الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
55 - وَسَائِلٌ جَدِيدَةٌ لِهَدْمِ السُنَّةِ:
لقد ظهر بمصر حديثًا (1) كتاب باسم " الأضواء القرآنية في اكتساح الأحاديث الإسرائيلية وتطهير البخاري منها " وهو كتاب فاخر الطباعة ويباع بسعر رمزي، وينسب إلى من يدعى (السيد صالح أبو بكر).
يزعم واضع الكتاب أن عمدة المراجع للأحاديث النبوية هو " صحيح البخاري "، وقد اشتمل على مائة حديث مكذوب دسها اليهود على النبي، ثم جاء البخاري وحكم بصحتها ونسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والمؤلف يدعي أنه قد اكتشف هذه الإسرائيليات في " صحيح البخاري " من خلال المراجع العلمية التي أوردها في الجزء الأول من كتابه وهي:
أولاً - كتاب " أضواء على السنة المحمدية " للمدعو محمود أبو رية الذي قال ص 52: «إن قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3] معناه: أن القرآن هو البداية وهو النهاية ولا شيء سواه وإنما جاءت البلوى من التقول على النبي ونسبة الأحاديث إليه وهو لم يقلها بدليل أنه لم يدونها كما دَوَّنَ القرآن» .
وهذا المرجع يزعم أن الأحاديث النبوية كلها مختلفة استنادًا إلى هذه الآية التي أراد أن يهدم بها السنة النبوية. ولقد اختلق محمود أبو رية أقوالاً كثيرة في كتابه هذا ونسبها إلى " البخاري " وزعم أنها في " فتح الباري ".
(1) الطبعة الجديدة منه أحالها الأستاذ أسعد السيد صاحب مكتبة الأنصار بالقاهرة، وكان الكتاب في المراجعة بعد الطبع التي تولاها مشكورًا الأستاذ محمد الشامي، فرأى المؤلف إضافة هذا البند.
ومن هذه الروايات أن «عبد الله بن عمرو أصاب زاملتين من كتب أهل الكتاب، وكان يرويها للناس " عن النبي "» .
وكتاب " فتح الباري " ليس فيه عبارة «عَنْ النَّبِيِّ» بل فيه «وَكَانَ يَرْوِيهَا لِلْنَّاسِ» .
بهذا يريد أبو رية أن يوهم القارئ أن الأحاديث النبوية أكثرها إسرائيليات من كتب اليهود والنصاري وحيث كانت تروى عن النبي بينما المتقول إن عبد الله بن عمرو كان يروي ما عثر عليه من صحف أهل الكتاب على أساس أنها أقوالهم وليست أقوال النبي صلى الله عليه وسلم.
ولقد جاء السيد أبو بكر: ص 58 وكرر نقل هذه الرواية المحرفة مؤكدًا أنها هي الحقيقة التاريخية التي تثبت أن عبد الله بن عمرو نقل الأحاديث عن أهل الكتاب كما اختلق أبو رية ونسبها إلى كتاب " البداية والنهاية " لابن كثير ونصها: قال عمر لكعب الأحبار: «لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيثَ (عَنْ رَسُولِ اللهِ) أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ القِرَدَةِ» .
وكتاب " البداية والنهاية " فيه: «لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيثَ (عَنْ الأُوَلِ)
…
» أي عن اليهود والنصارى وليس عن رسول الله، وهذه الأكاذيب سبق أن فصلناها في البند 59.
هذا هو المرجع العلمي الذي يستند إليه من ينسب الإسرائيليات إلى " البخاري "، وهو مرجع كثر فيه الكذب والتحريف حتى وضع الشيخ عبد الرزاق حمزة كتابًا سماه " ظلمات أبي رية " كما وصفه الشيخ عبد الحليم محمود بأنه «كَذَّابٌ وَمُحَرِّفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ» .
ولو اتبعنا أبا رية فيما زعمه من أنه لا يوجد إلا القرآن لأن السنة غير صحيحة لكانت الصلوات الخمس وأعمال الحج ونصاب الزكاة وشروطها من الإسرئيليات المكذوبة على الإسلام، لأنها لم ترد في القرآن الكريم، أي أن المرجع العلمي يريد هدم الإسلام عن طريق هدم السُنَّةِ وهو ما يسعى إليه المبشرون والمستشرقون.
وأبو رية وكذا المتهم الجديد المدعو السيد [صالح] أبو بكر لا يجهلان أن القرآن الكريم قد أمرنا باتباع سُنَّةَ النبي، فقال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
ولا يجهلان أن إجماع الصحابة والأمة قد انعقد على أن من رد الأحاديث النبوية كان كافرًا.
ثانيًا - المصدر العلمي الثاني: روايات محرفة:
والنوع الثاني من المراجع العلمية التي يستند إليها المؤلف في دعواه وجود روايات إسرائيلية في أحاديث " البخاري ".
