الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
59 - تَحْرِيفُ النُّصَوصِ بَيْنَ المُسْتَشْرِقِينَ وَعُلَمَاءَ الشُّهْرَةِ:
إن وسيلة أعداء الإسلام لهدمه، لم تقف عند المغالطات والتحريف في المعنى، بل استخدمت الكذب والتحريف الكلمي، فقد قامت بعض العناصر اليهودية بطبع مصحف أنيق عن طريق مطابع خاصة فحرفت فيه بعض الكلمات. من ذلك الآية 64 من سورة المائدة فنصها هو:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} . فانصب التحريف في الطبعة الإسرائيلية على فصل اللام عن العين وإقلاب العين إلى ميم. وبذلك كتبت (وآمنوا بما قالوا) للتمويه لأن بعض المراجعين يكتفي بملاحظة عدد الأسطر في الصفحة وعدد كلمات السطر، ليطمئن أن الطبعة مماثلة للطبعة المنقول عنها. أما تحريف المعنى في الطبعة فلا يخفى على أحد لأن (آمنوا بما قالوا) عكس (لعنوا بما قالوا) فضلاً عن التشكيك في القرآن لأن الآية تصبح (غلت أيديهم وآمنوا بما قالوا) وهذا فيه تناقض وفي نطاق السنة نضرب مثلاً من التحريف والكذب المفضوح، فقد لجأ أحد رجال الأزهر الشريف، ألا وهو الشيخ محمود أبو رية إلى الدفاع عن السنة بوسيلة جديدة، فوضع كتابًا باسم " قصة الحديث النبوي "، لجأ فيه إلى قصر حُجِّيِّةِ السُنَّةِ على نطاق تفسير القرآن، وللتدليل على حتمية ذلك نقل عن المستشرقين أن رجلاً كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، خلال حياته عليه السلام، ولم يسند هذه الرواية لأي مصدر من المصادر، ثم اتبع أسلوبًا آخر في كتابه " أضواء على السنة المحمدية ":(فنقل أبو رية): «أن عبد الله بن عمرو أصاب زاملتين من كتب أهل الكتاب وكان يرويها للناس عن النبي» . وقد نسب هذا القول لابن
حجر في كتاب " فتح الباري ": الجزء الأول، ولكن هذا المصدر ليس فيه عبارة «عن النبي» بل نص العبارة «كان يرويها للناس» ، فوهم الشيخ بهذه العبارة أو نقلها عن كذاب مثل (جولدتسيهر) والنتيجة التشكيك في السنة النبوية.
كما نقل أبو رية في كتابه هذا عن " البداية والنهاية " لابن كثير، الجزء الثامن: أن عمر قال لكعب الأحبار: «لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيثَ عَنْ [الأُوَلِ]» (*) وليس عن رسول الله. والسبب أن الوارد في جميع المراجع الإسلامية، أن أمير المؤمنين عمر وجد أن التحدث بما في كتب الأولين أي اليهود والنصارى، قد يخلط ما فيهما بالسنة النبوية، فنهى عن هذا.
والجزء الثامن من كتاب " البداية والنهاية " لابن كثير بريء مما نسبه إليه أبو رية. وسواء حَرَّفَ هو أو كان المحرف للحكم هو أحد المستشرقين ونقل عنه أبو رية، فالنتيجة واحدة وهي الكذب على الصحابة والتشكيك في بعضهم، لهذا قال الدكتور مصطفى السباعي:«إِنَّ كَذِبَ أَبِي رَيَّةَ عَلَى السُنَّةِ كَثِيرٌ» (1).
كما تعقب فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر هذه المفتريات ونقل أكاذيب وتضليل أبي رية كما فصلها المرحوم الدكتور مصطفى السباعي ثم قال: «إِنَّ مَقَايِيسَ البَحْثِ العِلْمِيِِّ الصَّحِيحِ فِي كُلِّ عَصْرٍ، تُسْقِطُ عَدَالَةَ أَبِي رَيَّةً، وَتَشْهَدُ بِهِ كَكَذَّابٍ وَكَمُحَرِّفٍ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ» (2)، كما تعقب الدكتور فضيلة الشيخ عبد الرزاق حمزة هذا في كتابه " ظلمات أبي رية ".
ويقول الدكتور عبد الحليم محمود أيضًا: «إِنَّ المَعْرُوفَ أَنَّ الاسْتِشْرَاقَ
(1)" السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 221.
(2)
" القرآن والنبي " للدكتور عبد الحليم محمود (شيخ الجامع الأزهر).
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) قارن بما ورد في الصفحة 284 من هذا الكتاب.
