الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آيَةُ التَّطْهِيرِ:
أما الدليل من القرآن الكريم فآية التطهير في سورة الأحزاب الآية 33: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرً} [الأحزاب: 33]، ومن الضروري أنْ نقف وقفات قصيرة عند كلمات هذه الآية الكريمة.
وأول ما نلتقي به في هذه الآية الكريمة كله {إِنَّمَا} ولا شك أنها من أقوى أدوات الحصر في اللغة العربية وتفيد إثبات ما بعدها ونفي ما عداه.
فيكون المعنى في ضوء ذلك إثبات التطهير لأهل البيت ونفي أنْ يكون الله تعالى قد أراد «إرادة تكوينية» التطهير لغيرهم حين نزول الآية الكريمة.
وهذا واضح لا لبس فيه لمن أنس أسلوب العرب في الكلام وعرف أصول اللغة وقواعدها.
وبعد ذلك تأتي جملة:
{يُرِيدُ اللَّهُ} والإرادة هنا لا شك إرادة تكوينية، وليست تشريعية. ومن المعروف أنَّ الإرادة الإلهية قسمين: تكوينية وتشريعية، والتكوينية هي التي لا تتخلل إرادة أخرى بين إرادته تعالى ومراده. وهذه الإرادة لا تتخلف ولا يحول دونها شيء. يقول عز وجل:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]. والإرادة التشريعية هي التي تتخلل إرادة المكلف واختياره بين إرادته تعالى وما يريده تعالى من أعمال المكلفين. وتتعلق هذه الإرادة دائماً بأفعال العباد الاختيارية.
كما في الواجبات التي يريدها الله تعالى من عباده فيستجيب له ناس ويعصيه آخرون
ولا شك أنَّ إرادة الله تعالى في هذه الآية ليست من الإرادة التشريعية. إذ لا معنى لحصر إرادة التطهير في أهل البيت فقط. فإنَّ الله يريد التطهر لكل عباده دون استثناء.
فينحصر الأمر - إذن - أنْ تكون الإرادة في هذه الآية الكريمة إرادة تكوينية، وهي التي لا يمكن أنْ تتخلف.
{لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} [الأحزاب: 33].
والرجس، كما يقول الراغب:«كل شيء قذر» . يقول الطبري في تفسير الآية الكريمة «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهَ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ يَا أَهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ، وَيُطَهِّرَكُمْ مِنَ الدَّنَسِ الَّذِي يَكُونُ فِي أَهْلِ مَعَاصِي اللَّهِ تَطْهِيرًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ» (2).
ويقول النيسابوري في تفسير الآية الكريمة: «فاستعار للذنوب الرجس» (3).
فقد شاء الله - إذن - ولا رَادَّ لمشيئته أنْ يذهب الذنوب والرجس والمعاصي عن نبيِّه صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيت نبيِّه عليهم السلام.
وفي حدود ما ذكرنا لا يبقى مجال للمناقشة والتشكيك في فقرات الآية الكريمة.
(1)[المائدة: 6].
(2)
" جامع البيان " للطبري: 22/ 5.
(3)
" تفسير غرائب القرآن " للنيسابوري بهامش " جامع البيان ": 22/ 10.
يبقى السؤال عن أهل البيت من هم؟
هل هم زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم أم هم زوجاته وسائر أهله من آل عباس وآل عقيل وآل عَلِيٍّ؟
والحديث في ذلك يطول في دراسة إسناد الروايات التي اختلفت في تحديد أهل البيت.
ونقتصر هنا على بعض الروايات التي صحت نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تحديد أهل البيت.
روى الحاكم في " المستدرك " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ، قَالَ: لَمَّا نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الرَّحْمَةِ هَابِطَةً، قَالَ:«ادْعُوا لِي، ادْعُوا لِي» فَقَالَتْ صَفِيَّةُ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَهْلَ بَيْتِي عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ» فَجِيءَ بِهِمْ فَأَلْقَى عَلَيْهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كِسَاءَهُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ آلِي فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]. قال الحاكم: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ» (1).
وروى مسلم في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه " والبيهقي في " السُنن الكبرى " وكل من الطبري وابن كثير والسيوطي في تفسير الآية الكريمة واللفظ للأول:
عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، رضي الله عنها قَالَتْ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَجِّلٌ مِنْ شَعَرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الحُسَيْنٌ فَدَخَلَ مَعَهُ ثُمَّ
(1)" المستدرك على الصحيحين ": 3/ 147، 148.
جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء عليٌّ فأدخله، ثُمَّ قَالَ:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأَحْزَاب: 33](1).
وروى كل من الطبري وابن كثير في " تفسيريهما " والترمذي في " صحيحه " والطحاوي في " مشكل الآثار " واللفظ للأول عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ
…
} فَدَعَا حَسَنًا وَحُسَيْنًا وَفَاطِمَةَ فَأَجْلَسَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَدَعَا عَلِيًّا فَأَجْلَسَهُ خَلْفَهُ فَتَجَلَّلَ هُوَ وَهُمْ بِالكِسَاءِ، ثُمَّ قَالَ:«هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا» (2).
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي خَمْسَةٍ: فِيَّ، وَفِي عَلِيٍّ، وَحَسَنٍ، وَحُسَيْنٍ، وَفَاطِمَةَ» (3).
والروايات بهذا المعنى كثيرة ومتضافرة ودالة على حصر أهل البيت في الخمسة الطاهرين.
وإمعانًا في تحديد أهل البيت، وإعلامًا لِلأُمَّةِ أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتلو هذه الآية كل يوم على باب بيت عَلِيٍّ والزهراء حيث يجمع عَلِيًّا وفاطمة والحسن والحُسين.
(1) رواه مسلم في " الصيحح ": 7/ 130. والحاكم في " المستدرك ": 3/ 147. والبيهقي في " السنن ": 2/ 149. والطبري في " جامع البيان ": 22/ 5. وابن كثير في " التفسير ": 3/ 485. والسيوطي في " الدر المنثور ": 5/ 198، 199.
(2)
" صحيح الترمذي ": 12/ 85. و" تفسير الطبري ": 22/ 7. و" تفسير ابن كثير ": 3/ 485. و " مشكل الآثار: 1/ 335.
(3)
" جامع البيان " للطبري: 22/ 5. و" ذخائر العقبى " للمحب الطبري: ص 24. و" الدر المنثور ": 5/ 198.
عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبْعَةَ [عَشَرَ] شَهْرًا، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ أَتَى بَابَ فَاطِمَةَ، فَقَالَ: " الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ}» [الأحزاب: 33](1).
عَنْ [أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ](**)، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمُرُّ بِبَابِ فَاطِمَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ إِذَا خَرَجَ إِلَى صَلَاةِ الفَجْرِ يَقُولُ:«الصَّلَاةَ يَا أَهْلَ البَيْتِ» {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33](2).
(1) رواه في " مجمع الزوائد "(*).
(2)
" المستدرك على الصحيحين ": 3/ 158 وقال صحيح على شرط مسلم، وأُسْدُ الغابة ": 5/ 521، و " مسند أحمد ": 2/ 258، و [تفسير] الطبري: 22/ 5 وابن كثير: 2/ 383، و " الدر المنثور " للسيوطي: 5/ 199، و" مسند الطيالسي ": 8/ 274، و" صحيح الترمذي ": 12/ 85 و" كنز العمال ": 7/ 103.
تعليق:
إنَّ هذا الرأي والتفسير للعصمة لا يفيد علم الأئمة للغيب كما لا يفيد اختصاصهم للتحليل والتحريم أو الرواية عن الله مباشرة من غير طريق النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا يظل هذا الرأي ضمن دائرة أهل الإسلام لأنَّ أهل السُنَّة لا يُكَفِّرُونَ مسلمًا برأي أو معصية ما لم يَسْتَحِلَّهَا. أما حصر آل البيت في الخمسة في عصر نزول الآية فهو محل نظر فالأولى أَنْ نأخذ بسياق الآيات القرآنية وسياق الأحاديث النبوية معًا، فالآيات تدل على دخول الأزواج في آل البيت وسياق الأحاديث النبوية تعطي دلالة أوسع لآل البيت وهي لا تنسخ دلالة القرآن الذي أدخل نساء النبي في آل البيت ابتداءً من قول الله تعالى:{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} [الأحزاب: 32]، ومرورًا بقوله تعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33]، وانتهاءً بقوله:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34].
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*)[قال الهيثمي: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ عُمَرُ بْنُ شَبِيبٍ المُسَلِّيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ].
(**)[هو أنس بن مالك وليس مالك بن أنس كما ورد في المطبوع من الكتاب].