الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - كِتَابَةُ السُنَّةِ فِي العَصْرِ النَّبَوِيِّ:
لما كان القرآن الكريم مُعجزاً في لفظه ومعناه وقد تحدَّى الله به البشر جميعاً، فإنَّ المستشرقين والمُبشرين الذين تخصَّصُوا في تشويه هذا الدين لم يجرؤوا على الطعن في القرآن.
ولما كان القرآن مُجملاً في أمور والسُنَّة النبوية هي المفصِّلة لهذه الأحكام، فإنَّ الطعن عليها يهدم قواعد هذا الدين، ومن ثم وجدنا بعض المستشرقين يردِّدُ أنَّ الحديث النبوي لم يكتب في عصر الصحابة، وبناء على ذلك فإنَّ أحاديث الآحاد وهي عماد السُنَّة لا يعمل بها في أمور كثيرة لأنَّ الظن قد تطرَّق إلى روايتها، ووجدنا من ردَّدَ هذا من المسلمين ولكن كانت غايته التي أظهرها الدفاع عن السُنَّة (1).
وقد تجاهل المستشرقون ومن قلَّدهم من المسلمين أنَّ كتابة الحديث النبوي بدأت في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولكن بطريقة فردية، كما أنَّ النبي اكتفى بحفظ الصحابة للسُنَّة حتى جاء الخليفة عمر بن عبد العزيز وأمر بالتدوين الرسمي، وكان ذلك في عصر التابعين، أي الطبقة التالية للصحابة والتي نقل أهلها عن صحابة رسول الله مباشرة، وبالتالي دونت السُنَّة النبوية بمعرفة الذين حفظوها عن صحابة النبي مباشرة.
أما كتابة السُنَّة النبوية في عصر النبي فنذكر منها على سبيل المثال:
(1) ورد هذا في كتاب " العقيدة والشريعة " لليهودي جولدتسيهر وفي كتابَيْ " أضواء على السنة المحمدية " و " قصة الحديث النبوي " للمسلم الشيخ محمود أبو رية.
أولاً - دستور النبي بالمدينة:
عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وضع لهم قانوناً ودستوراً ينظِّمُ شؤون المسلمين بعضهم ببعض مع غيرهم من سكان يثرب وأهلها ومما جاء به: (1)
1 -
أنهم أمَّة من دون الناس.
2 -
المهاجرون من قريش على ربعتهم، يتعاقلون بينهم (أي يدفعون الديات من باب التكافل) وهم يَفْدُونَ أسيرهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
3 -
وأنه من يتبعنا من يهود لهم النصرة والأخوة غير مظلومين ولا نتناحر عليهم.
4 -
وأنه لا يحل لمؤمن اقرَّ بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أنْ ينصر مُحْدِثاً أو يأويه.
5 -
وأنَّ اليهود يقفون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
6 -
وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإنَّ مردّه إلى الله وإلى محمد.
وهذه الصحيفة قد أوضحت أنَّ المسلمين أمَّة واحدة من دون الناس وبالتالي فما ورد في الأحاديث النبوية عن كفر مفارقة الجماعة أو خلع البيعة إنما ينصرف إلى هذه الأمًَّة الواحدة، فمفارقتها ردة عن الإسلام.
وهذه الصحيفة أوجبت على المؤمنين الرجوع إلى الله ورسوله عند الخلاف باعتبارين:
(1)" مسند أحمد ": جـ 1 ص 271 وجـ 2 ص 204 وجـ 3 ص 242 و" المنتقى من كنز العمال ": جـ 5 ص 251 و" السنن الكبرى ": جـ 8 ص 106.
الأول: كونهم أعضاء الجماعة أو الأمَّة المؤمنة. والثاني كونهم من رعايا هذه الدولة. وهذا الاعتبار يشترك فيه اليهود والنصارى ومن هنا كان خضوعهم للقانون الإسلامي.
ثانيًا - كتاب النبي في الصدقات:
كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب في الصدقات ثم أرسله الخليفه أبو بكر لأنس بن مالك وغيره وهو مختوم بخاتم النبي وقد رواه الإمام أحمد في " مسنده "(1). وروى عن ابن الحنفية محمد بن علي بن أبي طالب أنه قال: أرسلني أبي وقال: «خُذْ هذا الكتاب فاذهب به إلى عثمان فإنَّ فيه أمر النبي بالصدقة» (2).
ثالثًا - كتاب سعد بن عبادة:
وكان عند سعد بن عبادة الأنصاري كتاباً فيه بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وروى الإمام البخاري أنَّ هذه الصحيفة كانت نسخة من صحيفة عبد الله بن أبي أوفى الذي كان يكتب الأحاديث بيده في عصر النبي صلى الله عليه وسلم (3).
رابعًا - كتاب النبي لأهل حضرموت:
كما سلم رسول الله كتاباً لوائل بن حجر ليعمل به أهل حضرموت (4) فيه أركان الإسلام وتعاليمه وفريضة الزكاة وحد الزنا والخمر.
(1)" مسند الإمام أحمد ": جـ 1 حديث 72 ص 183، و" السُنَّة قبل التدوين " للأستاذ محمد عجاج الخطيب: ص 344، ومحمد حميد الله.
(2)
المرجع السابق، و" فتح الباري ": جـ 7 ص 83.
(3)
" السُنَّة قبل التدوين ": ص 346 و " صحيح البخاري " جـ 2.
(4)
" الإصابة في تمييز الصحابة " لعز الدين ابن الأثير: جـ 1 ص 312.
خامسًا - كتاب النبي لأهل اليمن:
وعندما ولي رسول الله عمرو بن حزم على اليمن أعطاه كتاباً فيه الفرائض والسنن والديات وغيرها. وقد عرف الكتاب باسم " صحيفة عمرو بن حزم ".
وقد روى أبو داود هذا الكتاب في " سُننه ". وكذا النسائي وابن حبان والبيهقي والحاكم والدارقطني. وقال القاضي أحمد شاكر: إنَّ الكتاب، إسناده صحيح جداً (1).
سادسًا - " الصحيفة الصادقة ":
كما توجد الصحيفة الصادقة لعبد الله بن عمرو بن العاص الذي سمح له النبي بكتابة الحديث. وقد عرف سندها في كتب السُنَّة باسم عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والجد هو صاحب الصحيفة الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص، ويرجَّح أنَّ حفيده عمرو بن شعيب كان يروي منها، وقد نقل الإمام أحمد محتواها في " مسنده "، كما نقلت عنها بعض كتب السُنَّة (2).
وقد وردت شبهة بشأن هذه الصحيفة، فردَّ البعض رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ولكن قال الإمام تقي الدين بن تيمية (3) وأما أئمة الإسلام وجمهور العلماء فيحتجُّون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا صح النقل إليه مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة ونحوها ونقل الشافعي وأحمد وإسحاق مثل ذلك.
(1) المرجع السابق: ص 293 جـ 4 و " المحلى ": جـ 1 ص 18.
(2)
" مسند الإمام أحمد " تحقيق أحمد شاكر: جـ 9 ص 235 الحديث 6477 والجزء العاشر بكامله والحادي عشر والثاني عشر حتى ص 50.
(3)
" مجموع الفتاوى ": جـ 18 ص 8، 9.