الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تزوج رسول الله بزينب بنت خزيمة
وفي شهر رمضان من هذه السنة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله، ينتهي نسبها إلى هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية، وهي التي يقال لها أم المساكين، لكثرة صدقاتها عليهم، وبرها إياهم، وإحسانها إليهم، وكانت قبله عند الطفيل بن الحارث بن المطلب، ثم خلف عليها أخوه عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف أحد شهداء بدر، وقيل كانت تحت عبد الله بن جحش فقتل عنها يوم أحد، وهذا يرجح أن زواج النبي بها في السنة الرابعة لا في السنة الثالثة كما زعم بعض كتاب السيرة «1» ، إذ أن عدتها على الرأي الأخير لا تنتهي إلا في اخر صفر من السنة الرابعة. قال ابن عبد البر:
ولا خلاف أنها ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل لم تلبث عنده إلا شهرين أو ثلاثة، ثم توفيت رضي الله عنها، وقد أصدقها رسول الله أربعمائة درهم.
وقد ظهر مما ذكرنا الحكمة في زواج رسول الله بها، وأن ذلك كان تكريما للتضحية والاستشهاد في شخص زوجها الذي مات عنها، سواء أكان ذلك عبد الله بن جحش أو عبيدة بن الحارث، فكلاهما ممن أسلم وهاجر وسبق إلى الشهادة، هذا إلى ما كانت تمتاز به من حب المساكين والبر بهم.
فما أجدرها أن تكون في كفالة النبي وأن تحظى بزواجه منها بهذا الشرف الرفيع في الدنيا والاخرة، ولم نر أحدا ذكر أنها كانت ذات جمال أو شباب، بل الظاهر أنها كانت مسنة وكغيرها من النساء في الجمال، مما يؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها لما ذكرنا من المعاني الشريفة، وهذا يرد أي تقوّل على النبي في هذا الزواج.
تزوج النبي بأم سلمة
وفي شوال من هذه السنة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيدة أم سلمة، واسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية القرشية، وكانت قبل النبي عند الصحابي
(1) هو الشيخ الخضري- رحمه الله في «نور اليقين» ص 143.
الجليل ابن عمها وأبي أولادها أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي «1» الذي توفي في جمادى الأولى من نفس العام، وقد أنجبت منه سلمة وعمر وزينب ورقية، فلما انقضت عدّتها وحلّت خطبها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال من هذا العام، فأرسل إليها عمر بن الخطاب فاعتذرت بأنها امرأة غيرى وأنها ذات عيال، فلم يجد رسول الله بدا من أن يذهب إليها بنفسه.
روى الإمام أحمد في مسنده عنها قالت: أتاني أبو سلمة يوما من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا سررت به، قال:
«لا يصيب أحدا من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته ثم يقول: اللهم اجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها، إلا اجره الله، وأخلف له خيرا منها» ، قالت أم سلمة: فحفظت ذلك منه، فلما توفي أبو سلمة استرجعت، وقلت:
اللهمّ اجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها، ثم رجعت إلى نفسي فقلت:
من أين لي خير من أبي سلمة؟!.
فلما انقضت عدّتي استأذن عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدبغ إهابا لي، فغسلت يدي من القرظ وأذنت له، فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف فقعد عليها، فخطبني إلى نفسه، فلما فرغ من مقالته قلت: يا رسول الله ما بي ألاتكون بك الرغبة، ولكني امرأة بي غيرة شديدة، فأخاف أن ترى مني شيئا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلت في السن، وأنا ذات عيال، فقال:
«أما ما ذكرت من الغيرة فسيذهبها الله عنك- يعني بسبب دعائه لها كما في رواية أخرى- وأما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك، وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي» ، فقالت: قد سلّمت لرسول الله، فقالت أم سلمة: فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) أبو سلمة: هو عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وهي هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، فهما يلتقيان في الجد الثاني، واسم أبيها حذيفة، وقيل سهيل، وكان يسمّى:«بزاد الراكب» لجوده، كان إذا سافر لا يترك أحدا يرافقه ومعه زاد، بل يكفي رفقاءه من زاد مهما بلغوا.