الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
60 - التَّحْرِيفُ وَمُوَالَاةُ أَهْلِ الكِتَابِ:
لقد أفصح المستشرقون والمبشرون عن أهدافهم من الدعاوى الهدامة ومنها التوفيق بين الإسلام والأديان السماوية وهو توفيق يراد به تطوير الإسلام ليقر علماء الأزهر الشريف يردد مزاعم المستشرقين وهذا ما فعله الشيخ علي عبد الرازق في كتابه " الإسلام وأصول الحكم "، وما فعله الشيخ محمود أبو رية في كتبه السابقة، وما فعله الشيخ محمد عمارة في كتابه " الإسلام والوحدة الوطنية " الذي أوضحنا جانبًا من التحريف الوارد به ونشير إلى اجتهاد آخر هو:
مُوَالَاةُ أَهْلِ الكِتَابِ:
لقد نهى الإسلام عن موالاة اليهود والنصارى، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51].
ولكن جاء الشيخ محمد عمارة وقال: «لا حجة لأنصار الطائفية والشقاق الديني، لأن الآية - في اجتهاده الصائب - تنهى عن الخيانة الوطنية في حالة الحرب وليس فيها من قريب أو بعيد ما يتصل بالدعوة إلى حجب النصرة والموالاة عن المخالفين لنا في الشريعة وخاصة إذا كانوا لنا إخوة لنا في القومية والوطن» . وقد نسب ذلك إلى القرطبي بل قال: «وأكثر من هذا فإن المفسرين يحددون أن المنهي عنه هو أن يعضد هؤلاء الأعداء على المسلمين، في حالة الحرب» : ص 106 (1).
والإمام القرطبي لم يشر من قريب ولا من بعيد إلى أن هذه الآيات تتعلق بالخيانة الوطنية أو أنها خاصة بالقتال فقط بحيث تجوز الموالاة بعد المعركة
(1) لقد نسب هذا إلى " القرطبي ": جـ 6 ص 217، والقرطبي لم يقل أن المنهي عنه فقط هو مناصرة الأعداء من المسلمين وقت الحرب، ثم التودد إليهم وموالاتهم في غير الحرب مع استمرار أعدائهم كما يفهم من عبارات الكاتب.
فقد قال في تفسير هذه الآية: هذا يدل على قطع الموالاة شرعًا وقد مضى في آل عمران بيان ذلك، وآية آل عمران نصها:{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28].
وفي تفسير هذه الآية نقل القرطبي عن ابن عباس قوله: «قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَهَى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ أَنْ يُلَاطِفُوا الْكُفَّارَ فَيَتَّخِذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ» .ثم قال القرطبي: «وَمَعْنَى {فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} أَيْ فَلَيْسَ مِنْ حِزْبِ اللَّهِ وَلَا مِنْ أَوْلِيَائِهِ فِي شَيْءٍ» .
وفي تفسير قول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]، يقول القرطبي:«أَيْ يَعْضُدْهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ» . وقد زعم الشيخ عمارة أن المراد هنا الخيانة الوطنية في حالة الحرب وزعم أن هذا رأي القرطبي والمفسرين، بينما الإمام القرطبي حدد المراد بقوله: «بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ حُكْمَهُ كَحُكْمِهِمْ، وَهُوَ يَمْنَعُ إِثْبَاتَ المِيرَاثِ لِلْمُسْلِمِ مِنَ المُرْتَدِّ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَاّهُمِ ابْنُ أُبَيٍّ ثُمَّ هَذَا الحُكْمُ بَاقٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي قَطْعِ المُوَالَاةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: 113] وَقَالَ تَعَالَى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 28]
…
».
كما أن القرطبي في تفسير قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ
…
} [المائدة: 57]، قال:«فَنَهَاهُمُ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالْمُشْرِكِينَ أَوْلِيَاءَ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ الْفَرِيقَيْنِ اتَّخَذُوا دِينَ الْمُؤْمِنِينَ هُزُوًا وَلَعِبًا» . ثم نقل القرطبي أن هذه الآية مثل قوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [المائدة: 51]، ونقل القرطبي حديثًا عن جابر فيه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى أُحُدٍ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالُوا: نَسِيرُ مَعَكَ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام «إِنَّا لَا نَسْتَعِينُ عَلَى أَمْرِنَا بِالمُشْرِكِينَ» . ولو أن الدكتور عمارة قد أوضح أن الموالاة ممنوعة أيضًا في غير حالات الحرب إذ كانوا يتآمرون على الإسلام والمسلمين ويعادوننا كمن يساعد إسرائيل ولو تظاهر بصداقة العرب والمسلمين.