الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
36 - مُجْمَلُ أَسْبَابِ الخِلَافِ:
أسباب الخلاف بين الأئمة قد تركز في عدة أمور أهمها:
[1]
الاختلاف في فهم النص ودلالته الشرعية.
[2]
اعتقاد وجود سبب أدى إلى عدم العمل بالحديث النبوي ومن ثم استمر العمل بخلاف بعض الأحاديث اعتقادًا أن هذا بمثابة رواية جماعية، وهو ما يسمى عند الإمام مالك بعمل أهل المدينة وبموجبه لم يأخذ بحديث الخيار في البيع في مجلس العقد، ثم ثبت بعد ذلك أنه لا يوجد علة ولا سبب يضعف هذا الحديث، فقد أثبته البخاري ومسلم وغيرهما من كتب الصحاح.
[3]
ومن أسباب الخلاف أيضًا الاختلاف في دلالة الحديث، مثل الحديث المرفوع الذي رواه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم ونصه:«لَا طَلَاقَ وَلَا عِتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» . فقد فسر بعضهم الإغلاق بالإكراه، وقالوا: لا يقع طلاق المكره، وفسره آخرون بالغضب، قال أبو داود: أظنه الغضب. وقال ابن القيم نقلاً عن شيخه ابن تيمية: الإغلاق إنسداد باب العلم والقصد ومن ثم أبطل طلاق المعتوه والمجنون والسكران والغضبان غضبًا لا يعقل فيه ما يقول وهؤلاء قد أغلق عليهم باب العلم والقصد والطلاق لا يقع إلا من قاصد عالم به.
[4]
ومن أسباب الاختلاف، الخلاف في تصحيح الحديث وتضعيفه، فمثلاً أخذ من ذكرنا بحديث لا طلاق ولا عتاق في إغلاق لصحته عندهم بينما لم يأخذ به آخرون حيث ضعفه الإمام الذهبي.
[4]
ومن أسباب الخلاف الفقهي اختلاف أصحاب المذاهب الجماعية في شروط العمل بأحاديث الآحاد، وهو الحديث الذي رواه شخص واحد في عصر الصحابة وعصر التابعين وعصر تابع التابعين، فكان بعض الأحناف يقدمون عليه القياس، فقالوا بوجوب صوم يوم آخر على من أكل أو شرب ناسيًا في الصوم، بينما عارضهم الإمام الشافعي بالحديث الذي رواه الجماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ:«مَنْ نَسِيَ - وَهُوَ صَائِمٌ -، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ» (1). والسرخسي يوجب القضاء لمن بلغ جوزة والصوم فات ركنه عند ابن دقيق [العيد].
كما كان الإمام مالك يجعل من شروط العمل بأحاديث الآحاد ألا تخالف عمل أهل المدينة ومن ثم قال مالك بوجوب قضاء يوم، فأجاب الشوكاني: لو ردت الأحاديث بمثل هذا ما بقي من الحديث إلا القليل (2).
تَوْحِيدُ المَذَاهِبِ وَجِنَايَةُ التَّفْرِقَةِ:
وإذا كان مثل هذا الخلاف قد قام في عصر هؤلاء الأئمة حيث لم تكن جميع الأحاديث النبوية جمعت ومحصت، وبالتالي كانت هناك أسباب لتقديم القياس أو عمل أهل المدينة على أحاديث الآحاد غير المشهورة، فلا مجال اليوم لمثل هذا الخلاف إذ قد زال السبب سالف الذكر بتمحيص السنة النبوية وجمعها، فاستكمل أصحاب المدارس الفقهية ما لديهم من أوجه النقص، فمثلاً عدل الأحناف عن تقديم القياس على حديث الآحاد فعملوا بحكم إتمام الصوم لمن أكل أو شرب ناسيًا، كما أخذ المجتهدون من المالكية بالصحيح
(1) و (2) يرجع إلى البند 25 و 32 وإلى " المبسوط " للسرخسي: جـ 3 ص 136، و" فقه السنة " لشيخ سيد سابق: جـ 1 ص 393، و" مناهج الاجتهاد ": الفصل الثالث، و" نيل الأوطار ": جـ 4 ص 284.