الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
27 - السُنَّةُ وَالمُصْطَلَحَاتُ الحَدِيثَةُ:
الحديث المتواتر عند من يأخذون بهذا الاصطلاح هو الذي يرويه عدد يؤمن تواطؤهم على الكذب، ويشترط أن يتوفر هذا العدد من الرواة في زمن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وزمن التابعين، ثم عصر تابع التابعين.
أما الحديث المشهور أو المستفيض فهو ما رواه الآحاد من الرواة في عصر الصحابة، ثم رواه في الطبقتين التاليتين عدد يبلغ حد التواتر.
أما حديث الآحاد فهو الذي لم يبلغ حد الشهرة ولا حد التواتر، ولكن من الفقهاء من يقسم السنة النبوية إلى متوتر وآحاد، وبذلك يكون المشهور ضمن أحاديث الآحاد.
إن أصحاب هذا المصطلح لم يتفقوا على عدد الرواة الذي يكون فاصلاً بين المتواتر والمشهور والآحاد فقد اختلفوا في عدد رواة الحديث من كل نوع حتى تجد المشهور عند قوم متواترًا عند آخرين، فالباقلاني يحدد المتواتر بما رواه أربعة فأكثر واشترط غيره عشرة، بينما عند أبي الهذي عشرين فأكثر.
قال الحافظ ابن كثير: «والشهرة أمر نسبي، فقد يشتهر عند أهل الحديث أو يتواتر ما ليس عند غيرهم [بالكلية]، ثم [قد] يكون المشهور متواترًا أو مستفيضًا، وهو ما زاد نقلته على ثلاثة.
وعن القاضي الماوردي: أن المستفيض أقوى من
المتواتر. وهذا اصطلاح [منه]»
…
إن المتواتر عند من يأخذون به ينقسم إلى متواتر في اللفظ وهو الذي روي في الطبقات الثلاث بلفظ واحد مثل حديث: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» .
ومتواتر في المعنى وهو الذي تختلف ألفاظه ورواياته ولكن يتواتر معناه مثل أحاديث الصلوات ومناسك الحج وغيرها مما لا مجال لحصره لأنه كثير منهم من يروي الأحاديث بالمعنى، أي بألفاظ من عنده فالخطبة الواحدة أو الموضوع الواحد يرويه بألفاظ مختلفة ولم ينكر أحد منهم ذلك، وفي هذا قال الصحابي زُرَارَةُ بْنِ أَوْفَى:«لَقِيتُ عِدَّةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَلَفُوا عَلَيَّ فِي اللَّفْظِ وَاجْتَمَعُوا فِي المَعْنَى» (1).
وقد استدلوا لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نَضَّرَ اللَّهُ امَرَءًا سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ، فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى لَهُ مِنْ سَامِعٍ» (2).
والتواتر المعنوي في الأحاديث النبوية، هو الذي قصده شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله:
(1)" الجامع لأحكام القرآن " للقرطبي: جـ 1 ص 411.
(2)
رواه أحمد بسند صحيح.
ومع هذا فإن المتواتر المعنوي قد عده أصحاب هذا المصطلح ضمن أحاديث الآحاد مع كثرة رواته في الطبقات الثلاث، فمثلاً خطبة النبي في حجة الوداع تدخل ضمن المتواتر المعنوي، ولا يعدونها قطعية الثبوت.
إن النتائج المترتبة على هذا التقسيم قد تبدلت في عصرنا عن بعض الكُتَّابِ، فالذين أتوا باصطلاح الحديث المتواتر لم يرتبوا على هذا التقسيم رد سُنَّةِ الآحَادِ وعدم العمل بها، فهم متفقون على أن حديث الآحاد إذا رواه العدل الثقة وجب العمل به، ومنهم من قال إنه قطعي الثبوت (2).
وهذا يشمل أمور الدين كلها سواء كانت عقائد أم عبادات أم معاملات.
وكما اختلفوا في مسألة التواتر وشروطها، فقد اختلفوا في العمل بآحاديث الآحاد، إذا خالفت القرآن أو المتواتر من حديث النبي صلى الله عليه وسلم. فيرى أبو حنيفة ألا يعمل رواية بخلافه في الحياة العملية، ويرى مالك أنه إن خالف عمل أهل المدينة دل على عدم صحة نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الجبائي: لا يعمل به إلا إذا رواه اثنان فأكثر، بينما يكتفي
(1) نقلاً عن كتاب " الحديث النبوي " للصباغ: ص 245.
(2)
قال ذلك ابن حزم في " الإحكام ": جـ 1 ص 119 واستحسنه ابن القيم في كتابه " مختصر الصواعق المرسلة ": ص 487 وفي " إعلام الموقعين ": ص 394 جـ 2، وهو معنى قول الشافعي في " الرسالة ": ص 412 والنووي في " التقريب " بالنسبة لأحاديث البخاري ومسلم وكذا الشيخ أبو عمرو بن الصلاح و" تيسير الوحيين " للنجدي: ص 15 والألباني في الحديث: ص 15.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) انظر " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " لابن تيمية، تحقيق: علي بن حسن - عبد العزيز بن إبراهيم - حمدان بن محمد، 3/ 13، الطبعة الثانية، 1419هـ / 1999م، نشر دار العاصمة، المملكة العربية السعودية.
الإمام الشافعي بصحة السند واتصاله بالنبي عن طريق رجال ثقات عدول وهو نفس منهج الإمام أحمد وأهل الظاهر.
