الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
41 - الغَزْوُ الفِكْرِيُّ وَبِدْعَةُ الإِسْرَاءِ بِالرُّوحِ:
لقد اقترن ضعف المسلمين واحتلالهم بلادهم بحملة واسعة من الغزو الفكري استهدفت الطعن على الإسلام بإضعاف السنة النبوية في مجال المعجزات ثم العقائد والحدود بدعوى عدم تواتر الروايات الواردة بها. ولقد كان ردود الفعل لدى بعض علماء المسلمين، البحث عن جواب يوفق بين هجوم المستشرقين وضعف المسلمين، فمنهم من آثر ألا يفصل موضوع الإسراء والمعراج ليتجاوزه إلى ما هو أيسر وأجدى في نظره (1).
ومنهم من استشهد بأقوال نسبت إلى السيدة عائشة وغيرها (2) فقد نسب آخرون إلى أم المؤمنين أنها قالت: «مَا فَارَقَ جَسَدَهُ جَسَدِي» ليثبتوا أن الإسراء بالروح، ولا يجهل أحد أن الإسراء كان بمكة ودخول النبي بها كان في شوال من السَنَةِ الأُولَى للهجرة وهي بنت تسع سنين أي كانت بالمدينة.
وأما ما نقله الفخر الرازي من روايات عن حذيفة رضي الله عنه من أن الإسراء والمعراج كان رؤيا فقط، وما نقله عن عائشة ومعاوية والحسن رضي الله عنهم، ليس إلا روايات لابن إسحاق في " السيرة "، وبتمحيصها
(1) كتاب " فقه السيرة " للشيخ محمد الغزالي: ص 136، ولقد نقده الشيخ ناصر الألباني (هامش الصفحة).
(2)
مقال للشيخ أحمد حماني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر في مجلة " المجتمع الكويتية " في 23 رمضان 1397 هـ.
طبقًا لقواعد علم مصطلح الحديث تبين أن ابن إسحاق قال: «حَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ أَبِي بَكْرٍ» ولا توجد معاصرة بينه وبين من روى عنهم لأنه قد مات في منتصف القرن الثاني الهجري كما أنه لم يذكر اسم من روى عنهم، فتكون الرواية منقطعة وليست حجة في أي استدلال علمي.
والرواية المنقولة عن معاوية أيضًا منقطعة إذ يوجد فارق زمني كبير بين يعقوب بن عقبة شيخ ابن إسحاق الذي روى عنه وبين معاوية المنسوب إليه هذا القول، وهذا الانقطاع يجعل الرواية ساقطة ولا يحتج بها عِلْمِيًّا فضلاً عن أنه روى غير ذلك عن حذيفة رضي الله عنه فقد نقل ابن كثير في " السيرة ": ص 60 عن عمر وبعض الصحابة رضي الله عنهم أن الإسراء والمعراج كانا أولاً رؤيا منامية تدريبًا وتيسيرًا على النبي صلى الله عليه وسلم وتمهيدًا للرحلة الواقعية في اليقظة وهي رحلة الإسراء والمعراج الواردة في الكتاب والسنة. كما نقل ذلك عن " شرح الشفاء " للعلامة علي القاري: ج 1 ص 405، 403.
فضلاً عن ذلك كله فإن الثابت في " الصحيحين البخاري ومسلم " أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ» ، وفي الحديث الشريف أنه صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ التِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ المَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ
…
» وهكذا يؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به بالجسد والروح ولو حدث هذا فالرواية الأخيرة الأصح هي التي تقبل.
ومع ضعف سند هذه الرواية فإن الشبهة التي يرون أنها دليل له هي قول الله {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا التِي أَرَيْنَاكَ إِلَاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60]. وقد أجاب الجمهور على ذلك أنها رؤيا عين، وأخرج ذلك " البخاري " عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية.
والراجح أنها تتعلق برحلة الإسراء والمعراج كمشاهدة عملية لأن الفتنة لا مجال لها إذا كانت رؤيا منامية لأنها تحدث لجميع الناس ولا يكذبهم أحد.
أما ما ورد في بعض أحاديث الإسراء والمعراج من عبارات مثل «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ» ، ومثل «فَاسْتَيْقَظْتُ» فلا يدل على الرؤية المنامية لأنه قبل الرحلة كان صلى الله عليه وسلم نائمًا فعلاً وجاء جبريل وأيقظه، وآيات سورة الإسراء تقطع بأن الرحلة ليست رؤيا منامية (1).
والسنة النبوية تؤكد ذلك وتفصله، فقد روى " البخاري " حديث الإسراء والمعراج عن مالك بن صعصعة أن نبي الله حدثهم عن ليلة أسرى به فقال: «بَيْنَا أَنَا عِنْدَ البَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ، وَاليَقْظَانِ - وَذَكَرَ: يَعْنِي رَجُلًا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ -، فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ البَطْنِ، ثُمَّ غُسِلَ البَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، وَأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ، دُونَ البَغْلِ وَفَوْقَ الحِمَارِ: البُرَاقُ، فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ
…
» (*).
وروي (2) عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ فِي الحِجْر، إذْ جَاءَنِي جِبْرِيلُ، فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ، فَجَلَسْتُ فَلَمْ أرَ شَيْئًا فَعُدْتُ إلَى مَضْجَعِي، فَجَاءَنِي الثانيةَ فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ، فَجَلَسْتُ، فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، فَعُدْتُ إلَى مَضْجَعِي فَجَاءَنِي الثَّالِثَةَ فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ، فَجَلَسْتُ، فَأَخَذَ بِعَضُدِي، فَقُمْتُ مَعَهُ» .
كما روى الإمام مسلم في باب الإسراء بكتاب الإيمان عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُتِيتُ بِالبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الحِمَارِ، وَدُونَ البَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ» ، قَالَ: «فَرَكِبْتُهُ
(1) المرجع أيضًا " رسالة الإسراء والمعراج " للأستاذ محمد أنس المراد: ص 58 و 59.
(2)
محمد بن إسحاق عن " تهذيب سيرة ابن هشام ": ص 91 ج 1.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) جمع المؤلف بين الحديث الذي أثبته: [" فتح الباري بشرح صحيح البخاري "، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، (59) كتاب بدء الخلق (6) باب ذكر الملائكة، حديث رقم 3207، 6/ 302، نشر دار المعرفة - بيروت، طبعة سَنَةَ 1379 هـ].
وهذا الحديث في " صحيح البخاري ": عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رضي الله عنهما، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ: «بَيْنَمَا أَنَا فِي الحَطِيمِ، - وَرُبَّمَا قَالَ: فِي الحِجْرِ - مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ
…
فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا».
" فتح الباري بشرح صحيح البخاري "، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، (63) كتاب مناقب الأنصار (42) باب المعراج، حديث رقم 3887، 7/ 201، نشر دار المعرفة - بيروت، طبعة سَنَةَ 1379 هـ.