الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
54 - العَقْلُ البَشَرِيُّ وَالتَّحْرِيفُ العِلْمِيُّ:
كان من تأثَّر بعض كُتَّاب المسلمين بآراء المستشرقين أنْ وجدنا انسياقاً وراء مزاعمهم دون بحث أو تدقيق فتأثَّر بهم بعض الكُتَّاب وذلك بالطعن في كتب الصحاح وعلى بعض الصحابة وفي رَدِّ السُنَّة النبوية أو نقدها بالعقل البشري المعاصر وعلى سبيل المثال:
الطعن في البخاري:
ذكر أحمد أمين أنَّ البخاري تطرَّق إلى بعض أحاديثه الضعف فقال (1) في كتابه " ضُحى الإسلام ": «نرى للبخاري نفسه على جليل قدره ودقيق بحثه، يثبت أحاديث دَلَّتْ الحوادث الزمنية والمشاهدة التجريبية على أنها غير صحيحة لاقتصاره على نقد الرجال كحديث " لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ "» وحديث «مَنْ اصْطَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ» .
وقد زعم الدكتور صُبحي محمصاني (2) أنَّ المُجَدِّدِينَ أمثال ابن تيمية
(1) كتاب " ضُحى الإسلام ": ص 217، 218.
(2)
بحث منشور له في كتاب " الثقافة الإسلامية في الحياة المعاصرة " الذي يحوي ما قُدِّمَ للمؤتمر المنعقد برعاية جامعة بريستون الأمريكية (سَنَةَ 1963 م).
ومحمد عبده طعنوا في صحة هذا الحديث وغيره وفي " البخاري" و " مسلم " لمخالفتهما للعلم والواقع وهذا كذب يتجدَّدُ كما هو مُفَصَّلٌ بالبند 69.
ولو أراد أحد الناقدين أن يتحرى عن حقيقة هذين الحديثين لبحث كغيره من العلماء أمثال الدكتور مصطفى السباعي (1) الذي أوضح في كتابه " السنة ومكانتها في التشريع " أن الحديث الأول «هو جزء من حديث كامل أخرجه " البخاري " في باب السمر [في الفقه والخير] بعد العشاء من كتاب الصلاة، وهو أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ العِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةٍ سَنَةٍ لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ (اليَوْمَ) عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ "»
فنص الحديث واضح أن الرسول أخبر صحابته في آخر حياته بل جاء في رواية جابر أن ذلك قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بشهر، أن من كان منهم على ظهر الأرض حَيًّا حين قال الرسول تلك المقالة، لا يعمر أكثر من مائة سنة ولم يفطن بعض الصحابة إلى قول الرسول ممن هو على ظهرها اليوم، فنبههم عبد الله بن عمر إلى هذا الوارد في لفظ حديث وَبَيَّنَ لهم المراد منه وكذلك فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه في رواية الطبراني. وقد استقصى العلماء من كان آخر الصحابة موتًا فوجدوه أبا الطفيل عامر بن واثلة وقد مات سنة عشر ومائة (2)، فيكون الحديث معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم وليس شاهدًا على عدم صحته كما ظن النقاد الذين جهلوا أصول النقد العلمي للسنة النبوية.
(1) الفصل السابع: ص 279وما بعدها من كتاب " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ".
(2)
" الإصابة في تمييز الصحابة " لابن حجر: جـ 1 ص 5، و" مقدمة علوم الحديث " لابن الصلاح: ص 150.