الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسلام إلا لون من ألوان التربية، والبر، والإحسان، وقد رأيت كيف أكرم النبي جويرية بنت الحارث المصطلقية، وسترى كيف عامل صفية بنت حييّ النضرية، وريحانة اليهودية القرظية، ومارية القبطية المصرية.
الحكمة في تعدد زوجاته عليه الصلاة والسلام
ولو أن هؤلاء الطاعنين بحثوا بحثا مجردا عن الهوى والتعصب في أسرار تعداده صلوات الله وسلامه عليه لأزواجه لكبّروا إعجابا لنبل المشاعر الإنسانية عند الرسول، ولكنه الهوى يعمي ويصمّ، فلم يكن زواج رسول الله بزوجاته إلا لحكم عالية ومقاصد سامية، وهناك حكم عامة وحكم خاصة.
الحكم العامة
1-
إن نبينا محمدا صلوات الله وسلامه عليه هو خاتم الأنبياء والرسل، ودينه خاتم الأديان، وشريعته عامة لكل البشر في كل زمان ومكان، وكان حريصا غاية الحرص على أن تبلغ عقائد هذا الدين وشرائعه، وادابه، وأخلاقه إلى جميع البشر، رجالا ونساء، وكبارا وصغارا، وقد كانت زوجاته خير معوان له على تحقيق هذا الواجب الذي هو من أهم واجبات الرسالة، وهو التبليغ، ولا سيما فيما يتعلق بحياة النبي صلى الله عليه وسلم الزوجية والبيتية، مما هو مناط التشريع، ولا يعتبر من أسرار الحياة الزوجية، وطبيعي أنه لا يمكن أن يبلغ ما يتعلق بهذا إلا زوجاته صلى الله عليه وسلم، لأن أصحابه مع حرصهم على تبليغ كل ما يصدر عنه إلا أنهم ما كانوا ليطلعوا على حياته في بيته ومعاشرته أزواجه.
وقد كنّ رضي الله عنهن مصابيح هداية وإرشاد، ووسائل تبليغ في حياة النبي وبعد وفاته، ومن يطّلع على كتب الأحاديث والسنن يعلم إلى أي حدّ تحدثن وروين، وأفتين في مسائل مما يتعلق بالمباشرة الزوجية، والمضاجعة وادابها، والإكسال بعد الجماع، والاغتسال بعده أو عدم الاغتسال، والقبلة أثناء الصوم، وكيف يتمتاع الرجل بامرأته أثناء الحيض والنفاس من غير المباشرة المحرمة، إلى غير ذلك مما يجب على كل مسلم ومسلمة معرفته وإلا وقع في الإثم والحرج من حيث لا يدري.
والمرأة بحكم فطرتها وحيائها تركن إلى المرأة، وسؤالها في مثل هذا من غير تحرج أو استحياء، ولم يقتصر استفتاؤهن وسؤالهن عما يشكل وبخاصة فيما يتعلق بحياة النبي الزوجية على النساء، بل كان كبار الصحابة يرجعون إليهن في ذلك ولا سيما السيدة عائشة رضي الله عنها. روي عن مسروق أنه قال:(رأيت مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض) .
وروى أبو بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه قال: (ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أمر قط، فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علما) . وروى هشام بن عروة عن أبيه قال: (ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة) . وكذلك كانت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في العلم والفقه وإن تفاوتن في ذلك، ولم يبلغن مبلغ السيدة العاقلة العالمة المبرأة من فوق سبع سموات الصدّيقة بنت الصدّيق رضي الله عنها، ومنهن من عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ما يقرب من نصف قرن تنشر الهداية والعلم كالسيدة عائشة رضي الله عنها.
فقد توفيت سنة ثمان وخمسين للهجرة، والسيدة أم سلمة رضي الله عنها فقد توفيت سنة اثنتين وستين للهجرة، وهكذا نرى أن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم كان ضرورة دينية لا محيص عنها.
2-
إقامة الحجة على أنه صلى الله عليه وسلم نبي حقا، فقد توفي عن تسع نسوة، ومع ذلك فلم يشغله هذا التعدد عن القيام بتبليغ شريعة ربه ونشر دينه في حياته، حتى عم الجزيرة العربية كلها وما جاورها من أطراف الممالك الاخرى. وإن الإنسان المنصف ليعجب حقا من هذا؛ إن الواحد منا مهما بلغ من العقل وحسن الكياسة تكون عنده الزوجة فضلا عن الثنتين والثلاث والأربع ومع ذلك يكون في هم من شأنها وإرضائها، ويكون في حيرة من التوفيق بين القيام بحقوقها وحقوق بنيها والقيام بأمور معاشه ومعاده وما وكل إليه من المهام، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بين تسع في حياته وهن مختلفات السن والطبائع والأمزجة، ومع هذا فقد قام بأعباء الرسالة خير قيام، وإنها لبطولة حقا تستحق الإعجاب لا الغمز واللمز والاعتراض!!
أيضا فإن الواحد منا تكون عنده الزوجتان فيحار كيف يوفق بينهما، ويتعذر عليه الاستحواذ على رضائهما والعدل بينهما، وهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عنده تسع نسوة، فوفق بينهن واكتسبن رضاه، حتى كن يتسابقن في ذلك، وذلك بسبب سعة عقله صلى الله عليه وسلم، ورحابة صدره، وحسن خلقه، وبعد نظره، وعجيب سياسته، وكمال كياسته، ولست أغفل هنا أمرا مهما أعانه صلى الله عليه وسلم على كل هذا وهو أنهن رضي الله عنهن كن خيار نساء هذه الأمة دينا وخلقا وعلما وعملا، طلبا لمرضاة الله ورسوله حسبما أشار إليه الحق تبارك وتعالى في قوله:
يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً «1» .
ولعلك تعجب معي إذا علمت أن هذه الحياة الزوجية الطويلة مع هذا العدد الكثير لم يحص الرواة على كثرة تتبعهم لسيرة النبي عليه الصلاة والسلام واستقصائهم لأخباره وأخبار أهل بيته إلا حادثتين أو ثلاثا عكّرت من صفو هذه الحياة الزوجية المثالية، وسأعرض لها في اخر الكتاب تحت عنوان «النبي الزوج» .
3-
من الحكم العامة الوقوف على استواء سره وعلنه صلى الله عليه وسلم، وأنه في معاملته لأهله كمعاملته لصحبه، وأنه لا يحكم تصرفه في هذا إلا التدين الصادق، والخلق الكريم، ومراقبة الله في السر والعلن، إذ الشأن في النساء أن لا يحفظن سرا كيفما كان، فلو كان منه صلى الله عليه وسلم في السر ما يخالف العلن لعلمنه،
(1) سورة الأحزاب: الايات 32- 34.