فِي طَائِفَةٍ كَبِيرَةٍ مِنْه إِنَّمَا هُوَ اِمْتِدَادٌ لِلْحُرُوبِ الصَّلِيبِيَّةِ» ثم يقول: «المُسْتَشْرِقُونَ لَهُمْ صِبْيَانٌ مَعْرُوفُونَ، إِنَّ لَهُمْ صِبْيَانًا تَابِعِينَ مُقَلِّدِينَ» .
فالمستشرقون وأتباعهم هم الذين يشككون في السنة فقد كذب اليهودي (جولدتسيهر) على الإمام الزهري فنقل عنه: «إِنَّ [هَؤُلَاءِ] الأُمَرَاءِ أَكْرَهُونَا عَلَى كِتَابَةِ أَحَادِيثَ» بينما ما قاله الزهري هو: «إِنَّ [هَؤُلَاءِ] الأُمَرَاءِ أَكْرَهُونَا عَلَى كِتَابَةِ الأَحَادِيثَ» (1) أي على تدوين السنة النبوية.
فتحريف جولدتسيهر جاء أكثر دقة من تحريف أبي رية، فقد اكتفى (تسيهر) بحذف الألف واللام من كلمة (الأَحَادِيثَ) لتصبح (أَحَادِيثَ) فيختلف المعنى دون أن يشعر المسلم، اللهم إلا من أمعن النظر في المعنى ورجع بدقة إلى أصل الكلام للزهري، وهذا ما فعله الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله.
فالتعريف لكلمة الأحاديث تفيد أن الإكراه وقع على كتابة الأحاديث النبوية أي على تدوينها، لأن الزهري كغيره ممن دونوا السنة كانوا يتحرجون من التدوين لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد نهى عن كتابة السنة وقال:«لَا تَكْتُبُوا [عَنِّي]، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ» رواه " مسلم ". ولقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك حفظ خاصية الإعجاز للقرآن فمنع التدوين العام للسنة. ولكن الأمراء لما وجدوا أن السنة قد دخل عليها ما ليس منها بفعل الملحدين والمنافقين ووجدوا أن القرآن جمع وكتب وقد حفظ ومن ثم لا خوف أن يختلط بالسنة، أمروا بكتابة الأحاديث النبوية فجاء الخلفية عمر بن عبد العزيز وأمر [ابن](*) شهاب الزهري بمباشرة هذه المهمة، فسجل الزهري ذلك، فيقول:«إِنَّ [هَؤُلَاءِ] الأُمَرَاءِ أَكْرَهُونَا عَلَى كِتَابَةِ الأَحَادِيثَ» فأتى (جولدتسيهر) فَحَرَّفَ الكلمة ونقلها: «أَكْرَهُونَا عَلَى كِتَابَةِ أَحَادِيثَ» . وهذا يقلب
(1) كتابه " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 221.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وليس طارق بن شهاب كما ورد في الكتاب المطبوع.
المعنى إلى نطاق وضع الأحاديث النبوية. وجولدتسيهر يريد بهذا التحريف أن يسبغ شرعية لحقده وأهدافه التي ورد في كتابه " العقيدة والشريعة " إذ زعم أن ألوف الأحاديث هي من صنع العلماء.
وهذا وسلفه من الطاعنين ومن تبعهم يريدون الاكتفاء بما جاء في القرآن الكريم من أحكام حتى لا تكشف السنة أغراضهم ولا تحول دون أهوائهم لأنه باستبعاد السنة يستطيعون الوصول إلى حرية وضع الأحكام المتفقة مع زعمائهم دون أن يوصفوا بأنهم يهدمون الدين ودون أن يشعر المسلمون بذلك، وقد شجع هذا بعض العلماء لاجتهاد خاطئ كما فعل الدكتور مصطفى محمود في كتاب أضفى عليه اسم " التفسير العصري للقرآن " ففيه قال: إن الله قد حرم الخبيث الضار وأحل النافع المفيد ولكن مصطفى محمود في تفسيره للخبيث الضار ظن أن إمعان النظر إلى العاريات على شواطئ البحار ليس من الخبيث وبالتالي فليس من المحرم وكذلك ارتداء الفتيات الملابس القصيرة جدًا تمشيًا مع شرف العصر ليس من الخبيث لأن العبرة بالقلوب وبالتالي فإمعان النظر للعاريات بالشوطئ هو تفكر في خلق الله أي من العبادة، وقد تراجع مصطفى محمود عن موقفه فهداه الله إلى الحق. والغرض من هذا التطوير قد أفصح عنه (تيومان) فهو وسيلة لغاية قال عنها:
«فإذا أمكن للمبادئ الإسلامية أن تتطور مع الزمن المتطور عندئذ سوف يتحرر ملايين البشر من هذه العقائد» (1).
(1) كتاب " الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر " للدكتور محمد [محمد] حسين.