كما يختلفون في أمر لا أثر له على قبول الحديث والعمل به. فمنهم من يرى أن حديث الآحاد يفيد غلبة الظن ولا يفيد اليقين وبالتالي فهو ظني الثبوت، ويرى آخرون أنه قطعي الثبوت ثم ظهر بعد ذلك من رأى عدم الأخذ به في العقائد، بل تجاوز بعض المسلمين ذلك فقالوا: الحكم الشرعي في العقائد يحرم أن يكون دليلاً ظنيًا، وكل مسلم يبني عقيدته على دليل ظني يكون قد ارتكب حرامًا، وكان آثمًا عند الله (1).
والذي يلفت النظر أن اصطلاح أحاديث الآحاد والأحاديث المتواترة وما نتج عن ذلك من تفرقة في الأحكام الشرعية، لم يكن عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تؤثر هذه التفرقة، فهي لم توجد إلا على أثر ظهور أحاديث موضوعة من أعداء الإسلام أو من غيرهم ومنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مما استوجب التثبت في الأمر والتأكد من صحة نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ومثل هذا التثبت يتفاوت الناس فيه - ومن هنا كانت العلة في هذا التقسيم وكانت نتيجته أن من توقف في قبول حديث من هذا النوع لا يعد كافرًا - بينما من توقف في الأخذ بحديث من الأحاديث المتواترة وأنكره يعد كافرًا.
بِدْعَةُ العُلَمَاءِ المُعَاصِرِينَ:
لقد تجاوز بعض العلماء المعاصرين الغاية التي من أجلها وجد تقسيم الحديث
(1) كتاب " الدوسية " من كتب حزب التحرير (الإسلامي)(*): ص 6.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) كثير من مناضلي هذا الحزب وأتباعه يرفضون إضافة صفة (الإسلامي)، فالتسمية الصحيحة (حزب التحرير) فقط.
إلى متواتر وآحاد ألا وهي عصمة دم من رد حديثًا غير متواتر للشك في الراوي:
1 -
«فوجدنا من يقطع بأنه لا يمكن أن تتخذ حديثًا من أحاديث الآحاد دليلاً على العقيدة، مهما قوي سنده، لأن المعروف عند الأئمة قطبة أن أحاديث الآحاد لا تفيد إلا الظن، وأن الظن لا يغني من الحق شيئًا، وهذه نتيجة تغاير تمامًا المعروف عند العلماء كما أوضحناه من قبل.
2 -
ووجدنا من يقول إن كل مسلم يبني عقيدته على دليل ظني يكون قد ارتكب جرمًا وإثمًا.
3 -
كما قيل إنه لا فرق بين القرآن وبين السنة في حق الصحابة من حيث وجوب الامتثال، بينما يختلف هذا الموضوع في حق من جاء في الأعصر المتأخرة، لأن الأحاديث لم تصلهم عن طريق متواتر يقيني» (1).
كما قال الدكتور عبد الحميد متولي: «إن أحاديث الآحاد لا تصلح في الأمور الدستورية لأهميتها، وقال غيره: إنها لا تصلح في العقوبات لخطورتها، ثم كان رد بعض العلماء بأن عدم يقينية أخبار الآحاد هو ما قرره جميع فقهاء الشريعة الإسلامية، بل قيل لم نسمع أن فقيهًا واحدًا ادعى أن أخبار الآحاد تفيد اليقين» (2).
(1)" الحديث النبوي " للشيخ محمد الصباغ: ص 27.
(2)
مذكرات مطبوعة للدراسات العليا بكلية الشريعة والقانون بالكويت وعنوانها " نظام الحكم في الإسلام " للدكتور حسن صبحي. وهذا اسم كتاب الدكتور عبد الحميد متولي، فوجب التنويه.
جَوْهَرُ الخَطَأِ العِلْمِيِّ:
إن جوهر الخطأ في هذه الأقوال هو القطع بأن أحاديث الآحاد لا تفيد إلا الظن، والزعم بأن أحدًا لم يقل أو يدعي أنها تفيد اليقين.
والقطع بأنها لا تصلح في أمور العقيدة بل من المحزن القول بأن من بنى عقيدة على حديث آحاد قد ارتكب إثمًا.
ومن دواعي الحزن والأسى أن أكثر مدرسي الفقه الإسلامي بالجامعات يتوسعون في إثبات ظنية أحاديث الآحاد، ويلقنون هذه الظنية دون بيان سبب هذا المصطلح المستحدث وآثاره، مما يسر اقتناع الطلاب بالتيارات التي تدعي رد هذه السُنَّةِ في بعض الأمور. وقد حدد الشيخ النجدي هذا الخطر بقوله:«رأوا تقسيم الأحاديث إلى متواترة وآحادية، فادعوا أنه لا يقبل في العقائد إلا المتواتر، وقد ادعى من جازف منهم وقل علمه بالإجماع على ذلك وهذا قول ينادي على فساد نفسه» (1).
وبعض الخطأ يكمن في نقل مصطلح وجد أثناء تصفية السنة، وقد زال بعد ثبوتها وتدوينها وأصبح معلومًا أن الشك أو الظن في الأحاديث لا محل له بعد القرن الثالث الهجري.
وإن العلة في التفرقة بين المتواتر والآحاد هي عصمة دم من رَدَّ حديثًا غير متواتر للشك في رواته؟ ومع هذا فالتواتر اللفظي أنكر ابن الصلاح وآخرين وجوده وأقر غيره وجوده في عدة أحاديث ولكن الإجماع منعقد على أن العمل بأحاديث الآحاد واجب ولا تحل مخالفته (2).
(1) كتاب " تيسر الوحيين " للشيخ عبد العزيز بن راشد النجدي: ص 15، 16. الطبعة الرابعة.
(2)
" أصول الفقه الإسلامي " للأستاذ محمد مصطفى شلبي: ص 129.