الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنَّ الله الذي حفظ القرآن والسنة هو المدافع عمَّن تمسك بهما إذْ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج: 38].
ولقد تكفَّل الله بنصره الذين ينصرون الإسلام الممثل في القرآن والسنة، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].
لقد هزم الله المسلمين الذي هزموا الإسلام في أنفسهم وأهليهم وبلادهم وهزم الذين أضعفوا السنة النبوية وإنْ صلُّوا وصاموا وتبتلوا!!
2 - نُزُولُ الوَحْيِ بِالسُنَّةِ:
وكما نزل الوحي بالقرآن فقد نزل بالسنة وأخذ صوراً متعددة نذكر منها:
[1]
النفث في الروع أي إلقاء المعنى في قلب النبي الذي قال: «إنّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي أنّهُ لنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتّى تَسْتَوْفِي رِزْقَها وَأَجَلَهَا فاتّقُوا الله وأجْمِلُوا في الطَّلبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حُرِّمَ» (رواه ابن حبان في " صحيحه " وابن كثير في " التفسير " جـ 4 ص 121).
[2]
نزول جبريل في صورة بشر يسأل النبي ليُعَلِّمَ الناس ويتعلَّمُوا وفي هذا روى مسلم والبخاري في " كتاب الإيمان " أنَّ النبي أتاه رجل سأله عن الإيمان والإسلام والإحسان فأجابه ثم خرج فقال: «رُدُّوهُ» فلم يروا شيئاً فقال النبي: «هذا جبريل جاء يعلِّم الناس دينهم» .
[3]
نزول جبريل في صورته الملائكية وفي هذا روى البخاري ومسلم أنَّ النبي قال: «بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا المَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ، جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ» .
[4]
نزول الوحي في صورة غير مرئية ولكن توجد أمارات تدل عليه من ذلك ما رواه البخاري ومسلم في " كتاب الحج " أنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَانَ بِالْجِعْرَانَةِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ: " كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَهُوَ مُتَمَضِّخٌ بِطِيبٍ " فَسَكَتَ النَّبِيُّ سَاعَةً فَجَاءَهُ الْوَحْيُ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُحْمَرُّ الْوَجْهِ يَغِطُّ سَاعَةً ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: «أَيْنَ الَّذِي يَسْأَلُ عَنْ الْعُمْرَةِ» فأتي بالرجل فقال النبي: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات وانزع عنك الجبة واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك. (اللؤلؤ والمرجان: جـ 1 ص 15 حديث 733).
[5]
نزول الوحي بالسنة أو بالقرآن متضمِّناً تصحيحاً لاجتهاد أقدم النبي عليه بفطرته البشرية ولم يكن مبلِّغاً عن الله، ففي السنة روى أحمد عن عائشة أنَّ يهودية قالت لها: وَقَاكِ اللَّهُ عَذَابَ الْقَبْرِ فسألت النبي، فقال:«كَذَبَتْ يَهُودُ، لَا عَذَابَ دُونَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وهذه الرواية وردت في " صحيح مسلم " عن عائشة قالت: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ الْيَهُودِ وَهِيَ تَقُولُ هَلْ شَعَرْتِ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ قَالَتْ: فَارْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ إِنَّمَا تُفْتَنُ يَهُودُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ يَسْتَعِيذُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ.
كما روى البخاري عن أسماء بنت أبي بكر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال بعد صلاة خسوف الشمس: «مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلَاّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ» .
أما نزول الوحي بالقرآن في هذا فتذكر منه إذنه لمن تخلف عن غزوة تبوك فنزل قول الله: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة: 43].
وفي قبوله الفداء من أسرى بدر نزل قول الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67]. وفي إعراضه عن ابن أم مكتوم لانشغاله بزعماء المشركين أملاً في إسلامهم نزل قول
الله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى،
…
} [عبس: 1 - 4].
لما كان ذلك فإنَّ كل ما صحت نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول وفعل وتقرير فمصدره الوحي الإلهي على النحو سالف الذكر.
ولقد حاول أئمة النفاق في عصرنا أنْ يرُدُّوا السنة النبوية بدعوى التمسك بالقرآن الكريم فقال محمد خلف الله: «إنَّ ما عدا القرآن فكر بشري نتعامل معه بعقولنا» وقال: «إنَّ ما ورد في القرآن غير قطعي الدلالة، لا يعمل به إلَاّ إذا جاءت السنة بنص آخر قطعي الدلالة» (1).
(1)" الغزو الفكري " ص 275 و" منهجية جمع السنة " للدكتورة عزية طه " ص: 46، 47، 72، 73، 322، 323. و" الحكم ". الطبعة الثالثة، ص 170.