هذا النوع هو روايات محرفة يستند إليها للوصل إلى النتيجة التي سطرها في الجزء الأول من كتابه وهي رد السنة النبوية إذ رغم أن:
«ما يروى عن النبي وليس له سند في القرآن إنما هو من وحي الخيال الخرافي والكيد الإسرائيلي اللعين» : ص 5.
ومن الأمثلة على الروايات المحرفة:
1 -
أورد في الجزء الأول من كتابه: ص 23 ما نصه: «روت عائشة حديث رؤية النبي لربه ليلة الإسراء الذي رواه الشيخان عن عامر بن مسروق» ، ليثبت أن البخاري قد وردت به إسرائيليات ردها الصحابة. والتحريف يكمن في أنه لا يوجد عند الشيخين (البخاري ومسلم) حديث رؤية النبي لربه، فهذا اختلاق من المؤلف، فالذي رواه الشيخان هو (حديث عائشة عن مسروق) ونصه:
عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ يَا أُمَّتَاهْ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي مِمَّا قُلْتَ، أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلَاثٍ مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرأَتْ {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103]، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51]؛ وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: 34]؛ وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] الآية؛ وَلكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عليه السلام فِي [صُورَتِهِ] مَرَّتَيْنِ.
(المرجع: " اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ": الحديث 111 ص 41).
من هنا يتضح أن عائشة لَمْ تُكَذِّبْ رواية " البخاري " و" مسلم " كما زعم المؤلف بل لقد نقلا عنها الرواية سالفة الذكر، ثم كيف تكذبهما ولم يكونا في عصرها؟ ولكن المؤلف يريد أن يختلق وجود تناقض في روايات " البخاري " ليتوصل لهدم السنة النبوية بزعمه أن " البخاري " روى حديث رؤية النبي لله.
2 -
وزعم المؤلف أن عائشة ردت حديث عبد الله بن عمر في " الصحيحين ": «إِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» . وردت حديثًا في " البخاري " و" مسلم
وغيرهما عن قتلى المشركين في بدر. وانتهى من هذا إلى أن أصحاب النبي يُكَذِّبُونَ بعضهم بعضًا في الأحاديث النبوية كما جاء في تحقيق أبي رية في كتابه " أضواء على السنة المحمدية " وهو كتاب قد حَرَّفَ الروايات والأحاديث.
ورواية " البخاري " و" مسلم " وسائر كتب السنة ليست فيها الرواية سالفة الذكر، وأم المؤمنين عائشة لَمْ تُكَذِّبْ " البخاري " و" مسلم " كما يحلو للمؤلف أن يوهم القارئ بذلك.
بل كتب الحديث فيها أن عائشة استدركت على بعض الصحابة عند روايتهم هذين الحديثين أي قبل أن توجد كُتُب السنة، وبالتالي دَوَّنَ البخاري ومسلم هذا وهو الحديث رقم 536 كما جاء في كتاب " اللؤلؤ والمرجان ":
«عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: تُوُفِّيتْ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ رضي الله عنه بِمكَّةَ، وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا، وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا
…
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: أَلَا تَنْهَى عَنِ البُكَاءِ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ) فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " قَدْ كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يَقُولُ بَعْضَ ذلِك».
فالبخاري ومسلم بهذا رويا أن ابن عمر كان يحدث عن النبي قوله: «إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» ورويا استدراك عائشة وتوضيحها لنص الحديث وهو: «إِنَّ اللهَ لَيَزِيدُ الكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» .
كل ذلك كان في حياة الصحابة وفي فترة جمع الحديث النبوي وتمحيص
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(1)
[سورة الأنعام، الآية: 164]، [سورة الإسراء، الآية: 15]، [سورة فاطر، الآية: 18]، [سورة الزمر، الآية: 7].
الرواية وتحقيقها، تلك الفترة التي بدأت في عصر الصحابة مرورًا بعصر البخاري المُتَوَفَّى سَنَةَ 256 هـ، وكان دوره السادس عشر في سلسلة من تخصصوا في جمع السنة وتمحيصها، وقد بلغوا الثلاثين أو يزيد (1).
أما ما زعمه المؤلف من أن عائشة قد رَدَّتْ حديثًا في البخاري عن سماع قتلى بدر لخطاب النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا تحريف آخر فيه لأن عائشة لم تعاصر البخاري حتى ترد حديثًا له، وإنما قد روى بسنده عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ) فَقَالَتْ: [وَهَلَ] ابْنُ عُمَرَ رحمه الله. إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ، وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الآنَ) قَالَتْ: [وَذَاكَ] مِثْلُ قَوْلِهِ (إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى القَلِيبِ وَفيهِ قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ المُشْرِكينَ، فَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ: إِنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ) إِنَّمَا قَالَ: (إِنَّهُمُ الآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌ) ثُمَّ قَرَأَتْ {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] وَ {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُورِ} [فاطر: 22].
