المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌40 - المعجزات وأخطاء الإصلاحيين والمستشرقين: - السنة المفترى عليها

[سالم البهنساوي]

فهرس الكتاب

- ‌مع الكتاب المفترى عليه:

- ‌هذا الكتاب بين الشكل والمضمون:

- ‌بين يدي هذا الكتاب:

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُ: بَيْنَ الرَّسُولِ وَحَقِيقَةِ السُنَّةِ:

- ‌1 - حَقِيقَةُ السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَمَكَانَتُهَا:

- ‌2 - نُزُولُ الوَحْيِ بِالسُنَّةِ:

- ‌3 - أَنْوَاعُ السُنَّةِ وَوَظِيفَةِ الرَّسُولِ:

- ‌4 - الجَمَاعَاتُ الإِسْلَامِيَّةُ وَالمَنْهَجِ النَّبَوِيِّ:

- ‌التَّطَرُّفُ وَتَلْبِيسُ إِبْلِيسَ:

- ‌5 - السُنَّةُ بَيْنَ النَّصَارَى وَالأَعْرَابِ:

- ‌6 - اسْتِقْلَالُ السُنَّةِ بِالحُكْمِ الشَّرْعِيِّ:

- ‌الفَصْلُ الثَّانِي: الفِتْنَةُ وَشُبُهَاتٌ حَوْلَ تَدْوِينِ السُنَّةِ:

- ‌7 - كِتَابَةُ السُنَّةِ بَيْنَ التَّأْيِيدِ وَالمُعَارَضَةِ:

- ‌8 - التَّدْوِينُ الرَّسْمِي وَحِفْظُ السُنَّةِ:

- ‌9 - كِتَابَةُ السُنَّةِ فِي العَصْرِ النَّبَوِيِّ:

- ‌10 - الحَقِيقَةُ بَيْنَ العِلَّةِ وَالمَعْلُولِ:

- ‌السُنَّةُ وَالمُنَافِقُونَ حَدِيثًا:

- ‌11 - مِنْ وَسَائِلِ حِفْظِ السُنَّةِ:

- ‌طَرِيقَةُ حِفْظِ السُنَّةِ وَكُتُبِهَا:

- ‌12 - عُلُومُ الحَدِيثِ وَأَهَمِيَّتُهَا:

- ‌بِدَايَةُ عِلْمِ المُصْطَلَحِ:

- ‌13 - رَدُّ السُنَّةِ بَيْنَ السَّنَدِ وَالمَتْنِ:

- ‌أَطْفَالُ المُشْرِكِينَ:

- ‌14 - مَتْنُ الحَدِيثِ وَمُشْكِلَةُ الوَضْعِ:

- ‌عَلَامَاتُ الوَضْعِ:

- ‌15 - مَدَى التَّوَقُّفُ فِي مَتْنِ الحَدِيثِ وَطُرُقِ التَّخْرِيجِ:

- ‌[زِيَادَةُ الثِّقَاتِ وَالإِدْرَاجِ]:

- ‌طُرُقُ التَّخْرِيجِ:

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثِ: السُنَّةُ وَالفِتْنَةُ الكُبْرَى:

- ‌16 - السُنَّةُ وَالفِتْنَةُ الكُبْرَى:

- ‌بَيْنَ السُنَّةِ وَالشِّيعَةِ:

- ‌17 - أَدَبُ الخِلَافِ وَالعِصْمَةِ الجَدِيدَةِ:

- ‌18 - الحَدِيثُ النَّبَوِيُّ بَيْنَ أَهْلِ السُنَّةِ وَالشِّيعَةِ وَالخَوَارِجِ:

- ‌آيَةُ التَّطْهِيرِ:

- ‌حَدِيثُ الثَّقَلَيْنِ:

- ‌مَصْدَرُ الأَئِمَّةِ فِي تَبْلِيغِ الأَحْكَامِ:

- ‌19 - حَقَائِقَ عَنْ السُنَّةِ وَالعِصْمَةِ:

- ‌20 - الشِّيعَةُ وَبَرَاءَةُ الأَئِمَّةِ:

- ‌الاِخْتِلَافُ حَوْلَ الأَئِمَّةِ:

- ‌بَيْنَ العِصْمَةِ وَالسُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ:

- ‌أَقْوَالُ الأَئِمَّةِ وَالسُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ:

- ‌نَزَاهَةُ الأَئِمَّةِ مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ:

- ‌حَوْلَ تَحْدِيدِ آلِ البَيْتِ:

- ‌بَرَاءَةُ الأَئِمَّةِ:

- ‌بَيْنَ الأَئِمَّةِ وَأُسْرَةِ أَبِي بَكْرٍ:

- ‌الصَّادِقُ وَالعِصْمَةُ:

- ‌الصَّادِقُ وَالتَّقِيَّةُ:

- ‌الصَّادِقُ وَالقُرْآنُ:

- ‌21 - حَدِيثُ الغَدِيرِ وَأَصْلُ الخِلَافِ:

- ‌حَقِيقَةُ حَدِيثِ الغَدِيرِ:

- ‌22 - دَعْوَى التَّكْفِيرِ بَيْنَ السُنَّةِ وَالشِّيعَةِ:

- ‌[إِبَاحَةِ دَمِ النَّوَاصِبِ]:

- ‌23 - الحَقِيقَةُ الغَائِبَةُ:

- ‌الحَقِيقَةُ الغَائِبَةُ وَمَصْدَرُ تَبْلِيغِ الأَحْكَامِ:

- ‌الفَصْلُ الرَّابِعُ: السُنَّةُ وَشُبْهَةِ الظَنِّيَّةِ:

- ‌24 - تَقْسِيمُ السُنَّةِ فِي المَاضِي وَالحَاضِرِ:

- ‌25 - أَحَادِيثُ الآحَادِ بَيْنَ مَدْرَسَتَيْ الرَّأْيِ وَالحَدِيثِ:

- ‌حُجِيَّةُ أَحَادِيثِ الآحَادِ بَيْنَ العُمُومِ وَالخُصُوصِ:

- ‌26 - مَدَى الشَكِّ فِي ثُبُوتِ السُنَّةِ وَسَبَبِ التَّفْرِقَةِ بَيِْنَهَا:

- ‌26 - أَخْطَاءٌ وَجِنَايَةٌ ضِدَّ السُنَّةِ:

- ‌27 - السُنَّةُ وَالمُصْطَلَحَاتُ الحَدِيثَةُ:

- ‌28 - أَحَادِيثُ الآحَادِ بَيْنَ الظَنِّ وَاليَقِينِ:

- ‌28 - حَقِيقَةُ الظَنِّ المَنْسُوبِ لِلْسُنَّةِ:

- ‌29 - أَحَادِيثُ الآحَادِ وَالعِلْمِ اليَقِينِي:

- ‌30 - اِسْتِحَالَةُ العَمَلِ بِغَيْرِ اعْتِقَادٍ:

- ‌30 - أُمُورُ العَقِيدَةِ وَالتَّوَقُّفُ فِي بَعْضِ السُنَّةِ:

- ‌الفَصْلُ الخَامِسُ: سُنَّةُ الآحَادْ وَالمَذَاهِبُ الجَمَاعِيَّةُ:

- ‌31 - دَعْوَى تَقْدِيمِ القِيَاسِ عَلَى سُنَّةِ الآحَادِ:

- ‌32 - الأَحْنَافُ وَاشْتِرَاطُ فِقْهِ الرَّاوِي:

- ‌33 - السُنَّةُ وَأَسْبَابُ تَوَقُّفِ الأَئِمَّةِ:

- ‌34 - شُبْهَةُ تَقْدِيمِ عَمَلِ أَهْلِ المَدِينَةِ:

- ‌35 - المَذَاهِبُ وَالخِلَافُ الفِقْهِيُّ:

- ‌36 - مُجْمَلُ أَسْبَابِ الخِلَافِ:

- ‌37 - الاِجْتِهَادُ بَيْنَ العُلَمَاءِ وَالعَوَامِّ:

- ‌الفَصْلُ السَّادِسُ: السُنَّةُ بَيْنَ المُعْجِزَاتِ وَالعَقَائِدِ:

- ‌38 - المُعْجِزَاتُ بَيْنَ الدِّينِ وَالعَقْلِ:

- ‌39 - الإِسْرَاءُ وَالمِعْرَاجُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وَأَعْدَائِهِمْ:

- ‌40 - المُعْجِزَاتُ وَأَخْطَاءُ الإِصْلَاحِيِّينَ وَالمُسْتَشْرِقِينَ:

- ‌41 - الغَزْوُ الفِكْرِيُّ وَبِدْعَةُ الإِسْرَاءِ بِالرُّوحِ:

- ‌41 - العِلْمُ وَالمُعْجِزَاتُ النَّبَوِيَّةِ:

- ‌الفَصْلُ السَّابِعُ: السُنَّةُ بَيْنَ العُمُومِ وَالخُصُوصِ:

- ‌42 - الدَّلِيلُ الظَنِّيُّ بَيْنَ العَامِّ وَالخَاصِّ:

- ‌التَّخْصِيصُ وَشُبْهَةُ التَّعَارُضِ:

- ‌43 - شُبْهَةُ التَّعَارُضِ بَيْنَ العَامِّ وَالخَاصِّ:

- ‌44 - بَيْنَ النَّسْخِ وَالتَّخْصِيصِ:

- ‌45 - شُبْهَةُ تَعَارُضِ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ:

- ‌46 - نُقْصَانُ العَقْلِ وَالدِّينِ:

- ‌47 - مُفْتَرَيَاتٌ عَلَى المَرْأَةِ وَالفِقْهِ:

- ‌السُنَّةُ بَيْنَ العَدْوَى وَالوِقَايَةِ:

- ‌48 - الوَحْدَةُ الوَطَنِيَّةُ بَيْنَ المَاضِي وَالحَاضِرِ:

- ‌49 - بِدْعَةُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الإِسْلَامِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ:

- ‌50 - أَهْلُ الكِتَابِ يُكَذِّبُونَ عُلَمَاءَ السُّلْطَةِ:

- ‌الفَصْلُ الثَّامِنُ: السُنَّةُ وَنَسْخُ الأَحْكَامِ:

- ‌51 - التَّعْرِيفُ بِالنَّسْخِ:

- ‌52 - نَسْخُ القُرْآنِ لِلْسُنَّةِ:

- ‌53 - الإِجْمَاعُ وَالنَّسْخُ:

- ‌الفَصْلُ التَّاسِعُ: العَقْلُ البَشَرِيُّ وَالتَّحْرِيفُ العِلْمِي:

- ‌54 - العَقْلُ البَشَرِيُّ وَالتَّحْرِيفُ العِلْمِيُّ:

- ‌55 - حَقِيقَةُ النَّقْدِ العِلْمِيِّ:

- ‌55 - وَسَائِلٌ جَدِيدَةٌ لِهَدْمِ السُنَّةِ:

- ‌56 - الطَّعْنُ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌57 - الإِسْرَافُ فِي نَقْدِ الحَدِيثِ وَشِفَاءِ العُيُونِ:

- ‌58 - الصَّحَابَةُ وَالإِكْثَارُ مِنَ السُنَّةِ:

- ‌59 - تَحْرِيفُ النُّصَوصِ بَيْنَ المُسْتَشْرِقِينَ وَعُلَمَاءَ الشُّهْرَةِ:

- ‌60 - التَّحْرِيفُ وَمُوَالَاةُ أَهْلِ الكِتَابِ:

- ‌الفَصْلُ العَاشِرُ: مَنْزِلَةُ السُنَّةِ مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ:

- ‌61 - السُنَّةُ وَتَفْسِيرُ القُرْآنِ:

- ‌62 - السُنَّةُ وَالمُذَكِّرَةُ الإِيضَاحِيَّةُ:

- ‌63 - شَهَادَةٌ مِنَ الغَرْبِ حَوْلَ القُرْآنِ وَالسُنَّةِ:

- ‌64 - مُؤَلِّفُ التَوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ:

- ‌65 - مُقَارَنَةُ القُرْآنِ بِالكُتُبِ المُقَدَّسَةِ:

- ‌66 - نَحْنُ وَالأَعْرَابُ وَالزُّعَمَاءُ:

- ‌الفَصْلُ الحَادِي عَشَرَ: السُنَّةُ وَالاِجْتِهَادَاتُ الخَاطِئَةُ:

