الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زواج النبي بصفية بنت حييّ النضرية
هي السيدة صفية بنت حييّ بن أخطب من ذرية هارون بن عمران، ومن سبط لاوي بن يعقوب، ولما أجلى النبي يهود بني النضير من المدينة ذهب عامتهم إلى خيبر، وفيهم أبوها حييّ سيد بني النضير وبنو أبي الحقيق، وكانت صفية حينئذ دون البلوغ، فلما بلغت تزوجها سلّام بن مشكم، ثم خلفه عليها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وكان عنده كنز بني النضير، فجيء به إلى الرسول بعد هزيمة يهود خيبر، فسأله عن الكنز فجحده، فقال له النبي:
«أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك» ؟ قال: نعم، فأتى رسول الله رجل من اليهود فقال: يا رسول الله، إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة، فأمر الرسول بالخربة فحفرت، فأخرج منها بعض الكنز، ثم سأله عما بقي فأبى أن يؤديه، فدفعه رسول الله إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة الذي قتله اليهود في خيبر.
ولما فتح المسلمون القموص- حصن بني أبي الحقيق- كانت صفية في السبي، فأعطاها دحية الكلبي، فجاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قومها، وهي ما تصلح إلا لك، فاستحسن النبي ما أشار به الرجل، وقال لدحية:«خذ جارية من السبي غيرها» ثم أخذها رسول الله وأعتقها وجعل عتقها صداقها. وهكذا ردّ النبي إليها بصنيعه هذا اعتبارها، وحفظ لها شرفها وسيادتها.
وذكر ابن سعد عن الواقدي قال: لم يخرج النبي من خيبر حتى طهرت صفية من حيضها، فحملها وراءه، فلما صار إلى منزل على ستة أميال من خيبر
مال يريد أن يعرّس بها فأبت عليه، فوجد في نفسه، فلما كان بالصهباء نزل بها هناك فمشطتها أم سليم، وعطرتها، وزفتها إلى النبي وبنى بها، فسألها:
«ما حملك على الامتناع من النزول أولا» ؟ فقالت خشيت عليك من قرب اليهود، فعظمت في نفسه، ومكث رسول الله بالصهباء ثلاثة أيام، وأولم عليها ودعا المسلمين، وما كان فيها من لحم وإنما التمر والأقط والسمن، فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه، فلما ارتحل وطّأ لها خلفه ومدّ عليها الحجاب، فأيقنوا أنها إحدى أمهات المؤمنين.
وقد بلغ من إكرام النبي لها أنه كان يجلس عند بعيره فيضع ركبته لتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب، وقد بلغ من أدبها أنها كانت تأبى أن تضع رجلها على ركبته، فكانت تضع ركبتها على ركبته وتركب.
ولما كانت ليست بعربية ولا قرشية كان بعض نساء النبي يدللن عليها ويحاولن النيل منها، ولكن العادل المنصف، وناصر الضعفاء كان ينتصر لها، وينافح عنها، ويلقنها كيف ترد عليهن، فقد بلغ النبيّ أن عائشة وحفصة نالتا منها، فقال لها:«ألا قلت: وكيف تكونان خيرا مني وزوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى» رواه الترمذي، بل بلغ من انتصار النبي لها أن هجر زينب بنت جحش مدة لنيلها منها، ووصفها لها باليهودية «1» .
فلا عجب أن كانت تحب رسول الله حبا جما، وشديدة الوفاء والإخلاص له، ففي مرض موته اجتمع نساؤه حوله، فقالت صفية: يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي، فغمزن ببصرهن، فقال:«مضمضن» فقلن: من أي شيء؟
فقال: «من تغامزكن بها، والله إنها لصادقة» .
وقد روت عن النبي الأحاديث، وروي عنها، وكانت صفية عاقلة حليمة صادقة، يروى أن جارية لها أتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: إن صفية تحب السبت، وتصل اليهود، فبعث إليها فسألها عن ذلك، فقالت: أما السبت فإني لم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحما،
(1) رواه ابن سعد.