(" اللؤلؤ والمرجان "، الحديث 537).
فهذا ما سمعته عائشة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ما استدركت على ابن عمر حسبما روى " البخاي "، وهذا لا ينفي أن يسمع غيرها من النبي ما يؤكد سماع قتلى بدر خطاب النبي فقد روى مسلم في " صحيحه " عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ، فَقَالَ:«يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا» فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:[يَا رَسُولَ اللهِ] كَيْفَ يَسْمَعُوا وَأَنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قَالَ: «وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ،
(1) هذا مفصل في البند 14.
وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا» ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا، فَأُلْقُوا فِي [قَلِيبِ بَدْرٍ]».
وقد أجاب الشيخ الألباني أن (قول النبي): «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» : «لا يفيد بأن الموتى يسمعون، إذ جاء في " صحيح البخاري " عن قتادة: أن الله أحياهم للنبي ليسمعوا ذلك» (" مختصر صحيح مسلم " للمنذري، تحقيق الألباني: جـ 2 ص 72، الحديث 1159، طبعة وزارة الأوقاف بدولة الكويت).
ثالثًا - المصدر العلمي الثالث: أحاديث مختلفة:
أما المصدر العلمي الثالث الذي استند إليه المؤلف لإثبات وجود إسرائيليات في " البخاري " وبالتالي إضعاف الثقة فيه وفي كتب السنة ليصل إلى النتيجة التي رسمها له أسياده وهي هدم السنة النبوية، هذا المصدر هو أحاديث نبوية محرفة مثل:
1 -
الحديث رقم 1 في الجزء الثاني من كتابه: ص 124:
حيث قال: «ذروة الكذب في حديث يقول إن النبي الذي عصمه الله حاول الانتحار عندما تأخر عنه الوحي. " البخاري ": ص 38 مجلدة كتاب الشعب» وبالرجوع إلى المجلد الخامس سالف الذكر تبين أن هذه الصفحات في باب مناقب الأنصار وبالبحث تبين أن رواية نزول الوحي على النبي هي الحديث الثالث في " صحيح البخاري " أي بالجزء الأول وليس في هذه الرواية بطبعة الشعب ولا بطبعة الحلبي ولا في طبعة دار الإرشاد من بيروت الإضافة التي وضعها هذا المؤلف والمتضمنة (أن النبي حاول الانتحار عندما تأخر عنه الوحي).
و" صحيح مسلم " أورد نفس الحديث، وهو حديث عروة عن عائشة بشأن بدء الوحي في غار حراء حيث جاء الملك وقال للنبي: اقْرَأْ، قَالَ:«مَا أَنَا بِقَارِئٍ»
…
وليس فيه الزيادة التي نسبها المؤلف إلى " البخاري " ليصفه بأنه ذروة الكذب، بل إن كتاب " التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول "(*) والذي يحوي
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*)" التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم " للشيخ منصور علي ناصف: الطبعة الثالثة: 1381 هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان (5 مجلدات)، [انظر:" دليل مؤلفات الحديث الشريف المطبوعة، القديمة والحديثة "، تأليف محيي الدين عطية، صلاح الدين حفني ومحمد خير رمضان يوسف، 1/ 323 رقم 1446، الطبعة الأولى: 1416 - 1995 م، نشر دار ابن حزم. بيروت - لبنان.
وكتاب " التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم " كتاب جامع، مختصر ومفيد.
" الكتب الستة " أورد في الجزء الثالث فيه: (أول نزول الوحي) ص 252 طبعة دار الفكر ببيروت، وليس في حديث عائشة سالف الذكر الزيادة المشار إليها.
ولكن أحد كتب السيرة غير المحققة ورد به أنه بعد نزول جبريل المرة الأولى وقال للنبي: «اقْرَأْ» ، انقطع عنه مدة أرجح الأقوال فيها أربعون يومًا، فكان خلالها ياتي ذروة الجبل فيبدي له أن يرمي نفسه حذرًا من قطيعة الله له، فنطق له الملك قائلاً:«أنت رسول الله حَقًّا، فيطمئن خاطره» (" [نور] اليقين في سيرة سيد المرسلين " للشيخ محمد الخضري: ص 32. وهذا ليس من قبيل الانتحار، وذلك على الرغم من أن رواية الخضري هذه لم ينسبها إلى أي مصدر من كتب السنة أو كتب السيرة، ولكن أشهر وألو كتب السيرة وهو " سيرة ابن إسحاق " التي رواها ابن هشام قد خلت من هذه الرواية مما يدل على أنها من الإسرائيليات، فالوارد عند ابن هشام تحت عنوان (فترة الوحي)«أن الوحي قد فتر حتى شق ذلك على النبي فأحزنه فجاء جبريل بسورة الضحى حيث يقسم الله فيها أنه ما ودعه وما كرهه {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 1 - 3]» .