- ‌67 - الدَّلَالَةُ الظَنِّيَّةِ بَيْنَ العِلْمَانِيِّينَ وَالقَوْمِيِّينَ:

- ‌68 - حَوْلَ " مَوَازِينِ القُرْآنِ وَالسُنَّةِ

- ‌69 - التَّمْحِيصُ الكَاذِبُ وَاسْتِبْعَادِ السُنَّةِ:

- ‌70 - " المُسْلِمُ الحَزِينُ فِي القَرْنِ العِشْرِينْ

- ‌71 - أَحَادِيثُ الآحَادِ وَالحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ:

- ‌72 - رَدُّ العَقْلِ لِلْسُنَّةِ:

الفصل: ‌40 - المعجزات وأخطاء الإصلاحيين والمستشرقين:

‌40 - المُعْجِزَاتُ وَأَخْطَاءُ الإِصْلَاحِيِّينَ وَالمُسْتَشْرِقِينَ:

لقد رد بعض المسلمين المعجزات النبوية تأثرًا ببعض الإسرائيليات وأقوال بعض المستشرقين، وحجة هؤلاء جميعًا أن المعجزات لم تثبت بطريق التواتر بل بروايات آحاد، بل زعم درمنجم (*) أنها أساطير (1).

ولقد تجاهل هؤلاء المستشرقون أنهم يؤمنون بمعجزات نبي الله عيسى وهي ثابتة عندهم بطريق روايات الآحاد، والتي كتبت بعد عصر السيد المسيح بعدة قرون، كما أنهم يؤمنون بعقائد لا يفهمها العقل البشري وأهمها الأقانيم الثلاثة وهي أن الله هو الأب وهو الابن نزل في شكل بشر هو السيد المسيح وهو روح القدس.

إنه من الأمور الطبيعية أن يلجأ المستشرقون والمبشرون إلى هذه الوسائل في صراعهم مع الإسلام، ولكن ليس طبيعيًا أبدًا أن يكون دفاع بعض المسلمين عن الإسلام أمام هذا الهجوم هو التسليم بهذه البدعة ومؤداها أن الإسراء والمعراج ورد بروايات غير متواترة أو أن أحاديث الآحاد لا تصلح لإثبات هذه العقائد لأنه بهذا المنطق يستطيع غيرهم أن يرد الحدود الشرعية والعبادات لأنها وردت بطريق أحاديث الآحاد.

(1)" حياة محمد " للدكتور محمد حسين هيكل، و" الأعمال الكاملة " للشيخ محمد عبده: جـ 5 ص 37.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:

(*) درمنجم (درمنغهام) Dermenghem، E. مدير مكتبة الجزائر.

آثاره: بمعاونة محمد الفاسي: قصص من فاس، وقصص جديدة من فاس (باريس 28)، وله:" حياة محمد "، وهو خير ما صنفه مستشرق عن النبي، ويرجع إليه -1926 علماء المسلمين (باريس 1929، والطبعة الثانية 1950 وقد نقله إلى العربية الأستاذ عادل زعيتر و " قصص القبيلة " (1945)، و " أروع النصوص العربية "(باريس 1951)، و " تكريم أولياء الإسلام في المغرب "(باريس 1954)، و " محمد والسنة الإسلامية "(باريس 1955)، و " سيرة الأولياء المسلمين "(الجزائر 1956)

وغيرها. [انظر " معجم أسماء المستشرقين "، يحيى مراد، ص 508، الطبعة بدون تاريخ، كتب عربية].

ص: 208

لا مجال أنه قد واجه النبي صلى الله عليه وسلم مشركي مكة وما حولها من القرى بحادث الإسراء والمعراج كما وردت في ذلك الأحاديث التي لا خلاف على صحتها ولكنهم قالوا: إنها ليست متواترة على الرغم من أنه قد نزل القرآن بذلك فقال عز وجل: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1).

إن بدعة أعداء الإسلام في العصر الحديث ليست رد هذه المعجزة على الرغم من أنهم ينكرون الإسلام نفسه ويكفرون برسالته.

إنما زعموا أن الإسراء بالروح فقط، وذلك ليستطيعوا التأثير على المسلمين وليتمكنوا من تأويل الدين وتحريفه من واقع التسليم بالقرآن والسنة.

