الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
34 - شُبْهَةُ تَقْدِيمِ عَمَلِ أَهْلِ المَدِينَةِ:
إن من يتمسكون بعمل أهل المدينة ويقدمونه على ما ثبت في السنة النبوية كحديث «خِيَارِ البَيْعِ» سالف الذكر. يعتقدون أن أهل المدينة المنقول عنهم هذا العمل هم كل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبالتالي فما كان عندهم إنما أخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويصبح بمثابة رواية جماعية تقدم على حديث الآحاد خصوصًا أن الشك في سنة الآحاد كان موجودًا قبل تدوين السنة وتمحيصها.
والحقيقة أن أهل المدينة في زمن الإمام مالك لم يكونوا صحابة النبي حتى يصبح النقل عنهم إجماعًا، فقد مات الإمام مالك سَنَةَ 212 هـ (*) وسلسلته الذهبية في الرواية هي (مالك عن نافع عن ابن عمر). فنقله عن التابعين وليس عن الصحابة.
لهذا فالرواية الجماعية المنسوبة إلى الصحابة وليس إلى بعضهم أو إلى التابعين أو بعضهم. ولقد كان جواب الإمام الشافعي على ذلك قوله: «لَسْتُ أَقُولُ وَلَا أحدٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ " هَذَا [مُجْتَمَعٌ] عَلَيه ": إِلَاّ لَمَّا لَا تَلْقَى عَالِمًا أَبَدًا [إِلَاّ] قَالَهُ لَكَ وَحَكَاهُ [عَنْ مَنْ قَبْلَهُ]، كَالظُّهْرِ أَرْبَعٌ، وَكَتَحْرِيمِ الخَمْرِ، [وَمَا أَشْبَهَ هَذَا، وَقَدْ أَجِدُهُ يَقُولُ]:" المُجْمَعُ عَلَيْهِ " وَأَجِدُ [مِنَ] المَدِينَةِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ كَثِيرًا يَقُولُونَ بِخِلَافِهِ» (**)" الرسالة " جـ 3.
ومن المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا جميعًا في المدينة ثم غادرها كثير منهم إلى مكة والكوفة والشام والبصرة ومصر، وذلك في زمن أمير
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) المشهور أن الإمام مالك - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - توفي سنة 179 هـ، انظر " مالك: حياته وعصره - أراؤه وفقهه " للشيخ محمد أبو زهرة: ص 24، نشر دار الفكر العربي.
(**) انظر " الرسالة " للإمام الشافعي، شرح وتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر: ص 534، 535 (فقرة 1559)، نشر دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
المؤمنين عثمان، ونقل أهل كل بلد عن هؤلاء الصحابة. فلماذا يكون المنقول عن بعضهم من الأعمال حجة عما نقله الآخرون؟ ثم كيف يصبح عمل بعضهم حجة يقدم على الحديث الصحيح؟ لهذا أيضًا رفض الإمام مالك أن يكون كتابه " الموطأ " هو المرجع الوحيد لدولة الخلافة، ولهذا أيضًا توقف نافع عن فتياه بحل الرهن والكفالة في الورق والفضة والطعام إلى أجل مسمى، وذلك عندما علم أن الحسن لا يقول بذلك، ونافع مولى ابن عمر من كبار فقهاء أهل المدينة الذين أخذ عنهم الإمام مالك، بينما الحسن البصري ليس من هؤلاء بل من العراق.
فضلاً عن ذلك فالإمام مالك نفسه يقول: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُخْطىءُ وَأُصِيبُ، فَانْظُرُوا فِي رَأْيِي فَكُلُّ مَا وَافَقَ الكِتَابَ وَالسُنَّةَ فَخُذُوا بِهِ، وَكُلُّ مَا لَمْ يُوَافِقْ الكِتَابَ وَالسُنَّةَ فَاتْرُكُوهُ» .
ومثله قال الإمام الشافعي: «كُلَّ مَسْأَلَةٍ صَحَّ فِيهَا الخَبِرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ أَهْل النَّقْلِ بِخِلَافِ مَا قَلَتُ فَأَنَا رَاجِعٌ عَنْهَا فِي حَيَاتِيِ وَبَعْدَ مَوْتَي» (1).
وقال الإمام أحمد: «لَا تُقَلِّدْنِي وَلَا تُقَلِّدْ مَالِكًا وَلَا الثَّوْرِيَّ وَلَا الأَوْزَاعِيَّ، وَخُذْ مِنْ حَيْثُ أَخَذُوا (*)» (1). وقد اختلف الفقهاء في المراد من عمل أهل المدينة (2):
أ - فقيل هو إجماع أهل المدينة فيكون حجة من جهة النقل أو الاجتهاد. (" الإحكام " لابن حزم: جـ 1 ص 14، و" كشف الأسرار " للبزدوي: جـ 3 ص 961،و" إرشاد الفحول " للشوكاني: ص 82، وقيل إجماع من جهة النقل فقط مثل نقلهم الصاع والأذان والإقامة والأوقات.
ب - وقيل إنه إجماع من طريق الاستدلال أي الاجتهاد فيما لا نص فيه وهذا اختلف فيه. (" مجموع الفتاوى " [لابن تيمية]: جـ 20 ص 306).
(1)" صفة صلاة النبي " للألباني: ص 23،و" الوجيز في العبادات " للمؤلف: ص 3.
(2)
لم يشر المؤلف في الهامش رقم (2) إلى المصدر.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) انظر " إعلام الموقعين " لابن القيم، تحقيق: محمد عبد السلام إبراهيم: 139، الطبعة: الأولى، 1411هـ - 1991م، نشر دار الكتب العلمية - ييروت