2 -
الحديث رقم 52 من الجزء الثاني من الكتاب المذكور: ص 241:
قال المؤلف: «الحديث رقم 52 فيه افتراء على القرآن لأنه ذكر المرأة تحت اسم النعجة» " البخاري ": مجلد 2 كتاب 3 وذلك بتفسير قول الله: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} [سورة ص، الآية: 23]، ثم ذكر المؤلف أسبابًا عقلية تنفي صحة إطلاق اسم النعجة على المرأة وقال:«ومن هذه الأسباب نجرم بعدم صواب ذلك ونبرئ البخاري ورسول الله منه» : ص 242.
وهذا يفيد أن إطلاق كلمة امرأة على اسم النعجة من قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن بالرجوع إلى المصدر الذي نقل عنه المؤلف وهو
" صحيح البخاري " تبين أن الكلام منسوب إلى البخاري وليس للنبي أو أحد من الصحابة، والنص هو:«يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ نَعْجَةٌ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا شَاةٌ» : جـ 4 ص 196. أي عند العرب، والبخاري إنما ينقل المعنى الذي اتصل بعلمه وعلم غيره ولم ينسب ذلك إلى النبي أو إلى القرآن حتى يقول المؤلف إن هذا افتراء ثم يبرأ القرآن والنبي منه.
رابعًا - المصدر العلمي الرابع: العقل البشري:
لقد زعم المؤلف أنه اكتشف الإسرائيليات في " صحيح البخاري " من خلال المراجع العملية وقد ذكرنا أمثلة منها، وهي كلها تحريف للكلم عن مواضعه.
ولا يبقى من المراجع العملية التي استند إليها المذكور في رده " صحيح البخاري " وباقي كتب السنة إلا منطقه وعقله البشري الذي احتكم إليه وزعم أنه يحتكم إلى القرآن فما كان به من أشياء توافق الحديث النبوي أخذنا بالحديث وإلا كان مكذوبًا، وبهذه المقدمة العقلية يريد أن يقنع المسلمين بترك السنة كلها لأنها ما جاءت إلا لتفصيل ما سكت عنه القرآن أو جاء به مجملاً غير مفصل مثل الصلوات الخمس ومناسك الحج والحلال والحرام وسائر المعاملات. وأيضًا يريد المؤلف أن ينسب الجهل إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والعصور التالية لهم إلى يومنا لأنهم لم يدركوا ما توصل إليه. وفيما يلي أمثلة لهذه الأوهام العقلية التي ذكرها في كتابه:
1 -
الحديث رقم 8 في كتابه: ص 147 والخاص بالتوسل بالعباس:
يقول المؤلف: «الحديث فيه دعوى جواز التوسل إلى الله بالصالحين مع أن ذلك شرك صريح» .
والوارد في " البخاري " ليس حديثًا نبويًا بل رواية من البخاري بسنده الصحيح عن عمر بن الخطاب: أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا» قَالَ: فَيُسْقَوْنَ.
ولكن المؤلف يضع بعقله قاعدة ليكذب البخاري والصحابة فيقول: «إن الصحابة لم يتوسلوا بالنبي في دعاء أو رجاء لأن الشرك الذي نص عليه القرآن وحرمه على المسلمين، لم يكن إلا توسل الناس بالصالحين» . ثم يقول: «من باطن التوحيد وظاهره يصدر اعتقادنا ببطلان هذا الحديث وبطلان نسبته إلى أصحاب النبي» : ص 149.
وقد حرف الكلم عن مواضعه عندما قال: «إن الشرك هو التوسل بالصالحين» ، فالشرك في القرآن عبادة الناس استقلالاً أو زلفى إلى الله حيث وصف ذلك بقوله:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]. أما التوسل بالصالحين في رجاء أو دعاء فليس شركًا، بل قد أخرج الترمذي والنسائي والطبراني عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّ رَجُلاً ضَرِيرَ البَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي قَالَ: «إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ، وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» . قَالَ: فَادْعُهْ، قَالَ: فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِيَ، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ» ، قَالَ عُثْمَانُ:«فَوَاللهِ مَا تَفَرَّقْنَا [وَطَالَ بِنَا الْحَدِيثُ] حَتَّى دَخَلَ عَلَيْنَا الرَّجُلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضُرٌّ [قَطُّ]» .
فالتوسل الممنوع هو التوسل بالأموات من غير الأنبياء ومخالفته ليست كفرًا أو شركًا (1) بل من المعاصي طبقًا للضوابط الشرعية.
(1) هذا الموضوع فصله المؤلف في كتابه " الحكم وقضية تكفير المسلم ": ص 168 - 184.