وفي سبيل هذا الهدف المسموم ظاهرًا يزعمون أن الإسراء كان بالروح لأن هذه الرحلة رويت بأحاديث ليست متواترة، ولا غرابة أن يقولوا ذلك فليس بعد الكفر ذنب، إنما الغريب أن يتأثر بعض المفكرين الإسلاميين بهذا حيث ردوا المعجزات النبوية التي لم ترد في القرآن أو السنة المتواترة وهؤلاء وقعوا في أخطاء فادحة أهمها:

1 -

أن جواب الله على المنافقين كان وما زال: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1]. فالأصل أن يؤمنوا بالإسلام أولاً، فإن فعلوا فعليهم التسليم بما جاء به، ومنه صريح القرآن والسنة في أمر الإسراء والمعراج.

2 -

إن الذين يردون الإسراء والمعراج وسائر المعجزات النبوية يؤمنون بتحضير الأرواح وهذه تصدر عن أشخاص ليسوا رسلاً ولا أنبياء، بل ومنهم

(1)[سورة الإسراء، الآية: 1].

ص: 209

الكفار والملحدون أي أن هؤلاء العلماء يؤمنون بالأمور الغيبية التي يدعي بها غير الأنبياء بينما يردون المعجزات النبوية، وهذا موقف غريب وشاذ إن صدر من المسلم، لأنه بنص القرآن الكريم ملزم بالأخذ عن الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يبلغنا به سواء كان هذا التبليغ قرآنًا أم سنة قولية أو عملية، فالله تعالى يقول:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. وعليه فإذا ما أخبر النبي أن الله قد أرسل له جبريل فأخذه على البراق حتى وصل إلى بيت المقدس ثم صعد به إلى السماوات العُلَى حيث فرض الله عليه الصلوات الخمس، ثم عاد من حيث أتى، لا يقبل مسلم أن يزعم أن هذا كان بالروح فقط.

3 -

إن قول الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: 1]، إنما تفسره قواعد اللغة العربية والمصطلحات القرآنية، فالأصل أن اللفظ العام يظل على عمومه ولا يخصص إلا بمخصص وعبارة «أَسْرَى بِعَبْدِهِ» تطلق على انتقال الإنسان وحركته ولا يمكن أن يراد بها انتقال روح الإنسان وحدها.

والقرآن الكريم عندما يعبر عما تشاهده الروح أثناء النوم لا يعبر إلا بلفظ الرؤية، ومن هذا قول الله تعالى عن رؤيا نبي الله يوسف {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4]، وعند ذكر الله تعالى جواب يعقوب عن هذه الرؤيا كان اللفظ وهو:{قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} [يوسف: 5]. بينما التعبير في الإسراء لم يكن بألفاظ الرؤيا، بل كان بأسلوب التحديث والإعجاز {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1].

4 -

أيضًا لو جاز رد هذه الألفاظ الصريحة وادعاء أن قول الله سبحانه الذي أسرى بعبده وقوله: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء: 1]، لا يراد منه إلا الإسراء بالروح فقط. إنه كان كذلك، لأصبح القرآن الكريم لعبة في أيدي العابثين

ص: 210

والمنحرفين، فيردون أحكامه بهذه التأويلات الفاسدة، وهذا هو ما وقع فيه - من غير قصد - بعض أصحاب هذا الاتجاه، فردوا معجزة انشقاق القمر الواردة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة وزعموا أن قول الله تعالى:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] معناه اقتربت الساعة وظهر الحق مع أن هذه المعجزة رآها أهل مكة ورواها عدة رجال من الصحابة كما هو ثابت في " البخاري " و" مسلم " وسائر كتب السنة.

5 -

أن أعداء الإسلام الذين تحداهم النبي صلى الله عليه وسلم كان اعترافهم على هذا الحادث المعجز منصبًا حول سفر النبي من مكة إلى بيت المقدس، ثم الصعود إلى السماوات العلى والعدودة إلى مكة في ليلة واحدة، ولو كان الإسراء بالروح فقط لما استنكر العرب هذا، وأيضًا ما كان هناك سب لأن يرتد بعض المسلمين حتى يسارع أبو بكر بالتصديق معللاً أنه يأتمن النبي صلى الله عليه وسلم على ما هو أبعد من ذلك وهو الوحي الذي ينزل بالقرآن الكريم. وأخيرًا ما كان هنالك معنى ولا سبب ليرد الله على المنكرين بقوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: 1].

