الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل إن الحربة كانت للزبير بن العوام وهبها له النجاشي، ثم وهبها للنبي صلى الله عليه وسلم «1» .
الصوم والفطرة والعيد من روافد العدالة الاجتماعية في الإسلام
وبتشريع الصوم وزكاة الفطر والعيد خطّط الإسلام روافد ثلاثة من روافد البر والمواساة والتكافل الاجتماعي في الإسلام، فالصوم كما أراده الله ورسوله يربي في النفس صفات السخاء والبذل والعطاء، فالصائم إذا لذعه الجوع وعضّه بنابه أدرك بحسه ووجدانه ما يعانيه الفقراء والمساكين والمعوزون، فيجد نفسه مدفوعا إلى البر والمواساة عن اقتناع وشعور، هذا إلى ما ورد في فضل البر والإنفاق والجود في رمضان، وأن من فطّر صائما كان له مثل أجره، وهذا جانب من الجوانب الفسيحة في تشريع الصيام.
ثم تأتي زكاة الفطر فتكون بأدائها شاهدا من شواهد صدق المسلم في صيامه، ورافدا من روافد البر والتوسعة على الفقراء في هذا اليوم الكريم، وكثيرا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في يوم العيد:«أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم» ثم يأتي العيد، وهو موسم من مواسم الخير والتعاطف والتحابب، فيكون رافدا ثالثا، وقد كان من دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا صلّى العيد ذكر وأنذر، ورغب ورهب، فيتسابق في مضمار البذل والعطاء الرجال والنساء والصغار والكبار، وتمتد الأيدي إلى الأقراط والحلي فتلقي بها إلى بلال عن رضا وطيب خاطر.
روى البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى يوم الفطر ركعتين لم يصلّ قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة، فجعلن يلقين: تلقي المرأة خرصها، وسخابها» «2» .
(1) البداية والنهاية، ج 3 ص 256.
(2)
الخرص بضم الخاء: القرط. السخاب بكسر السين: القلادة.
تشريع الزكاة «1» في الإسلام
وفي السنة الثانية أيضا شرع الله الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام وكان ذلك بعد شهر رمضان، لأن تشريع الزكاة العامة كان بعد زكاة الفطر، وزكاة الفطر كانت بعد فرض صيام رمضان قطعا، يدل على هذا ما رواه الأئمة أحمد وابن خزيمة والنسائي وابن ماجه والحاكم من حديث قيس بن سعد بن عبادة قال:«أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، ثم نزلت فريضة الزكاة، فلم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله» قال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح «2» .
وجمهور العلماء سلفا وخلفا على أن مشروعية الزكاة إنما كانت بالمدينة في السنة الثانية، وقالوا: إن قوله تعالى في سورة الأنعام المكية: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ليس المراد به الزكاة المفروضة، وإن هذا شيء كانوا يعطونه عند الجذاذ ترضية للفقراء والمساكين من غير تقدير حد له، بل هو متروك لأريحية كل معط، فكان الواحد منهم يأتي بالقنون أو العذق فيضعه في جانب «3» المسجد، فيأتي الفقراء والمساكين فيأكلون منه، أو يعطي من حصاده ما تجود به نفسه من غير إلزام ولا تحديد بحد «4» .
وذهب بعض العلماء إلى أن فرضية الزكاة كانت بمكة بهذه الاية، ثم نزل تأكيد فرضيتها وبيان أنصبتها ومصارفها، ومقدار المخرج من كل نوع إلى غير ذلك من التفصيلات في المدينة.
(1) الزكاة في اللغة: النماء والتطهير، وفي الشرع: إعطاء جزء من النصاب الحولي إلى فقير ومسكين وغيرهما من المصارف غير هاشمي ولا مطّلبي، والمناسبة بين المعنيين ظاهرة لأن إخراجها سبب للنماء في المال أو الأجر، وأيضا فهي طهرة للنفس من رذيلة البخل، وطهرة للمجتمع من الأحقاد والمفاسد والمذاهب المنحرفة، وركنها الإخلاص، وشرطها: هو ملك النصاب الحولي، وشرط من تجب عليه: العقل والبلوغ والحرية، وبأدائها يسقط الواجب في الدنيا، ويحصل له الثواب في الاخرى.
(2)
فتح الباري، ج 3 ص 207.
(3)
مجمع الكناسة، وهي ما نسميها «السباطة» .
(4)
تفسير ابن كثير والبغوي، ج 3 ص 410؛ فتح الباري، ج 3 ص 211، ط. بولاق.
وأيّاما كان الأمر، فقد ثبتت فرضيتها بالقران والسنة والإجماع، وأجمع الصحابة على قتال مانعها. فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر، وكفر من كفر من العرب، قال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل حتى يقولوا:
لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله» فقال: والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا أو عقالا «1» كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها.
قال عمر: فو الله ما هو إلا أن رأيت قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق.
وإنما تجب الزكاة على المسلم المكلف إذا بلغ ما يملكه نصابا من أي نوع من الأنواع التي تجب فيها الزكاة، فنصاب الذهب أن يبلغ عشرين مثقالا «2» ونصاب الفضة أن تبلغ مائتي درهم «3» ، وما زاد منهما فبحسابه، وذلك بشرط حولان الحول، ونصاب الغنم أربعون شاة، ونصاب البقر والجاموس ثلاثون، ونصاب الإبل خمس، فمن ملك نصابا منها وحال عليه الحول وكانت سائمة وجب إخراج زكاته.
وعروض التجارة تقوّم بأحد النقدين، والزروع تجب فيها الزكاة على تفصيل بين الفقهاء في النصاب، وما يخرج منه وما لا يخرج، وما يسقى بالسيح أو ماء المطر وما يحتاج في سقيه إلى الة وتعب، وقد فصّلت ذلك كتب الأحاديث النبوية وكتب الفقه بما لا مزيد عليه.
وقد كان الشارع حكيما في تقدير الزكاة الواجبة من كل نوع، وجعل ذلك جزا من المال لا تضنّ به النفوس الشحيحة، لأن الله يعلم حب
(1) العناق: الأنثى من ولد الماعز. والعقال: ما تعقل به الإبل، أي لا يترك شيئا من الزكاة قط ولو قلّ.
(2)
وقدر ذلك باثني عشر جنيها ذهبا تقريبا.
(3)
وقدر ذلك بستة وعشرين ريالا فضة تقريبا.