الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
46 - نُقْصَانُ العَقْلِ وَالدِّينِ:
لقد اشتهر بين العامة أن النساء ناقصات عقل ودين وفهمها أقوام أنها تسيء إلى إنسانية المرأة وإلى رشدها.
واشتهر بين العامة حديث بلفظ: «عَائِشَةٌ نَاقِصَةُ عَقْلٍ وَدِينٍ» بينما استدركت على كثير من الصحابة رويتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى جمع الزركشي وغيره ذلك في كتاب مستقل.
فهل يوجد تناقض بين حديث «نُقْصَانِ العَقْلِ» وحديث: «خُذُوا نِصْفَ دِينِكُمْ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ عَنْ هَذِهِ الحُمَيْرَاءِ» ؟ وقد بحثت في كتب السنة وفي " موطأ مالك " و" مسند الدارمي " فلم أجد حديث «خُذُوا نِصْفَ دِينِكُمْ
…
» على الرغم من أن بعض الكتب جاء به أن الحديث ورد بلفظ: «خُذُوا نِصْفَ دِينِكُمْ عَنْ هَذِهِ الحُمَيْرَاءِ» (1).
وأيضًا لم أجده في باب فضل عائشة بالجزء الرابع من كتاب " المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية ".
وقد أورد الإمام بدر الدين الزركشي في كتابه " الإجابة "، بحثًا عن الحديث المذكور جاء فيه: «وَسَأَلَتُ شَيْخَنَا الحَافِظَ عِمَادَ الدِّينِ ابْنَ كَثِيْر رحمه الله عَنْ
(1) ورد هذا في " مذكرة حزب التحرير ": ص 26.
ذَلِكَ فَقَالَ: كَانَ شَيْخنَا [حَافِظُ الدُّنْيَا] أَبُوالحَجَّاجِ المِزِّيُّ رحمه الله يَقُولُ: كُلُّ حَدِيثٍ فِيهِ "الحُمَيْرَاءُ" بَاطِلٌ إِلَاّ حَدِيْثًا فِي الصَّوْم فِي " سُنَنِ النَّسَائِيِّ ".
قُلْتُ: وَحَدِيثٌ آَخَرُ فِي " [سُنَنِ] النَّسَائِيِّ " أَيْضًا عَنْ أَبِيْ سَلَمَة قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: " دَخَلَ الحَبشَةُ المَسْجِدَ يَلْعَبُوْنَ فَقَالَ لِي: يَا حُمَيْرَاءُ أتُحِبِّيْنَ أَنْ تَنْظُرِيْ إِلَيْهِمْ "» (1).
أما عبارة «عَائِشَةٌ نَاقِصَةُ عَقْلٍ وَدِينٍ» (*) فلم ترد في السُنَّةِ كوصف لعائشة بل وردت عن النبي كوصف للنساء عامة في حديث روه " البخاري " و" مسلم " بلفظ: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ، أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ [الحَازِمِ]، مِنْ إِحْدَاكُنَّ، يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ» . قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ:«فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ:«فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا» .
إن وصف النبي صلى الله عليه وسلم لأحوال النساء، قد تضمن أن المرأة لا تصلي ولا تصوم أثناء الحيض الذي يتكرر كل شهر وهذا جعلها تنقص عن الرجل في أمور الدين.
وتضمن الحديث أنها في الشهادة لا تتساوى مع الرجل لأن الله قد جعل دليل شهادتها على النصف من دليل شهادة الرجل والسبب كما جاء في القرآن الكريم هو قول الله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282]، أي خشية أن تنسى فتذكرها الأخرى التي حضرت معها موضوع الشهادة.
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم هذا بأنه نوع من نقصان العقل وهذا أمر نسبي، وقد أثبتت ذلك البحوث العلمية الحديثة فقد جاء بـ " دائرة المعارف
(1)" الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة " للزركشي: ص 58، الفصل 2.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) لم أجد هذا الحديث إلا من بين النقاشات التي أثارها الرئيس الطاغية المقبور معمر القذافي وتخريفاته في (الندوة العلمية حول منزلة السنة النبوية من القرآن) التي عقدت في طرابلس عاصمة ليبيا عام 1978 والتي تحدث فيها حسب زعمه عن التناقضات في صحيح البخاري مستشهداً بعدد من الأحاديث منها: (خذوا دينكم من عائشة) - وهذا الحديث ليس من أحاديث البخاري - وحديث آخر: (عائشة ناقصة عقل ودين). وحسب الرئيس القذافي فإن الحديث الأول وضعه أنصار عائشة أما الحديث الآخر فوضعه شيعة علي في معركة الجمل
…
انظر كتاب " تدوين الحديث " لإبراهيم فوزي: ص 154، الطبعة الثانية: تموز / يوليو 1995 م، نشر دار رياض اريس للكتب والنشر، المملكة المتحدة، وهذا الكتاب فيه إساءة كبيرة للسنة النبوية ورُواتها.