2 -
الحديث رقم 9 في فضل عائشة على نساء بني آدم:
ثم يرد الحديث لأنه يفضل عائشة على مريم وامرأة فرعون وهي لم تذكر في القرآن مثلهما مما يجعل المغرضين يعللون ذلك بتعصب النبي لزوجته.
وهذا منطق الجهلاء الذين لا يؤمنون بالسنة النبوية ولا يسلمون أنها وحي من الله ولكن التبليغ بألفاظ النبي حتى لا تختلط بالقرآن كما يجهلون أن الحديث لم يحصر الكمال في مريم وامرأة فرعون استنتاجًا بل بتوقيف من الله تعالى. وأما قول النبي: «وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» . فهذا ليس عطفًا على الكمال بل استئناف لكلام جديد والواو هنا ليست للعطف بل للمغايرة واستئناف حكم جديد، وتشبيه عائشة بالثريد لا يفيد كمالها على نساء العالمين كما زعم المؤلف، فالثريد غير كامل حتى يكون التشبيه للكمال.
3 -
الحديث رقم 15 بكتابه ص 158:
يذكر المؤلف أن البخاري روى عن أبي هريرة، قال:«وَإِنَّ [إِخْوَتِي] مِنَ المُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ صَفْقٌ بِالأَسْوَاقِ، وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا، وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا، وَكَانَ يَشْغَلُ [إِخْوَتِي] مِنَ الأَنْصَارِ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا مِنْ مَسَاكِينِ الصُّفَّةِ، أَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ» .
ويرد المؤلف الرواية لأنها في نظر أسياده تخريف لا يليق بالنبي وصاحبه ودس رخيص من أعداء الإسلام.
ومن الأسباب العقلية الأخرى:
أ - إنه قد جاء في كتاب " [أضواء] على السنة المحمدية ": «أن أبا هريرة أسلم وسنه سبع سنوات وعندما توفي النبي كان سن أبي هريرة عشر سنين، أي أنه لم يعاصر النبي إلا وهو طفل بين السابعة والعاشرة» .
وسبق أن أوضحنا أن محمود أبو رية كذاب ومحرف للكلم عن مواضعه وكتبه ليست مصدرًا علميًا، وليس أدل على ذلك من أن أكبر خصوم الإمام أبي هريرة وهو الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي الذي تضمن كتابه " أبو هريرة " وصفًا له من محمد سعيد العريان بأنه أمي مفرط مكثار كذاب، مغلول، مهول، متزلف، سخيف، سقيم العقل، صنيعة بني أمية: ص 3.
هذا الذي نقل ذلك عن أبي هريرة يقول عن نشأته (ص 20): «نشأ في اليمن وشب حتى أناف على الثلاثين
…
وهاجر إلى المدينة بعد فتح خيبر وأسلم
…
وأما صحبته فقد صرح في حديث أخرجه " البخاري " بأنها كانت ثلاث سنين».
ب - أنه ليس معقولاً أن يحفظ أبو هريرة وينسى أبو بكر وعمر وأعلام الصحابة.
ولقد أوضح ذلك البخاري في " التاريخ " فروى عن الصحابي طَلْحَةَ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ - قَوْلَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «[وَاللَّهِ] مَا نَشُكُّ أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَا لَمْ نَسْمَعْ وَعَلِمَ مَا لَمْ نَعْلَمْ، إِنَّا كُنَّا قَوْمًا أَغْنِيَاءَ وَلَنَا بُيُوتَاتٌ وَأَهْلُونَ، وَكُنَّا نَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فِي طَرَفَيِ النَّهَارِ] ثُمَّ نَرْجِعُ، وَكَانَ هُوَ مِسْكِينًا لَا مَالَ لَهُ وَلَا أَهْلَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ يَدُهُ مَعَ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ، فَمَا نَشُكُّ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مَا لَمْ نَعْلَمْ وَسَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَعْ».
4 -
الحديث رقم 24 بشأن عقوبة الزنا:
ينقل المؤلف عن " البخاري " أن أعرابيًا جاء إلى النبي وقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ، [اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ]، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَقَالُوا [لِي]: عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ، فَفَدَيْتُ ابْنِي مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ العِلْمِ، فَقَالُوا: إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا الوَلِيدَةُ وَالغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَارْجُمْهَا» ، فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا. وَأُنَيْسٌ شخص ثالث كلفة النبي بإقامة هذا الحد.
والمؤلف لا يعجبه ذلك فيرد الحديث النبوي لأنه أورد أمرين لا أصل لهما في القرآن الكريم، الأول تغريب عام والثاني الرجم (ص 180) والجدير بالذكر أن قضاء النبي بكتاب الله ليس معناه أن هذا القضاء في القرآن، فكتاب الله هنا يعني حكم الله لقول الله تعالى:{وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235]، وقد أقسم النبي أن يحكم بينهما بكتاب الله وهو يعلم أن حكم الرجم ليس في القرآن، ولكن يبين أنه مخول بتفسير مجمل القرآن في قوله تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (1).
