الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا الخلاف اختلاف هؤلاء في أمرين: هما تخصيص العام بالدليل الظني ويريدون به سُنَّةَ الآحاد أو القياس، والثاني: التعارض بين العام والخاص.
42 - الدَّلِيلُ الظَنِّيُّ بَيْنَ العَامِّ وَالخَاصِّ:
ترد بعض نصوص القرآن الكريم عامة مثل قول الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، فإن هذا النص يشمل جميع الأفراد الذين علموا بدخول شهر رمضان بما فيهم الصبيان.
ولكن ترد في السنة النبوية نصوصًا تخصص هذا العام فيستثنى بعض أفراده من الحكم الشرعي، مثل حديث «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» رواه أحمد وأصحاب السنن.
فهل تخصص مثل هذه السنة عموم القرآن الكريم؟ لقد تعض الفقهاء لذلك في مباحث الأصول وخصوصًا بالنسبة لأحاديث الآحاد.
فلا يجوز عند الحنفية تخصيص الكتاب بخبر الواحد، وكذا تخصيص السنة المتواترة بخبر الواحد، ما لم يخص بقطعي دلالة وثبوتًا. وأجاز الباقون من علماء الأصول مطلقًا سواء خص بقطعي قبله أم لا (1). والسبب عند الجمهور أن دلالة الخاص قطعية فيقوى على تخصيص العام لأن دلالة العام ظنية (2)، وهذا الخلاف نتج عنه خلاف في الأحكام.
(1)" فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت " للإمام محب الله بن عبد الشكور: جـ 1 ص 349.
(2)
" مناهج الاجتهاد " للدكتور مدكور: ص 122 - 139 ومراجعه، و" المستصفى من علم الأصول " للإمام أبي حامد الغزالي: جـ 2 ص 148.
نذكر من ذلك حكم ذبيحة المسلم الذي ترك التسمية عند الذبح، فالأحناف يرون تحريم أكل هذه الذبيحة لعموم قول الله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (1)، بينما يرى جمهور الفقهاء أن هذه الذبيحة حلال، لأن هذه الآية قد خصصها الحديث النبوي:«ذَبِيحَةُ المُسْلِمِ حَلَالٌ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ» (2) كما خصصها ما رواه " البخاري " عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:[قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَا هُنَا أَقْوَامًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ]، يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي [يَذْكُرُونَ] اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لَا، قَالَ:«اذْكُرُوا [أَنْتُمُ] اسْمَ اللَّهِ، وَكُلُوا» .
وأيضًا يثور السؤال إذا كان العام والخاص من النصوص الشرعية في مرتبة واحدة مثل الحديث الذي أورده الإمام مسلم بشأن زكاة الأموال إذ قال صلى الله عليه وسلم: «فِيمَا سَقَتِ الأَنْهَارُ، وَالغَيْمُ [العُشُورُ]، وَفِيمَا سُقِيَ [بِالسَّانِيَةِ] نِصْفُ العُشْرِ» . فهذا حكم عام في جميع الزروع والثمار قلت أو كثرت، ولكن قد ورد نص خاص في نفس الدرجة وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» (3)، فهذا الحديث جعل نصاب هذه الزكاة خمسة أوسق، وما قل عن ذلك لا تجب فيه الزكاة وبهذا قال جمهور الفقهاء، ولكن الأحناف يوجبون الزكاة في القليل والكثير من الزروع والثمار. لأن العام عند الأحناف قطعي الدلالة مثل الخاص فيكون الحديثان من درجة واحدة في الثبوت وهي الظنية ومن الدلالة وهي القطعية فلا يقوى أحدهما على تخصيص الآخر، بينما يرى الجمهور أن العام ظني الدلالة فإن كان في القرآن ومتواتر السنة تقوي سنة الآحاد على تخصيصه لأنها قطعي الدلالة (4).
(1)[سورة الأنعام، الآية: 121].
(2)
" سبل السلام شرح بلوغ المرام ": جـ 4 ص 139.
(3)
رواه مالك ورواه مسلم بلفظ آخر.
(4)
" مناهج الاجتهاد ": ص 605.