الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَقِيقَةُ الغَائِبَةُ وَمَصْدَرُ تَبْلِيغِ الأَحْكَامِ:
نقلت قول الشيخ الآصفي في البند / 5: «إِنَّ أَئِمَّةَ الشِّيعَةِ إِنَّمَا يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَقُولُونَ مِنْ أَحْكَامٍ» .
وقد ذكر أنه لا حرج أن يستوعبوا من الأحاديث ما لم يستوعبه سائر الصحابة. ولكن أئمة الشيعة الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم ويمكن أن ينقلوا عنه هم الأربعة (علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم) وهؤلاء روايتهم للحديث النبوي قليلة ومحدودة بشهادة كتب الشيعة، فأكثر الأحكام ينقلونها عن باقي الأئمة الذين لم يعاصروا النبي صلى الله عليه وسلم وهم ستة رجال.
فهل يمتد عصر التشريع إلى ما بعد عصر النبوة حتى يملك هؤلاء التشريع؟ يقول الإمام محمد باقر الصدر في كتابه " تعارض الأدلة " ص 30: «ثَبَتَ فِي مَحَلِّهِ انْتِهَاءَ عَصْرِ التَّشْرِيعِ بِانْتِهَاءِ عَصْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ الأَحَادِيثَ الصَّادِرَةَ عَنْ الأَئِمَّةِ المَعْصُومِينَ لَيْسَتْ إِلَاّ بَيَانًا لِمَا شَرَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الأَحْكَامِ وَتَفَاصِيلِهَا» (1).
لما كان ذلك فإن الأحكام الشرعية الورادة في كتب الشيعة أو في غيرها من الكتب، لا حجة فيها إلا إذا استندت إلى نص صريح من القرآن الكريم أو السنة النبوية.
والأحاديث النبوية لا تعلم بالفراسة أو الإلهام أو الرؤيا إنما تعلم برواية الثقة عن غيره من الثقات حتى تتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا يجب ذكر أسماء الرواة حتى يعلم مدى عدالتهم وبالتالي مدى قبول روايتهم، وفي هذا يوقل الشيخ محمد جواد مغنية وهو أحد علماء الشيعة المعاصرين:«إِنَّ عُلَمَاءَ السُنَّةِ وَالشِّيعَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ قِيَاسَ العَمَلِ بِالحَدِيثِ هُوَ الثِّقَةُ بِصِدْقِ الرَّاوِي وَأَمَانَتِهِ فِي النَّقْلِ، سُنِّيًّا كَانَ أَوْ شِيعِيًّا، تَمَامًا كَالحِكْمَةِ يَأْخُذُهَا المُؤْمِنُ أَنَّى وَجَدَهَا» (1). فصدق الراوي وأمانته شرط جوهري في قبول ما يسنده من الأحاديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا لا يقبل الحديث إذا
(1) من مقال له في " اللواء الأردنية " بتاريخ 7/ 1 / 1987 م.
أخفى الراوي أحد الأشخاص الذين روى عنهم، ومن باب أولى لا يقبل من أحد نسبة حديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قرون إلا إذا ذكر أسماء الرواة في جميع الطبقات من عصره إلى عصر النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا الشخص حتى لو كان من أئمة الشيعة لا يمكن أن يستوعب الأحاديث النبوية ولا أن يتلقاها عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة حيث لم يكن معاصرًا له كما أنه لا يقول الشيعة باستمرار الوحي حتى آخر أئمتهم وهو الإمام محمد المهدي الذي يعتقدون أنه اختفى في سرداب في سُرَّ مَنْ رَأَى (سَامُرَّاءْ) وما زالوا ينتظرون خروجه، وبالتالي فهم لا ينسبون إلى الأئمة الاثني عشر التلقي عن الله لأن ذلك من خصائص الأنبياء وبالتالي ينتهي التشريع بانتهاء عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا قال الإمام محمد باقر الصدر.
ولا ينكر مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كلفه الله أن يبلغ أحكام الشريعة إلى الناس، قال الله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [سورة النحل، الآية: 44]. وقد بين ذلك عن طريق السنة القولية والعملية وكان هذا البيان لجميع الصحابة فلم يخصوا به الأربعة الذين هم أئمة الشيعة من آل البيت، كما لا يقول مسلم أنه خص هؤلاء بالأحكام الشرعية وأخفاها عن باقي الصحابة والله تعالى يقول:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [سورة المائدة، الآية: 67].
فالذين رَوَوْا السنة النبوية القولية والعملية هم الصحابة جميعًا بما فيهم آل البيت مثل عَلِيٍّ وفاطمة والحسن والحسين أو غيرهم ممن لا يعدهم الشيعة من آل البيت كابن عباس وحمزة وجعفر وعاتكة وأم هانئ وغيرهم.
ولهذا فإن اشتراط علماء الشيعة أو بعضهم حصر الأحاديث النبوية في الأئمة المعصومين عندهم واشتراطهم عدم قبول رواية الحديث إلا إذا كان الراوي من الإمامية أي من الشيعة الجعفرية، هذا من شأنه رد الغالبية العظمى من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وهي التي رواها الصحابة رضي الله عنهم ثم يضطر هؤلاء إلى الالتجاء إلى القياس والاجتهاد لتبليغ أتباعهم أحكام الدين.
فهل يصبح هذا الاجتهاد والقياس حديثًا نبويًا لأن المجتهد من الشيعة الجعفرية أو أئمتهم؟.
لقد وجدت كتب للحديث النبوي عندهم وهي " الكافي " و " الاستبصار " و " التهذيب "، و " من لا يحضره الفقيه "، وهذه الكتب ليست كلها رواية متصلة من أصحابها إلى أئمتهم الذين وجدوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبالتالي فإن الأحاديث المدونة بها قد خلا أكثرها من الإسناد فتجد الروايات تذكر عن عدة من أصحابنا أو عن الإمام جعفر ثم تعد هذه الأقوال أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود الفارق الزمني الكبير بين أصحاب هذه الروايات وبين النبي صلى الله عليه وسلم وهو فارق زمني يصل إلى عدة قرون، ويستند الشيخ الآصفي إلى الثقة في الراوي بينما هذا الراوي مجهول لم يذكر اسمه ثم يستند إلى أن الله لديه وسائل وأسباب للتلقي والتعليم تغيب عن علمنا ولكن مع التحفظ على هذا القول فإنه تجب التفرقة بين العلم الذي ينسب إلى صاحبه من العلماء أو الأئمة وبين الأحكام التي تنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهذه لا تكون إلا وحيًا من الله تبارك وتعالى، فالنبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغ من الأحكام إنما يبلغ عن طريق الوحي من الله الذي قال في ذلك:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} [سورة النجم، الآيتان: 3 - 4].
فهل تبليغ النبي صلى الله عليه وسلم للأحكام الشرعية لا يكون إلا عن طريق الوحي بينما تبليغ الأئمة الاثني عشر للأحكام الشرعية يكون بغير طريق الوحي؟