والمؤلف يردد أقوال المنافقين والزنادقة من أنه لا التزام إلا بما في القرآن
(1)[سورة الحشر، الآية: 7]، وقد فصل هذا المعنى الإمام الزركشي في كتابه " البرهان في علوم القرآن ": ج 2 ص 149.
فقط وقد نقل في ذلك عن أبي رية في كتابه " أضواء على السنة المحمدية " أن النبي حذر من الأخذ بشيء لم يرد في القرآن فقال: «إن الأحاديث ستكثر بعدي كما كثرت عن الأنبياء قبلي فما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فهو عني قلته أو لم أقله» وهذا الحديث من وضع الزنادقة كما قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما من رجال الحديث، والثابت أن النبي قال:«أَلَا إِنِّى أُوتِيتُ القُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» ، وهؤلاء لا يجهلون أن السنة وحي من الله وهي البيان التفصيلي للقرآن الكريم للقرآن الكريم ولهذا فصلت أحكام الصلاة والصوم والزكاة والحج والحدود والعقوبات والمعاملات، وفي خصوص جريمة الزنا روى مسلم في " صحيحه " عن عبادة بن الصامت قال:«خُذُوا عَنِّي، فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، وَالْبِكْرُ بِالبِكْرِ، الثَّيِّبُ جَلْدُ مِائَةٍ، ثُمَّ رَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ، وَالبِكْرُ جَلْدُ مِائَةٍ، ثُمَّ نَفْيُ سَنَةٍ» . كتاب الحدود.
خامسًا - جدول المراجع العلمية المحرفة:
والمؤلف في سبيل إعطاء الشرعية لبدعته التي زعم فيها أن " البخاري " به إسرائيليات مدسوسة على النبي تبلغ مائة وعشرين حديثًا وهي الأحاديث التي لم يقبلها عقل المؤلف السقيم وقد أوردنا أمثله منها.
نراه يصل إلى نتيجة وهي رد السُنَّةِ كلها «ومن تبرئة النبي منها وذلك عملاً على تطهير ديننا من شوائب الدس الإسرائيلي» : ص 3 من المقدمة.
وليصل إلى هذه الشرعية وضع جدولاً ص 107 به مقتطفات من مراجع علمية اقتصر فيها على شطر الكلام يؤيد بدعته كالذي يقتصر على قول الله {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} [النساء: 43]، ولا يذكر باقي قوله:{وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43].
أ - فمثلاً ينقل عن الدهلوي في كتابه " الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف " أن السنة هي العملية المتواترة التي رآها الناس والنبي يفعلها (بينما هذه الرسالة تضمنت باقي أنواع السنة القولية والتقريرية وهذا ما أغفله المؤلف).
ب - وينقل عن الشيخ محمد عبده أنه قال: «يجب اعتبار القرآن هو السند [الوحيد] لقبول الحديث» بينما الشيخ محمد عبده في " تفسير المنار ": ص 103 يقول: «لا بد من الرجوع بالأحاديث والمذاهب إلى القرآن» ولا يعني بذلك الاستغناء عن السنة.
ج - وينقل عن " الرسالة " للإمام الشافعي: «جَمِيعُ مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِمَّا فَهِمَهُ مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ» . والشافعي يعني بذلك اجتهاد الرسول فيما لم ينزل فيه وحي بالسنة النبوية بدليل أنه في ذات " الرسالة " يقول: «وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللهِ مَا لَيْسَ فِيهِ بِعَيْنِهِ نَصَّ كِتَابٍ، وَكُلَّ مَا سَنَّ رَسُولُ اللهِ فَقَدْ أَلْزَمَنَا اللهُ اِتِّبَاعَهُ» .
د - وينقل المؤلف عن الشيخ مصطفى عبد الرازق أن عمر رضي الله عنه حبس أصحاب رسول الله المعاصرين له بالمدينة عن الانتشار في الأرض حتى لَا [يُحَدِّثُوا] عن رسول الله فيزيد الناس عنهم أو ينقصون حتى أطلقهم عثمان: ص 108. (*).
الثورة الاجتماعية والمحرفون الجدد:
وفي الوقت نفسه ينقل مجتهد آخر هو الدكتور محمد عمارة في كتابه " عمر بن عبد العزيز " الصادر عن دار الهلال في شوال 1398 هـ / سبتمبر 1978 م تحريفًا آخر عن سبب انتشار الصحابة فيزعم أن «هذا الذي استقر عليه الإسلام والمسلمون حتى عهد عمر قد بدأ يتغير منذ خلافة عثمان بن عفان، فأشراف قريش الذين حجزهم عمر بالمدينة ومنعهم من السعي لحيازة الثروات وامتلاك الأرض في البلاد الغنية المفتوحة، قد انطلقوا وحققوا مطامحهم ومطامعهم على عهد عثمان، وكما يقول الطبري: فإن "عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ قَدْ حَجَرَ عَلَى أَعْلامِ
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) قد رد على هذا الافتراء الكاذب كل من:
- الشيخ عبد الغني عبد الخالق في كتابه " الرد على من ينكر حجية السنة ": ص 408، طبع في جمادى 1409 هـ - 1989 م، نشر مكتبة السنة - مصر.
