الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
39 - الإِسْرَاءُ وَالمِعْرَاجُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وَأَعْدَائِهِمْ:
الإسراء هو انتقال النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس، وهذا ما ورد في أول سورة الإسراء في قوله تعالى:{سُبْحَانَ الذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الإسراء: 1].
والمعراج هو صعود النبي من بيت المقدس إلى السماوات السبع حيث فرض الله عليه وعلى أمته الصلوات الخمس، أشار الله إليه في سورة النجم [الآيات 10 - 15]:{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى، مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى، أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} .
هذه الرحلة وردت بشأنها روايات في السنة النبوية عن مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم. وقد وردت أحاديث أخرى عن رؤيا منامية للنبي فيها مشاهد لأحوال بعض الناس مما جعل الشيخ محمد الغزالي يجزم بأن المشاهد المنسوبة إلى ليلة الإسراء والمعراج هي رؤيا منام في ليلة أخرى من الليالي المعتادة.
وصحيح أنه ورد في " صحيح البخاري " في آخر [كتاب] الجنائز عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى [صَلَاةً] أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟» [قَالَ]: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا، فَيَقُولُ:«مَا شَاءَ اللَّهُ» فَسَأَلَنَا يَوْمًا [فَقَالَ]: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟» قُلْنَا: لَا، قَالَ: «لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي
فَأَخَذَا بِيَدِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ، بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ» [قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُوسَى]: " إِنَّهُ يُدْخِلُ ذَلِكَ الكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا، فَيَعُودُ [فَيَصْنَعُ] مِثْلَهُ
…
» وذكر مشاهد أخرى ثم أخبراه عنها، «قَالَا: نَعَمْ، أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ، فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالكَذْبَةِ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، [فَيُصْنَعُ] بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ، فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ، يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاةُ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُو الرِّبَا
…
الخ» (*).
ولكن بجانب هذه الرؤيا المنامية توجد مشاهد رآها النبي في اليقظة في رحلة الإسراء والمعراج فقد أخرج أحمد وأبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ. فَقُلْتُ: " مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ "» . كما أخرج ابن حبان حديثًا آخر «عن [أُمَرَاءَ - أَقْوَامٌ] يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ» . وروى [ابن إسحاق] عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَمَّا دَخَلْتُ السَّمَاءَ الدُّنْيَا رَأَيْتُ رِجَالاً فِي أَيْدِيهِمْ [قِطَعًا] مِنَ النَّارِ كَالأَحْجَارِ يَقْذِفُونَهَا فِي أَفْوَاهِهِمْ فَتَخْرُجَ مِنْ أَدْبَارِهِمْ، فَقَلَتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا» . والجدير بالذكر أن الله قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (1).
والجدير بالذكر أن الله تعالى قال: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (2). كما يقول عز وجل عن
(1)[سورة النساء، الآية: 10].
(2)
[سورة البقرة، الآية: 275].
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) انظر " فتح الباري بشرح صحيح البخاري "، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، (23) كتاب الجنائز (93) باب، حديث رقم 1386، 3/ 251، طبعة سَنَةَ 1379 هـ، نشر دار المعرفة - بيروت.
(**)" السيرة النبوية " لابن هشام، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي: 1/ 405، الطبعة الثانية: 1375 هـ - 1955 م، نشر شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.
ويكمل النبي صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُ: «ثُمَّ رَأَيْتُ رِجَالاً بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لَحْمٌ [ثَمِينٌ] طَيِّبٌ، إلَى [جَنْبِهِ] لَحْمٌ غَثٌّ [مُنْتِنٌ]، يَأْكُلُونَ مِنْ [الغَثِّ المُنْتِنِ]، وَيَتْرُكُونَ السَّمِينَ الطَّيِّبَ. قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنْ النِّسَاءِ، وَيَذْهَبُونَ إلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْهُنَّ» (*).
كما شاهد النبي صلى الله عليه وسلم نبي الله آدم في السماء الأولى، وشاهد في السماء الثانية عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا، وفي السماء الثالثة شاهد نبي الله يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون، وفي السادسة موسى وفي السابعة شاهد أبا الأنبياء إبراهيم وسلم عليهم نَبِيًّا نَبِيًّا.
ثم وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى حيث فرض الله الصلوات الخمس، وفي هذا قال الله تعالى:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى، وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى، ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى، مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى، أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} (2).
(1)[سورة غافر، الآيتان: 45، 46].
(2)
[سورة النجم، الآيات: 1 - 18].
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*)" السيرة النبوية " لابن هشام: 1/ 406.
(**) المصدر السابق: 1/ 406.
فَرْضُ الصَّلَاةِ فِي السَّمَاءِ:
فهل ترد هذه الوقائع لأنها وردت في أحاديث آحاد؟ أو لأن عصرًا ما لم يتصور أهله المصاعد الربانية التي وردت في قول الله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ، لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ، مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ، تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 1 - 4]. فالسماء بها معارج أي مصاعد خاصة بالملائكة والروح يستخدمونها صعودًا وهبوطًا بين السماء والأرض.
(1) الحديث رواه مسلم في كتاب الإيمان - باب الإسراء، كما رواه البخاري في كتاب الصلاة بألفاظ أخرى
…
وإذا احتسبنا سرعة المعراج الرباني بالزمن البشري لكان ما يقطعه هذا المصعد في يوم من أيامنا نقطعه نحن في خمسين ألف سنة.
فكيف لا نفهم كيف صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات السبع ثم عاد إلى مكة في نفس الليلة، والقرآن بين أيدينا يبين لنا هذه الحقائق ويكشف بوضوح عن هذه الوسائل التي خلقها الله تعالى؟.
إن المسلم يصدق هذه الوقائع والحقائق التي جاء بها القرآن الكريم وفصلتها السنة النبوية، سواء اكتشفها العلم وحاول اتخاذ الأقمار الصناعية سبيلاً للصعود إلى الكواكب أو جهل العلم ذلك أو عجز في التماس هذه الوسائل والأسباب، لأن الله تعالى يقول عن المنافقين:{وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ، وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ، أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (1).
ثم هل يدرك الإصلاحيون والمجددون أن رد هذه الوقائع يتضمن رد موضوع فرض الصلاة؟ وهذا ما يصبو إليه الكفر ويتمناه.
(1)[سورة النور، الآيات: 47 - 50].