الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من جمع جموعها والتوجه إلى بدر حتى بلغ واديا يقال له «ذفران» «1» أو «الروحاء» ، وهناك أتاه الخبر عن قريش ومسيرهم في جيش كبير لمنع العير وحمايتها.
وحينئذ تغيّر وجه الأمر، ولم يصبح الأمر مقصورا على اللحاق بالعير والاستيلاء عليها، فها هي قريش خرجت بجموعها الكثيرة، وبذلك ترجحت كفة القتال والمناجزة، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم كبراء الجيش وقال لهم:«أيها الناس إن الله وعدني إحدى الطائفتين أنها لكم: إما العير، وإما النفير» ، فتبيّن له عليه الصلاة والسلام أن البعض يريد العير، ولا يرغب في لقاء النفير، وقال بعضهم: هلّا ذكرت لنا القتال فنستعد؟ ولكن الأكثرية كانت تريد لقاء النفير، وقد ذكر الله سبحانه هذا في قوله:
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ. لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ «2» .
وإذا أراد الله شيئا هيّأ له الأسباب، وإن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا.
استشارة النبي أصحابه في القتال
وقد كانت هذه الاستشارة بمثابة اختبار لإيمان المسلمين، وصلابة عقيدتهم، ومقدار استعدادهم للقتال والتضحية في سبيل الإسلام، وقد أسفر الامتحان عن نجاح باهر، ودلّلوا بحق على أنهم أهل لحمل الرسالة المحمدية والجهاد في سبيل تبليغها للناس كافة.
(1) ذفران: بفتح الذال المعجمة وكسر الفاء: واد قرب وادي الصفراء.
(2)
سورة الأنفال: الايتان 7، 8. والمراد بالطائفتين: العير أو النفير يعني الجيش. ومعنى الشوكة: السلاح. فغير ذات الشوكة هي العير. وقد صار مثلا أن يقال: فلان لا في العير ولا في النفير لمن لا خطر له ولا يؤبه به.
استشار النبي أصحابه في القتال، فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن الكلام، وقام الفاروق عمر فقال وأحسن الكلام، ثم قام المقداد بن الأسود «1» فقال:(يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون- وفي رواية البخاري في صحيحه: «ولكن نقاتل عن يمينك، وعن شمالك، وبين يديك وخلفك» - فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد «2» لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه) ، فقال له رسول الله خيرا ودعا له.
ثم قال رسول الله: «أشيروا عليّ أيها الناس» ، وإنما يريد الأنصار لأنهم لما بايعوه ليلة العقبة بايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أبناءهم ونساءهم ما دام بين أظهرهم، ولم تكن المبايعة على قتال خارج المدينة، وإنها لمشورة حقة ممن كان أصدق الناس بالوعود، وأوفاهم بالعهود، وأبعدهم عن التوريط والخداع، وقد فطن لهذا السيد الجليل سعد بن معاذ فقال:(والله لكأنك تريدنا يا رسول الله) ؟ قال «أجل» فقال: (لقد امنا بك وصدّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامض لما أردت فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن نلقى عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب. صدق «3» عند اللقاء. لعل الله يريك ما تقر به عينك، فسر على بركة الله) فسرّ الرسول وأشرق وجهه، ثم بشّر القوم بالنصر قائلا: «سيروا
(1) هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي، كان أبوه ترك بلاد قومه إلى حضرموت، وهنالك تزوج وولد لهم المقداد، فلما كبر المقداد تلاحى هو ورجل اخر، فضربه بالسيف وهرب إلى مكة، فحالف الأسود بن عبد يغوث الزهري، فتبنّى المقداد، فكان يعرف به، فلما أبطل الإسلام ذلك كان يقال له: المقداد بين عمرو، ولكن بقيت شهرته ابن الأسود.
(2)
برك: بفتح الباء، الغماد بكسر الغين موضع على خمس ليال من مكة في طريق اليمن.
(3)
صبر: بضم الصاد والباء جمع صبور، صدق: بضم الصاد والدال جمع صدوق.