- الشيخ محمد محمد أبو شهبة في كتابه " دفاع عن السنة ": ص 37، 49، 53، 278، 280، طبع في جمادى 1409 هـ - 1989 م، طبعة مكتبة السنة - مصر.
- الدكتور مصطفى السباعي في كتابه " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي "، الطبعة الثالثة - بيروت: 1402 هـ - 1982 م، المكتب الإسلامي: دمشق - سوريا، بيروت - لبنان: ص 64، 65، وطبعة دار الوراق: الطبعة الثالثة - بيروت: 1402 هـ - 1982 م: ص 82، 83.
- والدكتور محمد عجاج الخطيب في كتابه " السنة قبل التدوين "، الطبعة الثانية: رمضان 1408 - أبريل 1988 م: ص 106، 109، 110، نشر مكتبة وهبة - مصر.
قُرَيْشٍ مِنَ المُهَاجِرِينَ الْخُرُوجَ فِي الْبِلْدَانِ إِلا بِإِذْنٍ وَأَجَلٍ
…
فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ لَمْ يَأْخُذْهُمْ بِالَذِي كَانَ يَأْخُذُهُمْ بِهِ عُمَرُ "»: ص 44.
ووجه التحريف في الروايتين هو:
أ - أن منع الصحابة (لا المهاجرين فقط) من مغادرة المدينة كان قرارًا نافذًا خلال خلافة أبي بكر وعمر وسنتين من خلافة عثمان لسبب ليس ما زعمه الكاتب الأول أو الثاني، بل هو رجوع الخليفة إليهم لأن أحكام السنة النبوية لم تكن قد جمعت كلها وهم يحفظون على تفاوت بينهم.
ولكن لما كثرت الفتوحات الإسلامية في خلال خلافة عثمان اضطر للسماح لهم بالهجرة إلى هذه البلاد ليعلموا أهلها أحكام الإسلام وليس للسلب والنهب والمطامع كما يزعم الشيخ عمارة الذي يتجاهل ويذكر هنا اسم الطبري في واقعة منع الصحابة من الهجرة ليوحي للقراء أن السبب الذي اخترعه من أقوال الطبري، فالمنع من الهجرة لم يكن بسبب الخوف من الزيادة أو النقصان على رسول الله كما زعم الدجال الأول وليس للحيلولة دون السلب وامتلاك الأراضي، كما زعم الكاتب الآخر الذي امتد فكره إلى القرطبي فنسب إليه أنه بالجزء الثالث من كتابه " الجامع لأحكام القرآن ": ص 62 قد قطع أن جمهور المفسرين يرون أن معنى قول الله: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219]، هو أن الواجب إنفاقه، هو ما فضل عن العيال أي عن الحوئج:(ص 43 من كتابه).
بينما القرطبي ينقل عن قيس بن سعد أن (العفو) هو الزكاة المفروضة ويغفل قوله عن جمهور العلماء إنها نفقة التطوع كما ينقل القرطبي عن غيرهم أن آية الزكاة قد نسخت هذه الآية، ثم يقول: والظاهر يدل على الأول أي أن
الزيادة المطلوب إخراجها كما قال الجمهور هي نفقه التطوع، وكل ذلك حَرَّفَهُ الشيخ عمارة وكذب على القرطبي.
وهذه الزيادة كما قال الشهيد سيد قطب في " الظلال ": «حق قد يؤديه صاحبه ابتغاء مرضاة الله - وهذا هو الأكمل والأجمل - فإن لم يفعل واحتاجت إليه الدولة المسلمة التي تنفذ شريعة الله، أخذته فأنفقته فيما يصلح الجماعة المسلمة» : ص 336 جـ 1.
