض لشرعه من يذب عنه بأمره ويدافع عنه بإذنه) وقد تبرأت هذه الوزارة من هذا الادعاء بكتابها رقم 25640 بتاريخ 6/ 4 / 1983 م وأكدت عم صحة ما نشر في بعض الصحف بغية التشهير بالمؤلف والنيل منه وأنها تربأ بنفسها عن هذا الصغار، حسبما ورد في الرد الرسمي للوزارة.
والجدير بالذكر أن الناقد أعلن بعد ذلك تخليه عن " خصائض الأنوثة " وسحبه من المكتبات.
(2)
" الإتقان " للسيوطي: 1/ 83، و" تفسير ابن كثير ": 3/ 497.
(3)
" الغاية القصوى في دراية الفتوى " للبيضاوي: جـ 2 ص 102.
(4)
" نظرية النسخ في الشرائع السماوية " للدكتور شعبان إسماعيل: ص 39.
المعتزلة محمد بن بحر الأصفهاني (أبي مسلم) لكن ما استدل به وهو الآية السابقة تثبت حصول النسخ، وتنحصر الشبهة في نسخ السُنَّةِ للقرآن وهي تتعلق بالتسمية فقط هل هي ناسخة أو مخصصة.
هذا وقد ينزل قرآن فينسخ السنة النبوية أو يخصص عمومها.
فقد نزل قول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]، فرفع بذلك الحكم الوارد في الحديث:«إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ» ، فلا يوجد تعارض بين الحديث والآية القرآنية، ولا بين هذا الحديث وحديث المبشرين بالجنة، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في بند شبهة تعارض النصوص الشرعية. كما نزل قول الله تعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].
فيخصص حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» (1).
فالآية القرآنية تضمنت استثناء أهل الكتاب من عموم الحديث وأيضًا من عموم الحديث النبوي لا يراد به كل الناس فهو خاص بمشركي الجزيرة العربية فهو عام أريد به الخصوص (2).
(1) انظر " أضواء على معالم في الطريق ": ص 31 - 34 و 167 و 168.
(2)
كتاب " الحكم وقضية تكفير المسلم " الطبعة الثالثة: ص 377 حتى 388.