الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
53 - الإِجْمَاعُ وَالنَّسْخُ:
ليس صحيحًا أن الإجماع ينسخ نصًا في القرآن أو السنة لأن النسخ هو إنشاء أو إلغاء لشرع وهذا لا يكون إلا بوحي من الله أي في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا لَا حُجَّةَ للإجماع إلا إذا كان له سند.
فالإجماع لا ينشىء بذاته حكمًا بل يكشف عن حكم الله ورسوله وبالتالي فالناسخ هو هذا الحكم وليس أقوال الصحابة - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
لقد أوجب الله الصلاة في قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43]، وهذا النص القرآني وغيره في أمر الصلاة، لم يبين أوقاتها ولا عددها ولا كيفيتها، فكانت السنة النبوية هي المبينة لهذا إذ قال الله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
فهذا البيان ملزم لكل مسلم سواء ورد لنا عن طريق رواية التواتر أو الآحاد، أو ورد في سنة وصنفت بأنها ناسخة أو مخصصة أو وردت عن طريق إجماع الصحابة.
فإجماع الصحابة بعد رواية جماعية عن النبي صلى الله عليه وسلم وبالتالي يكون ألزم من رواية الآحاد لأنه لا يقل عن الحديث المتواتر.
(1)" الإحكام في أصول الأحكام ": جـ 4 ص 120.
ولا يراد بالإجماع هنا، ما يوجد في كتب الفقه من القول بالإجماع على أمر من الأمور، بل المراد هو ما قامت الحجة القاطعة على أنه إجماع وبالتالي لا يدخل في ذلك الإجماع السكوتي، ويراد به شيوع رأي مع عدم معرفة ما يخالفه، ولا يدخل في ذلك ما كان محل خلاف على أنه إجماع من عدمه. قال ابن حزم:«الإِجْمَاعُ قَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ المِلَّةِ يَكْفُرُ مَنْ خَالَفَهُ، إِذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ بِأَنَّهُ إِجْمَاعٌ» (1).
وقد علق ابن تيمية على ذلك بأن كفر من أنكر الإجماع ليس باعتبار أنه أنكر الإجماع بل باعتبار أنه أنكر ما ثبت من الدين بالضرورة. وحجية الإجماع موضع خلاف، ولم يكفروا النَظَّامَ بإنكار حجيته وإنما كفره من كفره لأمور أخرى، وفي موضع الإجماع اليقيني لا بد من وجود كتاب أو سنة متواترة فيكون منكر الحكم الثابت به غير منكر لحجية الإجماع فقط بل للكتاب أو السنة المتواترة أيضًا.
وابن حزم في كتابه " الإحكام " يقرر أنه لا يتصور إجماع إلا إذا بني على نص بل توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إما بكلام منه فيقول ولا بد محفوظ حاضر، وإما فعل منه عليه السلام فهو منقول أيهما، وأما إقراره إذ علمه فأقره ولم يبتكره فهي أيضًا حال منقول محفوظة (2).
والفرق بين ابن حزم وبين الأئمة المشهورة مذاهبهم في هذه المسألة هو أن ابن حزم لا يعتد بالإجماع إلا إذا كان إجماعًا على نص من القرآن أو السنة النبوية وهذا ما يسميه الأئمة بالإجماع اليقيني. وابن حزم ينكر الإجماع المستند إلى القياس والأئمة يعتدون به ويسمى عندهم الإجماع الظني، كما أنهم لا يكفرون من لم يحتج بالإجماع المستند إلى أحاديث الآحاد لأنه إجماع ظني عندهم.
(1)" مراتب الإجماع " لابن حزم: ص 7 وبهامشه " تقديرات الإجماع ".
(2)
" الإحكام في أصول الأحكام ": جـ 4 ص 136.
وأما أن دعوى الإجماع تحتاج إلى دليل قاطع، فمثال ذلك ما ذكره ابن المنذر من الإجماع على أن دية المرأة نصف دية الرجل وقد اشتهر هذا في كتب الفقه وبالبحث تبين أنهم يسندون ذلك إلى صحيفة عمرو بن حزم حيث أن بها هذا الحكم مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتبين أن هذا الحكم ليس في صلب الحديث النبوي بل ورد في حديث معاذ بن جبل وإسناده غير ثابت (4).
لهذا لم يثبت أي إجماع إلا إجماع الصحابة رضي الله عنهم حيث ثبت إجماعهم في الأحكام الشرعية بالتواتر ولذلك لم يختلف أحد في إجماعهم حتى نفاة الإجماع لا ينازعون في إجماع الصحابة على حكم شرعي لأن إجماع الصحابة له سند، فإجماعهم على ميراث الجدة إلى خبر المغيرة بن شعبة، وإجماعهم على تحريم الجمع بين المحارم استند إلى ما رواه أبو هريرة (5) وإجماعهم على تحريم الجدات مع أنهن غير الأمهات هو الاستناد إلى قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]، لأن المراد تحريم الأصول، وإجماعهم على رأي عمر في عدم تقسيم الأراضي المفتوحة، استند إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم في عدم تقسيم أرض مكة قد فتحت عنوة على ما هو الأصح، وعدم تقسيم أرض بني قريظة وبني النضير وغيرها من دور العرب (6).
(4)" نيل الأوطار " للشوكاني: جـ 1 ص 225، و" مكانة المرأة " للمؤلف: ص 25.
(5)
" أصول الفقه " للإمام محمد أبو زهرة: ص 165.
(6)
" مناهج الاجتهاد ": ص 233 و 531.