الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأول - أن الجميع متفقون على وجوب العمل بالمتواتر والآحاد من الأحاديث.
الثاني - أن الغالبية العظمى من الأحاديث النبوية ابتدأت آحادًا من حيث الرواية في عصر الصحابة، ثم تواترت في عصر التابعين وتابع التابعين، كما أن المتواتر يكون في اللفظ ويكون في المعنى، والتواتر اللفظي لا يزيد عن أربعة عشر حديثًا، وقيل أقل وقيل أكثر وذلك للاختلاف في حد التواتر.
أما المتواتر المعنوي فهو اشتراك العدد من الرواة في رواية معنى واحد بالألفاظ المختلفة، وهذا كثير جدًا في السنة القولية والعملية.
وأهم أثر لتقسيم الأحاديث إلى متواتر وآحاد هو في أمر من رد الحديث، فمن أخذ باصطلاح المتواتر والآحاد - وهم أغلبية الفقهاء - لا يقولون بكفر من رد الأحاديث الآحاد لأنها ظنية الثبوت بينما يرون كفر من رد الأحاديث المتواترة.
ومن قال إن التواتر والآحاد قطعي الثبوت يقولون بكفر من رد شيئًا من الأحاديث سواء كانت بطريق التواتر أو الآحاد.
25 - أَحَادِيثُ الآحَادِ بَيْنَ مَدْرَسَتَيْ الرَّأْيِ وَالحَدِيثِ:
ولكن مع هذا يختلف الفقهاء في شروط إعمال أخبار الآحاد تبعًا لمدى توثيقهم للخبر، فالأحناف وسائر علماء الكوفة والذين أطلق على فقههم اسم مدرسة الرأي كانوا يرون أن أخبار الآحاد ظنية، وبالتالي لا يعمل بها إن خالفت ما هو أقوى منها، أي القرآن والسنة المتوترة والمشهورة لأن الدليل المعارض قطعي وبالتالي لا تخصصه سُنَّةُ الآحاد أو القياس.
وفقهاء أهل المدينة والذين كانوا يسمون بمدرسة الحديث كانوا يرون أن دلالة العام ظنية، وبالتالي فسنة الآحاد لأنها من الخاص، تخصص عام القرآن وكما تخصص عام الأحاديث المتواترة والمشهورة، ويرون أن السنة كلها تستقل بتشريع الأحكام ولو كان راوي الخبر لم يعمل به فالمعمول عليه عندهم هو صحة السند، ولكن الإمام مالك وهو من فقهائهم كان يقدم عمل أهل المدينة على أخبار الآحاد، ونسب إليه أنه يقدم القياس وظاهر القرآن على سُنَّةِ الآحاد، ولهذا لم يعمل بحديث «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا [إِحْدَاهُنَّ] بِالتُّرَابِ» وذلك لعدم روايته التتريب مع الغسل (" تنوير الحوالك ": ص 55، و" الموافقات " للشاطبي: ج 3 ص 21).
وسبب ذلك أن الإمام مالك يرى أن عمل أهل المدينة هو بمثابة رواية جماعية وبالتالي يقدمه على الآحاد، وهو لا يقدم عليها القياس مطلقًا بل يقدم ما اعتضد منه بقاعدة عامة قطعية، وفي هذا يقول ابن رشد:«ومالك يرجح القياس الذي تشهد له الأصول على الأثر الذي لا تشهد له الأصول» (1).
بالتالي إذا تعارضت الرواية الجماعية مع رواية الآحاد قدم الرواية الجماعية على رواية الآحاد، وليس أدل على ذلك من أن الإمام مالك قال في كتابه " الموطأ ":«إن في كتابي هذا حديث رسول الله وقول الصحابة وقول التابعين ورأيا هو إجماع أهل المدينة» .
كما أن الإمام مالك يبرأ من تقديم شيء على الكتاب والسنة فقد روى ابن حزم في كتابه " الأحكام " عن معين القزاز عن الإمام مالك أنه قال: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُخْطىءُ وَأُصِيبُ، فَانْظُرُوا فِي رَأْيِي فَكُلُّ مَا وَافَقَ الكِتَابَ وَالسُنَّةَ فَخُذُوا بِهِ، وَكُلُّ مَا لَمْ يُوَافِقْ الكِتَابَ وَالسُنَّةَ فَاتْرُكُوهُ» .
(1)" مناهج الاجتهاد " للدكتور مدكور: ص 630، و " إعلام الموقعين " لابن القيم: ج 1 ص 21، وانظر في ذلك " إعلام الموقعين ": ج 1 ص 130، و " أدب الاختلاف " للدكتور طه فياض: ص 84 و 91.