الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 - كِتَابَةُ السُنَّةِ بَيْنَ التَّأْيِيدِ وَالمُعَارَضَةِ:
لما كان القرآن الكريم هو المعجزة التي تحدَّى الله بها البشر إلى يوم القيامة في عدة مواضع من هذا الكتاب الكريم، منها قول الله تعالى في سورة الإسراء:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]. ومنها قوله تعالى في سورة البقرة: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23].
والجدير بالذكر أنَّ التحدي كان بالإتيان بسورة من مثل سور القرآن، لأنَّ الآية الواحدة ليست محلاً لهذا التحدِّي، فمن الآيات ما هو كلمة واحدة كما في سورة الرحمن في وصف الجنتين، إذ قال الله:{مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64]، وهذه آية، لذلك كان محل التحدِّي هو السورة، وهي قد تكون من ثلاث آيات قصار مثل سورة الكوثر، قال الله تعالى:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر:1، 2، 3].
لما كان ذلك، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر قد نهى عن كتابة السُنَّة النبوية حتى لا تختلط بالقرآن، وليظل القرآن هو المعجزة الخالدة.
ولما كان هذا هو سبب النهي عن كتابة السُنَّة، فإنه قد أبيحت الكتابة في الحالات التي لا يخشى فيها اختلاطها بالقرآن الكريم، فوجدنا كُتُبًا لرسول
الله فيها أحكام من السُنَّة النبوية، وكتباً لبعض صحابته في هذا الشأن وقد عرفت باسم الكتب أو الصحف، وظل الأصل هو معرفة السُنَّة عن طريق الحفظ والرواية وهذه الصحف وغيرها تؤكد أنَّ السُنَّة قد نقلها الصحابة إلى التابعين إما بكتابة التابعي أو الصحابي.
ومن الأمثلة على الكتابة:
1 -
كتب النبي ومعاهداته التي أملاها للإمام علي ومنا ما كان في قراب سيف النبي وقد روى البخاري عن أبي هريرة: «مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ أكْثَرَ حَدِيثاً منِّيْ إلَاّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بن عَمْرٍو، فإنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أكْتُبُ» . (1).
2 -
كما روى الترمذي أنَّ رجلاً من الأنصار شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قلة حفظه فقال له: «اسْتَعِنْ بِيَمِينِكَ» أي بالكتابة (2): وقال: «قيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكِتَابِ» (3).
3 -
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة أنه لما فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة قام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه فقال: اكتب لي، فقال النبي:«اكْتُبُوا لَهُ» كما رواه البخاري في كتاب العلم ومسلم في كتاب الحج وكذا أبو داود والترمذي (4).
4 -
وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لما اشتد المرضى بالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ
(1)" فتح الباري ": جـ 1 ص 217، " مسند أحمد ": جـ 1 ص 119.
(2)
" سنن الترمذي ": العلم: ص 12.
(3)
" المستدرك " للحاكم: جـ 1 ص 106، و" كنز العمال ": جـ 5 ص 227.
(4)
" المسند ": جـ 12 ص 235.
كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ
…
فَاخْتَلَفُوا، وَكَثُرَ اللَّغَطُ، فَقَالَ:"قُومُوا عَنِّي، وَلَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ "» (1)
وهذا يؤكد أَنَّ الكتابة لم تكن ممنوعة إلَاّ خشية اختلاط السُنَّة بالقرآن، فإذا زال هذا السبب كانت كتابة السُنَّة مطلوبة.
وفي هذا روى أحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم عن عبد الله بن عمرو أنه قَالَ للنبي: إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ الشَّيْءَ [أَفَأَكْتُبُهُ؟]، قَالَ:«نَعَمْ» ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَى؟ قَالَ النَّبِيُّ: «نَعَمْ، فَإِنِّي لَا أَقُولُ إلَاّ حَقًّا» (2).
وهذا وغيره مما لا مجال لحصره يرجِّحُ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة الحديث بقوله: «لَا تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ» كما رواه مسلم في " صحيحه " وكما رواه غيره، إنما كان في أول أمر نزول القرآن مخافة أنْ يختلط بالسُنَّة النبوية، فلما زال هذا السبب أذن النبي في الكتابة. قال الإمام الصنعاني:«صَارَ الأَمْرُ لِلْجَوَازِ» (3).
قال الرامهرمزي: «وحديث أبي سعيد - حرصنا أنْ يأذن لنا النبي صلى الله عليه وسلم في الكتابة فأبى - أحسب أنه كان محفوظاً في أول الهجرة - وحين كان لا يؤمن الاشتغال به عن القرآن» (4).
(1)" فتح الباري ": 1/ 218 و " صحيح مسلم ": 3/ 1257.
(2)
" مسند أحمد ": 2/ 162 و 207 و " أبو داود "(العلم ص 3).
(3)
" المحدث الفاصل ": ص 71 نقلاً عن " أصول الحديث " للدكتور محمد عجاج الخطيب: ص 150.
(4)
" السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " للأستاذ مصطفى السباعي: ص 61.