الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصول النّبيّ إلى المدينة وبناؤه المسجد النّبويّ
أقام النبي صلى الله عليه وسلم بقباء بقية وصوله، وهو يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، ثم خرج يوم الجمعة قاصدا البلد الطيب (طيبة)، فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في المسجد الذي ببطن الوادي: وادي (رانوناء)«1» ، وهي أول جمعة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، بل قيل: هي أول صلاة جمعة «2» صلاها مطلقا، لأنه لم يكن يتمكن في مكة من الاجتماع بأصحابه حتى يقيموا بها جمعة ذات خطبة وإعلان وموعظة لشدة مخالفة المشركين له وإيذائهم إياه وأصحابه، وفي هذه الجمعة خطب المسلمين خطبة بليغة مؤثرة تفيض بالإيمان واليقين، والمواعظ والزواجر، والترغيب والترهيب، وها هي الخطبة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأستغفره وأستهديه، وأومن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد ألاإله إلا الله واحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، والنور والموعظة على فترة من الرسل، وقلّة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنوّ من الساعة، وقرب من الأجل، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرّط، وضلّ ضلالا بعيدا.
(1) بين قباء والمدينة، ويعرف هذا المسجد اليوم «بمسجد الجمعة» .
(2)
أما صلاة الجمعة جماعة فقد حدثت قبل مقدم النبي وكان أول من جمعهم على صلاة الجمعة أبو أمامة أسعد بن زرارة النجاري أحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة الثانية. رواه ابن إسحاق وأبو داود وابن ماجه من طريقه.
وأوصيكم بتقوى الله، فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الاخرة، وأن يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذّركم الله من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة، ولا أفضل من ذلك ذكرى، وإنه تقوى لمن عمل به على وجل ومخافة، وعون صدق على ما تبتغون من أمر الاخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمر السر والعلانية ولا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره، وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدّم، وما كان من سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا، وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ هو الذي صدّق قوله، وأنجز وعده، لا خلف لذلك، فإنه يقول تعالى: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.
واتقوا الله في عاجل أمركم واجله، في السر والعلانية، فإنه مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً، ومن يتّق الله فقد فاز فوزا عظيما. وإن تقوى الله توقي مقته، وتوقي عقوبته، وتوقي سخطه، وإن تقوى الله تبيّض الوجه، وترضي الرب، وترفع الدرجة.
خذوا بحظكم، ولا تفرّطوا في جنب الله، قد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه وجاهدوا في الله حق جهاده، هو اجتباكم وسمّاكم المسلمين، ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيى من حيّ عن بيّنة، ولا قوة إلا بالله.
فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد الموت، فإنه من أصلح ما بينه وبين الله يكفيه ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» .
روى هذه الخطبة الإمام محمد بن جرير، وفي السند إرسال، وقد حرصت على ذكرها كلها لأن فيها قبسا من نور الوحي، وحكما من حكم النبوة، وهي نموذج رائع من كلمه الجوامع، وحكمه النوابغ، وفيها القدوة لمن يحب أن يقتدي بالرسول في خطبه، ويحتذي به في مواعظه.