الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
71 - أَحَادِيثُ الآحَادِ وَالحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ:
تطوع الشيخ الدكتور محمد سعاد جلال فنشر بجريدة " الوطن " مقالاً يوم 10/ 9 / 1982 م وبوصفه من المجتهدين كما قال عن نفسه، قدم سَنَدًا للمرجفين الذين عارضوا الحدود الشرعية ولا سيما حد الرجم في جريمة الزنا فقال:«إن أخبار الآحاد دليل فيه شبهة فلا يثبت بها الحد كما لا يثبت بالقياس لمكان الشبهة فيه لأن الحدود تدرأ بالشبهات، وهو القول المعتمد في مذهب الأحناف، وإليه ذهب فخر الإسلام البزدوي، وشمس الأئمة السرخسي وهما المؤسسان لأصول الحنفية وهو ما نذهب إليه» .
والجواب على ذلك:
إن قاعدة درء الحدود بالشبهات تتعلق بالشبهات التي تحول دون تطبيق الحد ولا تتصل بذات الحد من حيث أنه حكم شرعي.
فالشبهة في حد السرقة تمنع قطع اليد إن كان السارق شريكًا في المال المسروق أو كانت شروط إقامة الحد غير متوفرة، ولا يقال حينئذٍ أن ذات الحد فيه شبهة.
والأحناف وغيرهم يقولون بعدم وجوب حد الرجم ولا يطبقون على هذا الحد قاعدة «ادْرَءُوا الحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» . وشيخنا في رده الأول المنشور يوم 27/ 8 / 1982 م قد ذكر أن حكم الرجم هو الرأي المشهور وعليه عمل الناس حتى اليوم وهو المقرر في المذاهب الفقهية.
وعلى ذلك فلا يقال إن الأحناف لا يأخذون بحكم الرجم أو أنهم يرون أن الشبهة قد تمكنت منه فلا يقام هذا الحد.
وكتب الأحناف بين أيدينا تشهد بذلك. ففي كتاب " بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع " للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، الطبعة الأولى (*): ج 7 ص 33.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) ورد في الكتاب المطبوع (الطبعة الأولى: 910 ج 7 ص 33). وهو خطأ في الطباعة (910) ولتصحيح الخطأ انظر:
" بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع " للكاساني: 7/ 33، الطبعة الثانية: 1406 هـ - 1986 م، نشر دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان.
…
وفي كتاب " شرح فتح القدير " للإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن الهُمَامِ: ج 5 ص 60 قال: «(قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَهِيَ غَائِبَةٌ فَإِنَّهُ يُحَدُّ) أَجْمَعَ الأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا بِغَائِبَةٍ يُحَدُّ الرَّجُلُ بِإِجْمَاعِهِمْ لِحَدِيثِ مَاعِزٍ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِغَائِبَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ [وَرَحِمَهُ] (*) عليه الصلاة والسلام» .
وهذه المقولة نشأت عن تقسيم الأحناف الأحاديث النبوية إلى متواترة ومشهورة وآحاد، قد قسمها غيرهم إلى المتواترة والآحاد.
وشيخنا نفسه قد نقل أن من الفقهاء من أنكر وجود أحاديث متواترة أي أن السنة كلها آحاد، وممن قال: فهذا التقسيم حصر المتواتر في خمسة أحاديث. هذا التقسيم اصطلاح نشأ عن جمع السنة وتمحيص الروايات وأثره عدم كفر من توقف في حديث آحاد وكفر من رد الحديث المتواتر فما شرعية إلزام المسلمين بهذا التقسيم وشرعية ترتيب آثار أخرى عليه، ومنها ما قاله الدكتور عبد الحميد متولي من عدم صلاحية أحاديث الآحاد لإثبات الأحكام الشرعية في الشؤون الدستورية والسياسية.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) الذي في " شرح فتح القدير "(وَرَحِمَهُ) وليس كما ورد في الكتاب المطبوع (وَرَجَمَهُ).
وما قاله بعض أتباع الماركسية من العرب أن هذه الأحاديث لا تصلح في الشؤون الاقتصادية. وما شرعية ما قال به بعض رجال القانون من عدم صلاحية هذه الأحاديث في إثبات الحدود ومنها حد الرجم.
ونستطيع أن نقطع أنه لا يوجد أي سند شرعي لإضعاف حجية أحاديث الآحاد في هذه الأمور أو غيرها بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: «[أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ]، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا القُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ» . كما تقطع أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا يقبلون خبر الواحد في هذه الأمور وغيرها حسبما فصله الإمام الشافعي في كتابه " الرسالة " والإمام علي بن حزم في كتابه " الإحكام في أصول الأحكام " فضلاً على أن القرآن الكريم قد اعتد بخبر الواحد كما هو معلوم.
وتقسيم الأحاديث إلى آحاد ومتواتر ليس وحيًا من الله كما أن النتائج الخاطئة المترتبة على هذا التقسيم لا يستند إلى القرآن أو السنة الصحيحة حتى يمكن الأخذ بها في رد حكم الأحاديث النبوية التي تلقتها الأمة بالقبول «منها أحاديث رجم الزاني المحصن بدعوى أن السنة لا تخصص عموم القرآن وحسبنا أن النبي وصحابته قد عملوا بأخبار الآحاد في جميع أمور الدين وربنا يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
قال ابن حزم: لقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رجم ماعزًا ولا ينسب إلى رسول الله أنه خالف حكم الله وإن قالوا: إن هذا يخالف القرآن فقد نسبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه خالف أمر ربه القائل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67]» (1).
(1) جزء من رد المؤلف على الشيخ المجتهد، والمنشور في جريدتي " الوطن " و " السياسة " يوم 1/ 10 / 1982 م.