6 -

إن الذين ظنوا أنهم يدافعون عن الإسلام برد المعجزات الواردة عن طريق أحاديث الآحاد قد وقعوا في المصيدة وأولوا ما ورد بالقرآن الكريم خاصًا بأمور خارقة للعادات كالإسراء الوارد في سورة تحمل هذا الاسم. ثم تجاوزوا هذا إلى غيره، فمنهم من أنكر الملائكة والجن والشياطين، فقال عن الملائكة هي نوازع الخير في أنفسنا وعن الشياطين هي نوازع الشر - وهذا لا يجهل ما رواه الإمام مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير سورة الجن - {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} [الجن: 1].

فقد جاء في هذا الحديث النبوي: «وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ

ص: 211

وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ. فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: مَا لَكُمْ. قَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ. قَالُوا: مَا ذَاكَ إِلَاّ مِنْ شَيْءٍ حَدَثَ. فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا» (1). فالحديث صريح في أن الشياطين مخلوقات تتحرك وليست نوازع في النفس الإنسانية.

والقرآن الكريم فيه آيات كثيرة تدل على أن الملائكة مخلوقات وكذا الشياطين، وأن لها حياة ومملكة ووظائف نكتفي هنا بقول الله تعالى في وصف إبليس:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27]، وقال:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَاّ إِبْلِيسَ أَبَى} [البقرة: 34] و [طه: 116]، وقال تعالى عن وظائف الملائكة:{أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ} [آل عمران: 124]، ويقول:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97]، كما يقول:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 93]، كما يقول:{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال: 50]. فهل هذه نوازع في النفس أم مخلوقات لها رسالة تتحرك لتحقيقها؟.

7 -

إن الذين يؤولون نصوص القرآن والسنة يخدمون أهداف المستشرقين مع أنهم ما فعلوا ذلك إلا رَدًّا على هؤلاء الأعداء ودفاعًا عن الدين فيما يفهمون، فالمستشرقون تواتروا على ذلك وحسبنا هنا ما كتبه المستشرق - درمنجم - الذي نقل عنه الدكتور هيكل في كتابه " حياة محمد "، فقد زعم هذا المستشرق «أن أحاديث الإسراء والمعراج أساطير لم يرجح منها علماء الأحاديث رواية واحدة يعتمد عليها». ثم يقول الدكتور هيكل:«وأحسبك لو سألت الذين يقولون الإسراء والمعراج بالروح في هذا لما رأوا فيه عجبًا بعد الذي عرف العلم في وقتنا الحاضر من إمكان التنويم المغناطيسي للتحدث عن أشياء واقعة في الجهات النائية» . ثم يأتي الشيخ محمد مصطفى المراغي وهو من المدرسة الإصلاحية ويكتب مقدمة كتاب " حياة محمد " فيقول: «وعلم استحضار

(1) من حديث طويل في " صحيح مسلم " في تفسير سورة الجن (" مختصر صحيح مسلم " للمنذري: جـ 2 ص 339).

ص: 212

الأرواح فسر للناس شيئا كثيرا مما كانوا فيه يختلفون، وأعان على فهم تجرد الروح وإمكان انفصالها وفهم ما تستطيعه من السرعة في طيّ الأبعاد، وقد انتفع الدكتور هيكل بشيء من هذا في تقريب قصة الإسراء فأتى بشيء طريف».

وإذا كان هذا اتجاه المستشرقين وهؤلاء ظهروا حديثًا فإن التبشير والمبشرين لم يكن معاصرًا لحركة المستشرقين، بل يمتد إلى عصور الإسلام الأولى حيث جند علماء أهل الكتاب أنفسهم للتبشير بدينهم والطعن على الإسلام بطرق مختلفة، ومنها اختلاق أحاديث وروايات ونسبتها إلى بعض الصحابة والتابعين، ولذا لا يجب الاعتماد على كتب السيرة والتاريخ إلا إذا تم تحقيق رواياتها كما حدث في كتب السنة النبوية، فقد ورد في كتاب أحد الإصلاحيين قال:«ضعوا من المواد القانونية ما يبدو أنه يوافق الزمان والمكان وأنا لا يعوزني أن آتيكم بنص من المذاهب الإسلامية يطابق ما وضعتهم» (1).

