الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بهذا الفهم أو ترك هذه الجماعة، وهذا كله يخالف منهج النبي صلى الله عليه وسلم الذي أقرَّ الاختلاف في فهم النصوص كما أنَّ هذه الأساليب ينطبق عليها قول الله تعالى:{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].
التَّطَرُّفُ وَتَلْبِيسُ إِبْلِيسَ:
ومن السُبُلِ التي يدخل بها الشيطان على أفراد بل جماعات إسلامية تزيينه الفرقة والخلاف لهم وإيهامهم أنهم هم الناجون من عذاب الآخرة، وباقي الأفراد والجماعات الإسلامية في النار لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةٍ كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم على شرط مسلم.
وهؤلاء يجعلون تمسًّكهم بِالسُنَّةِ العَمَلِيَّةِ كالمحافظة على الصلاة في الجماعة، والمحافظة على السواك واللحية، هو مقومات كونهم أهل النجاة، لأنهم على مثل ما كان عليه النبي وصحابته، أما غيرهم فالنار مثواهم.
ولقد تناسى هؤلاء أنَّ ترك هذه السُنَّة لا يترتب عليه دخول النار لنصوص شرعية لا تُحصَى، منها ما رواه البخاري ومسلم أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَمَلٍ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ فَقَالَ:«تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ» ، فَقَالَ الأَعْرابِيُّ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئًا أَبَدًا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا».
ولقد نسي هؤلاء أنَّ المقصود بالملل أو الفرق التي تفترق عن الإسلام، هي التي ترتدُّ إلى الكفر مثل البهائية والقاديانية والنُصَيْرِيَّة والإسماعلية.
أما الفئات التي أخطأت بما لا يخرجها عن الإيمان مثل الخوراج والمعتزلة فلا يقال إنها ضمن أهل النار ومن ادَّعَى كفرها فقد تكلَّف بغير دليل من الشرع أو العقل (1)، وإنما يقال إنَّ أمرهم لا يخرج عن حكم العُصاة من المسلمين فهو متروك إلى الله إنْ شاء غفر وإنْ شاء عَذَّبَ. لقوله تعالى في سورة النساء:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48 و 116](1).
ومع هذا قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية: «من قال إن الثنتين وسبعين فرقة كل واحد منها يكفر كفراً ينقل عن الملة فقد خالف الكتاب والسُنَّة وإجماع الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -» (2).
وهذا الرأي محل نظر فقد قال الإمام إبراهيم بن موسى الشاطبي في كتابه " الاعتصام ": «إنَّ هذه الفرق تحتمل من جهة النظر أنْ يكونوا خارجين عن الملة بسبب ما أحدثوا فهم قد فارقوا أهل الإسلام بإطلاق وليس ذلك إلا الكفر
…
ويدل على هذا الاحتمال ظواهر من القرآن والسُنَّة كقول الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159]. ومن السُنَّة ذكر رواية للحديث نصها: «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَعْظَمُهَا فِتْنَةً الذِينَ يَقِيسُونَ الأُمُورَ بِرَأْيهِمْ، فَيُحِلُّونَ الْحَرَامَ يُحَرِّمُونَ الحَلالَ» (3).
إنَّ هذا الحديث يؤكِّدُ ما تضمنته الطبعة الأولى والثانية من أنَّ الفرقة الناجية هو أهل القبلة فتشمل جميع طوائف المسلمين ويؤيِّدُ ذلك رواية ابن ماجه برقم 3992 وفيها: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «الْجَمَاعَةُ» . وقد رجحت ذلك لأنَّ بعض الأفراد والجماعات يشيعون أنهم الفرقة الموصوفة في الحديث وغيرهم في النار، وهذا كما قال الإمام محمد بن عبد الوهاب، من صفات الجاهلية وهو ادِّعاء كل طائفة حصر الحق فيها (4). وقد أبطل ابن تيمية هذا الرأي حيث ينبني عليه تكفير أهل البدع الذين هم من أهل الوعيد بمنزلة الفُساق والعُصاة (5) ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم «هُمْ فِي النَّارِ» أي مثل ما جاء في سائر الذنوب ولكن هذا لم يعجب أحد الدُعاة فاتَّهمنا بالجهل ومخالفة الإجماع وطلب الحجر علينا.
(1) ورد هذا المعنى في " تلبيس إبليس " لابن الجوزي: ص 18.
(2)
" مجموع الفتاوى ": ج 7 ص 218.
(3)
" الاعتصام ": ج 4 ص 190.
(4)
كتابه " مسائل الجاهلية ": ص 33.
(5)
" مجموع الفتاوى ": ج 3 ص 346 وص 351.