الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال المحقق الدكتور السباعي: «وأعتقد أنه ليس هنالك تعارض حقيقي بين أحاديث النهي وأحاديث الإذن، إذا فهمنا النهي على أنه نهي عن التدوين الرسمي كما كان يدوَّن القرآن، وأما الإذن فهو سماح بتدوين نصوص من السُنَّة لظروف وملابسات خاصة أو سماح لبعض الصحابة الذين كانوا يكتبون السُنّة لأنفسهم والتأمل في نص حديث النهي قد يؤيد هذا الفهم» (1).
8 - التَّدْوِينُ الرَّسْمِي وَحِفْظُ السُنَّةِ:
فضلا ًعن ذلك كله فمن المعلوم أنَّ الله الذي تولى حفظ الإسلام وحفظ رسوله ليبلغ هذه الأمانة قد وفر أسباب هذا الحفظ.
فقد قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
فالسُنَّة النبوية إنما جمعت من أفواه الذين سمعوها وحفظوها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا روى الدارمي عن أبي العالية قال:«[إِنْ] كُنَّا نَسْمَعُ الرِّوَايَةَ بِالْبَصْرَةِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ نَرْضَ، حَتَّى رَكِبْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَسَمِعْنَاهَا مِنْ أَفْوَاهِهِمْ» (2).
وقد وضع البغدادي كُتُبًا في هذا باسم " الرحلة في طلب الحديث "(3).
(1) المرجع السابق. [ص 61، طبعة المكتب الإسلامي].
(2)
" سنن الدرامي ": جـ 1 ص 240، وانظر أيضاً أمثلة عديدة في " جامع بيان العلم " لابن عبد البر: ص 94.
(3)
" مجموعة رسائل في علوم الحديث " صبحي السامرائي: جـ 9 ص 138.
ووضع الرامهرمزي كتابًا عن العلماء الذين رحلوا لطلب العلم (1) وفعل آخرون مثله، نكتفي بكتاب " مكاتيب الرسول "، حيث جمع فيه مؤلفه 316 من كتب الرسول وصحفه التي (2) بكتب الحديث والسيرة.
إنَّ هذا الحفظ الدقيق لِلْسُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ قد انبهر به الذين اطلعوا على بعض جوانب علم الحديث من علماء الغرب - ولكن بعض الأعراب من المسلمين ما زالوا يبحثون عن ميدان الشهرة، فلم يجدوا ما يشتهرون به إلَاّ أنْ يكونوا ممن قال الله فيهم {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]؟
إنَّ هذه النصوص القاطعة تخرس الذين يزعمون أنَّ السُنَّة دونت بعد فترة طويلة تبعث على الشك فيها، ومن ثم ينادون بالاكتفاء بالقرآن الكريم.
إنَّ السُنَّة قد كتبت منها الكثير في العصر النبوي، ثم دونت بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز، وذلك من أفواه من حفظوها عن الصحابة مباشرة ومن الكتب التي تركها الصحابة رضي الله عنهم، كما هو ثابت في الفصول التالية.
أما تدوين السُنَّةِ بمعرفة الشيعة فيبدأ - حسبما ورد بمقدمة " الكافي "(3) - بصحيفة الإمام علي التي أملاها النبي صلى الله عليه وسلم ومنها ما كان في قراب سيفه، ثم دَوَّنَ أبو رافع القبطي مولى الرسول كتاب السنن والأحكام
(1)" الحديث النبوي " للأستاذ محمد الصباغ: ص 48.
(2)
" مكاتيب الرسول " للعلَاّمة على الأحمدي من جزأين. بيروت، دار المهاجر.
(3)
" الأصول من الكافي " لأبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُلَيْنِي: جـ 1 ص 4، 5.
والقضايا، وهذا التدوين في عصر الصحابة أي قبل ظهور الشيعة فأول من دوَّن منهم الكُليني المتوفى سنة 329 هـ بكتابه " الكافي "، ثم دوَّن ابن بابويه المتوفى سن 381 هـ كتاب " من لا يحضره الفقيه "، ثم دوَّن الشيخ الطوسي المتوفى سنة 460 كتاب " تهذيب الأحكام " وبعد ذلك كتاب " جامع الأخبار " للشيخ عبد اللطيف الهمذاني المتوفى سنة 1050 هـ.
وأما المذهب الزيدي من كتبه " أحاديث الشفاء " للضمدي (*) وأحاديث " البحر الزخار " لابن بهران و " المجموع الفقهي " ويضم ما رواه الإمام زيد. والجعفرية يخلطون الحديث بالفقه أي أقوال النبي بأقوال أئمتهم بسبب العصمة ومن ثم تحتاج إلى تمحيص طويل ودقيق للسبب المبيَّن في الفصل الثالث والجدير بالذكر أنَّ " صحيفة الإمام علي " التي أشار إليها كتاب " الكافي " تتضمَّن أموراً حصرها الإمام علي رضي الله عنه في الحديث الذي رواه " البخاري " عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: هَلْ عِنْدكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: «لَا، إِلَاّ كِتَابَ اللَّهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ» . قَالَ قُلْتُ: وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: «العَقْلُ، وَفِكَاكُ الأَسِيرِ، وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» (1) فهذه الصحيفة قد خلت من ذكر حديث الغدير الذي بنى عليه الخلاف بين السُنَّة والشيعة وهي لا تُعَدُّ من مدونات الشيعة لأنَّ مذهبهم ظهر بعد قتل الإمام علي رضي الله عنه.
أما التدوين الرسمي للسُنَّة فكان في عصر الخليفة عمر بن عبد العزيز ووالده وبأمر منهما إلى جميع البلدان ففي عصرهما جمع ما عند التابعين وهم الذين نقلوا عن الصحابة مباشرة (2)، وإنْ كان هذا التدوين الرسمي قد حفظ السُنَّة، فإنَّ عصر النبي لم تمتنع فيه الكتابة حيث سار النهي الأول إلى الجواز كما قال الخطابي في " معالم السُنن "،
(1) البخاري: جـ 1 ص 36، باب كتابة العلم.
(2)
" فقه الحديث النبوي " للمؤلف.
(3)
" سنن أبي داود ": ج 2/ 334 برقم 3446.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) الضمدي وليس الغمذي (كما ورد في الكتاب المطبوع)[" أحاديث شفاء الأوام في أحاديث الأحكام " للشيخ عبد العزيز بن أحمد الضمدي اليمني المتوفى سنة 1078هـ].