لهذا أظهر المخطط الصليبي ومفكروه وفلاسفته رضاهم عن اتجاه المدرسة الإصلاحية وتشجيعهم لها، من ذلك قول - جب - في كتابه " إلى أين يتجه الإسلام؟ ":«لسوء الحظ ظل قسم كبير من المسلمين المحافظين ولا سيما في الهند لا يخضعون لهذه الحركات الإصلاحية المهدئة وينظرون إلى الحركة التي تزعمها مدرسة عليكرة بالهند، ومدرسة محمد عبده بمصر نظرة كلها ريبة وسوء ظن لا تقل عن ريبتهم في الثقافة الأوروبية نفسها» ولكن الإصلاح الذي ينشده المستشرق جب أوضحه في نفس الكتاب: «إن مشكلة الإسلام بالقياس إلى الأوروبيين، ليست مشكلة أكاديمية خالصة فحسب فإن لتعاليم الدين الإسلامي من السيطرة على المسلمين في كل تصرفاتهم ما يجعل لها مكانًا بارزًا في أي تخطيط لاتجاهات العالم الإسلامي» . والتخطيط الذي يريده سجله في

(1) القول المنسوب للشيخ المراغي في كتاب لأنور الجندي باسم " الإمام المراغي "، العدد 115 من سلسلة كتب (إقرأ) .....

ص: 213

هذا الكتاب بقوله: «والسبيل الحقيقي للحكم على مدى التغريب (أي أن يصبح الإسلام غريبًا) هو أن نتبين إلى أي حد يجري التعليم على الأسلوب الغربي وعلى المبادئ الغربية وعلى التفكير الغربي، وهذا هو السبيل الوحيد ولا سبيل غيره» . ثم يقول: «إن التعاليم الدينية ومظاهرها عند أشد المسلمين محافظة على الدين وتمسكًا به قد أخذت في التحول ببطء خلال القرن الماضي، وإذا حدث هذا فمعناه أن الموازين الدينية والتعاليم الأخلاقية في الإسلام آخذة في التحول وتتجه نحو تقريبه من الموازين الغربية في الأخلاق، التي هي في الوقت نفسه متمثلة في التعاليم الأخلاقية للكنيسة المسيحية» .

غير أن الإصلاحيين اجتهدوا في خدمة الإسلام بهذه الوسائل وليسوا مهتمين بالعمل ضده كما يريد المستشرقون.

8 -

من تجاوزهم الحد أن قال شيخهم: إن هزيمة أصحب الفيل كانت بالرعب مع أن الله يقول: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 3 - 5]. ولكن الإصلاح الديني الذي أرادوه تضمن أن هذه الطير هي مرض الجدري والحصبة الذي جعل الجيش يولي هاربًا، هذا هو قول محمد بن بحر الأصفهاني وهو من المعتزلة، ومع أنه يخالف جميع المفسرين ويخالف صريح القرآن إلا أن الشيخ محمد عبده قال:«إن هذا الفهم هو المتبادر من الآية والواجب الأخذ به» (1).

ويمثل هذا الفهم الخاطئ، زعم هؤلاء أن قول اله تعالى لنبيه إبراهيم: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ

(1)" الأعمال الكاملة " للإمام محمد عبده: ج 4 ص 738 جمع الشيخ محمد عمارة.

