الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان اليهود والمنافقون قد أرجفوا بالمدينة، وزعموا أن النبي قد قتل وأن المسلمين هزموا، فلما جاء المبشّران شرقوا بريقهم، ورأوا أنهم قد ذلّوا وهانوا حتى قال أحد زعماء اليهود: بطن الأرض اليوم خير من ظهرها بعد أن أصيب أشراف الناس وساداتهم، وملوك العرب وأهل الحرم الامن.
وقد جاءت البشرى والمسلمون منصرفون من دفن السيدة رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان تركها مريضة لمّا خرج لبدر، وخلف معها زوجها عثمان، فخفّف من هول المصاب ما منّ الله به على المسلمين من نصر مؤزر، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا مثلا لإيثار مصلحة الإسلام والمسلمين على الأهل والولد.
الاختلاف على غنائم بدر وقسمتها
لما أراد المسلمون أن يقتسموا الغنائم التي غنموها في بدر اختلفوا، فقال الشباب الذين خرجوا يتعقبون الكفار: نحن الذين نفينا عنها العدو، ولولانا لما أصبتموها، وقال الرجال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ونافحوا دونه: نحن خفنا على رسول الله أن يصيب منه العدو غرة، فاشتغلنا به عن جمع الغنائم، وقال الذين جمعوا الغنائم: نحن الذين استحوذنا عليها وليس لأحد فيها نصيب، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجمع الغنائم حتى يحكم الله حكمه فيها، فأنزل الله سبحانه قوله:
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «1» .
وقد ذهب بعض كتّاب السيرة كابن إسحاق وبعض العلماء كأبي عبيد القاسم بن سلّام إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قسمها بين المجاهدين بالبواء يعني بالسواء، ولم يخمّسها، وهؤلاء يرون أن هذا الحكم كان في مبدأ الأمر، ثم نسخ فيما بعد بقوله سبحانه:
(1) سورة الأنفال: الاية 1.
وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ الاية «1» .
وذهب كثير من العلماء من المحدّثين وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمّسها، فأخذ الخمس لنفسه ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وقسم أربعة الأخماس الباقية بين المجاهدين. ويرى هؤلاء أن سياق الايات قبل اية الخمس وبعدها في غزوة بدر وقصتها، وهو يقتضي أنها نزلت كلها جملة واحدة في وقت واحد غير متأخر بعضها عن بعض حتى يقال بالنسخ، قال ابن كثير في بدايته:(وهو قول البخاري وابن جرير وغيرهما وهو الصحيح الراجح) .
وقال هؤلاء: إن ما ورد في رواية ابن إسحاق من أن الغنائم قسمت بالبواء، أي ساوى فيها النبي بين الذين جمعوها وبين الذين ثبتوا تحت الرايات مع الرسول لم يخصّ بها فريقا دون الاخر، ولا ينفي هذا تخميسها وصرف الخمس في مواضعه، ويشهد لهم أيضا ما رواه البخاري في صحيحه من قصة الشارفين «2» اللذين كانا لعلي رضي الله تعالى عنه، فجبّ حمزة رضي الله عنه أسنمتهما، وبقر بطنهما، وهو ثمل وذلك قبل أن تحرم الخمر، ففيها أن أحدهما كان من نصيبه في غنائم بدر، والاخر كان من الخمس الذي أفاء الله به على رسوله من بدر «3» ، ومهما يكن من شيء فقد حسم الله الخلاف، وبذلك زال الانقسام، وحل الوئام وعاد الصفاء.
وقد أسهم النبي لبعض من لم يحضر الموقعة لعذر، وهم: أبو لبابة الأنصاري لأنه كان مخلّفا على أهل المدينة، وعاصم بن عدي لأنه خلّفه الرسول على أهل قباء والعالية، والحارث بن حاطب لأن الرسول خلّفه على بني عمرو ابن عوف، والحارث بن الصمة وخوّات بن جبير لأنهما كسرا بالروحاء فلم يتمكنا من السير، وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد لأنهما
(1) سورة الأنفال: الاية 41.
(2)
الشارف: الناقة المسنة.
(3)
البداية والنهاية، ج 3 ص 302؛ وتفسير ابن كثير والبغوي، ج 3 ص 94.