مَوْقِفُ القُرْآنِ مِنَ السُنَّةِ وَصِبْيَانِ العُلَمَاءِ:
إن صبيان العلماء الذين يستغلون لرد الحديث النبوي، قد يموهون على العوام فيستدلون بما جاء في أمهات المراجع الإسلامية عن ارتباط السنة بالقرآن وتفصيلها له، غير أن هذه الأقوال لم تأت لرد السنة النبوية وقد فصلنا ذلك في البند 61 من هذا الكتاب وفصلنا سائر المراجع ومنها كتاب " مقدمة في تفسير الرسول للقرآن " للأستاذ محمد العفيفي. إن ما ورد في أمهات الكتب وصرح أصحابه أن المراد به أن السنة تفصل أحكام القرآن ولا تهدمه أو تعارضه ولهذا يردون أحكام السنة إلى أصل عام في القرآن وفي هذا قال الإمام الزركشي: «اعْلَمْ أَنَّ القُرْآنَ وَالحَدِيثَ أَبَدًا مُتَعَاضِدَانِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الحَقِّ وَإِخْرَاجِهِ مِنْ مَدَارِجِ الحِكْمَةِ حَتَّى إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُخَصِّصُ عُمُومَ الآخَرِ وَيُبَيِّنُ إِجْمَالَهُ ثُمَّ مِنْهُ مَا هُوَ ظَاهِرٌ وَمَعَهُ مَا يَغْمُضُ وَقَدِ اعْتَنَى بِإِفْرَادِ ذَلِكَ بِالتَّصْنِيفِ الإِمَامُ أَبُو الحَكَمُ ابْنُ بَرَّجَانَ فِي كِتَابِهِ المُسَمَّى بـ " الإِرْشَادِ "(1) وَقَالَ: مَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
(1) هو الإمام عبد السلام بن عبد الرحمن الإشبيلي المشهور بابن برجان وهو أحد علماء اللغة والنحو، مات سنة 627 هـ كما ذكر السيوطي في " بغية الوعاة ": ص 306، وكتابه هو " الإرشاد في تفسير القرآن "، نسخته بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية ونسخة بالمكتبة التيمورية.
مِنْ شِيْءٍ فَهُوَ فِي القُرْآنِ وَفِيهِ أَصْلُهُ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ فَهِمَهُ مَنْ فَهِمَهُ وَعَمِهَ عَنْهُ مَنْ عَمِهَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] أَلَا تَسْمَعُ [إِلَى] قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الرَّجْمِ: "لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ الله" وَلَيْسَ فِي نَصِّ كِتَابِ اللَّهِ الرَّجْمُ وَقَدْ أَقْسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَلَكِنَّ الرَّجْمَ فِيهِ تَعْرِيضٌ مُجْمَلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8]، وَأَمَّا تَعْيِينُ الرَّجْمِ مِنْ عُمُومِ ذِكْرِ العَذَابِ وَتَفْسِيرِ هَذَا المُجْمَلِ فَهُوَ مُبَيَّنٌ بِحُكْمِ الرَّسُولِ وبأمره بِهِ، وَمَوْجُودٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ} [الحشر: 7]، وَقَوْلِهِ:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]».
ثم قال: «وَهَذَا البَيَانُ مِنَ العِلْمِ جَلِيلٌ وَحَظُّهُ مِنَ اليَقِينِ جَزِيلٌ، وَقَدْ نَبَّهَنَا صلى الله عليه وسلم عَلَى هَذَا المَطْلَبِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ خِطَابِهِ، مِنْهَا حِينَ ذَكَرَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ تَعَالَى لأَوْلِيَائِهِ فِي الجَنَّةِ فَقَالَ:"فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ" ثُمَّ قَالَ: "اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]
…
وَوَصَفَ الجَنَّةَ فَقَالَ: " فِيهَا شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ وَلَا يَقْطَعُهَا" ثُمَّ قال: "اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 30]».
ولقد عدد الإمام الزركشي الأحاديث النبوية وربطها بالآيات القرآنية في فصل كامل بعنوان (النوع الأربعون في معاضدة السنة للقرآن)(1)، وكان مما ذكره: الروايات التي ساق بعضها صاحب كتاب " الأضواء القرآنية في اكتساح الأحاديث الإسرئيلية وتطهير البخاري منها ": ص 223، فكان من ذلك الحديث الخاص بالشمس وفيه:«وَتَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ» وحديث
(1)" البرهان في علوم القرآن " للإمام بدر الدين الزركشي: جـ 2 ص 129 وما بعدها.
«رَأْسُ الكُفْرِ نَحْوَ المَشْرِقِ» ، ولكن الإمام الزركشي ربط الحديث بقول الله تعالى:{فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 78]، وقوله تعالى:{وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} [النمل: 24]، وقول الله:{لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ} [فصلت: 37].
أما المدعو السيد أبو بكر والمسخر اسمه لهدم الإسلام عن طريق هدم السنة، فقد زعم أن الحديثين يناقضان القرآن الكريم ولذا فهما من الإسرائيليات ورتب على ذلك استبعاد الأحاديث النبوية كلها وقدم فَهْمًا مغلوطًا للحديث النبوي زعم فيه أنه أراد بالمشرق الخليج العربي والكويت والسعودية لأنها تقع شرق المدينة، والحديث خاص بالشمس وليس بشرق المدينة أو غربها.
ونكتفي بهذا في كشف هذه الكتب التي ينفق على ترويجها أعداء الإسلام ويسخرون لذلك بعض الحكام وبعض صبيان العلماء والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.