ص: 214

ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيً} [البقرة: 260]. لا يفيد أبدًا أن هذه الطيور مزقت ووزعت على الجبال ثم أعاد الله الروح وبعثها بعد نداء الله لها. إذ يقول هؤلاء أن المعنى لما ورد في القرآن هو أن يضم نبي الله إبراهيم إليه بعض الطيور حتى تستأنس بحيث يستجيب له كلما ناداها، ثم بعد ذلك يوزعها على الجبال أي دون أن يمزقها وينادي عليها حسبما دربها لأن الطيور من أشد الحيوانات استعدادًا لذلك، وهنا ستأتيه سعيًا، والغريب أن هؤلاء الإصلاحيون قد كذبوا صريح القرآن دون أن يدركوا ذلك، فالقرآن الكريم قدم لهذا العمل بقول الله تعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]، ومن ثم لا تفسير لعبارة {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا} [البقرة: 260] إلا تفسيرٌ واحدٌ وهو أن الطيور مزقها إبراهيم وفرق أجزاءها على الجبال، ليثق كيف يحيي الله الموتى، ولكن القوم يزعمون غير ذلك. وأيضًا: قول الله: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} [الفيل: 3، 4] لا تفسير له إلا أن هذه الطيور ألقت بالحجارة على جيش أبرهة الذي جاء لهدم الكعبة ولكن دعاة الإصلاح يكذبون ذلك وهم يزعمون أنهم يدافعون عن الإسلام.

9 -

إن الذين يردون المعجزات التي رويت بغير طريق التواتر، ويقولون: إن الأحاديث النبوية غير المتواترة ليست قطعية الثبوت. لقد غابت عنهم أمور كثيرة أهمها أن المعجزات النبوية هي أحداث تاريخية خارقة للعادات يتناقلها الناس كافة قرنًا عن قرن، وهذا النقل الجماعي يتحقق فيه التواتر وزيادة، ومن ثم لم يستطع أعداء الإسلام أن يردوا أخبار الغزوات التاريخية ونتائجها التي ليست في صالحهم. وعليه فالأمور الكونية مثل خسوف القمر وانشقاقه إنما تنقل قرنًا عن قرن بحيث تصبح متواترة في ذاتها، أما ما يجيب به النبي من قول عن هذه المعجزات فقد يروى بطريق الآحاد كما لو كان جوابًا لسائل، وهذا لا يطعن في تواتر الوقائع والمعجزات ذاتها.

10 -

إن أحاديث الإسراء والمعراج وأحاديث انشقاق القمر قد رويت

ص: 215

عن جماعة من الصحابة ثم عن أضعافهم من التابعين ثم عن الجم الغفير (1) ومثل هذا يكفي لإثبات هذه الأحاديث بيقين، ولكن الذين ضعفوا أمام مفتريات المستشرقين أرادوا الدفاع فأخطأوا السبيل، إذا أولوا صريح القرآن ليخدم مذهبهم، فما ورد عن الإسراء والمعراج في القرآن زعموا أن المراد به الروح وأن أحاديث الآحاد لا تصلح لإثبات العقائد والغيب (2).

وآية انشقاق القمر، قالوا: المراد يوم القيامة مع أن هذه الآية مقترنة بقوله تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ، وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} [القمر: 2، 3]، ولا يعقل أن يكون هذا التكذيب وهذا الأمر عن يوم القيامة وخصوصًا أن الآية التي بعدها هي:{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ، خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر: 6، 7]. وذلك فضلاً عن الأحاديث الصحيحة في " البخاري " و" مسلم " وسائر كتب الحديث عن انشقاق القمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم الأمر الذي يقطع أن هذا كان معجزة للنبي وليس المراد انشقاق القمر يوم القيامة. فقد روى الترمذي والشيخان عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:«سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم آيَةً، فَانْشَقَّ القَمَرُ بِمَكَّةَ [مَرَّتَيْنِ]، فَنَزَلَتْ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 1، 2]» .

وفي رواية الترمذي: «انْشَقَّ القَمَرُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى صَارَ فِرْقَتَيْنِ: عَلَى هَذَا الجَبَلِ، وَعَلَى هَذَا الجَبَلِ (2)، فَقَالُوا: سَحَرَنَا مُحَمَّدٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَئِنْ كَانَ سَحَرَنَا فَمَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ» (3).

(1) قال ذلك ابن عبد البر وغيره - وقاله الحافظ في " الفتح " - كما ورد في تعليق " اللؤلؤ والمرجان ": ص 788، 789.

(2)

" الأعمال الكاملة ": 5/ 37.

(3)

" التاج الجامع للأصول ": جـ 4 ص 248، تفسير سورة القمر.

ص: 216