الكبيرة " قول الدكتور روفاريي: «إن المجموع العضلي عند المرأة أقل منه كمالاً عند الرجل، وأضعف منه بمقدار الثلث، فالقلب عند المرأة أصغر وأخف بمقدار ستين غرامًا في المتوسط والرجل أكثر ذكاءً وإدراكًا أما المرأة فأكثر انفعالاً» .
وفي نفس الدائرة يقرر (نيكوليس وبيليه) أن الحواس الخمس عند المرأة أضعف منها عند الرجل، وأن مخ الرجل يزيد عن مخ المرأة بمقدار مائة غرام في المتوسط، فنسبة مخ الرجل إلى جسمه 1/ 40 ونسبة مخ المرأة إلى جسمها 1/ 44: كما يوجد اختلاف في المخيخ أيضًا وفي المادة السنجابية فهي عند النساء أقل بدرجة ملحوظة ومحسوسة جدًا.
إن نقصان العقل الوارد في الحديث النبوي مقترن بأمر الشهادة على الديون حيث أن ذاكرة المرأة أضعف من ذاكرة الرجل وقد أثبت الطب الحديث ذلك.
ولكن هذا النقص لا يراد به انتقاص مكانة المرأة أو وضعها القانوني والاجتماعي، فقد روى الخمسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«نَعَمْ. إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» . [" حقوق النساء " للشيخ رشيد رضا: ص: 8] و [البهي الخولي: ص 20].
فاختلاف ذاكرة المرأة عن الرجل هو السبب في جعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل كما جاء في القرآن الكريم، وهذا ما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه نوع من نقصان العقل، وهذا وصف معنوي لا يتساوى فيه النساء جميعًا بل هو الوصف الغالب لأكثرهن والحكم الشرعي يبنى على الأمر الغالب.
وهذا النقصان ليس له أثر في الفقه الإسلامي إلا في الشهادة على الأموال (1) وذلك حفظًا للحقوق، كما هو الحال في اشتراط أربع شهود من الرجال لإقامة حد الزنا وشهادة المرأة وحدها في الولادة.
ولا يختلف أحد أنه توجد فوارق بين الرجل والمرأة في بعض الأمور، ولكن الفوارق في هذا الحديث في أمر ضئيل ومحصور في موضوع الشهادة، وهذا لا يمنع أن تروي المرأة أحكام الإسلام كالرجال، فإذا ما اعتقد أحد جدلاً أن رواية «خُذُوا نِصْفَ دِينِكُمْ عَنْ عَائِشَةَ» حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يتعارض هذا مع وصف النساء بنقصان العقل لأنه وصف معلل بما ورد في القرآن الكريم، من النسيان الطارئ الموجب أن يكون شهادتها في الأموال نصف شهادة الرجل، وهذا لا علاقة له برواية الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذه الرواية لا تقوم بها إلا المرأة الذاكرة الحافظة، وهذا التخصص في هذا العلم لا يتحقق إلا للعالمات بأمور الدين والحافظات الذاكرات، أما الوصف العام بنقصان العقل فقد أورد النبي صلى الله عليه وسلم سببه وهو النسيان في المعاملات المالية والتجارية، فالنسيان خاص بهذا فقط، فلا يشمل الأمور العلمية والاجتماعية والقانونية أو غيرها.
وأكبر شاهد على ذلك أن أم المؤمنين عائشة كانت من أهل العلم والفقه بل هي رائدة في ذلك بلا منازع، فقد روت عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفين ومائتين وعشرة أحاديث (2210) واستدركت على أعلام الصحابة والفقهاء وصححت لهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر الزركشي
(1) قال الإمام القرطبي: «وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الأَمْوَالِ دُونَ غَيْرِهَا» " الجامع لأحكام القرآن ": جـ 3. أي أن هذا النقص في الشهادة على الأموال فقط وهذا لا يعني جواز شهادتها في الحدود.